* نقل التمثال من ميت رهينة عام 54 جاء في احتفال ضم قيادة الثورة وحاليًا الإعداد لنقله فجرًا بحجة المرور! * رمسيس يترك الهواء الطلق وأكبر الميادين إلى حجرة بالمتحف الجديد تشعره بالاضمحلال والانزواء! * نقل التمثال سيمحو اسم رمسيس من ذاكرة الجماهير وهو أمر يسعد الصهاينة * محافظة القاهرة رفضت نموذج للتمثال بالحجم الطبيعي.. والبعض يخشى تكرار تجربة ماهر الجندي في نفاق الرئيس! * تكاليف نقل التمثال مبالغ فيها ولا يوجد تأمين واختفاء الشفافية في إيرادات البث التليفزيوني
كتب/ علي القماش
بعد أسابيع معدودة سوف يفاجأ من شاهد تمثال رمسيس أثناء عودته من عمله في المساء بعدم رؤيته في الصباح حيث سيتم نقل التمثال فجرًا وتحدد له يوم 25 أغسطس الجاري.. سوف ينتقل التمثال بوجهه المشرق مع كل شمس على الملايين القادمين والراحلين من أكبر محطة للقطارات في مصر ليدخل "الحظيرة" حتى لو أطلقوا على المكان المنقول إليه اسم متحف فهو مخصص له حجرة أو صالة بارتفاع 25 مترًا ومهما كان السقف عاليًا فهو مكان مغلق ولا نعرف أين ما يطلق عليه عماء الآثار عن الحدائق المتحفية أي عرض بعض الآثار ذات الطبيعة الخاصة في الهواء الطلق؟!.. وبهذا سوف يتضاءل تمثال رمسيس العظيم أمام الأهرامات بهالتها وحجمها وهي تطل على المتحف الجديد بينما يبدو رمسيس بداخله منزويًا وأشبه بالخائف أو الهارب أو "اللي عامل عملة" ويتوارى داخل دهاليز المتحف! يذكر قدامي الإعلاميون أنه عند نقل تمثال رمسيس عام 1954 من مكان اكتشافه بميت رهينة حتى الميدان الذي أطلقوا اسمه عليه تم تخصيص نقل إعلامي على محطات "الراديو" – حيث لم يكن "التليفزيون" دخل مصر بعد!- وجاء هذا النقل المباشر وسط وقوف الجماهير طوال الطريق إلى أن استقبل التمثال قيادات مجلس قيادة الثورة استقبال يليق باسم ملك عظيم في تاريخ مصر.. ولكن يبدو أن هذه المرحلة ذهبت بكل معانيها من وجدان المسئولين فنجد رحيل رمسيس فجرًا أي في وقت أشبه بالسرقة أو الاختلاس أو الهروب من نظرة عامة الناس والمرسوم عليها علامات التعجب لألف سبب وسبب ويجيء اختيار هذا التوقيت بدعوى أنه أنسب للمرور رغم أن أيام الجمعة أو الأحد يمكن أن تستوعب عملية النقل.. كما يمكن تعطيل المرور بعض الشيء فرمز رمسيس لا يقل عن من يتعطل بسبب مواكبهم المرور!.. ونعتقد أنهم لن يحضروا هذا الموكب! ومع نقل رمسيس من أمام أعين الملايين التي تراه كل يوم سوف يتراجع اسمه رويدًا رويدًا من ذاكرة ووجدان المصريين وسيصبح ذكرى للقادمين للقاهرة من وجه بحري أو الصعيد.. وجيل بعد جيل سيذهب اسم رمسيس في طي النسيان بينما نجد الإجابة من بعض المسئولين بوزارة الثقافة أن التماثيل ليس مكانها الميادين وهو قول يعني ملعون تخلف الغرب الذي يضع التماثيل والمسلات في الميادين، بل إنهم من عشق روعتها تقوم هذه الدول باستنساخ نماذج لها ووضعها في الميادين الأخرى وكل من زار بولندا وغيرها وجد استنساخ للمسلات المصرية ووضعها بميادين بخلاف وضع الأثر الأصلي في ميدان.. والأغرب أن محافظ القاهرة لم يعرف بعد ماذا يفعل بالميدان بعد نقل التمثال؟!.. سوف يقولون أن أنسب مكان للتمثال هو