«أنت لازم تروح للشيخ مبروك، هو اللي هيعالجك»، عبارة قد يسمعها الكثيرون ممن يعانون من أمراض نفسية أو مشاكل استعصت على الحل، فيسارع من حوله بالبحث عن حل لمشاكله وأمراضه لدى مدعي العلم كطوق نجاة أخير، وقشة يتعلق بها صاحب المرض أو المشكلة. وفي محاولة لشرعنة عملية النصب المُتقنة يتخذ الدجالون أسماء عديدة لخداع ضحاياهم من محدودي الذكاء والعلم، فأحيانًا يسمون أنفسهم «معالجين بالقرآن»، وأحيانًا أخري يدعون أنهم «مُعالجون روحانيون»، وصفحات الحوادث تمتلئ بقصص ضحايا الدجالين الذين ادعوا يومًا قربهم من الله وزهدهم في الدنيا. أمراض نفسية ومشاكل زوجية ومشاكل في العمل، أمور يجمعها رابط واحد يدعى الدجالون، إنهم قادرون على حلها بمساعدة «الجن والملائكة» علي حد زعمهم، وعلى الرغم من وقوع عدد من الدجالين في قبضة الشرطة إلا أن عالمهم يبقي مُحاطًا بسور خفى، لا يقربه أحد، ويعملون داخل دائرة ضيقة للغاية، ولا يثقون بأحد. ومنذ عام تقريبًا ظهرت على السطح نقابة الباحثين الروحانيين، وهي ثاني نقابة من نوعها في العالم بعد نقابة المغرب، وهو أمر يدعو للتساؤل، وفقًا لأي آليات وأي معايير وافقت الدولة على منح موافقات بإنشاء نقابة للمعالجين الروحانيين؟، وماهي آليات رقابة الحكومة للنقابة؟، خاصة أنها تتعامل مباشرة مع المواطنين، وتقدم العلاج لهم وقد يتضمن أنواع أعشاب يشربها المريض أو يحرقها، ما يعني مسئولية كبيرة وصلاحيات بلا حدود مُنحت لغير متخصصين. وللإجابة عن كل هذه الأسئلة، قررت اقتحام العالم السري للباحثين الروحانيين، فى رحلة للبحث عن إجابات. كان طرف الخيط، إعلانًا نشرته الصفحة الرسمية للنقابة عبر الفيس بوك، عن تنظيم دورات تدريبية في الروحانيات للراغبين من الجنسين تحت إشراف النقابة ومعلمين من الأزهر الشريف، الغريب فى الأمر إقحام اسم الأزهر في الإعلان كوسيلة لمنح مصداقية للنقابة، وشرعنة محتوى الدورات التدريبية أيا كان، بوضع اسم أكبر مؤسسة دينية عالمية. تواصلت مع أحد أعضاء النقابة و يدعى «محمد حريز» و هو المتحدث الإعلامي والمستشار الديني ورئيس لجنة الاختبارات، بحسب تعريفه لنفسه، للاستفسار عن الدورات التدريبية للمعالج الروحاني المعلن عنها عبر صفحاتهم علي الفيس بوك، وتم تحديد موعد للاتفاق على أسعار الدورات التدريبية والتي بلغت 7 آلاف جنيه، ووصف المستشار الإعلامي للنقابة المقر بالقرب من نهاية محور أحمد عرابي بمنطقة بشتيل بإمبابة بمحافظة الجيزة. غموض المكان توجهت للعنوان السابق بعد ما ارتديت «نقابًا»، لأبدو كفتاة مُنتقبة مُحبة لعلم الفلك والروحانيات وبعد أن استغرقت نحو أكثر من ساعة في الطريق من الدقي إلي منطقة بشتيل حيث مقر النقابة، تجولت في عدة ممرات وحارات بالقرب من النقابة، وفشلت في العثور علي المقر في البداية. اتصلت بالمتحدث الإعلامي ليدلني على أي إشارة توضح مكان النقابة، أو لافتة مميزة لمحل تجاري بالقرب منها، وبالفعل منحني اسم «مكتبة الشاعر» مؤكدًا أن النقابة بجوار المكتبة مباشرة. وداخل «حارة» لا يزيد عرضها على المتر والنصف وجدت مكتبة الشاعر بعد بحث استغرق ما يزيد على الساعة، ووصلت للعقار الكائن به النقابة، ولاحظت أنه لا توجد أي لافتة تشير لوجود نقابة للباحثين الروحانيين بهذا العقار، وبنظرات يملؤها الشك سألني حارس العقار: «أنت عاوزة مين يا أستاذة؟»، علي الفور أجبته نقابة الباحثين الروحانيين. ليرد: «أيوة أول دور هتلاقيها أول شقة علي اليمين، استني هندهلك عليهم وسبقني صعودًا للسلم صائحًا بأعلي صوته: «ياأستاذ محمود» -نقيب الباحثين الروحانيين. مع صعودي درجات السلم بدأ القلق والتوتر يتصاعدان بداخلي، وللحظة قررت التراجع وإنهاء هذا التحقيق خوفًا من الدخول للنقابة، إلا أن فضولي الصحفي غلبني في النهاية ودخلت لمقر النقابة، فكان بابها مفتوحًا، لأفاجأ بسيدة منتقبة تجلس بصحبة 3 أشخاص أحدهم المستشار الإعلامي للنقابة والنقيب و«مريض» جاء للعلاج. على جدار الشقة تجد صورًا لشعار نقابة الباحثين الروحانيين، ويمثل كوكب زحل في المنتصف وحوله مجموعة من النجوم، ويشبه الديكور أي شركة مكون من أنتريه من الجلد وغرفة مكتب، وفي أقصي يسار الصالة يوجد سُلم هابط للأسفل، وأجهزة كمبيوتر يُرجح أنها تحتوي علي بيانات النقابة وعُملائها. ورقة وآية سر المهنة بادر النقيب بالحديث وهو يهم بالخروج من الشقة «الشيخ معاكي أهو..أنا هسيبكم دلوقتي» نهض الشيخ-المتحدث الإعلامي والمستشار الديني للنقابة وخريج الأزهر- «بحسب تعريفه لنفسه»، فقام باستعراض قواه لإقناعي بضرورة الاشتراك في الدورات التدريبية من خلال علاج مريض أمامي. في البداية أمر المريض بالوقوف ووضع ورقة «قال إنها تُسمي «ورقة الكشف»، أعلي رأسه، وأمره بوضع يده علي الورقة، وبدأ في تلاوة بعض الآيات القرآنية التي لا علاقة لها بالرقية الشرعية ولا الأحاديث . وارتفعت نبرة صوته قائلًا « إذا نزع منه السحر أعطوني بيان وخلوا جسمه يميل لقدام، وإذا كان جن توجه الي الخلف»، وأخذ يردد تلك الجمل، وأضاف «اجلسوه اذا نزع منه السحر»، وبدأ بالفعل جسم المريض يتمايل بفعل وقوفه علي قدميه في وضع مرهق. ب7 آلاف جنيه تصبح معالجًا روحانيًا وبدأ المعالج حديثه معي لمعرفة لماذا أتيت وسألني«إيه اللي حببك في مجال الروحانيات»، ادعيت أن حبي في مجال الفلك والروحانيات هو ما دفعني للجوء لأخذ الكورسات، وواصل حديثه «شغالة فين؟» أجبت «انا متخرجة السنة دي و شغالة في محل ملابس». وأخذ يتحدث عن النقابة بأنها أول نقابة للباحثين الروحانيين مصدقة من الدول وتم الانضمام لاتحاد نقابات عمال مصر الأسبوع الماضي، مضيفًا: «كل اللي هتدفعيهم هما 7 آلاف جنيه، وعلي فكرة الرقم ثابت لأي طالب من أي بلد يعني لو أجنبي يبقي 7 آلاف دولار ولو سعودي يبقي 7 آلاف ريال، إحنا بنعمل واجب بس مع المصريين ولاد بلدنا، ودول مش حاجة قصاد اللي هتقبضيه بعد كدا من علاجك للحالات، بعد انتهاء الدورة وحصولك علي كارنيه معالج وشهادة من النقابة». مضيفا: «فيه دكاترة بتعالج عن طريق الإنترنت و بتاخد 2000 يورو يعني لما تدفع مبلغ زي ده في شهرين ولا حاجة، وبعد الشهادة هتبقى معالجة وممكن تشتغلي في مكتب من مكاتبنا في المحافظات». الحالة ب1000 جنيه واللي يزود وعن طبيعة المادة بالدورات التدريبية ومدى الاستفادة منها قال «احنا بنشربك الحاجة من أولها لآخرها والشهادة هتفيدك لأنك بتعالجي الناس انت ممكن تاخدي من الواحد2000 جنيه أو1000حسب الحالة» قاطعته متسائلة «أنا كنت فاكرة أن الشيوخ بيعالجوا بالقرآن لوجه الله ليه بقي هاخد فلوس؟ أجاب: «بصي احنا بنعالج يوم ببلاش لكن الناس اللي بتعالج ببلاش ليهم مصادر رزق تانية، اللي عايز ينتفع ماشي وبعدين انا بحسب وقتي علي المريض وممكن اقعد معاه بالساعات انا مش شغال عنده، وأخذ الأجر على علاج الناس لا ضرر فيه». صراع بين الجن والملائكة أما عن طريقة التدريب أوضح قائلًا « أول حاجة هتتعلميها «صرف العُمار»، قاطعت حديثه مُتسائلة يعني «إيه العُمار؟» أجاب: «العُمار دول الجان اللي ساكنين البيوت، لازم أصرفهم علشان ميتخانقوش مع الملائكة، وأضاف مستعينًا بما أكد أنه حديث شريف «إن لهذه البيوت عُمارًا من الجن فإذا رأيتم منهم أحدًا فاصرفوه فإن لم ينصرف فاقتلوه»، وبالبحث اتضح عدم وجود حديث بهذا النص الذي قاله، ويستكمل: أنا روحاني بفصل ده عن ده، وده «أ-ب»، في تعليم الروحانيات بعدين مع الجلسات هتتعلمي أكثر، واحنا بنعلم من القرآن والسنة وأحاديث وأعداد معينة وهتشوفي رؤي بعد كده « استوقفتني تلك الجملة « هشوف رؤى إزاي؟» بسؤالي « هو أنا ممكن اتعلم ازاي احلم بحاجة وتتحقق، انا كنت فاكراه شىء رباني؟» وبنظرة تملؤها الثقة «طبعا ممكن لو نمتي علي وضوء كل يوم هتشوفي رؤي كل حاجة بتتعلم». وكوسيلة لإبعاد ذهنه عن أسئلتي الكثيرة، وإثبات نيتي خوض الدورات التدريبية سألته، هل ممكن أقسط ثمن الكورسات؟»، أجاب «أنت ممكن تقسميهم جزء جزء». العالم يعترف بالروحانين بادرته بالسؤال: هل الشهادة هتعتمد وهيعترف بيها خارج مصر أم لا؟، ليجيب: «مفيش غير نقابتنا والنقابة اللي في المغرب بيشتغلوا في نفس المجال وهنعمل اتصال معاهم عشان نوحد الشغل وهيبقى شغل عالمي»، وعلى الرغم من كونهم دولتين فقط إلا أنه أكد أن مستقبل النقابة سيصبح عالميًا قائلًا: «العالم هيعترف بينا غصب عنه لأننا نقابة تبع الدولة»، متابعًا أن علماء الأزهر هم من يقومون بتدريس الدورات ولكن الشهادة غير معتمدة من الأزهر وبعد انتهاء الدورة سيحصل المتدرب علي شهادة معتمدة من النقابة وكارنيه وفرصة للعمل في أحد مكاتب النقابة بالمحافظات، ووصلنا الحديث عن علاقتهم بالأمن، لافتا إلي عدم وجود مخاوف من ملاحقات امنية، مختتما حديثة «احنا عشان معانا الكارنيه محدش هيقربلنا لأننا معانا مصداقية لكن الباقي دجالين». أنهيت مغامرتي في نقابة الباحثين الروحانيين قبل أن يكتشف أحد أمري، وتوجهت إلي اتحاد نقابات عمال مصر، وهناك أوضح الجبالي المراغي رئيس اتحاد نقابات عمال مصر، أن أي نقابة أنُشئت من حقها الانضمام للاتحاد بغض النظر عن امتلاكها تصريحا أو لا، مضيفًا أن انضمامها يعد اعتمادا رسميا من الدولة، كما أن نقابة الباحثين الروحانيين بالفعل تابعة للاتحاد قائلًا: «إحنا لازم نبقي إيد واحدة» ونعمل بالقانون «!!». لعب الفأر في عبي، فتوجهت إلي الدكتور أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، الذي بادرني قائلاً: إن الأزهر الشريف لا علاقة له من قريب أو من بعيد بما يدعيه هؤلاء الدجالون «علي حد وصفه» من أنه يشرف علي دورات المعالج الروحاني المنظمين لها مقابل آلاف الجنيهات او أن علماء الأزهر يقومون بتدريس تلك التخاريف مستكملًا: «إن من يمارس تلك المهنة من الممكن أن يكونوا شيوخا سلفيين، و ليس أزهريين، متابعًا: «إن الهدف من إنشاء نقابة من هذا النوع هو تغييب الفكر الإسلامي و اتجار بعقول البشر، وأنه لا يوجد في الإسلام علاج بالقرآن وإنما نلجأ إلى قراءة بعض الآيات والدعاء إلى الله فقط، لكن ما يدعيه هؤلاء من تعليم رؤية الاحلام وتحقيقها مجرد خرافات. الغريب في الأمر هو رد فعل وزارة القوى العاملة ورفضها الإدلاء بأي تصريح يخص هذا الشأن، فحرصًا من «الوفد» على عرض كافة وجهات النظر تم إجراء أكثر من 10 اتصالات هاتفية من أرقام مختلفة للحصول على رد واضح من الوزارة، كما تم رفض تحديد موعد لمقابلة المتحدث الإعلامي.. وكان الرد إما أن المتحدث الإعلامي لديه اجتماع مع الوزير استمر ما يقرب أكثر من يومين، أو أنه يتحدث بأسلوب غير لائق معنا لمجرد محاولتنا للاستماع لرأيه قائلًا « أنا مش مسئول ....مبديش تصاريح....معرفش حاجة» وبعد عدة محاولات سألني «انتي نقابية؟...فين رقم العضوية ...انا هكلم نقيب الصحفيين» حتي جاء آخر رد منفعلًا «ابعتيلي علي الميل» ولكن حتى الآن لا يوجد رد يؤكد أن الوزارة أعطت تصريحا بإنشاء نقابة للباحثين الروحانيين أم لا.