اتسعت رقعة الصدام الكبير بين اللجنة العليا للانتخابات وبين عموم قضاة مصر ، بعد أن استبعدت اللجنة المئات من القضاة أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة وغيرهم من أصحاب المواقف المناهضة للحكومة والمطالبة بالإصلاح ، حيث راج في أوساط عديدة أن الاستبعاد تم على خلفيات تقارير أمنية ، الأمر الذي حرك المخاوف من عودة وزارة الداخلية للهيمنة على العملية الانتخابية من " المنبع " ، وكانت الأزمة قد بدأت بقرار غريب ومفاجئ من اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات الرئاسية ، باستبعاد غالبية قضاة مجلس الدولة من الإشراف على الانتخابات الرئاسية ، وبالتالي حرمانهم من هذه اللحظة التاريخية أدبيا ، وكذلك عقابهم بحرمانهم من المكافأة المالية المقررة لمن يشاركون في الإشراف على الانتخابات ، حيث وصل عدد القضاة والمستشارين المستبعدين أكثر من ستمائة قاض ، في الوقت الذي تم فيه تكليف وكلاء نيابة وشخصيات لها طابع إداري ، فيما أفادت مصادر قضائية بأن المستشار محمود أبو الليل وزير العدل كثف خلال الساعات الماضية من جهوده لتحقيق انفراجه في الأزمة . ورجحت مصادر قضائية إمكانية تراجع لجنة الانتخابات عن قرارها ، في ظل ردود الفعل السلبية للقرار لدى مختلف الأوساط المراقبة للانتخابات ، سواء في الداخل أو الخارج ، خاصة وأن معظم المستبعدين من التيار الإصلاحي داخل القضاة ، لذا فمن المرجح التراجع عن هذا القرار الذي جاء في توقيت خاطئ ويمثل استفزازا للقضاة . وأوضحت المصادر أن القرار جاء بدون أي مبرر ولا يستند إلى أي أسباب منطقية كما أنه يزيد من مساحة الشكوك حول حيادية اللجنة والمخاوف من احتمالات قيام الحكومة بتزوير الانتخابات الرئاسية القادمة . من جانبه ، علق عضو بارز في اللجنة التشريعية بمجلس الشعب على قرار الاستبعاد ، قائلا إن " هذا شأن اللجنة العليا التي منحها القانون والدستور الاستقلالية في عملها " ، فيما أكد النائب المستشار عادل عيد أن قرار الاستبعاد سينقص من قدرة القضاء على الإشراف على هذه الانتخابات . وأبدى أحد نواب اللجنة استغرابه من استبعاد هذا العدد الكبير من القضاة في الوقت الذي تعاني فيه اللجنة من أزمة توفير الإشراف القضائي الكامل ، معتبرا أنه من الأفضل تدخل الرئيس مبارك باعتباره الحكم بين السلطات ، ونفي ما يتردد من أن قرار الاستبعاد جاء لأغراض خاصة تخدم مرشح بعينه ، وفي تلميحات بالغة الخطورة قال نائب رئيس محكمة النقض المستشار هشام البسطويسي إن القضاة المستبعدين هم من أصحاب المواقف المناهضة للحكومة والتي عبروا عنها في الجمعية العمومية السابقة لنادي القضاة عندما طالبوا بإشراف قضائي كامل على الانتخابات ، وأضاف أن قاضيا بمدينة الإسكندرية ذهب إلى مقر اللجنة التي اختير لمراقبتها وعندما رفع اعتراضاته على بعض الأوضاع استبدل بقاض آخر ، وهي شواهد تطرح الكثير من التساؤلات الحساسة حول استقلالية اللجنة وحيادها . من ناحية أخرى ، يقترب قضاة مصر خلال جمعيتهم العمومية المقرر عقدها في الثاني من الشهر المقبل من اتخاذ قرار بالمشاركة في الإشراف على الانتخابات القادمة ، بعد تزايد ثقل التيار المنادي بالإشراف والتقييم وإصدار شهادات عن هذه التجربة ، على حساب التيار المنادي بالمقاطعة التامة والذي يرى أن المشاركة استجابة من القضاة للضغوط والإغراءات الحكومية . وأكد المستشار أحمد مكي نائب رئيس نادي القضاة أن التيار الغالب بين أوساط القضاة يرجح المشاركة والإشراف على الانتخابات الرئاسية القادمة ، نافيا أن يكون ذلك تراجعا عن مواقف نادي القضاة الذي ربط بين الإشراف وبين إقرار قانون السلطة القضائية ، وأوضح مكي أن مشاركة القضاة تأتي ضد رغبة النظام الراغب في تغييب القضاة ومنعهم من مباشرة الإشراف حتى يستطيع تكرار سيناريو الاستفتاء. وأوضح مكي أن القضاة مازالوا متمسكين بمطالبهم الخاصة بإقرار قانون السلطة القضائية وتوحيد القضاء وإلغاء المدعي الاشتراكي ومحكمة القيم والقضاء العسكري لذا فلا تراجع عن الإصلاح ، فالمشاركة مع التقييم والشهادة تعد أفضل من المقاطعة والسلبية. وانتقد مكي قرار اللجنة القضائية باستبعاد 1700 قاض من المشاركة في الإشراف على الانتخابات ، مشيرا إلى أن هذا القرار يعد نقطة سوداء في تاريخ هذه اللجنة وتعكس تركيبتها الحكومية متوقعا أن تعدل اللجنة عن قرارها وتتيح مشاركة هذا الكم الكبير من القضاة الإصلاحيين في الإشراف على الانتخابات الرئاسية.