المتحف الجديد وهو أفضل من موقعه الحالي أو مكانه الأصلي بقرية ميت رهينة والتي كان رجوع التمثال إليها فرصة للنهوض بها لإنقاذ الآثار الأخرى وتحويلها إلى متحف في مكانه الطبيعي.. ويقولون أن من يريد رؤية التمثال فأمامه المتحف الجديد ولكنهم لا يعرفون أن المواطن البسيط لا يملك ثمن تذكرة المواصلات التي تصل به إلى المتحف فمن أين يوفر تذكرة الدخول؟.. لا يهم فبيت القصيد بالنسبة للوزارة هم الأجانب وهي إجابة تؤكد أن الوطن أصبح ملكًا للأجانب في كل شيء فلماذا يكون هناك شيئًا أو موضعًا للمصريين؟! سوف يختفي التمثال عن عيون البسطاء والكادحين.. الفلاحين والصعايدة وأولاد البلد مثله مثل اختفاء النيل الجميل تحت التلوث أو خلف العوامات والتي لا يجرؤ محافظ من محافظات القاهرة الكبرى الاقتراب منها والاعتراض عليها أو خلف أندية المثقفين (!!).. ومثله مثل ما توارت أعظم الآثار وراء الحضار ة الأسمنتية فطاولت الأبراج الأهرامات واختفى مسجد الغوري الرائع خلف باعة الملابس.. وتوارت آثار الأقصر وأسوان وغيرهما خلف العشوائيات.. وها هي القلعة تصارع بناء ثمانية أبراج بتصريح من محافظة القاهرة ودون الرجوع لمجلس الآثار ليسمح بارتفاع البناء حتى منسوب قبة مسجد محمد علي وسط مدينة عبثية تضم ملاهي وأسواق وغيرها ويجيء هذا بعد أن نجت القلعة بأعجوبة من خلال حكم قضائي أوقف بناء فندق تحت إشراف وزير الثقافة بمنطقة باب العزب داخل القلعة ذاتها!.. إنه الاغتراب الذي نعيش فيه حتى لو اعتبرالبعض طمس وتشويه القلعة يقصد به الاعتداء على اسم البطل صلاح الدين أو نقل رمسيس من وسط العاصمة يرضي اليهود من قبيل المزايدات السياسية.. إن الواقع الحقيقي يؤكد أننا أصبحنا نعاني القبح رغم أن مسمى وزير الثقافة يضاف إليه في منصبه.. والتنسيق الحضاري (!!).. وكم جاء التمني مع نقل تمثال رمسيس أن يتم وضع مكانه نموذج لنفس التمثال وبنفس الحجم وأن ترتفع القاعدة إلى عشرة أمتار لتعلو الكباري وقد أكد د. زاهي حواس – الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار – إهداء المحافظة نموذج للتمثال بنفس الحجم إلا أن المحافظة رفضته وهو ما اضطره إلى الإعداد لإرساله إلى مدينة العريش ليتم وضعه أمام متحفها.. وهو أمر يكشف عن عجائب المحافظة التي تركت شوارعها تعج بالقمامة بعد أن كان يتم غسيلها.. وتركت ميادينها الكبرى بلا تخطيط أو إعادة النماذج الفنية الرائعة إليها مثلما حدث مع ميدان التحرير وها هو ميدان رمسيس الذي ترفض المحافظة وضع نموذج للتمثال به بينما شرعت في بناء جراج قميء رفضه علماء البيئة وكل متذوق للجمال فاضطر رئيس الوزراء إلى إيقاف استكماله بعد إهدار ملايين الجنيهات كان يمكن توفيرها لو أن المحافظة استشارت أصحاب الرؤية الجمالية دون اقتصارها على أراء من حولوا الميادين إلى سجون! ترى هل يجيء إصرار المحافظة على عدم ترك تمثال رمسيس أو نموذجًا له لتدخر الميدان ليكون فرصة لنفاق الرئيس مبارك بوضع تمثالاً له على طريقة نفاق محافظ الجيزة المسجون ماهر الجندي عندما أعد مسلة وتمثال قميء للرئيس وهو ما استنكره الرئيس مبارك وقتها! أما أعجب ما في الأمرفإن