مناقشة مخاطر التغيرات المناخية وشح المياه.. تفاصيل لقاء وزير الري ورئيس العراق    وكيل تعليم بورسعيد يكرم المدارس المشاركة في معرض أهلا رمضان 2024    إكليل وخواتم وصلبان.. مظاهر استقبال مبهجة لأقباط بورسعيد احتفالا ب"أحد الزعف".. صور    بعد توجيه السيسي.. إليك تخصصات البرمجة الدراسية وعلوم البيانات بالجامعات المصرية    توقف ضخ مياه الشرب عن الأحياء مساء.. مواعيد تطهير خزانات المياه بمدينة طور سيناء    اقتصادية النواب توافق على مشروع موازنة تنمية التجارة الداخلية    بنك التعمير والإسكان ومؤسسة السويدي يفتتحان "أكاديمية السويدي وبنك التعمير والإسكان الفنية" بمدينة السادات الصناعية    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس مجلس النواب البحرينى    جانتس يهدد بإسقاط الحكومة الإسرائيلية إن عارضت مقترحا جيدا لصفقة تبادل    البرلمان العربي يدعو لفتح تحقيق دولي عاجل في جرائم المقابر الجماعية بمستشفيات غزة    الخارجية السعودية: إعلان دولة فلسطينية مستقلة هو الضامن الوحيد لعدم تكرار الحرب    الأونروا: أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة    الاتحاد الأوروبي: بوادر الحرب العالمية عادت من جديد، والمواجهة النووية احتمال واقعي    حافلة الزمالك تغادر لملعب مباراة دريمز الغاني    لابورتا يحسم مستقبل كوبارسي مع برشلونة    منتخب مصر يرفع رصيده ل 8 ميداليات في ختام بطولة مراكش الدولية لألعاب القوى البارالمبي    مباشر مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس مصر لكرة الطائرة    تأجيل محاكمة متهمة بإحداث عاهدة مستديمة لسيدة بمنشأة القناطر ل 29 مايو    مسجلا خطر وراء سرقة عمود إنارة في شبرا    تأجيل محاكمة 14 متهما ب "خلية تفجير كنيسة النعمة الأولي بالمرج" لمرافعة الدفاع    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    بإطلالة صيفية" مي عمر تخطف الأنظار.. والجمهور: "بتجنني"    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    صدى البلد يكرم منة فضالي بعد نجاحها في موسم رمضان الدرامي.. صور    أخبار الفن.. ميار الببلاوى فى مرمى الاتهام بالزنا وعبير الشرقاوى تدافع عنها.. الكينج وشريف منير يكذبان حسن شاكوش    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    وزير العمل يعلن موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    الزنك وزيت بذور القرع يسهمان في تخفيف أعراض الاكتئاب    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    الرئيس السيسي: «متلومنيش أنا بس.. أنا برضوا ألومكم معايا»    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    وزير العمل: 5 و6 مايو إجازة بأجر للقطاع الخاص بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الصحة الفلسطينية: 7 مجازر إسرائيلية جديدة فى قطاع غزة خلال 24 ساعة    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكة والمسجد الأقصى والإسلام
نشر في الشعب يوم 10 - 02 - 2007


yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
a-9-0. maktoob.com

إن القيام بواجبات المسجد الأقصى أوالسعي لتلمس بركاته وبركات ما حوله لا يصح أن يكون في غفلة عما يعد له وللمسلمين من عدوان يتم فيه استئصال الإسلام والمسلمين من منطقة الشرق الأوسط لحساب الأصولية المسيحية الصهيونية استكمالا لمحاولات لم تهدأ منذ ظهر الإسلام .
إن الغفلة الثقافية عن هذا العدوان لا تعدو أن تكون مؤامرة ضد الإسلام بدأت منذ أن تطلع اليهود والنصارى للاستيلاء على الجزيرة العربية منذ ما قبل البعثة الإسلامية ثم انتعشت ابتداء من الحروب الصليبية ، وامتدادا مع خطط التبشير والاستعمار والصهيونية والهيمنة الصليبية في سلسلة متتابعة منذ ظهر الإسلام حتى اليوم
ففي مؤتمرات التبشير يصرح القس زويمر والقس جيمس كانتين عندما تأسست الإرسالية العربية الأمريكية عام 1889 بقولهما ( إن للمسيح الحق في استرجاع الجزيرة العربية (؟) وادعيا أن الدلائل التي تجمعت لديهما تؤكد أن المسيحية كانت منتشرة في هذه البلاد في بداية عهدها ، لهذا – كما يقولان – فإن من واجبنا أن نعيد هذه المنطقة إلى أحضان المسيحية )
