أسرة كفيفة تعاملت مع قسوة الزمن واضطهاد الجيران بكل حب وسماحة،لم توقفهم الإعاقة عن السير في طريق التقدم والنجاح، بل ثابروا على ابتلاء الله لهم بفقدانهم نعمة البصر وكافحوا من أجل الاستمرارية، فالأب رجل ثلاثيني يدعى سمير جابر والزوجة هبة محمود أحمد تعاهدوا منذ زواجهم أن يكافحوا معاً من أجل البقاء وخلق حياة كريمة لهم وسط الأسوياء والمبصرين. وبالنظر لحال تلك الأسرة من بعيد يخطر بذهنك أنها أسرة عادية لا تعانى من شيء كباقي البيوت المصرية متوسطة الحال، أما بالدخول خلسة بينها لا تجد كلمات تفي حقهم لنقول أنهم ينحتون بالصخر لسد احتياجات أطفالهم الذي لم يتعدوا ال5سنوات، فقرروا الخروج من داخل عالم الظلام الذي يعيشون فيه طوال الوقت وتأسيس مشروع صغير لهم يقومون من خلاله بتصميم الأدوات المنزلية من البلاستيك والخوص. ومن هنا قامت محررة "بوابة الوفد" بالذهاب لمعايشة تلك الأسرة الكفيفة ليوم واحد تنظر من خلاله على جزء بسيط من معاناتهم اليومية، علاوة على التعرف على مشروعهم الصغير لإنتاج الأدوات المنزلية من بلاستيك"البامبو" لكسب لقمة العيش لتربية أولادهم. تبدأ الحكاية بدخول شارع ال"7 بنات "بعزبة خيرا لله، وجوه غير مألوفة ونظرات مريبة، هكذا كان ينظر لنا سكان العزبة والذي يعمل أغلبهم في الحدادة والكهرباء والمقاهي البلدي المنتشرة بجانب الشارع، مسافة طويلة قطعناها لنتسأل عن عنوان قهوة "أمير" وهو المكان أو العلامة المميزة لعدم احتكاك أهل العزبة مع الغرباء وهو سؤالهم عن شخص بعينة كدليل أن الغريب ينزل شارع ال"7 بنات"، بقصد معين وهو الزيارة وليس التقصي عن شيء بالعزبة. الأسرة الكفيفة\ شقة صغيره مكونة من ثلاث غرف ضيقة ومطبخ وحمام، يسكنها رب المنزل سمير جابر 39 سنة وزوجته هبه أحمد وأطفاله الصغار فاطمة ومحمود، فالأب طوال اليوم يجلس على كرسي مستند بجانبه منضدة صغيرة يلتقط من أعلاها أدوات النجارة والتدبيس الخاصة بإنجاز عمله للأدوات المنزلية من "البامبو" وتتناثر حوله الأخشاب والخوص والبلاستيك ولعجزه لا يستطيع الجلوس بمكان مرتب فهو لا يقدر سوى السير على مسافة خطوات متقاربة يحفظها عن ظهر قلب حتى لا يصطدم بشيء ما، ويمكن إن يقضى أكثر من 16 ساعة في تدبيس البلاستيك، فليس لديه اي عمل أخر سواه، والزوجة الكفيفة تبذل قصار جهدها في الاستيقاظ المبكر كل صباح لتحضير الأطفال للذهاب للحضانة بحرص شديد على أن تكون ثيابهم لائقة ونظيفة لعدم شعورهم بالاختلاف عن ذويهم من المبصرين. الزوج الصبور "أخواتي طردوني من البيت بعد وفاة والدتي واشتغلت بياع فالشارع مريت بمراحل كتير فى حياتى تخلينى عندى مضاد ضد اليأس"، تلك هي أولى الكلمات التي تلفظ بها سمير جابر الرجل الصبور الذي تحمل من الحياة ما لا يتحمله شخص سوي فقد حارب بعالمه المظلم ليصنع لنفسه حياة من الأمل والكفاح يخرج عن طريقها بوتقة من النور الخافت لأسرته ليسيروا معاً في طريق الحياة ولإتمام مسيرته بتعليم أطفاله الصغار التي لا ذنب لهم في الخروج للحياة وسط عائلة مكفوفة. فالأب يحاول تأسيس مشروع صغير خاص للإنفاق على عائلته، لكن لضيق الحال ولتحمله أعباء أقساط المواد التي يستخدمها والتي تتعدى 5 ألآف جنيه لا يجد من يسوق له منتجاته المصنوعة من بلاستيك"البامبو". بدء "جابر" صناعة الأدوات المنزلية من بلاستيك البامبو منذ 4 سنوات في عام 2006 محاولاً تطوير صناعته دون مساعده أحد أو استشارته في تصميمات معروفة بمجلات أو غيرها، ولكنه ترك العنان لمخيلته الخاصة ليفكر في احتياجات البيت المصري من تلك الأدوات التي يصممها بداية من سبت المشابك والغسيل ونجف الغرف وصولاً لسرير"الهزاز" الأطفال المصنوع من الخشب ومغطى بالبامبو ، قائلاً:" زوجتي هي أساس تعليمي لتقفل بلاستيك "البامبو" علمتني ازاى اقفل سبت غسيل وانا