استكمالاً للحديث السابق عن حق المتهم فى محاكمة سريعة وهو ما يتصل بالعدالة الناجزة التى تستهدف وضع نهاية سريعة للمحاكمات دون إخلال بالضمان التى تقتضيها العدالة وكفالة حق الدفاع وما يتصل بذلك بمبدأ تعدد درجات التقاضى والذى يجرى عليه نظام المحاكمات الجنائية بما تنظمه نصوص قانون الاجراءات الجنائية وقانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض. وقد أوردنا في الحديث السابق رأينا فى ضرورة إلغاء الأحكام الغيابية من محكمة الجنايات كما أوردنا ضرورة عودة قاضى الإحالة تيسيراً وتحقيقاً لأوجه الدفوع والدفاع من المتهم ودفاعه ولسرعة الفصل فى الدعوى. واستكمالاً وتحقيقاً لهذا الهدف فإن النظام الاجرائى الذى تجرى عليه المحاكمات الجنائية فى جناية أمام محكمة الجنايات حسبما تنظمه نصوص قانون الاجراءات الجنائية ونصوص القانون رقم «57» لسنة 1959 والمعدل بالقانون رقم «74» لسنة2007 الخاص بحالات واجراءات الطعن بالنقض فإن الحكم الحضورى الصادر من محكمة الجنايات يكون من حق خصوم الدعوى الجنائية وعلى وجه الخصوص المحكوم عليه أو النيابة العامة أن تطعن فى الحكم خلال ستين يوماً من تاريخ صدوره بتقرير معد لذلك وبأسباب للطعن تبين أوجه العوار الذى أصاب الحكم المطعون فيه. ولما كان نطاق اختصاص محكمة النقض قد اتسع اما بموجب تشريعات أو بموجب مبادئ أصدرتها ليشمل العديد من القضايا التى كانت تخرج عن نطاق اختصاصها وكانت وسيلة الطعن عليها التظلم امام مكتب شئون أمن الدولة ومنها على سبيل المثال قضايا القتل بسلاح نارى والرشوة وقضايا العدوان على المال العام وقضايا جلب والاتجار في المواد المخدرة والتى أضحت منذ منتصف الثمانينيات تدخل فى نطاق اختصاص محكمة النقض ولذلك تعالت الأصوات الحكيمة التى استشرفت المستقبل ونادت بوجوب الالتفات الى هذا العبء الثقيل والكم الهائل من الطعون التى اتخمت بها محكمة النقض دون أن يواكب ذلك زيادة فى اعداد مستشاريها أو دوائرها بما سوف يحدث في المستقبل تراكماً فى الطعون استتبع التأخر في الفصل فيها لسنوات طوال «وهو ما حدث بالفعل يظل المحكوم عليه رهن الحبس وتكون الطامة الكبرى الصادمة للعدالة فيما لوقضى ببراءته بعد ذلك» خاصة وان نظام اجراءات الطعن بالنقض أمام محكمة النقض مازال على درجتين.. بمعنى أنه عندما يطعن المحكوم عليه أو النيابة على الحكم ونظراً لكثرة الطعون فإن بعض القضايا ومن واقع عملى يتحدد جلسة لنظره أمام محكمة النقض فى مدد قد تصل الىأربع أو خمس سنوات وفى هذه الحالة اذا ما قبلت محكمة النقض الطعن بالنقض موضوعاً تحيله مرة أخرى لمحاكمته مجدداً أمام دائرة جنايات غير التى أصدرت الحكم ويكون لهذه الدائرة الجديدة وللمتهم دفاعه ولخصوم الدعوى الجنائية سواء النيابة العامة أو المسئول عن الحقوق المدنية أو المدعى بها كافة الحقوق التى كانت له فى المحاكمة السابقة بمعنى أننا نكون أمام محكمة جديدة من حق المتهم ودفاعه أن يقدما ما شاء من أوجه دفوع أو دفاع. وبعد طول مدة المحاكمة أمام المحكمة الجديدة والتى قد تمتد بدورها لسنوات يصدر الحكم ويكون من حق خصوم الدعوى الجنائية ومنهم المتهم «المحكوم عليه» والنيابة العامة الطعن للمرة الثانية على هذا الحكم أمام محكمة النقض بذات الإجراءات السالف بيانها والتى تتبع فى النقض للمرة الأولى. وفى هذه الحالة فإن ما حدث في المرة الأولى يتجدد حدوثه فى الطعن للمرة الثانية إذ قد يستغرق لتحديد جلسة لنظره مدة قد تجاوز أربع سنوات فإذا ما نظرت محكمة النقض الطعن للمرة الثانية وقبلته حددت جلسة أمامها لنظر الموضوع. ووفقاً للنصوص الاجرائية المنظمة لنظر الدعوى موضوعاً أمام محكمة النقض تتحول محكمة النقض الى محكمة موضوع يتبع امامها الاجراءات التى تتبع أمام محكمة الجنايات عند نظر الدعوى وقد يستغرق تحقيق دفاع المتهم فترة من الزمن جاوزت السنتين فىبعض القضايا حيث تصدر محكمة النقض حكماً باتاً غير قابل للطعن عليه بأى طريق من طرق الطعن العادية وقد يكون الحكم وهو ما حدث فعلاً وواقعاً فى بعض القضايا ومنها المحكوم فيها بالاعدام بالبراءة بعد عذاب مقيم تعرض له المتهم هو وأسرته، وذووه بلغ عملياً فى بعض القضايا عشر سنوات. ومن هذه الأمثلة الصارخة استفزازاً لضمير العدالة والتى تجافى أصول المحاكمات الجنائية وكلها متعلقة بالنظام العام لما تصبو اليه فى المقام الأول من تحقيق العدالة الناجزة التى هى هدف أى تشريع عقابى أو إجرائى. وللحديث بقية إن شاء الله فى النظام المقترح باستئناف الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات. سكرتير عام حزب الوفد