وبالنسبة للحروب الصليبية نتذكر هنا أنه بعد أن غزا نقفور الصليبي الحمدانيين عام 964م استعد لغزو جديد فأرسل إنذارا إلى الخليفة العباسي في بغداد يهدده بالويل والثبور ، وينذره بأن الجيوش البيزنطية لن تلبث أن تستولي على بلاد العراق والشام ومصر ، وأنه من الخير للخليفة أن ينسحب إلى بلاد الحجاز ، ويترك تلك البلاد لأصحابها القدامى البيزنطيين!! – هكذا في دورة مبكرة من منطق الاستعمار الذي سيظهر في القرن التاسع عشر من بعد في المنطقة –وكان إنذاره يفيض بالروح الصليبية ، إذ ضمنه – كما يقول الدكتور سعيد عاشور – ( عبارات دينية ، وتهديد صريح بهدم الكعبة ، ونشر المسيحية ، في الشرق والغرب جميعا ) أنظر كتابه " الحركة الصليبية " نشر الإنجلو ، ج 1 ، ص 60-61
ولقد أقدم أرناط الصليبي صاحب الكرك بعد ذلك في عام 578 ه على تدبير حملة صليبية قصد بها الحرم النبوي الشريف ، وأنشأ سفنا حملته ورجاله بالفعل إلى شاطئ الحجاز ، حيث كما ذكر المؤرخون المسلمون : ( عظم البلاء وأعضل الداء وأشرف أهل المدينة النبوية منهم على خطر عظيم ) ، وأصبح الفرنجة على مسيرة يوم واحد من المدينة ، ونزلوا على ساحل قرب ينبع ، وكان صلاح الدين إذ ذاك على حوران – لكن فأين صلاح الدين اليوم – فلما بلغه الأمر بعث إلى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر – وهاهي مصر جزءا من دولة إسلامية كبرى - وأمر بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب على أسطوله وإرساله خلف العدو ، ومنيت هذه الحملة الصليبية بالفشل الذريع ، إذ تعقب حسام الدين سفن الفرنجة ، فأحرقها وأسر من فيها ، وتعقب الهاربين منهم بين الجبال ، وأسرهم جميعا ، وحملهم إلى القاهرة ، وكان لدخولهم يوم مشهود وللعقاب الذي نزل بهم عبرة تذكر ) . أنظر " الأنس الجليل " للمقدسي ج1 ص 316 ، والحركة الصليبية للدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور ج1 ، ص 78 .

وهاهو القائد البرتغالي – قبل أن يضع قدمه على أرض الخليج في القرن السادس عشر الميلادي - يرسل إلى إمام عمان الرسالة التمهيدية التبشيرية التالية –: ( من ربان برتغالي إلى الإمام سيف بن سلطان الأول اليعربي : أنتم يا من تحكمون على رعاياكم في خلافاتهم تعلمون أننا جيش الله ، ولقد خلقنا لنكون أداة لعقابه الإلهي ، ووهبنا السيطرة على الذين يحل بهم سخطه ، إننا لا نرحم على من يشكو .. أو نشفق على من يبكي ) أنظر: أنظر سعيد حارب نائب مدير جامعة الإمارات في كتابه " الخليج العربي أمام التحدي العقدي " نشر مكتبة الأمة في دبي ط 1 عام 1985 م
.: لغة ما أشبهها اليوم بلغة الرئيس المبشر بوش الثاني – ومنها ما جاء في خطابه أمام جنوده في قاعدة قطر بعد احتلال العراق بقوله ( ليعلم العالم أن أمريكا قوية وأنها رحيمة !! ) وما أشبهه فيما جاء في رسالته تلك من صلف وإرهاب وكراهية وتسلط وعداء للإسلام : ما أشبهه بمزيج من جنكيز خان وهولا كو وبوش جميعا .

فهل أقلع الغرب الحديث عن أحلامه الصهيونية تلك في الجزيرة العربية التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم في رؤيته النبوية الاستراتيجية ؟ ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصتها .. (
كيف يظن بعض الغافلين المتناومين ذلك وهاهو الغرب أمامهم يضع القدس ومكة والمدينة والجزيرة العربية عموما ضمن خططه التبشيرية الصهيوينة
لقد كان اهتمام الدول الاستعمارية بالمنطقة بعد فشل الاستعمار البرتغالي في اقتحام الجزيرة في ذلك الوقت وما يزال مرتبطا أشد الارتباط بالتنصير ، وليس بعيدا عن ذلك قرار لويس الرابع عشر عام 1679 بتعيين كبير دير الكراملة بالبصرة قنصلا فرنسيا بها ، وما تلا ذلك من تتابع أحد عشر قسيسا في القيام بواجبات القنصل في البصرة بين عامي 1679 – 1739 ( سعيد حارب )
(1)وكما هو الحال اليوم من ارتباط واضح بين التبشير والاستعمار والغزو العسكري والسياسي الذي تم أخيرا في احتلال العراق والخليج بعامة فلقد كان الأمر كذلك فيما جاء في تقرير اللجنة الثالثة من لجان مؤتمرأدنبرج التبشيري الذي عقد عام 1910 م مما يؤكد التلاحم بين التبشير والاستعمار إذ يقول اللورد بلفور في ختام أعمال اللجنة المذكورة ( إن المبشرين هم ساعد لكل الحكومات في أمور هامة ، ولولاهم لتعذر عليها أن تقاوم العقبات ، وعلى هذا فنحن في حاجة إلى لجنة دائمة يناط بها التوسط والعمل لما فيه مصلحة المبشرين ) ولقد أجيب اللورد إلى اقتراحه أثناء انعقاد المؤتمر المذكور : انظر " الغارة على العالم الإسلامي " تأليف : أ د شاتلييه ، ترجمة مساعد اليافي ، ومحب الخطيب ، المطبعة السلفية عام 1330 ه ص 72