غاوي نجاره فطورت من منتجاتي". ولفت جابر، إلى أنه تعلم بورش خاصة بالمكفوفين للنجارة لمدة 3 أشهر حتى تعلم أصول النجارة عن ظهر قلب وأستطاع أن يمسك بالشكوش ويدق المسمار دون اية إصابات، مشيراً إلى مشكلته بوزارة التضامن الاجتماعي بعد ذهاب زوجته للسؤال عن قرض ال5 ألف جنية لتنمية الأسر المنتجة ولكنها لم تقابل بطريقة لائقة من قبل المسئوولين واتضح أن القرض ليس له أساس من الصحة. وتابع:" أنا مقدم من 2007 بحث مستعجل عشان استلم شقة من وزارة الإسكان بس لحد دلوقتى مفيش اى حاجة حصلت وقاعد في شقة ايجارها 450 جنية"، مطالباً الجهات المعنية بالدولة والمتمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بتبنيها تسويق مشروع "البامبو" من خلال عمل مركز مستقل لتدريب المكفوفين والمبصرين لتسويق المنتجات للهيبارات والمولات الكبيرة. وبنبره حزن اختتم الزوج حديثه:" أنا بجيب الخضار شكك عشان معاشى800 جنية بتوع ال5% للمكفوفين بدفع منهم الإيجار450 جنيه وبكدة بعالج عيالى بالأعشاب الطبيعية المتوفرة فالبيت لأنى مش مقتدر مادياً اودى عيالى للدكتور". الزوجة المكافحة الزوجة هي النصف الثاني للرجل تساعده في تحمل مسؤولية الأسرة وتقف في ظهره وتشد من أزره وقت المحن، فدائما الست المصرية أكتر ما يشغل تفكيرها هي تربية الأولاد ورعايتهم، لتستيقظ كل صباح وتذهب للمخبز لشراء العيش وشراء الفطار ومن ثم تهيئ الأطفال للذهاب للحضانة ، أما عن وقت الفراغ فتقوم بمساعدة زوجها في تصنيع الأدوات المنزلية، هكذا تفعل دائماً هبة أحمد السيدة الكفيفة. "أنا بقالي 13 سنة بتعلم صناعة الأدوات المنزلية من "البامبو" فى جمعية النور والأمل للمكفوفين وجوزى كان نجار فعلمته اننا نطور الصنعة مع بعض حبيت اننا نحسن دخلنا هو كان غاوى جلد طبيعى فأنا علمته صناعة البامبو"، بتلك السطور سردت هبه قصة حياتها في تصميم "البامبو" ومدى حرصها على توفير دخل لسد احتياجات أسرتها. وبسئوالها عن كيفية ادخار أموال المواد المستخدمة في "البامبو" لغلاء أسعارها، قالت هبة أنها تشتري الخامات الخشبية والبلاستيك وغيرها بالتقسيط من التجار بمبلغ 5000 جنية ويسددوا كل شهر جزء حال بيعهم لأى من التصاميم ، مبينه أنها حاولت أكثر من مرة أن تسوق للمنتجات بين الجيران والمعارف لكنهم قابلوا الأمر بنوع من الاستغلال ، حيث أنهم يريدون شراء الأدوات المنزلية بأقل من سعر التكلفة. أما عن قضائها للمهام خارج المنزل ،:"أنا بقضي المشاوير عن طريق حفظي للأماكن أو بمساعدة الأصدقاء أحنا متأقلمين في المجتمع من عشرات السنيين". ووجهت السيدة الكفيفة نداء للرئيس وهى في أمل ليستمع لشكواها، حيث أنها لا تمتلك شقة رغم أنها من ذوى الإعاقة وقامت بتقديم ما يسمى ببحث مستعجل منذ عام 2009 للمحافظة لتملك شقة ولكن لا يوجد استجابة لها وهى في أمس الحاجة للمساعدة . قائلة:" زى ما وزير الإسكان أدى شقة لمنى بتاعة العربية الكارو احنا فين من ده مضطهدين من الدولة وكل شىء". الصاحب الخدوم "نصار محمود" عامل الرخام وقف بجوار الأسرة المكفوفة ليساعدهم في مشروعهم الصغير للأدوات المنزلية بدون أى مقابل فأصبح بمثابة أخ للزوج الكفيف "سمير" بعد أن تركته أسرته دون أى رعاية لحالتة الصحية هو وأولاده، فبعد أن يتمم عمله بورشة الرخام الخاصة به يصعد لمنزل صديقه الكفيف حتى يناوله أدوات النجار الخاصة بعمل بلاستيك "البامبو" والتى يصعب الوصول إليها. وقال محمود:"أنا أعرف سمير من سنيين و لقيت أن أهله مش بيساعدوه ولا بيقفوا جمبه فقررت انى اجيلوا بعد شغلى كل يوم عشان لو إحتاجنى فى اى حاجة ودا أكتر حد محتاج مساعدة ". وتابع عامل الرخام :" نفسى حد من المسئوولين يسمع ويبص لمشروع "البامبو" ولحال الأسرة الكفيفة لأنهم أولى الناس اللي يستحقوا خدمة من البلد". شاهد الفيديو: