«محرر الصباح» تواصل مع معالج فطلب منه تحويل رصيد 50 جنيهًا قبل بدء العمل نقابة الروحانيين ترد: حصلنا على ترخيص من الدولة.. ولنا أهداف سامية «كنت أعانى من بعض المشاكل الزوجية، وأثناء تصفحى لشبكة الانترنت، وجدت إعلانًا عن سيدة تصف نفسها بالمعالجة وتدعى الشيخة «روح»، لها قدرات خاصة فى حل مثل هذه الأمور، وعندما اتصلت بها للمرة الأولى كانت فى غاية الذوق واستمعت بشكل جيد لكلامى ولمشكلتى، وبدأت معها ما اعتبرته مشوارًا لعلاجي» هكذا وصفت لمياء السيدة الأربعينية، التى تقيم بمحافظة الدقهلية بداية قصتها مع من يسمون أنفسهم بالمعالجين الروحانيين. وقالت لمياء ل«الصباح»: إن «الشيخة روح» طلبت منها أن تشترى منها بعض البخور والأعشاب، لاستخدمها فى العلاج، وارسلتها المعالجة فى طرد، وقامت السيدة بسداد المقابل والذى قارب 300 جنيه عبر حوالة بريدية، وبعدما استلمت البخور وشرحت كيفية استخدامها، لم يحدث تغيير ولم تتوقف مشاكلها الزوجية، وحينما حاولت العودة للشيخة للاستفسار لم ترد، ولم تعد مهتمة كالسابق». لم تكن السيدة الأربعينية، وحدها التى وقعت فى فخ النصب باسم العلاج الروحانى، وتؤكد لمياء أن صديقتها التى تعانى من مشاكل مختلفة تعرضت لنفس الطريقة المزعومة للعلاج وطلبت منها المعالجة شراء نفس الأعشاب والبخور، ثم تهربت السيدة منها بعد ما اشترت منها مستلزمات «النصب». فى هذا التحقيق تكشف «الصباح» مزاعم العلاج الروحانى، التى تنتشر عبر الفضائيات المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت، والتى تقدم بضاعتها بعبارات تم تزيينها بالتأكيد على عضوية القائمين عليها فيما يسمى ب«نقابة المعالجين الروحانيين»، وتزعم القدرة على ما يُسمى ب«جلب الحبيب، والطاعة العمياء، والمحبة والقبول، وزواج المعطلة، أو العانس، ورد المطلقة، والتأثير فى مجال العمل والتجارة». عبر شاشات قنوات مثل «بيروت، ووسط البلد، وتوب موفيز، وجلب الحبايب، والأسرار، ودربكة، والرقية، وحبيشة» وغيرها الكثير يطارد الإعلان المشاهدين، «محرر الصباح» التقط رقم أحد الهواتف المعلنة ضمن ما يروج له الإعلان تحت اسم «المركز الغربى للعلاج الروحاني». فى أول اتصال به، طلب الشخص الذى رد على الهاتف وقدّم نفسه باعتباره نائب المعالج الروحانى، من «محرر الصباح»، أن يرسل له مبلغ 50 جنيهًا كرصيد شحن عبر الهاتف، قبل البدء فى حل الأزمة، التى ادعى «محرر الصباح» أنها تتمثل فى وقوعه بحب إحدى الفتيات ولكنها لا تلتفت إليه. وطلب الشخص الذى تولى الرد على الهاتف من المتصل، تحويل المبلغ المطلوب والاتصال به فى اليوم التالى لبدء إجراءات العلاج وإرسال كامل البيانات الخاصة به، مع وعد بحل المشكلة عبر الهاتف، ودون مقابلات شخصية. توقف «محرر الصباح» عند مرحلة «تحويل الرصيد للمعالج المزعوم، لكن تأكيدات أكثر من شخص وقعوا فى خدعة العلاج الروحانى -طلبوا عدم ذكر اسمائهم-، تكشف أن وفى عقب تحويل الرصيد لرقم الهاتف الذى يتم الإعلان عنه فإن المعالج لا يرد مطلقًا على المتصل، وفى حال اتصل به من رقم آخر فإنه يتهرب منه. ووصف رئيس نادى أعضاء التدريس بجامعة الأزهر الدكتور، حسين عويضة، ما يسمى ب«العلاج الروحانى» بأنه «كلام فارغ»، مبديًا استغرابه من إذاعة الفضائيات لمثل تلك الإعلانات التى تروج ل«الخزعبلات» وتسوق الأفكار المضللة إلى الناس، مضيفًا أن تلك الإدعاءات لم تثبت فى الدين أو السنة». واعتبر عويضة، أن فكرة العلاج الروحانى أشبه بعمل «الحواة»، مُشيرًا إلى أن وجود كيان يحمل اسم «نقابة للمعالجين الروحانيين» أمر يشبه نقابات الشوارع، أو نقابات «الشواذ جنسيًا» فى أمريكا، ومحملًا وسائل الإعلام المسئولية عن ترويج مثل هذه الأفكار. من جانبه، قال الخبير فى الجماعات الإسلامية، ناجح إبراهيم: إن العلاج الروحانى أمر غير محدد علميًا، ولا يوجد ما يمكن وصفه بالجن الذى «يلبس» الإنس، منوهًا إلى أن هناك