وزير الأوقاف يخوض حرباً شرسة لا تقل ضراوة عن الحرب بالسلاح التي تخوضها القوات المسلحة ورجال الشرطة ضد الإرهاب. بل إنني أريالحربالتي يخوضها وزير الأوقاف أصعب من محاربة الإرهاب بالسلاح، فوزير الأوقاف يتصدي لمراكز تفريخ الإرهاب والبيئة الحاضنة للتطرف والتعصب والتخلف، ومثل هذه الحرب تجري في بيئة لا تتحمس لمنطق وزير الأوقاف، بل لا أغالي اذا قلت إن هذه البيئة تميل إلي التعاطف مع قوي التخلف التي يصارعها وزير الأوقاف. المجموعات التي حملت السلاح ورفعت صيحات الحرب المقدسة ضد الشعوب تحت راية الجهاد، هذه الجماعات لم تتشكل فجأة، ولم تتجمع لمجرد أن سمعت منادياً يناديها «حي علي الجهاد»، لكنها نمت وتكاثرت خلال سنوات قامت خلالها قوي كثيرة محلية وإقليمية وعالمية، بوضع المخططات وضخ الأموال واختيار القيادات المهيأة للإشراف علي مواقع تفريخ التعصب. مراكز تفريخ التعصب في مصر كانت البدايات المبكرة بعد صدمة الهزيمة القاسية عام 1967، يومها زلزت الهزيمة نفوس المصريين، وتعالت أصوات تؤكد أن هذه الهزيمة هي العقاب الرباني للشعب المصري، لأنه حسب هذه الأصوات ابتعد عن طريق الله، وأن العودة إلي الله والالتزام بتعاليم الإسلام كما يفسرها ويحددها أصحاب هذه الأصوات، هذه العودة إلي الله هي الطريق الوحيد للانتصار. وكانت الجماهير العريضة من الشعب المصري مهيأة لتقبل هذا التفسير والاستجابة لهذه الدعوات المتصاعدة، والتي دعمتها وشجعتها قوي إقليمية وعالمية وفرت لها الإمكانيات المادية التي تمكنها من الانتشار في طول البلاد وعرضها. 1- أخرجت هذه القوي من أقبية عصور التخلف والظلام فتاوي تمثل قمة التخلف والتعصب، وتم طبع هذه الفتاوي في كتب كانت توزع مجاناً، أو تباع بأقل من 10٪ من تكلفتها، ولاقت هذه الكتب رواجاً خاصة في أوساط قطاعات واسعة من الشعب، والتي لم تنل حظاً معقولاً من الثقافة. 2- حدثت طفرة هائلة في بناء المساجد والزوايا ونشأت جماعات لجمع التبرعات واستغلال العواطف الدينية لجمع الملايين لبناء هذه المساجد. 3- اكتشفت مافيا مخالفات البناء أن تحويل جزء من أي مبني مخالف ليصبح «زاوية» للصلاة، يحصن المبني، ويغل يد السلطات المختصة عن التعرض لهذا البناء المخالف، خشية أن يتم اتهام السلطات بأنها «تهدم بيوت الله»! 4- هذا التوسع العشوائي في بناء المساجد والزوايا تطلب وجود «دعاة» يقومون بإلقاء خطبة الجمعة وإقامة الشعائر، وهنا كانت الجماعات الإسلامية جاهزة للدفع بكوادرها لتحتل المنابر في هذه المساجد والزوايا، وبدأت هذه المجموعات في نشر الأفكار المتطرفة والدعوة لكل ألوان التعصب. 5- رأت هذه المجموعات المتطرفة أن هذه المساجد والزوايا التي تغطي كل أنحاء البلاد، والموجودة بكثافة في المناطق الشعبية، هذه المساجد والزوايا تعتبر مواقع ممتازة لنشر أفكار هذه الجماعات بين الملايين المترددين علي هذه الأماكن للعبادة، ومن فوق منابر هذه المساجد والزوايا، انطلق بقوة دعوات التعصب والتطرف، ولم تكتف الجماعات بخطب الجمعة بل نظمت الدروس الدينية بكثافة للرجال والنساء، ونظمت دورات لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال. وهكذا تغلغلت هذه الجماعات في كل ركن من أركان المدن والقري. 6- ساهم في إقبال الجماهير علي هؤلاء «الدعاة» ما تعرض له الأزهر الشريف أيام حكم السادات ومبارك، وحرص نظام الحكم علي ضمان «ولاء» من يتولي مشيخة الأزهر للنظام، واستخدام مكانة شيخ الأزهر لتبرير تصرفات وقرارات فاسدة يتخذها نظام الحكم، هذا الوضع أفقد الأزهر الشريف مكانته الروحية وثقة الجماهير، وشاع إطلاق عبارة «شيوخ السلطة» علي علماء الأزهر الشريف. أمام تراجع دور الأزهر الشريف ازداد نفوذ من أطلق عليهم صفة «الدعاة»، من أعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة، وازدادت ثقة الجماهير في هؤلاء الدعاة، وقد تدعمت هذه الثقة عندما تم إطلاق الفضائيات الإسلامية التي جعلت من هؤلاء «نجوماً» تتعاطف معهم جماهير عريضة. التعصب أول مراحل الإرهاب في عهد الرئيس مرسي استقوت هذه الجماعات المتعصبة بسلطة الدولة، فمؤسسة الرئاسة لا تدع فرصة إلا انتهزتها للتأكيد علي دعم هذه الاتجاهات باعتبار هذه الجماعات هي «الحليف الطبيعي» للإخوان، ويكفي أن نسترجع مشاهد احتفالات الرئاسة بنصر أكتوبر، ونستعرض من تمت دعوتهم للاحتفالات، وفي نفس الاتجاه نري الاحتفال الذي أعلن فيه الدكتور مرسي وهو في موقع الرئاسة قطع العلاقات مع سوريا ودعوة الشباب للجهاد ضد النظام السوري! وهي دعوة صريحة لدعم قوي مسلحة كشفت الأيام مدي تطرفها ودمويتها. أما غض الطرف من جانب مؤسسة الرئاسة عن حشود الإرهاب التي حاصرت مدينة الإنتاج الإعلامي، فقد كانت الشاهد علي بسط مؤسسة الرئاسة في تلك الأيام ستارها علي هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية. وبعد عزل الدكتور مرسي كشفت هذه الجماعات عن الوجه الحقيقي لتوجهاتها، وعاني الشعب المصري من ألوان شتي من التطرف والتعصب والإرهاب وتوشحت كل هذه العمليات بوشاح زائف تنسبه إلي الإسلام. وكانت هذه المساجد والزوايا هي مراكز الانطلاق للجماعات التي حولت حياة الشعب المصري كله إلي جحيم من الاضطرابات العنيفة، وكادت تحول مصر إلي ساحة صراع دموي وقوده أبناء الشعب. وجاء قرار وزير الأوقاف الشجاع باستعادة هذه المواقع ليشرف عليها المؤهلون علمياً من أبناء الأزهر الشريف، وليكن هؤلاء هم أصحاب الكلمة علي المنابر، ليبشروا الجماهير بكل ما يمثله الإسلام الحنيف من تسامح ووسطية واستنارة. وأري أن كل مسلم غيور علي إسلامه مطالب بأن يدعم جهد وزير الأوقاف في هذا الاتجاه وأن يؤازره بكل قوة لتتحول هذه المواقع من بؤر لتفريخ التعصب وتغذية الإرهاب ونشره إلي مواقع لنشر سماحة الإسلام والدعوة لكل القيم النبيلة التي تمثل بحق جوهر الإسلام.