(2) وكما هو الحال اليوم من ارتباط واضح بين التبشير --- أنظرالرئيس المبشر بوش وهدفه في نشر المسيحية في العراق --- والاستعمار والاقتصاد--- في نفط الخليج بعامة --- فلقد كان الأمر كذلك في بداية الطرق على أبواب الخليج منذ بدايات القرن العشرين ، وانظر في ذلك ما يقوله رئيس غرفة التجارة في هامبورج تعليقا على أهمية مؤتمر أدنبرج التبشيري المذكور أعلاه : ( إن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات ، وأهم وسيلة للحصول على هذا الأمنية إدخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأنه هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الوجهة الاقتصادية ) أنظر "الغارة على العالم الإسلامي "
(3)وكما هو الحال اليوم من الارتباط الواضح بين التبشير ( الرئيس المبشر ) والثقافة والتعليم في احتلال العراق حيث المطالبة بإعادة تأهيل الدعاة – شأن المعوقين !! - و بتغيير الثقافة الدينية والمناهج التعليمية والإعلامية و.. إلخ كان الحال هو نفس الحال في بدايات إطلالة التبشير على المنطقة ، كما جاء في قرارات مؤتمر لكنو عام 1911 أن خطة التنصير تلك تمر من خلال إنشاء ما يسمونه الإسلام الجديد ، وهاهو القس ينغ يقول في المؤتمر المذكور : ( انه لقد أزف الوقت لارتقاء العالم الإسلامي عن طريق النصرانية وسيدخل الإسلام في شكل جديد من الحياة والعقيدة ، ولكن هذا الإسلام سينزوي ويتلاشى أمام النصرانية ) الغارة ص 110
(4) ولقد عمل التنصير في الماضي كما هو في الحاضر على تحطيم أي تجمع إسلامي بتهمة ما يحركه ذلك التجمع من الإرهاب والكراهية والحقد ضد الغرب ، فقد جاء في ختام تقرير للقس سيمون في مؤتمر لكنو عام 1911 عن حركة الجامعة الإسلامية في ماليزيا قوله ( إن العامل الذي جمع هذه الشعوب وربطها برابطة الجامعة الإسلامية هو الحقد الذي يضمره سكان البلاد للفاتحين من الأوربيين ( هكذا ) !! ، ولكن المحبة التي تبثها إرساليات التبشير النصرانية ستضعف هذه الرابطة وتوجد روابط جديدة تحت ظل الفاتح الأجنبي ) الغارة ص 105
(5)وعند ما يظهر للتنصير عجزه الفاضح عن تنصير المسلمين في البلاد الإسلامية – ومنه بالطبع الجزيرة العربية – فإنه كان يكتفي – وفي بعض الأحيان يفضل الاكتفاء – بإخراجهم من الإسلام : يقول القس " إكسنفلد " في مناقشة له بمؤتمر أدنبرج التبشيري الذي أشرنا إليه سابقا بعد أن صرح بأن ( الخطر الإسلامي صار أمره معروفا للجميع ) يقول : ( إن الحكومة لا بد لها من القيام بتربية الوطنيين في المدارس العلمانية مادام هؤلاء المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية ) الغارة ص 83 . وانظر اتساع الحركة العلمانية في الجزيرة العربية اليوم
(6) ومن هنا أخذت حركة التبشير في تطوير أدواتها ، فبدلا من الانكباب المباشر على محاولاته الفاشلة في إدخال النصرانية بأسلوب مباشر أخذ يلجأ – في الجزيرة كما في بقية العالم الإسلامي – في الماضي كما في الحاضر – أخذ يلجأ إلى وسائل التعليم والتمريض وإطعام الطعام ، وإلى جانب ما كانوا ينشئونه من مدارس تستقطع جزءا ولو ضئيلا من وقتها للتعريف بالنصرانية – وتلك هي أغلب المدارس الأجنبية الخاصة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي - أخذوا يتسللون ويطالبون بجزء من الكعكة في الجزيرة العربية ، ويتسللون إلى خطط الدول والحكومات في نشر التعليم لكي يجردوها تماما من تدريس الدين الإسلامي أو الاهتمام به ، أو تجريده مما يريدون القضاء عليه من الجهاد والعقيدة ، ولكي يقيموها على أسس علمانية صريحة تنتسب إلى هذا المذهب التربوي أو ذاك ، بدءا من سياسة دنلوب التعليمية على يد الاستعمار الإنجليزي في مصر ، ووصولا إلى السيطرة الحالية التي تتمتع بها مدرسة جون ديوي التعليمية على مناهج التربية والتعليم في جميع البلاد الإسلامية ، وانتهاء إلى خطة تجفيف الينابيع " الوهابية " التي تفرضها الولايات المتحدة أو تكاد تفرضها على الجزيرة العربية التي أفلتت سابقا في أيام الاستعمار الإنجليزي من هذا المصير
