تعددت فى الآونة الأخيرة حوادث انهيار العقارات المخالفة، التي ينتهي بها الحال لسقوطها على رؤوس قاطنيها، فبرغم حداثة الإنشاءات، إلا أن المصير واحد والنهاية مأساوية بامتياز.. تلك الكارثة التي تهدد حياة مئات المواطنين باتت بمثابة كابوس مفزع يؤرق الحكومة التي تركت الأزمة حتى «استفحلت»، ووصل حجم المباني المخالفة إلى 600 ألف مبنى، في ظل غياب الرقابة القانونية، فلا تمر أسابيع قليلة إلا ونستيقظ على خبر سقوط عقار جديد.. هذا المصير المأساوى، الذى شهدته العقارات المنهارة ينتظر العديد من المبانى المخالفة، ورغم ما يبذله المسئولون من جهود لإزالتها، إلا أن المشكلة فاقت كل الحدود. رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة ومؤكدة على حجم مخالفات البناء، إلا أن الأرقام تشير إلي أنها وصلت لنحو 600 ألف مخالفة، كما بلغ عدد الوحدات غير المرخصة نحو 7 ملايين وحدة، وعدد الوحدات التي تم ترخيصها لنحو 19 مليوناً و646 ألفاً، و512 وحدة، بينما وصل عدد العقارات الآيلة للسقوط إلى 60 ألف عقار. وكان محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى السعيد، أكد مؤخراً أنه تم إزالة أكثر من 134 عقاراً مخالفاً منذ بداية عام 2014، من بينها 105 عقارات خلف المحكمة الدستورية، فضلاً عن إزالة نحو 5 عقارات بحدائق القبة، و19 عقاراً بالمطرية و5 عقارات فى عين شمس. وقال محافظ الجيزة الدكتور على عبدالرحمن إنه تم تنفيذ 64 قرار إزالة للأدوار المخالفة بالمحافظة. كما تصدرت محافظة الإسكندرية قائمة المحافظات المخالفة باستحواذها على 27 ألف عقار مخالف، وعلى الرغم مما أجرى من تعديلات على قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، والصادر فى 11 مايو 2008، والذى يهدف لمعالجة العديد من السلبيات وتفشى الفساد في المحليات الذي أدى لتركم العشوائيات، إلا أن القانون مازال يحتاج لتفعيل. محمد الحلو، مدير الوحدة القانونية بمركز حقوق السكن سابقاً، يحمل الحكومة مسئولية بناء العقارات المخالفة، ويقول: الحكومة دائماً تتحرك بعد وقف الكارثة، فمع الأسف استغل الكثير من الناس حالة الفوضى التي أعقبت ثورة يناير، وقاموا بتشييد العديد من المبانى المخالفة، وأغلبها غير مطابق للمواصفات، ولم تهتم الأجهزة المعنية في السنوات الماضية بإزالة تلك المخالفات لعدم وجود إشراف دورى ومتابعة لتحرير المحاضر للمخالفين، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، مما أدى لاستغلال الكثيرين لهذا الأمر، ورغم وجود العديد من التشريعات التي تحد من هذه الظاهرة، مثل قانون البناء الموحد، إلا أن القانون لم يفعل بجدية، ومن ناحية أخرى نجد أن هناك صعوبة في حصر المباني المخالفة، فلا توجد أرقام مؤكدة عن حجمها، لذا لابد من قيام الجهات المسئولة بحصر المباني المخالفة، وتصنيفها، حتي يتم التعامل معها، فالبعض يمكن التصالح فيه، والبعض الآخر من المستحيل التجاوز عنه، فهناك من استغل الأمر ولم يتبع القواعد والاشتراطات الإنشائية، مما يعرض حياة السكان للخطر، وهنا يجب على الدولة أن تطبق عليه القانون بكل