وسط توقعات بحدوث صدام مبكر بين النادي ذي التوجهات الإصلاحية وبين وزير العدل الجديد المستشار ممدوح مرعي، حيث يسود شعور عام لدى الأوساط القضائية المصرية بأن الوزير جاء لمهمة محددة هي تعديل الدستور بما يؤدي لتقليص الإشراف القضائي على الانتخابات، وتصفية حسابات مع القضاة الإصلاحيين، دعا نادي قضاة مصر إلى عقد مؤتمر عاجل لأعضاء لجنة داخلية مكلفة بوضع مشروع قانون جديد للسلطة القضائية، وتم إضافة بند على جدول أعمالها يتضمن تشكيل لجنة لبلورة رؤية النادي حول التعديلات الدستورية المرتقبة، والتي تحد من الإشراف القضائي على العملية الانتخابية. وتقرر هذا التحرك خلال اجتماع لمجلس إدارة النادي مساء أمس، وسط توقعات بحدوث صدام مبكر بين النادي ذي التوجهات الإصلاحية وبين وزير العدل الجديد المستشار ممدوح مرعي. وتعليقا على ذلك، قال المستشار محمود الخضيري، رئيس نادي قضاة الإسكندرية، لموقع "إسلام أون لاين" اليوم: "النادي شكل لجنة لتحديد تصورات القضاة للتعديل الدستوري بما يحقق المصلحة العليا للبلاد، وسوف نقف كقضاة خلف دستور قوي يستمد السلطة من إرادة الشعب، وأتصور أنه لا يوجد عاقل في الداخل أو الخارج يؤيد إجراء تعديلات دستورية تعطي فرصة أكبر لتزوير إرادة الأمة". حول الشعور العام السائد لدى القضاة بأن اختيار المستشار مرعي لوزارة العدل جاء للحد من صعود قضاة الإصلاح، شدد المستشار الخضيرى على أن "قضاة مصر لديهم أجندة عمل مرتبطة بطموحات الشعب بشأن الإصلاح، وهذه الأجندة لن تتأثر بوصول س أو ص إلى منصب وزير العدل". وعن موقف النادي من وزير العدل الجديد، قال رئيس نادي قضاة الإسكندرية: "إذا أبدى الوزير الجديد تجاوبا مع مطالب القضاة، التي هي ترجمة لمطالب الشعب، فسيجد منا تعاونا كاملا، أما لو تبني مواقف مغايره فلن يجد منا سوى التصدي له". وكان تقرير أعده مجلس الشورى المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) للرئيس حسني مبارك قد كشف عن التعديلات الدستورية التي ترغب الحكومة في إقرارها في البرلمان خلال دورته الجديدة التي تبدأ في نوفمبر 2006 وتقضي هذه التعديلات بتقليص الإشراف القضائي على العملية الانتخابية. وبحسب مصادر برلمانية فإن هذه التعديلات تقضي بإعادة صياغة المادة 88 من الدستور لإعادة تحديد مفهوم الإشراف القضائي على الانتخابات البرلمانية والبلدية، حيث ترغب الحكومة في قصر إشراف القضاء أثناء إجراء الانتخابات على رئاسة أعضاء الهيئات القضائية في اللجان الرئيسية فقط دون الفرعية، خلافا لم طبق في الانتخابات التشريعية التي جرت في 2005 -التي كشف نادي القضاة عن وقوع تجاوزت بها لصالح مرشحي الحزب الحاكم- بدعوى أن عدد القضاة غير كاف للإشراف على كل هذه اللجان. ويرى مراقبون مستقلون أن هذا القصر سيتيح إجراء الانتخابات في يوم واحد بدلا من إجرائها على عدة مراحل، وهو ما يمكن أن يقلل من ضمانات النزاهة. المستشار أحمد صابر، سكرتير عام نادي القضاة، تحدث عن موقف النادي من وزير العدل الجديد قائلا: "نعلم جيدا أن الوزير ممدوح مرعي صاحب رصيد سلبي كبير تجاه كفاح القضاة للوصول إلى قضاء عادل ونزيه في مصر". لكنه استدرك بقوله: "لن نصدر أحكاما مسبقة على أداء المستشار مرعي، فالنادي له رؤية ومطالب لا تتأثر بتغيير الأشخاص ولا بالتعديلات الوزارية، ونحن لا نتعامل مع الأشخاص، فما يهمنا هو المواقف، والعبرة بالنتائج". وينظر كثير من القضاة المطالبين بالإصلاح إلى اختيار القيادة السياسية للمستشار مرعي وزيرا للعدل على أنه "مكافأة" على دوره في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2005، حيث ترأس، بحكم توليه منصب رئاسة المحكمة الدستورية العليا، الهيئة العليا للانتخابات الرئاسية، والتي حصن التعديل الدستوري للمادة 76 من الدستور قراراتها من الطعن. وبحسب مراقبين، فقد شاب أداء هذه الهيئة قرارات ومواقف صبت في صالح تهيئة الانتخابات لنجاح الرئيس مبارك. ومن هذه القرارات، حرمان أكثر من ألفي مستشار إصلاحي من الإشراف على الانتخابات، بجانب منع منظمات المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات، ثم السماح بذلك لبعضها في اللحظة الأخيرة؛ مما حرمها من ممارسة دورها الرقابي. وفي وقت سابق اتسمت العلاقة بين المستشار مرعي ونادي القضاة بالتوتر الدائم. ووقع أول صدام بين المستشار مرعي وبعض القضاة في الإسكندرية أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذالك خلال اجتماع مع أعضاء الهيئات القضائية لبحث ترتيبات الإشراف القضائي على الانتخابات. فقد أصر المستشار مرعي على أنه صاحب الحق في إعلان نتائج الانتخابات، وعلى عدم السماح بتدخل نادي القضاة، بينما أيد القضاة مطلب ناديهم في هذا الشأن. أزمة أخرى وقعت بين نادي القضاة والمستشار مرعى عندما أعلن النادي عن رغبته في قبول طلب منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس وتش) باجتماع وفد منها مع النادي للتعرف على مطالب النادي فيما يتعلق بالإصلاح القضائي، لكن بعض القضاة تحركوا حينها ضد زيارة وفد المنظمة الأمريكية، وشكلوا مجلسا اختاروا المستشار مرعي رئيسا له لمعارضة إتمام هذه الاجتماع، قبل أن يقرر النادي إلغاء هذه الزيارة رافضاً المزايدة على وطنية أعضائه. يشار إلى أن مشروع قانون السلطة القضائية (الحكومي)، الذي أقره البرلمان في يونيو الماضي، أعطى "استقلالا منقوصا للقضاة"، ولم يستجب للمطالب الجوهرية التي تحقق الحد المناسب من استقلالهم عن السلطة التنفيذية، كما تجمع على ذلك قيادات نادي القضاة. غير أنها أقرت في الوقت نفسه بأن المشروع استحدث جملة نصوص جديدة اعتبرها القضاة "إيجابية"، أبرزها المادة رقم 77 مكرر 5، وتقضي بأن يكون للقضاة وللنيابة العامة موازنة سنوية مستقلة.