زارني أستاذ جامعي ومعه زوجته وطفل رزقهما الله به، إلا إن هذا الطفل كان كفيفاً. وقال لي الأب في صوت يملأه الحزن : أنا آسف لحضوري علي غير موعد، ولكن مشكلتي دفعتني للحضور إليك دون أن أصبر حتي تحدد لي موعداً لما سمعته عنكم من كرم أخلاق ومروءة نادرة. وبدأ يسرد علي مشكلته في حزن شديد : طفل كفيف ووالدان يجهلان تماماً كيفية التعامل معه، ولم يكن أمامهم جهة يلجأون إليها أو يستشيرونها أو تقدم لهم النصح والإرشاد في مشكلتهم هذه سوي أنا، بعد أن أعياهم البحث حيث لا توجد جهة في ذلك الوقت في مصر تقوم بتوجيه وإرشاد أولياء أمور الأطفال المكفوفين عن كيفية التعامل معهم في مرحلة الطفولة المبكرة وفي مرحلة ما قبل المدرسة بطريقة علمية سليمة. وإستطرد الأب قائلا لي : ماذا أفعل في هذه المصيبة التي حلت بنا ؟ إلا إني إبتسمت في هدوء وقلت له : لماذا يا سيدي تسمي طفلك الكفيف مصيبة ؟ ألم يكن الدكتور طه حسين الذي نفتخر به جميعاً كان في يوم من الأيام طفلا كفيفا مثل إبنك؟ وبدأت أهدئ من روعه وقلت له : لا تقلق لأن إبنك هو قبل كل شيء طفل ولكنه طفل لا يري وسينمو نمواً طبيعياً إذا شعر بالأمن والأمان في علاقته مع والدين يحبانه ويتقبلانه كما هو، وسأساعدكم بكل ما أوتيت من علم وخبرة. وبدأ ضيفي وزوجته يهدآن بعد أن إتفقنا علي إنه سيكون بيننا لقاءت أخري، وما إن إنتهيت من حديثي حتي قدم لي شكره وإستأذن وإنصرف. وما إن إنصرفوا حتي جلست علي مكتبي وأخذت أفكر في المشكلة وأنا أقول لنفسي : أليس ضيفي علي حق ؟ فإنه في مصر لا توجد حضانة واحدة في ذلك الوقت للأطفال المكفوفين يلعبون ويمرحون فيها كباقي الأطفال وليس هناك مكان لتوعية أولياء أمور الأطفال المكفوفين بمشكلة أطفالهم وإرشادهم بكيفية التعامل معهم، وإن في هذه الحالة معاناة الوالدين والطفل لا يقل أحدهما عن الآخر. وراح فكري بعيداً حتي وصلت إلي أوربا وإلي ما يلقاه الأطفال المكفوفين من إهتمام وعناية ورعاية، وما يلقاه الوالدان من توجيه ونصح وإرشاد في مثل هذه الحالة حتي إنه وصل بهم الأمر لإنشاء مجلة شهرية للوالدين يقدمون فيها النصح والإرشاد لأولياء الأمور بكيفية ما يعمل وما لا يعمل لهؤلاء الأطفال. وقررت علي الفور إنشاء أول حضانة متخصصة في مصر لهؤلاء الأطفال المكفوفين منذ ذلك الوقت والتي تطورت فيما بعد فأصبحت أول حضانة تعد الطفل الكفيف للذهاب إلي مدارس الأطفال المبصرين كما كانت أول حضانة تهتم بإرشاد وتوجيه أولياء أمور الأطفال المكفوفين.. أليس رب ضارة نافعة ؟!