(7) وإلى جانب إقامة حركة التنصير لمؤسسات تعليمية تشرف عليها أو تتسلل إليها فإن اهتمامها كان في الماضي وما يزال في الحاضر ، في الجزيرة العربية كما في غيرها بإقامة المستشفيات يدخلها المسلمون ليجدوا فيها في بداية الأمر تنصيرا فظا ، وعندما تفشل هذه الأساليب الفظة يطور التبشير من أدائه في المستشفيات ، ويكتفي بمظاهر من النصرانية وإيحاءاتها التي يحيط بها المريض ، من نحو إغراقه في الخدمة الممتازة والمجاملات المحسوبة، وإغراقه بالحنان المفتعل في صحوه ونومه ، وتفتح عينيه على صورة العذراء أو رمز الصليب إلخ مما يقلل من مقاومة المريض للعقيدة الأخرى ، ويجعله راغبا في الاستماع إلى أصحابها ، أو على أقل تقدير يجعله متسامحا في تقبل أنشطة لهم لم يكن يتسامح فيها من قبل
(8)إن هذا التبشير لا يستهدف كما يظن بعض السذج إدخال المسلم في النصرانية – حيث يبنون على ذلك استحالة اختراقه للبلاد الإسلامية الأصيلة وفي مقدمتها بالطبع الجزيرة العربية – ومن ثم يتهاونون في مواجهة الخطر - ولكنه بالإضافة إلى ما يمكن من ذلك يستهدف خلع المسلم من الإسلام وإلباسه ثوب العلمانية ، باعتبار أن الإسلام هو عنصر المقاومة الوحيد الذي يقف في طريق الحملات الاستعمارية الصليبية المستمرة منذ قرون ، والتي تداعت إلى أكل القصعة ، منذ ما سمي في التاريخ المعاصر " المسألة الشرقية " أولا ثم في مرحلة تالية " مشكلة الشرق الأوسط " ثم الشرق الأوسط الكبير
لقد كان اهتمام الدول الاستعمارية بالمنطقة بعد فشل الاستعمار البرتغالي في اقتحام الجزيرة في ذلك الوقت وما يزال مرتبطا أشد الارتباط بالتنصير ،
هكذا يرتبط الغزو العسكري بمقولات ثقافية وتبشيرية وهكذا كانت إرساليات التنصير تنزل بالخليج العربي وتعمل عملها بالمنطقة ، وكان اهتمام الدول الاستعمارية بالمنطقة قد ابتدأ من البرتغال ( 1522- 1640 ) إلى فرنسا وهولندا ثم بريطانيا ( 1798 – 1971 ) ثم بريطانيا وأمريكا منذ عام 1991 – 2003 ، وهو مستمر بعد احتلال العراق واحتلال الكويت وبعض قطر ، وبعض مواطن ظاهرة أو مستترة في السعودية والإمارات والبحرين ، تحت أسماء سياسية ودبلوماسية من الاتفاقيات التي تعقدها الولايات المتحدة مع الحكام .
ويخدعوننا بقولهم علمانية
هذه حقائق تنطق بها المراجع التاريخية والخطط المستقبلية ، والوثائق والمؤتمرات وآخرها مؤتمر التنصير الذي انعقد بكولورادو بالولايات المتحدة الأمريكية في عام 1978 م فليقرأ من يشاء ما كتبه الدكتور محمد عمارة عن هذا المؤتمر بعنوان " الغارة الجديدة على العالم الإسلامي " .
وهي ذات صلة حميمة مع الصهيونية حيث هما فكان لكماشة واحدة ، ينطبق أحدهما بالنيابة من الشمال على بيت المقدس ويطبق الآخر بالأصالة من الجنوب على مكة والمدينة
وهاهو الغرب اليوم يواصل هذه الأحلام في خططه المسيصهيونية الحديثة ، التي وضعها قيد التنفيذ .
يتحدث الأستاذ محمود بكري – في جريدة الأسبوع –25 مارس 2002 عن التقرير الذي تبنته مجموعات من اللوبي الصهيوني برئاسة لوري ما داهان والذي تم إرساله إلى أعضاء الكونجرس بعنوان " لم لا " انطلاقا من أن هذه الفكرة – فكرة ضرب مكة وهدم الكعبة – والنقاش حولها مع التصميم عليها يجعلها قابلة للتنفيذ
ويرى التقرير أن ضرب مكة قد يدفع بعض الدول الإسلامية لمقاطعة الولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا ، ويطالب بعدم التعويل على هذا العامل لأن هذه الدول لديها الأماني الكبيرة في أن تبني جسورا الصداقة مع الولايات المتحدة ، إن أقصى عمل يمكن أن تقوم به هو التعبير عن معارضتها لهذا العمل ، وانتقادها لهذا السلوك ، أما إذا تجاوزت هذه الدول حدودها فإنه يجب أن يصيبها ما أصاب مكة ، ويشير التقرير إلى أن المبادرة الهجومية هي أفضل خيار متاح أمام الإدارة الأمريكية ، ويضيف " لن يكفينا ضرب العراق أو التخلص من نظامه الدكتاتوري لأن هذا لن يردع الإرهابيين أو يعفيهم من تنفيذ أعمالهم ، بل إن ضرب العراق من وجهة نظرنا يتساوى في تقدير نتائجه مع ضرب مكة وهدم ذلك الحجر العتيد ، فكلاهما سيحقق ذات الآثار مع أن العمل الأخير – ضرب مكة – سيردع الإرهابيين عن الاستمرار في أعمالهم . ثم يستمر التقرير قائلا : " نحن أمام حرب دينية سواء شئنا أم أبينا ، وكل شعوب العالم الحر لم تسع إلى هذه الحرب الدينية ‍‍‍‍، إننا لابد وأن ننظر إلى هذه الحقيقة من زاويتها الأساسية والصحيحة ، ونحن دائما نعامل أصدقاءنا وندللهم ‍‍حتى ولو كانوا يهددون أمننا ، الوقت لم يعد يحتمل مثل ذلك .. إنها دعوة صحيحة لإعادة تقييم المواقف ، فلتهدم مكة ، وليدمر الحجر ، وليذهب المتطرفون المحمديون إلى الجحيم بأفعالهم "
ثم يتصاعد الموقف حول هذه المذكرة وفقا لمصادر مقربة من دوائر هامة بالكونجرس الأمريكي – كما جاء بمقال الأستاذ مصطفى بكري – جزاه الله خيرا - بجريدة الأسبوع أيضا بعددها في 20 يناير 2003 – فإن الخارجية الأمريكية تلقت مذكرة خطيرة في الأسبوع السابق على صدور هذا العدد من الجريدة قام بتسليمها أحد الأعضاء البارزين للكونجرس الأمريكي ، وأن هذه المذكرة تحمل توقيع ثلاث منظمات يهودية كبرى ، وهذه المنظمات هي تجمع " إيباك " ووقع عنها أديسون هال ، وتجمع أنترناشيونال يونيون ووقع عنها كالوسيم فان ، وتجمع باور جاستس ووقع عنهم ساري عنترا ، وهذه المذكرة الخطيرة التي رفعت صورة منها إلى وزير الدفاع ، تضمنت اقتراحا بأن الحرب على الإرهاب تستوجب من العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة اتخاذ مواقف حاسمة ونهائية حتى يمكن استئصاله من الجذور ، وترى المذكرة أن الوقت بات مناسبا لاتخاذ خطوة باتت ضرورية ، وهي هدم الكعبة أثناء فترة الحرب العسكرية على العراق ، واعتبرت المذكرة أن الفرصة باتت سانحة وبقوة للتخلص من أسس الإرهاب الإسلامي والمعمل الأساسي الذي تجري فيه صناعة الإرهاب في مكة .وأشارت المذكرة إلى أن الأمريكيين والأوربيين باتت لديهم مبرراتهم السياسية والأمنية والاستراتيجية للوصول بالحرب ضد الإرهاب إلى مداها الأقصى أو المدى الذي يمكن فيه أن يتخلص فيه العالم من شرور هذا الإرهاب ومنابعه الأساسية . ولا يتوقف الأمر – وفقا لما جاء بهذه المذكرة – عند حد تعديل المناهج الدينية لاستصال جذور هذا الإرهاب ، وإنما يتعلق الأمر جذريا بالمسجد الحرام ومناسك الحج إذ تقول المذكرة " إن مناسك الحج إلى الكعبة هي أخطر المناسك التي يجتمع فيها ملايين المسلمين من كل أنحاء العالم لتدبير المؤامرات والعمليات الإرهابية ضد الإفراد والمصالح الحيوية لدول العالم " وتضيف المذكرة قائلة– وفقا لما جاء بمقال الأستاذ مصطفى بكري - " إن هدم البناء الذي يطلق عليه الكعبة سيمثل أحد الأسس اللازمة للقضاء على الإرهاب الإسلامي ، وأنه طالما استمر هذا البناء كما هو في إعداد الجماعات الإرهابية فستبقى الجماعات الإرهابية في تزايد مستمر ، وستتمكن من تنفيذ مؤامراتها بعيدا عن المتابعة الدقيقة " وتقترح المذكرة " أن يتم هدم الكعبة من خلال قيام إحدى الطائرات المحملة بالقنابل بتفريغ حمولتها خلال الحرب ، ثم يتم الادعاء بأنها أفرغت حمولتها خطأ أو بأن الطائرة التي قامت بالهجوم طائرة عراقية " { قبيل غزو العراق } وقالت المذكرة " إن العملية ستكون أكثر صعوبة قبل تنفيذها ، وسوف تتعرض لمناقشات مطولة حول العواقب الاستراتيجية للقيام بها إلا أنه وبعد تنفيذها سيدرك العالم أن حجم الإرهاب الإسلامي قد تقلص إلى درجة كبيرة " ونوهت المذكرة إلى أن ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي لن تكون كبيرة خاصة وأن العديد من الحكام لن يسمحوا للجماهير بالتظاهر والخروج إلى الشوارع ، كما وأن المصالح الأمريكية والغربية يمكن حمايتها وتشديد الحراسة عليها " ولم تستبعد المذكرة أن هذه المصالح ستتعرض لبعض المخاطر إلا أنها اعتبرت أن هذه المخاطر ستكون محدودة بالقياس إلى الخطر الإستراتيجي الذي يمثله الإرهاب الإسلامي "ولم لا ؟ أليست تقول الدعاية الصهيونية في تصريحاتها في ( 12 62003 ) وهي تدافع عن ضرب المقاومة الفلسطيينة : إن الفلسطينيين سوف يشكرون إسرائيل فيما بعد على أن خلصتهم منها ؟ هكذا
إن الغرب وضع وما يزال يضع مكة والمدينة والجزيرة العربية عموما ضمن خططه التبشيرية الاستعمارية ، كما قدمنا ، وهي أطماع ترتبط عضويا بأحلام الكيان الصهيوني الذي وضع مشروع دولته من البحر إلى الفرات إلى النيل ، والذي كانت هتافات جنوده والرسميين فيه أثناء دخوله القدس عام 1967 : يالثارات خيبر ، محمد مات ، خلف بنات ،!
