يسأل القارئ "مروان" مسلم يعيش بأوربا، قائلاً : عندنا في أوربا أماكن ذبح الأضحية محدودة جدا وهناك من لا يتمكن من إدخال أضحيته إلى المجزر إلا في أوقات متأخرة جدا من الليل وهنا من الشباب من يقول بعدم جواز ذبح الأضحية في الليل فماذا نصنع؟ وجزاكم الله خيرا. يجيب عليه الدكتور محمد سعدي، بموقع "أون إسلام"، بأنه يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة العيد، ورأى المالكية أن يكون الذبح بعد أن يقوم الإمام بذبح أضحيته، فإن لم يذبح اعتبر زمن ذبحه. ورأي الجمهور أرجح وأيسر. وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. واختلف العلماء في مسألة الذبح ليلا، فذهب أكثر الفقهاء إلى كراهة الذبح في هذا الوقت، وعند المالكية لا يجوز الذبح ليلاً، فإن فعل فليست أضحية، وهناك من قال بالجواز وعدم الكراهة، والذي نرجحه في هذه المسألة هو جواز الذبح ليلا دون كراهة، حتى الكراهة عند الجمهور تزول عند أدنى حاجة, فعلى هذا يظهر جواز الذبح ليلا، ولا حرج عليكم في الذبح في هذا الوقت. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أما ليلة عيد الأضحى فليست وقتا للتضحية بلا خلاف، وكذلك الليلة المتأخرة من أيام النحر، وإنما الخلاف في الليلتين أو الليالي المتوسطة بين أيام النحر . فالمالكية يقولون : لا تجزئ التضحية التي تقع في الليلتين المتوسطتين، وهما ليلتا يومي التشريق من غروب الشمس إلى طلوع الفجر . وهذا أحد قولي الحنابلة . وقال الحنابلة والشافعية : إن التضحية في الليالي المتوسطة تجزئ مع الكراهة، لأن الذابح قد يخطئ المذبح، وإليه ذهب إسحاق وأبو ثور والجمهور . وهو أصح القولين عند الحنابلة . واستثنى الشافعية من كراهية التضحية ليلا ما لو كان ذلك لحاجة، كاشتغاله نهارا بما يمنعه من التضحية، أو مصلحة كتيسر الفقراء ليلا، أو سهولة حضورهم . أه وهناك أحاديث جاءت بالمنع من الذبح ليلا ولكنها لم تسلم من الطعن مثل الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا نصه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية ليلا، جاء في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني: حَدِيثُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الذَّبْحِ لَيْلًا } .الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ . وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا، وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ .أه ومما اعتمدوه في منعهم ما جاء عن الحسن البصري أنه قال :" نهي عن جذاذ الليل، وحصاد الليل، والأضحى بالليل" وحديث البصري كما قال النووي: مرسل أو موقوف. ومرجع الخلاف بين العلماء عائد إلى"ليالي النحر" هل تدخل مع أيام النحر؟ فمن قال: إنها تدخل أجاز الذبح، ومن قال إنها لا تدخل منع الذبح. والقرآن الكريم ذكر اليوم بمعنى النهار فقط، وفي مواطن أخرى جاء اليوم بمعنى النهار والليل، فمن الأول قول تعالى: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" [الحاقة/6، 7] فالآية الكريمة خصصت اليوم بالنهار بدلالة عطفه على الليل. ومنه قول الحق سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة/183، 184] ومن المعلوم أن الصوم يستغرق زمن النهار، ولا يكون في الليل. ومن مجيء اليوم في القرآن مرادا به الليل والنهار، قوله تعالى:" فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" [هود/65] وإن كان غالب استعمال القرآن أن يأتي اليوم بمعنى النهار. وفي البيان النبوي جاء اليوم بمعنى النهار فقط، وبمعنى النهار والليلة معا، فمن الأول ما رواه البخارى في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». فاليوم هنا بمعنى النهار. ومن مجيء اليوم بمعنى النهار والليلة ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِى مِنْ دَرَنِهِ » فاليوم هنا يشمل صلوات الليل والنهار. ورجّح فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- جواز الذبح ليلا بلا كراهة، لأنه رأى أن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي. قال رحمه الله في أحكام الأضحية والذكاة: والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار . ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل . وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في (( التلخيص )) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك وأما قول بعضهم : يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف، فالتعليل ليس حجة شرعية. قال شيخ الإسلام ابن تيمبة : تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط .