تحقيق: دينا توفيق / إشراف: نادية صبحي تبدأ الحياة الزوجية وحالة الحب المؤقتة توشك على الانتهاء، ثم يبدأ الصراع أمام الأطفال، حيث يصبحون الخاسرين الأوائل لعلاقة زوجية فاشلة، فهناك آلاف من الأطفال اعتادوا على مشاهدة والديهما في «حلبة المصارعة» يومياً، وكل منهما يحاول القضاء على الآخر.... وبعد انفصال الزوجين قد يسعى كل طرف الى الانتقام من الطرف الآخر دون النظر الى مصلحة الأطفال الذين وجدوا أنفسهم فجأة يفقدون البيت الآمن للحياة ويفقدون في نفس الوقت التربية الصحية التي تؤهلهم لمواجهة الحياة، فضلا عن انهم– وفي معظم الحالات– يفقدون احترامهم لأبويهم نتيجة ما يحيط بعملية الانفصال من مشاكل وتقولات من هذا الطرف أو ذاك، خاصة إذا كانت لديهم القدرة على إدراك ما يحيط بهم.... باختصار قد تهدم بكلمات بسيطة بيتك وتترك خلفك ضحايا لا ذنب لهم وبراءة تقوم بتشويهها... أطفال يفتقدون دفء الأسرة والجو العائلي... فإذا كان قد كتب عليهم العيش مع طرف دون الآخر فلنحاول على الأقل أن نجعل حياتهم هادئة خالية من المشاكل.... ونحن هنا ندق ناقوس الخطر من أجل مراعاة مشاعر هؤلاء الأطفال وتوفير حياة كريمة لهم حتى لا نفقدهم الى الأبد. فى البداية، يجب أن نشير الى أن الأب ليس فقط من ينجب، فالدم لا يجعلك دوماً أبا، إنما هو من يمد يديه ويساعد فى تربية الأطفال وقلبه ملىء بحبهم... فأى شخص يمكن أن ينجب طفلا لكن «الرجل» فقط هو من يتولى التربية... ولا يعنى الطلاق أن يتخلى الأب عن مسئوليته فى تربية أطفاله أو أن يكتفى فقط بالإنفاق عليهم وكأنه بذلك يؤدى واجبه على أكمل وجه. تحكى «جيهان»، أم لطفلتين، قصتها مع زوجها الذى كان مطلقاً ولديه ابن من الزيجة الأولى وبعد قصة حب قصيرة لم تدم طويلاً حدث الطلاق بينهما وترك زوجته الثانية ومعها طفلتان صغيرتان... فقد اعتاد الأب على الزواج وإنجاب الأطفال ثم الطلاق ليعيد الكرة مجدداً. وتضيف: وجدت نفسى فجأة أتولى بمفردى رعاية ابنتىّ وبالكاد ينفق أبوهما عليهما وذلك بعد ضغط شديد... وفى الوقت الذى كان يؤكد فيه أنه يمر بضائقة مالية كان مقبلاً على الزواج من جديد.... لقد حرم هذا الرجل نفسه من أن يكون أباً حقيقياً للبنتين... ونجح فى أن يهدم الحلم الذى يراود كل فتاة منهما فى أن يكون لها زوج فى المستقبل مثل أبيها.... ويكفى أن فى كل حفلات المدرسة، لا تجد الابنتان الأب الذى يقف بجانبهما مثل بقية التلاميذ... وتحاول تلك الأم جاهدة أن تعوض ابنتيها عن غياب أبيهما ولكن سيظل هناك دائماً جزء فارغ لا يمكن أن يملأه أحد غير الأب. انتقام الأم قد يمتد الانتقام من الزوج الى حرمان الجد والجدة من رؤية أحفادهما...وقد بلغت قسوة الأم فى تلك الحكاية الى حد حرمان أسرة الأب- بعد وفاته- من رؤية أحفادهم... وكان الأجداد يرون فى أحفادهم الصغار ما يعوضهم عن فقدان ابنهم... كانوا يشعرون بأن ابنهم الفقيد قريب منهم كلما رأوا أحفادهم... وبموجب قانون الرؤية أصبح الأجداد يرون أحفادهم فى النادى مرة كل أسبوع... لكن ليس من حقهم رؤيتهم فى الأعياد أو اصطحابهم الى منزلهم بل يرونهم مثل بقية الأغراب فى النادى... وتقول الجدة بصوت مخنوق وحزن شديد: اننا نتحمل كل مصروفات أحفادنا ولم نفكر أبداً فى التخلى عنهم لكن كل هذا لم يمنع والدتهم من أن تفتعل المشاكل حتى تمنعنا من رؤيتهم، فما ذنب الأطفال فى حرمانهم من عائلة أبيهم... والمؤسف أن أحفادنا لا يشعرون تجاهنا بأية مشاعر رغم حبنا الشديد لهم وذلك بسبب الأقاويل الكاذبة التى يسمعونها من والدتهم. كثير من الجحود قد يتجرد الأب من مشاعر الأبوة فيتسرب الجمود الى مشاعره فيصبح كالحجارة أو أشد منها قسوة. تحكى «ندى» والدة الطفل «آدم» البالغ من العمر 11 سنة، ويعيش والده خارج مصر ولا يراه الا فى المناسبات: لقد انفصلت عن زوجى منذ سنوات طويلة ورجعت الى مصر بطفلى الصغير، حيث التحق بمدرسة دولية، ولا يقوم والده سوى بإرسال جزء بسيط من مصروفات المدرسة وذلك بعد أن قمت برفع عدة قضايا حتى أتمكن من أخذ أبسط حقوقى... هذا مع العلم أن والده لديه– وكذلك أسرته- الامكانيات المادية التى تسمح لهم بالإنفاق جيداً على ابنى. وتضيف «ندى»: وبالرغم من هذا، إلا اننى حريصة على أن يقضى «آدم» بعض الأوقات مع أجداده حتى لا يشعر بأنه فى حالة عزلة... لكن أباه لا يكاد يشعر تجاهه بأى مشاعر أبوة خاصة أننا انفصلنا عندما كان طفلاً صغيراً. غياب الأب أما «داليا» فهى أم لثلاثة أطفال- مطلقة منذ 5 سنوات– وحكايتها مختلفة، فقد انفصلت عن زوجها لأنه أراد أن يتزوج بامرأة أخرى كانت تربطه بها قصة حب فى الماضى... لقد قرر أن يترك عمله ويسافر للخارج والزواج من تلك المرأة تاركاً وراءه 3 أطفال صغار (ولدا وبنتين) واقتصر دوره كأب على الانفاق عليهم وشراء كل احتياجاتهم ولا مانع من قضاء بعض الأوقات معهم فى فترة الإجازات. وتقول «داليا»: المؤسف أن أطفالى كانوا دائماً يتساءلون عن سبب غياب أبيهم ولماذا لا نجتمع سويا مثل بقية الأسر... والمحزن عندما أخذهم والدهم لقضاء فترة الإجازة معه ورأوا زوجة أبيهم، فقد شعر ابنى الأكبر والبالغ من العمر 10 سنوات بأن تلك السيدة تحتل مكانة والدته لذا كتم فى نفسه كرهه الشديد لها، أما الطفلتان فلم تستوعبا الأمر بعد... وأضافت «داليا»: كثيراً ما يفتقد أطفالى حضن أبيهم ويتمنون أن يكون متواجداً معهم فى المنزل بالرغم من أننى أحاول جاهدة أن أعوضهم عن غيابه. قانون الرؤية يؤكد المحامى خالد شهاب– مدير مركز الأبحاث والدراسات القانونية- ان قانون الرؤية الذى بموجبه يحصل الأب على الحكم برؤية أطفاله هو من أسوأ القوانين لأن حب الطفل لأبيه ينبع من رؤيته له وإذا كان الوقت المسموح به للرؤية قليلاً يقل الحب تدريجياً... كما أن القانون ابتعد عن تنظيم «الاستضافة» بسبب ما ينتج عنها من مشاكل، فالأب يتسلم الطفل فى يوم الخميس، على أن يرده الى أمه فى يوم الجمعة، واذا لم يلتزم الأب بذلك تقوم الأم برفع قضية.... إنها اذًا دائرة مفرغة يدور فيها كل من الأب والأم والضحية فى النهاية هو الطفل.... وقد يلجأ بعض الآباء الى خطف أطفالهم بسبب حرمانهم من رؤية أطفالهم، فقد يظل الأب لمدة 3 سنوات فى اجراءات التقاضى حتى يتمكن من رؤية أطفاله. وعندما يأخذ الأب حكماً قد تقوم الأم بإحضار شهادة مرضية مزورة لطفلها حتى تمنعه من تنفيذ حكم الرؤية.... وأضاف «شهاب»: أن هناك أبا رفع قضية الرؤية التى استغرقت سنة كاملة وعندما أخذ حكماً وذهب الى النادى من أجل التنفيذ منعته ادارة النادى بسبب انه ليس عضواً فاضطر الى رفع دعوى أخرى لتغيير مكان الرؤية فى أحد مراكز الشباب ثم فوجئ بعد ذلك بأن الأم حذرت طفلها من أن أباه سيقوم بخطفه، فأصبح الطفل كارهاً له... وفى النهاية هاجر الأب تاركاً طفله الذى كتب عليه الحرمان من أبيه، وطالب «شهاب» بأن يتم الفصل فى تلك الأمور الخاصة بالرؤية عن طريق قرار فى النيابة العامة لا يستغرق أكثر من أسبوع نظراً لبطء التقاضى وذلك من أجل مصلحة أطفالنا. العنف الأسرى يقول الدكتور هاشم بحرى– أستاذ علم النفس بجامعة الأزهر– إن الكثير من حالات العنف الأسري ضد الأطفال التي تواجهنا يكون الطفل ضحية لطلاق، وقد لا يمارس عليه عنف جسدي أو نفسي ولكن قد يستخدمه أحد الأبوين كورقة ضغط على الطرف الآخر، وليس مستغرباً أن يكون الأطفال هم ضحايا الطلاق في بلد تصل فيه حالات الطلاق الى حالة جديدة كل خمس دقائق. ويشدد الدكتور «هاشم» على ضرورة عدم حرمان الأطفال من رؤية أحد والديه بسبب الطلاق؛ لما له من تأثير سلبي على نفسيته، قائلاً: على الطرفين التحاور بهدوء وإعطاء معلومة للطفل أن الطلاق تم ليس لعيب في أحد الطرفين ولكن لمشاكل أخرى يفهمها عندما يكبر.... كما شدد على دور المؤسسات الحكومية والمدنية في توعية المجتمع لمثل هذه القضايا، كما أكد دكتور «هاشم» ضعف القانون الحالي لاعتماده على طرف واحد من الوالدين، قائلاً: «يتأثر الأطفال بعد الانفصال، وبتشتت الآباء يقاسي الأطفال مرارات عديدة، ولذلك يجب الاشتراك بين الطرفين في التربية لتربية أطفال أسوياء»