إنها اليوم حرب صهيو صليبية أعلنها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش في وعي ، أو في زلة لسان كما يقول المثبطون .
إن استيلاء الصهاينة على المسجد الأقصى في حرب 1967 كان هو الخطوة التجريبية الأولى لضرب المسجد الحرام ، والجائزة الكبرى التي قدمها الغرب لإسرائيل ثمنا لتمكينه من مواصلة الزحف إلى مكة ، وهي عملية يتم الإعداد لها الآن تحت ذريعة مؤامرة الإرهاب الذي قام بضرب بعض المباني في مدينة نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وما ضرب العراق إلا غطاء للحرب على الإرهاب وهي الحرب التي تقصد الإسلام في عقر داره في الكعبة ، ومرة أخرى تفلت من الرئيس الأمريكي جورج بوش كلمة في خطابه للاتحاد في أواخر يناير 2003 تبين أن القصة لا يمكن أن تنتهي بضرب العراق ، إذ يعلن أن حربه على العراق إنما هي من أجل حربه على الإرهاب ، ثم يتهم العراق بأنه متحالف مع الإرهاب ، وأنه يمكنه أن يمارس إرهابه بتسريب قاروة من سم الإنتراكس لتهدد العالم بأسره ، إذ كيف إذا كان هذا هو منطق ضرب العراق أن يتم القضاء على هذا النوع من الإرهاب بالقضاء على العراق ؟ إن هذا المنطق يعني أن يستمر انتقاء البلاد الإسلامية لضربها بلدا بلدا مهما حصل من إبادة العراق ، لأن هذه القارورة البوشية سوف تظل مشرعة في الأفق حتى يتم ضرب الهدف الحقيقي، وآنذاك يمكن لهذه القارورة أن تختفي ، ولو نزلت إلى الأرض لأنها لم تكن هي الهدف

إنه مع ما حدث وما يحدث اليوم وما سوف يحدث لاحقا في بيت المقدس للمقدسات الإسلامية ، والقيم الإنسانية ، والكرامات البشرية على يد التحالف الأصولي الصهيوني المسيحي من اعتداءات وسلب ونهب ودمار ..عمل غير مسبوق في التاريخ ..وهو إذ يأتي امتدادا لدور الغرب القديم في الاعتداء على هذه المقدسات ، فإنه لا يصح معه أن ننسى أنه يأتي - في الوقت الراهن - استجابة لعقيدة أصولية مسيحية صهيونية أمريكية ، قبل أن تكون خضوعا لنفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا كما يراد لنا أن نفهم ولوعينا أن يتغيب .
ويخدعوننا بقولهم علمانية
إن الفضل العملي الأكبر لبركات المسجد الأقصى إنما يظهر في العصر الحديث لو استجاب
المسلمون لمضمونه العملي ، ولا يتم ذلك بغير أن يخرجوا من غفلتهم عما يعد لهم من عدوان يتم فيه استئصال الإسلام واستئصالهم من منطقة الشرق الأوسط لحساب هذه الأصولية الصهيونية المسيحية الأمريكية ، استكمالا لمحاولات لم تهدأ منذ ظهر الإسلام .
إن الغفلة الثقافية عن هذا العدوان لا تعدو أن تكون مؤامرة ضد الإسلام وخيانة للمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجدالأقصى معا .

إن ابتلاء المسجد الأقصى بشهوة الغرب الصهيوني للاستيلاء عليه وما حوله لم تهدأ منذ هزيمة الغرب في الحروب الصليبية ، غاية الأمر أنها شهوة تصبرت ووطأت رأسها ثم كمنت في جحرها حتى تدور دورة الفلك وتضمحل القوة الإسلامية التي تمثلت في دولة المماليك حينذاك ثم في الدولة العثمانية ، ثم من بعد ذلك انكشف عن المسلمين غطاء الإرادة وغطاء القوة ، وهي دورة لا بد منها لكل قوة ، ودولة تدول في كل حضارة ، وعندما سقطت الدولة العثمانية أو تماثلت للسقوط وأصبح المسلمون كالأيتام في مأدبة اللئام بل وانضمت نخبتهم إلى عدوهم تحت دعاوى فكرية هابطة ، أو مصالح دنيوية ساقطة خرج الثعبان الغربي وأطل من جحره ، وكشف عن نابه ، وبدأ يكمل مسيرته في الثأر ، ضد الذين قضوا عليه في منطقة الشرق الأوسط من قبل ، ومن ثم لتصفية حساباته معهم ، وللاستيلاء على ثرواتهم ومقدساتهم .