المكاتبات الصادرة من وزارة الثقافة تشير إلى موافقة الوزير بطرح عملية نقل التمثال في مناقصة انتهت إلى تحرير عقد مع شركة المقاولون العرب في 27/3/2004 لتكون مدة التنفيذ بشقيها الدراسات خمسة أشهر والتنفيذ أربعة أشهر لتكون إجمالي المدة تسعة أشهر.. وقد تسلم الموقع في 19/4/2004 وبذلك يكون الموعد الأصلي لعملية نقل التمثال في 19/1/2005. وقد أشارت مصادر إلى أن عدم الالتزام بالموعد المحدد في التعاقد جاءت بأوامر من وزير الثقافة عند الحديث بقرب تغييرات وزارية وهو ما يعني أنه كان يخشى انتقادات ومعارضة عند نقل التمثال قد تؤثر عليه.. وربما كا يفسر طريقة نقل التمثال والتي تجيء أشبه بالاستحياء من العمل! هذا وقد عارض نقل التمثال عدد من العلماء والمهتمين بالآثار نذكر منهم: د. عبد الحليم نور الدين ود. ياسمين زيدان ود. حجاجي إبراهيم ود. علي صبري ود. ممدوح يعقوب وغيرهم... وتتلخص أوجه الاعتراض على نقل التمثال في الآتي: - نقل التمثال يؤثر على سلامته ولو بنسبة بسيطة ولكنها محتملة. - كان يمكن معالجة التمثال من التلوث وكذلك معالجة الذبذبات بتأثير حركة المترو كما جرى مع تمثال إبراهيم باشا بميدان الأوبرا بالعتبة وغيره من التماثيل. - كان يمكن لتفادي انخفاض التمثال بالنسبة للكباري الجديدة وضع قاعدة جديدة للتمثال بارتفاع عشرة أمتار. - توجد مسلات أثرية في معظم ميادين العالم ولم يتم نقلها بسبب عادم السيارات وهو عادم موجود حتى لو قلت نسبته عن مصر. - المبلغ الذي تم إرساء المناقصة عليه وهو ستة مليون و223 ألف جنيه مبالغ فيه حتى لو قيل أنه من خلال مناقصة. - كان يمكن الاستعانة بالقوات المسلحة والمهندس الذي أشرف على نقله عام 1954 وهو المهندس صادق نجيب وهو حي يرزق وبالطبع الأمر في هذه الحالة سيكون أقل تكلفة وأكثر أمانًا. - لم يذكر التعاقد قيمة للتأمين والقول بأن الأثر لا يقدر بثمن لا يعفي من وضع تأمين للتمثال. - هناك عدم شفافية في إيرادات ومصروفات البث التليفزيوني والفضائيات. - للتمثال تواجد في وجدان المصريين ونقله يمحوه من الذاكرة. - عملية النقل تسعد اليهود لأنهم يكرهون رمسيس. - توجد تماثيل أصلية أخرى لرمسيس بميت رهينة وغيرها كان يمكن الاستعانة بها في المتحف الجديد بدلاً من التمثال الحالي. - وضع التمثال في مقابل الأهرامات يصوره بالاضمحلال ووضعه بحجرة أو صالة بالمتحف تحت سقف يصوره بالإنزواء. - نقل التمثال من ميدان رمسيس للازدحام والتلوث يعني نقل المتحف الإسلامي بباب الخلق والمتحف المصري بميدان التحرير وغيرهما وهو ما يهدد الآثار أثناء النقل كما يؤدي إلى إهدار مبالغ طائلة.
ومن جانبه دعا د. زاهي حواس العلماء المعارضين ضمن لجنة الإقرار نقل التمثال وهو أمر يحمد عليه إلا أن معظم العلماء المعارضين لم يحضروا الاجتماع وقد رأى بعضهم أن حضورهم لن يجدي بل سوف يحسب عليهم إذ أن القرار كان قد اتخذ بالفعل وتم اتخاذ تجارب للنقل والبعض لم يحضر نتيجة خطأ من مكتب د. حواس حيث جاء الاتصال بهم للحضور قبيل الاجتماع بيوم واحد وهي فترة لا تكفي لتغيير الارتباطات أو العودة من السفر من خارج القاهرة.
رمسيس في الصندوق!!
