ركبت القطار رقم 989 المتجه من أسوان إلي القاهرة يوم 31 أكتوبر الماضي، وهو قطار أسباني مكيف، وأثناء جلوسي في العربة المصنفة علي أنها «درجة أولي» فوجئت بمجموعة من الصراصير تزحف علي الأرض وتعتلي المقاعد، وعندما مررت بالعربة المجاورة «درجة أولي أيضاً» لاحظت الشيء نفسه، الصراصير تمرح في القطار دون أن يعترض طريقها أحد. المشكلة ليست في أن تزاحم الصراصير الركاب دون حجز تذاكر، وإنما في اقتحامها أكياس الأطعمة، مما يجعل البشر معرضين للإصابة بالتسمم، والسبب صرصار، ولن يجد المصاب من ينقذه، لأن القطار يخلو من وحدة إسعاف أو علي الأقل طبيب ينجد من يتعرض لأزمة صحية، رغم أن رحلة القطار بين أسوانوالقاهرة لا تقل عن 14 ساعة. توجهت إلي عمال النظافة، وسألتهم عن وجود مبيد حشري معهم لإبادة الصراصير، فأخبروني أنه لا يوجد معهم مبيد وأنهم غير مسئولين عن انتشار الصراصير في العربات، وأثناء مرور رئيس القطار ومساعده أخبرتهما بشأن الصراصير وما أحدثته من قلق بين الركاب فما كان منهما إلا أن أشاحا بأيديهما وكأن الأمر لا يعنيهما، وأن كل ما يشغلهما هو استقلال البشر القطار بتذاكر الهيئة، أما الكائنات الأخري فمن حقها أن تستقل القطار وتفعل ما تشاء بالبشر دون أن يمنعها أحد أو يحول دون إيذائها الناس، رغم أنهم يدفعون مبلغا ليس بالقليل من أجل البحث عن الراحة في القطار المكيف الذي تستغرق رحلته وقتاً طويلاً يرهق الجسم. وإذا كان هذا يحدث في القطارات المكيفة، فما بالكم بالقطارات العادية التي يركبها أهالينا من بسطاء الناس الذين يعيشون حياة غير آدمية في هذه القطارات التي تخلو من أبسط الخدمات وتزدحم بالناس لتكون مثل علبة السردين ليس فيها مكان لموضع قدم بين فرد وآخر، وحتي دورات المياه في هذه الرحلة الطويلة تعد غير موجودة أصلاً. جاءت لجنة تفتيش إلي القطار فاستبشرت خيراً، شكوت إلي أحدهم من انتشار الصراصير في العربات، فابتسم وأخبرني أن هذا أصبح أمراً عادياً، وباغتني بسؤال كان مفاجأة لي: «هل رأيت فأراً في القطار؟!» فأجبته بالنفي متعجباً، فقال: «لست أمزح، هناك بالفعل فئران صغيرة تظهر في القطارات»، ووعدني بأدب أن يحاول رفع الموضوع لحل المشكلة، ولكن هل تسعي هيئة السكة الحديد إلي حل المشكلة واحترام آدمية المصريين؟!. لم تكن لجنة التفتيش تبحث عن المخالفات التي يرتكبها عمالها أو تقصيرهم في توفير خدمة ملائمة للمواطنين من ركاب القطار، وإنما كان كل همهم البحث عمن ركب القطار دون تذكرة، وهذا الأمر يختص بالبشر فقط. لم تهتم لجنة التفتيش بدورات المياه التي تخلو من المياه بعد ساعات قليلة، وتفتقر إلي النظافة رغم وجود عمال النظافة، ولم تشغل بالها برصد النوافذ المكسورة أو المكيفات المعطلة في العربات، ولم تنتبه إلي أن الركاب المساكين يحتاجون إلي وجود طبيب في القطار لإسعاف الحالات الطارئة وإنقاذ من يمكن أن يتعرض للوفاة إذا لم يجد النجدة السريعة في زنزانة تسير علي القضبان. ولم أجد في يوم من الأيام استبيانات توزع علي الركاب لمعرفة مدي رضاهم عن مستوي الخدمة في القطار، فالمهم أن تدفع لا أن تحصل علي خدمة كريمة. وفي النهاية، لا تنسوا أن هناك سائحين يستقلون هذا النوع من القطارات باعتباره أفضل أنواع القطارات لدينا، لكنهم لن يأتوا إلي بلدنا مرة أخري، لأن مشهد الصراصير لن يمحي من ذاكرتهم.