يقول صمويل هننجتون في حديث له إلى صحيفة " دي سايت " الألمانية كشف فيه عن أبعاد نظريته في صدام الحضارات ، وعلاقتها بأحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن : تحت عنوان " الحدود الدموية للإسلام " : ( في الحقيقة توجد منافسة تاريخية منذ ميلاد الإسلام في القرن السابع والاحتلال العربي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من أوربا ، وفي القرن التاسع عشر تغير الحال حينما بدأ الغرب احتلال الشرق الأوسط واكتمل هذا في القرن العشرين ) [1] ، هذا هو " مربط الثأر" الذي كان وراء ما دبجته يراعته من قبل تحت عنوان صدام الحضارات . .
ويخدعوننا بقولهم علمانية
وفي شهادة نادرة يقول الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي بمصر في ندوة رابطة الجامعات الإسلامية بعنوان " الإعلام الدولي وقضايا العالم الإسلامي " التي انعقدت برحاب جامعة الأزهر في 30 11 1998: ) إن الهجوم على الإسلام والمسلمين ليس وليد اليوم أو الأمس القريب ، ولكنه يرجع إلى نشأة الإسلام نفسه ، ولم يتوقف الهجوم ولم ينته .) وترجع أسباب ذلك كما يقول إلى عوامل متعددة ( بعضها تاريخي يتمثل في العداء التقليدي الأوربي للعالم الإسلامي ، وبعضها اجتماعي يتمثل في تباين أسلوب الحياة بين المسلمين والغرب ، وبعضها سياسي يرجع إلى فترة الاستعمار حيث مازالت الدول الغربية تنظر إلى العالم الإسلامي باعتباره ثائرا ومتمردا عليها ، فالعالم الغربي لا يريد للعالم الإسلامي أن يستكمل نهضته ) [2]
عداء تكشف في العصر الحديث بدءا من حملة اللورد اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى : وتصريحه عند دخولها بقوله ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ، وتهنئة وزير الخارجية لويد جورج له لإحرازه النصر في آخر حملة من الحملات الصليبية ، والتي سماها لويد جورج ( الحرب الصليبية الثامنة ) .وتصريح الجنرال غورو الفرنسي عندما تغلب على جيش المسلمين في ميسلون - خارج دمشق - في العصر الحديث عندما توجه فورا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الكردي ، وركله بقدمه وقال: ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) ، واليوم عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب فإنه سماها حربا صليبية ، أعلن ذلك في وعي ، أو في زلة لسان كما يقول المثبطون للمسلمين ، ولكنها معبرة عما هو مطمور في أعماق النفس كما يعرف أتباع فرويد .
ويخدعوننا بقولهم علمانية


وترجع حركة الأصولية المسيحية الصهيونية التي تهدد بيت المقدس على مستوى العقيدة الدينية إلى ما يسمى حركة الإصلاح البروتستانتي التي قامت في أوربا في القرن السادس عشر . وتبدأ القصة مما قامت به البروتستانتية من إعادة الفرد المسيحي إلى الكتاب المقدس لفهمه مستقلا عن الكنيسة ، وجعل العهد القديم – ما فيه مما يُزعم أنه توراة – مادة للقراءة والتفسير الديني مرة أخرى ، مما أدى إلى إعادة اكتشاف الجذور اليهودية للمسيحية ..، ولقد أدت هذه الحركة إلى فتح السفر المختوم – سفر رؤيا يوحنا – اللاهوتي أحد أسفار العهد الجديد ، هذا السفر الذي كان مغلقا أيضا ، لا يقرأ إلا من قبل الكنيسة الكاثوليكية ، وهو يمثل الآن الأساس الأكثر تفصيلا لما يسمى ( عقيدة الملك الألفي ) . ومع ذلك فإن هذه العقيدة لم يؤمن بها في بداية الأمر إلا بعض فرق البروتستانت ، ثم ظهرت حركة " الأطهار" في انجلترا ، حيث رأى هؤلاء أن أمريكا هي بالنسبة لهم أرض الميعاد الجديد ، لذا كانت الهجرة الأولى للأطهار تحمل معها نزعة عبرية . وتتجلى عقيدة الملك الألفي – كما يقول الدكتور القس رفيق حبيب - في ثلاث دوائر متداخلة : يأتي في قلبها الأصولية المسيحية المعاصرة ، وهي بالتحديد ما أصبح يسمى بالحركة الأصولية المسيحية الصهيونية. ويأتي في الدائرة الوسطى ما يسمى الأصولية الاقتحامية وتشمل التيار المتشدد للحركة الإنجيلية ، وفي الدائرة الخارجية يأتي ما يسمى الأصولية التبشيرية وهي الجسم الأكبر للحركة الإنجيلية أو الإنجيلية المحافظة.
أما الحركة الأصولية الاقتحامية فهي الأصولية المؤمنة بالملك الألفي وعودة المسيح بعد عودة اليهود وإعادة بناء هيكل سليمان ، وقيام الحرب النووية بين الخير والشر ، وهؤلاء يؤيدون إسرائيل باعتبارها تحقيقا لنبوءات الكتاب المقدس .