حسم، بينما قام آخرون بالتعلية دور أو اثنين فقط، دون أن يشكل ذلك أية خطورة على حياة السكان، لكن في النهاية لابد أن يتم تطبيق القانون ليتم ردع المخالفين. من جانبه يرى الدكتور محمد سامح، أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، أن لدينا قوانين جيدة لتنظيم عمليات البناء، إلا أن فساد المحليات وانتشار الرشوة هما السبب الرئيسى في زيادة مخالفات البناء في الآونة الأخيرة، كما أن مسئولى الأحياء لا يقومون بدورهم كما ينبغى سواء في المتابعة أو الإشراف، فأصبح المخالفون يزدادون طمعاً، وفساد المحليات موجود منذ سنوات طويلة، ولم تهتم به الحكومة، فأصبح هؤلاء يبثون روح المخالفة للتربح من ورائها، فالمخالف لن يقوم بتعلية أدوار العقار إلا بعد إيحاء من مشرفى المحليات، ومن هنا شجع الفساد الأخلاقى المخالفين علي الاستمرار، ومن ناحية أخرى نجد أن المخالف يستمر على نفس النهج لإدخال المرافق، وقد ازدادت وتيرة هذه التجاوزات خاصة بعد ثورة 25 يناير، حيث استغل الكثيرون حالة الفوضى، والانفلات الأمني في البلاد، وقاموا ببناء العقارات المخالفة حتي وصل عدد ما لدينا من عقارات مخالفة لأكثر من 600 ألف عقار، وأصبح من الصعب علي المسئولين إزالة هذا العدد الهائل، ورغم ما يتم إزالته الآن من عقارات مخالفة، إلا أن مجهوداتهم مازالت بسيطة، ولن يتمكنوا من إزالة جميع المخالفات، ويري الدكتور محمد سامح أن الحل يكمن في تفعيل القانون، ووقف المخالفات في بدايتها، فالمسئولون لابد أن يقوموا بواجبهم في المتابعة الدورية لتلك العقارات، فلا يجب أن تترك حتي تكتمل ثم يصدر قرار بإزالتها، فعقاب المخالفين يجب أن يبدأ منذ وضع صاحب العقار الأساسات، وعلي المواطنين التأكد من وجود تراخيص للعقار، حتي لا يقعوا ضحايا لمعدومى الضمير، فالمخالفات تزيد من حجم العشوائيات في مصر، مما ينذر بكارثة خطيرة، وعلي الحكومة أن تهتم بإسكان محدودى الدخل وتوفر لهم وحدات بأسعار مناسبة بدلاً من ترك الأمر للشركات الاستثمارية التي تتلاعب بأحلام البسطاء. المهندس الاستشارى حسن مصطفى شعبان يؤكد علي وجود العديد من التشريعات التي تحد من ظاهرة البناء المخالف، لكن الأزمة هي عدم وجود أجهزة رقابة لديها سلطات كافية للسيطرة على الأمر، لذا انتشرت في الآونة الأخيرة فوضى البناء المخالف، وأصبحنا نترك الأمر حتي يتفاقم ثم نبدأ في التعامل معه، لذا لابد من اتخاذ إجراءات رادعة مع منح الإدارات المحلية الإمكانيات التي تمكنها من ذلك من خلال إمدادها بقوات الشرطة والمعدات الثقيلة، لأن القانون يحتاج لقوة ناجزة لتطبيقه، فالاستمرار في بناء العقارات المخالفة يعرض حياة المواطنين للخطر، نظراً لعدم التزام أصحابها بالاشتراطات البنائية السليمة، فضلاً عما ينتج عن ذلك من زيادة رقعة العشوائيات، فتصبح الحكومة تحارب في جبهتين هما المخالفات والعشوائيات. ومن ناحية أخرى نجد أن إزالة أى عقار يكلف الدولة آلاف الجنيهات، ومن هنا يجب تفعيل الرقابة الغائبة، والعمل على حل الأزمة قبل وقوعها، فنحن نعيش في «غيبوبة» وسوف يستمر الأمر كما هو مادامت الأزمة قائمة.