كانت القوات المسلحة قد أصدرت عدة بيانات بدأت بالمطالبة بضبط النفس وصولا الى إعطاء الجميع بمن فيهم مؤسسة الرئاسة مهلة للخروج بالبلاد من الموقف العصيب الذي تمر به لكن بعد نزول الجماهير يوم الاحد 30 يونية انطلقت الثورة بشكل جعل احد المذيعين في التليفزيون الرسمي يطلق على احداث ال30 من يونية (ثورة) الأمر الذي جعل الوزير يثور ويطلب وقف المذيع وتحويله للتحقيق فورا ولكن تسارع الاحداث جعلت كلامه يطير في الهواء خاصة عندما اعلن اتحاد الاذاعة والتليفزيون موقفه من الثورة. في يوم 3 يوليو لم أتحدث الى الوزير ولكن كانت كل الاتصالات تتم عبر رئيس الاتحاد وقد ساعدني ذلك على إدارة التغطية بهدوء بعيدا عن اي ضغوط وتعطي الفرصة للفريق المعاون ومن تحت رئاستهم العمل وفق ما يمليه عليهم ضميرهم المهني وكان متوقعا أن يصدر بيان عن القوات المسلحة في الساعة الرابعة ولكن الوقت كان يمر والشوارع والميادين تمتلئ بالجماهير وأغلق مبنى ماسبيرو ابوابه وأحكمت السيطرة الأمنية عليه وغادر الوزير المبنى للمرة الاخيرة عصر هذا اليوم ربما بتعليمات من مكتب الارشاد الذي كان يسيطر أيضا على كل الموجودين بقصر الاتحادية بمن فيهم الرئيس. وتوجهت الى مكتب رئيس الاتحاد لادارة الموقف في اطار ما يشبه القيادة الجماعية ومرت الدقائق ساعات ونحن في انتظار اللحظة الحاسمة إما بالنقل على الهواء لإذاعة بيان الجيش او وصول البيان مسجلا وساد الجميع قلق ما كلما تأخر وصول البيان لاسيما وأننا دخلنا الى ساعات المساء وكانت غرفة الأخبار تجهز نشرة التاسعة وهي النشرة الرئيسية بالقناة الاولى بالتليفزيون وفي الساعة الثامنة مساء وصل اول اتصال من ادارة الشؤون المعنوية مفاده أن شريطا يتحرك نحو مبنى ماسبيرو برفقة احد القادة في القوات المسلحة. وكنت أتابع من مكتب رئيس الاتحاد التحرك لحظة بلحظة بينما الفريق المعاون وفرق العمل على اهبة الاستعداد سواء في صالة تحرير الاخبار او استديوهات الهواء فيما توقعت وصول الشريط إما قبل نشرة التاسعة او أثنائها وفي كل الاحوال اتفقنا على انه بمجرد وصول الشريط تضم كل القنوات المرئية والشبكات الاذاعية على استديو 11 الخاص بالاخبار بإشارة معينة وهي اذاعة اغنية مصر تتحدث عن نفسها بعدها يتوحد ارسال الاذاعة والتليفزيون. وفي الساعة الثامنة و50 دقيقة مساء وصل الشريط وانتقلنا الى الاستديو وفي الساعة التاسعة حبسنا الانفاس حتى سمعنا صوت أم كلثوم يشدو ويتوحد الارسال وتسلم مذيع الاستديو مقدمة الخبر ليقدم الخبر الذي ينتظره الملايين وتضم كل القنوات الفضائية في مصر والعالم العربي على التليفزيون الرسمي فيما نقلت الخبر العاجل وكالات الانباء وكثير من المحطات الاخبارية العالمية . وبدأ الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة يلقي البيان في مؤتمر حضره رموز الأمة السياسية والدينية ويعلن استجابة لإرادة جماهير الشعب المصري فقد تقرر سقوط نظام الاخوان وعزل محمد مرسي وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم حتى اجراء انتخابات رئاسية وحدد البيان خارطة للمستقبل من عدة نقاط تبدأ بإعداد دستور جديد يتم الاستفتاء عليه ثم تتوالى بعد ذلك بقية الاستحقاقات. ولم يتمالك الجميع انفسهم وسالت دموع الفرحة بنجاح الثورة وتعانقوا في لحظة تاريخية اعتبرتها الإنجاز الأهم في حياتي المهنية على مدار اكثر من 38 عاما ولا شك أن الساعات الحاسمة التي عشناها بكل مشاعرنا وقوانا يوم 3 يولية عام 2013 كانت أمرا طبيعيا لانقاذ البلاد من حكم «فاشي» كاد ان يلقيها في هاوية التخلف والضلال. وعندما غادرت المبنى في الساعات الاولى من فجر يوم الرابع من يوليو شعرت بأنني أتنفس هواء مختلفا عن ذي قبل وسرت بين الآلاف الذين تجمعوا على نيل ماسبيرو وقد عادت البسمة لوجوههم وعلا علم مصر في كل مكان مؤكدا أنه لا يصح إلا الصحيح!