حتي وقت قريب كنا نطلق اسم عفاريت الأسفلت علي سائقي النقل والتريللات ثم الميكروباصات.. وكذلك سيارات الأجرة الاستيشن الشهيرة.. لأنهم كلهم ينهبون الطريق نهباً.. ويفرضون سطوتهم علي كل الطرق.. الآن ينافسهم في هذه التسمية سائقو الموتوسيكلات، المعروفون باسم الدليفري!! بل إن المصريين- لطرافتهم- يطلقون علي هذه الموتوسيكلات ما يرونه صحيحاً وهو تعبير أو مسمي: موتوا.. سيكل. أي عجل الموت. وهي كذلك بالفعل.. ** فقد انتشرت في السنوات الأخيرة- وبشدة- ظاهرة هذه الموتوسيكلات.. ليس فقط في المدن الكبيرة لمواجهة اختناقات المرور.. ولكن أيضا علي الطرق الزراعية وبين القري كوسيلة نقل.. تنافسها لعبة العصر: التوك.. توك!! ولا أحد يعرف بالضبط- ولا حتي مصلحة الجمارك- عدد الموتوسيكلات التي دخلت البلاد في الأعوام الثلاثة الأخيرة.. حتي صارت بلادنا بلاد السداح مداح. وكما تعرضنا للغزو الصيني من فوانيس رمضان إلي سجاد الصلاة.. ومن الثوم إلي الكمثري الصيني- تعرضنا لغزو هذه الموتوسيكلات. وسعرها أقل بكثير من سعر مثيلاتها الألماني والإيطالي.. بل والهندي والماليزي.. كما أن التجار يبيعونها بنظام التقسيط المريح وبدون مقدم أحياناً.. وبدون أن يحمل سائقها رخصة قيادة.. كما تفعل الدول المتحضرة.. ** وإذا كان الموتوسيكل- بعد الدراجات العادية- وسيلة انتقال الأفراد من المساكن إلي أماكن العمل في بلاد أخري.. فانها- في مصر- أصبحت وسيلة لكسب الرزق.. وزادت هذه الظاهرة بعد انتشار محلات، ونظام التوصيل للمنازل: من المطاعم الغالية إلي الفول والطعمية.. وحتي الأدوية والحلويات.. بل والبريد السريع والبرقيات.. وبالذات بعد أن زادت اختناقات المرور.. فأصبح الفرد منا يستسهل طلب أي شيء- حتي من البقال- بالتليفون لتصل إليه خلال دقائق.. مقابل مبلغ بسيط.. وكل هذا يصل إليك ساخنا من البيتزا التي لا أطيقها ومكرونة الفرن التي أكرهها.. إلي الآيس كريم مثلجاً.. وكله بفلوسه.. ولأن معظم هذه المحلات لا تدفع رواتب لهذه الموتوسيكلات.. وان دفع بعضها فمجرد مبالغ رمزية اعتماداً علي كرم الزبائن.. وكله بنصيبه.. لأن ذلك يحدث بالفعل فإن دخل هذا الموظف البسيط يعتمد علي سرعة توصيله لما معه للزبون. ولهذا فإن راكب هذا الموتوسيكل الدليفري يعتمد علي سرعته في التوصيل. ولذلك ينطلق بالموتوسيكل بين السيارات.. يتمايل يميناً ويساراً حسب وضع السيارات، فإن لم يجد مخرجاً، صعد إلي الرصيف ينطلق عليه، وبالذات فوق الكباري.. المهم أن يصل.. وكلما زاد عدد توصيلاته.. زاد دخله.. وكل واحد بشطارته.. ليعود إلي محله ليحمل طلباً جديداً.. ** والويل للراكب إن سقط من فوق الموتوسيكل وهو يحاول تخطي ما أمامه.. لأن السقطة نتائجها خطيرة.. ولذلك يطلق المصري علي هذه الوسيلة: موتوا.. سيكل. أي عجلة الموت. وإذا سقط فلا تأمين عليه، ولا علاج ويتم إحلال آخر بدلاً منه.. ويضيع مستقبل الشاب، يا عيني.. ومنهم خريجو جامعات ومعاهد عليا وطلبة كليات يبحثون عن لقمة رزق. وهم يعملون عليها دون تعيين.. فقط سعياً وراء لقمة سريعة، مهما كانت نتائجها عليه.. وإذا كان الموتوسيكل نفسه مشكلة.. فإن الصندوق المعدني المثبت خلف الموتوسيكل مشكلة أكبر لأن حجمه وعرضه أكبر من حجم وعرض الموتوسيكل نفسه وبالتالي فهو إن نجا.. فإنه يسبب أضراراً بالغة للسيارات التي يحتك بها.. والجدع من سائقي هذه السيارات هو من يحتج.. إذ سرعان ما تسمع هنا وهناك عبارات: يا حاج ربنا يعوض عليك.. أو يا حاج أنت تقبل «عوض»؟ أيوه. أقبل عوض وعوضين.. فمن يصلح ما أتلفه هذا الموتوسيكل.. هذا إن لحقت به، قبل أن يهرب بما فعل!! ** وكل ذلك بسبب غياب السلطة.. أي سلطة عن الشوارع وإذا كان رجال المرور يعلنون- بين فترة وأخري- ضبط عدد من الموتوسيكلات غير المرخصة فإن هذا الرقم كما في ضبطيات المخدرات والأسلحة المهربة لا يمثل إلا واحدًا بالمائة من الحقيقة المرة.. وهي الكميات التي تم تهريبها. هنا نشدد علي أهمية تقنين عملية استيراد الموتوسيكلات.. وتنظيم بيعها وترخيصها هي وأيضا من يشتريها حماية للناس.. ولأموالهم.. ويبدو أن هذا صعب المنال وسط غياب أمني كامل عن كل شيء الآن في بلادنا.. ويعني هي تيجي علي الموتوسيكلات!!