هذا وقد حضر اجتماع اللجنة عشرات المسئولين من بينهم مديرو المرور والمسئولين بشركة "المقاولون العرب" المسئولة عن عملية النقل ولم يعترض سوى د. ممدوح يعقوب في جزئية تفضيل عودة التمثيل إلى ميت رهينة بدلاً من المتحف الجديد وقد عقب عليه د. حواس بأنه يوجد تمثال لرمسيس بميت رهينة وأن القرية لا تسر مع البيوت المتواضعة والإهمال ومن الأفضل النقل للمتحف الجديد.. وقد تم عرض صور للتمثال أمام اللجنة اتضح من خلاله وجود أجزاء مفقودة من التمثال ومظاهر للتلف بالتاج من الأمام والخلف وشرخ في الذراع الأيسر والقدم.. وأن مراحل النقل والعمل سوف تجيء من خلال تدعيم وتجهيز القاعدة الخرسانية الموجودة وتركيب نظام معدني حامل للتمثال ثم قطع وفصل القاعدة الخرسانية باستخدام منشار "ألماظ" ثم تنزيل التمثال والنظام الحامل له ونقله داخل صندوق أو قفص يحيط به بالاستفادة من طريقة النقل السابقة واتخاذ كافة العوامل لتأمين النقل وعدم التحميل من جسم التمثال مباشرة، وأن يظل التمثال واقفًا مثل وضعه الحالي أثناء عملية النقل وأن تكون عملية التامين مزدوجة في كافة المراحل.. وأن يتم النقل على كاسحتين كل واحدة تشمل من 64 عجلة وهو ما يعني تحمل كل عجلة لأقل من 2 طن وأن يجيء توزيع الارتكاز أشبه بالمثلث 2 بالخلف وواحد بالأمام ونقطة الارتكاز ومحل التمثال بالوسط. وأشار الأثريون إلى أنه تمت ترجمة النصوص الهيروغليفية الموجودة على جسم التمثال.. كما أجريت الأبحاث والدراسات باستخدام أحدث التقنيات في أعمال التوثيق الأثري حيث تم رصد حوالي 30 مليون نقطة على جسم التمثال، وأوضحت الدراسات الجيوفيزيقية المون المستخدمة في أعمال ترميم الشروخ واستكمال الفواصل عند ترميمه أول مرة. وجاء بالتقرير الفني تعرض التمثال لتأثير العوامل الجوية ووجود بعض التقشر في الجزء الأوسط من المسطرة في ظهر التمثال وبعض الأجزاء في المسافة بين الساقين وهو ما يضعف التمثال كما أن هناك كسور وفواصل في كتلة التمثال خاصة في منطقة القدمين والساقين وتم ترميمهما وتعويض الأجزاء المفقودة من نفس حجر الجرانيت ويوجد بأجزاء التمثال مواد لا صقة وخوابير مثبتة لعدد من أجزاءه. وفي 17/7/2006 تم عمل البصمة الديناميكية على كوبري المنيب عن طريق هندسة الكهرباء لتجربة التحميل على الكوبري.. وفي 21/7 تم تحميل وزن 30 طن للتجربة بالسير في نفس مسار نقل التمثال وفي 25/7 تم زيادة نموذج التحميل إلى 60 طن وفي 28/7 تم نقل نموذج للتمثال والذي يزن 83 طنًا "كبروفة" أخيرة قبل نقل التمثال في 25 أغسطس الجاري. وإذا كان هذا العرض قد يطمئن نسبيًا في تأمين عملية نقل التمثال إلا أن الإجابة عن كافة تساؤلات العلماء لم تنته بعد وإن كان أمام الأجهزة الرقابية ومن بينها جهاز المحاسبات مراقبة الأعمال المالية.. وأمام محافظة القاهرة فرصة لمراجعة الأمور بالاستفادة من نموذج رمسيس بدلاً من نقله إلى العريش وأمام وزارة الثقافة فرصة لتأكيد التنسيق الحضاري وأمام المجلس الأعلى للآثار فرصة لفتح ذراعيها للعلماء المعارضين بحق وليس للاستعراض قبل فوات الأوان.. أما المواطن البسيط فسوف يقال له أن الناس لا ترى التمثال من نوافذ السيارات نظرًا لازدحام الميدان رغم أن هذا المواطن لا يستطيع ركوب سيارة من الأساس سواء لعدم امتلاكه سيارة أو لارتفاع أسعار البنزين!!