بعض المدعين بأنهم معالجون روحانيون، يرتكبون أخطاء جسيمة مع المرضى، كالضرب والجلد والتقبيل. وأضاف، إبراهيم، أنه من ناحية «الرقية» فإن كل فرد يستطيع قراءتها على الأشخاص، دون وسيط، ومن الممكن سماعها من بعض المشايخ بالهاتف، مشيرًا أن هناك بعض مثل الأمراض الوسواس القهرى، و«الهلاوس» السمعية والاكتئاب تشخص على أنها لبس جنى، أو سحر، أو عفريت، ورغم أن العلم توصل إلى علاج هذه الأمراض، إلا أن غياب التفكير العلمى يعتبر السبب فى اتجاه المرضى لمدعي العلاج الروحانى من أصحاب العمارات الشاهقة، والأموال الطائلة. وأشار إبراهيم، الذى شاهد بنفسه موقفًا أثار اندهاشه عندما دخل المسجد، ووجد أحد المشعوذين يضرب امرأة بالكرباج ويخاطب من يقول إنهم «الجن»، قائلًا: «أخرج من عينيها، ومن أصبع قدمها». وأوضح «ناجح»: إن وجود ما يسمى بنقابة للروحانيين بمثابة نصب مقنن على المواطنين، وأن هؤلاء الفئة «الروحانيين» لا هدف لهم سوى التكسب من استغلال الدين، واستغلال شريحة مجتمعية ضيقة الأفق فى الريف المصرى والصعيد. من جانبه قال الشيخ محمد البسطويسى، نقيب الأئمة: إن ما يذاع من إعلانات على القنوات الفضائية باسم العلاج الروحانى هو «باب جديد من أبواب النصب باسم الدين»، جازمًا بأن المعالج الروحانى لا يستطيع أن ينفذ ما يقول من «جلب الحبيب أو تزويج العانس» لأن الحب بيد الله. وتابع البسطويسى: إن صراع المسلمين مع الحياة وبعدهم عن تعاليم الدين والشريعة الاسلامية، خلق فجوة كبيرة بين المسلم ودينه، فانتشرت الخرافات ولو استطاع «الدجال» أن يجلب لامرأة عانس زوجًا لتغيرت موازين الحياة وكان أغنى الناس، وما احتاج إلى العمل أو أن يطلب منهم أموالًا نظير ما يفعله، لافتًا إلى أن الاسلام عالج العلاقة بين عالمى الجن والإنس، ولو استقى المسلمون أفعالهم وتعاليمهم من القرآن الكريم لما احتاجوا الذهاب إلى المشعوذين. وأشار «البسطويسي»، إلى أن عالم السحر والجن موجود وقد تعرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- للسحر، ويوجد بالقرآن الكريم علاج للسحر والمس، ولكن لا يجب أن يقدم الشخص الرقية الشرعية نظير مبالغ مالية لأن أى شخص يستطيع قراءتها، ويجب أن تكون فى إطار مساعدة المسلم لأخيه، ومنوهًا إلى أن عالم الروحانيين، يجب أن يخضع لضوابط ورقابة من المؤسسة الدينية فى مصر سواء كان الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف، بينما تحول نقابة العلاج الروحانى القرآن إلى مهنة. الدكتور إبراهيم حسين، خبير الطب النفسى، قال: إن هناك حالات مصابة باكتئاب تشخص من قبل من يسمون ب«الروحانيين» على أنها مصابة بلبس جنى، ومن ثم يتم العلاج بطرق كثيرة غريبة منها الضرب وشرب المياه. وأضاف حسين، أن المصريين لا توجد لديهم ثقافة العلاج النفسى، ولا يعترف المرضى بحاجتهم للعلاج، مشيرًا إلى أن قراءة القرآن تؤدى إلى راحة القلوب كما ذكر فى القرآن الكريم «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، ولكن هناك فرقًا بين سماع القرآن والمرض النفسى أو العضوى. إبراهيم نوه، إلى أن نقابة المعالجين الروحانيين ظاهرة غريبة وعلامة استفهام ستستمر وتنتشر وتصبح واقعًا فى المجتمع المصرى طالما لم تواجهها الحكومة وتوقف تراخيصها. من جانبه قال، محمد حريز، المتحدث الإعلامى لنقابة المعالجين الروحانيين: إنهم حصلوا على ترخيص من الدولة، وتعريفهم للعلاج الروحانى يتعلق بالأمراض التى تصيب الروح، وليس الجسد، لأنها تخص علاج الروح من المس والحسد. وأضاف حريز ل«الصباح» أن النقابة لها أهداف وصفها ب«السامية» وهى جمع شمل جميع المعالجين الشرعيين والتفريق بينهم وبين الدجالين والمشعوذين حتى يتبين الغث من الثمين، وحتى يصبحوا معالجين روحانيين تحت مظلة قانونية، مؤكدًا أن الضرب فى عملية إخراج جنى من إنسى شىء خاطئ لأن القرآن أشد ضربًا للجن من الأم الحديد والسياج»، بحسب قوله.