لكن السؤال هو : متى يعود المسيح ؟ هنا تظهر نظريتان عند أصحاب العقيدة الألفية : النظرية الأولى وتسمى الأصولية البعد ألفية ، وهي تعتقد أن المسيح سوف يعود للأرض بعد أن يحكم المسيحيون العالم ، ويبنون ملكا مسيحيا أرضيا لمدة ألف عام.
والنظرية الثانية وتسمى الأصولية القبل ألفية ، وهي أن يسوع المسيح سوف يعود للأرض ليبدأ هو حكم الأرض بنفسه لمدة ألف عام ،
ويرجع الدكتور رفيق حبيب فيما يقدمه من هذه المعلومات إلى موسوعتين هما " موسوعة العالم المسيحية " و " موسوعة عملية العالم " تقوم كل منهما بمهمة تصنيف العالم حسب الدين ، وتصنيف المسيحيين حسب الطائفة ، وتصنيف المسيحيين داخل كل طائفة حسب موقفهم الفعلي من الإيمان . [3]
ويخدعوننا بقولهم علمانية
ولم تنشأ هذه الأصولية منذ عقدين أو ثلاثة أو أربعة ، أو منذ ظهور كتاب المتفلسف الأمريكي صمويل هننجتون في كتابه " صدام الحضارات " أو كتاب قرينه الأمريكي ياباني الأصل " فوكويوما " عن " نهاية التاريخ " ، كما كان يريد بعض الكتاب الصحفيين والإعلاميين لنا أن نفهم بعد أن صمتوا عنها طويلا ، ولكنها كانت قد ارتبطت بالتراث اليهودي الذي كان كامنا في الكتاب المقدس ، في العهد القديم ، وفي سفر رؤيا يوحنا في العهد الجديد كما أشرنا سابقا .

واستمر هذا التراث يتفاعل لمدة مائة وخمسين عاما بعد وصول المهاجرين الأوائل إلى الأرض الجديدة " أمريكا " ، وفي بداية نشأة أمريكا قامت المؤسسات التعليمية على أسس التراث اليهودي ، وهي تلك المؤسسات التي أنشأها " الأطهار " ، ومنها الجامعات الأمريكية الكبرى وعلى رأسها جامعة هارفارد ، والتي أنشئت عام 1636 لتصبح بذلك أقدم جامعة أمريكية ، ثم تحولت هذه الجامعات إلى العلمانية ، ولكن أمريكا المعاصرة بدأت تعود للبحث عن جذورها العبرية في محاولة للبحث عن هوية خاصة ، وظل التيار الأصولي الوليد قابعا – كما يقول الدكتور رفيق حبيب – حتى بدأت حركته تظهر واضحة في منتصف الأربعينات من القرن العشرين على يد الواعظ الأشهر بلي جراهام ، وهنا في منتصف الستينيات وبعد عام 1967 على وجه الخصوص بدأت الأصولية السياسية تتفجر مرة أخرى ، لتصل إلى ذروتها في الثمانينيات من القرن العشرين وعلى يد الرئيس الأمريكي ريجان بخاصة .
وعندما وصل جيمي كارتر إلى البيت الأبيض أصبح أول رئيس يؤكد أنه " مولود ثانية " أي أنه مسيحي أصبح يهوديا ملتزما ( .. وهكذا أصبح التيار الأصولي من القوى الأولى في صنع القرار السياسي الأمريكي ) .[4]
ويشرح " هل لندسي " في كتابه " الراحل كوكب الأرض العظيم " كيف ستحدث الحرب التي تنبأ بها الكتاب المقدس ، والتي تلتف حولها حركة الأصولية المسيحية الصهيونية اليوم ، وقد بدأ نشر هذا الكتاب عام 1970 في طبعات متوالية على مدى عشرين عاما وصلت مبيعاته إلى أكثر من 18 مليون نسخة ، ويذهب الكتاب إلى أن انتصار إسرائيل في حرب 1967 كان جزءا من الخطة الإلهية لانتصار قوى الخير ، وقيام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ، ليتجمع فيها كل شعب الله المختار ، حتى عندما تقوم الحرب الأخيرة ويموت فيها جزء كبير من اليهود في الحرب يأتي المسيح ، ويعطي لشعبه المختار { اليهود} فرصة أخيرة حتى يقبلوه ، كمخلص للعالم ، فاليهود كشعب الله المختار ضل الطريق ، ولكن الله لا يتخلى عن شعبه المختار ، لذلك تظل له مكانة خاصة ، وتظل له فرصة أخرى ، فكل قوى الشر تتحطم ، في حرب هرمجدون ، ويذهب الأشرار إلى الجحيم ) [5]
يقول رفيق حبيب ( لقد قرأ ريجان كتاب لندسي ، ومن الواضح أنه تأثر به تأثرا شديدا ، حيث قامت سياسته على مفاهيم وعقائد دينية ، وإن القصص التي ترددت حول لجوء نانسي ريجان لاستشارة العرافين كما قرأ الناس في الصحافة ليست بهذا المعنى الخرافي الذي فهم منها ، فالحقيقة أن نانسي كانت تستشير إحدى المؤمنات الأصوليات ، والتي لها قدرة – حسب اعتقاد نانسي – على تلقي الرؤى من الله ، وهي استشارة دينية ، تهدف لمعرفة ما يجب أن يفعله الرئيس ، حسب إرادة الله .
ويخدعوننا بقولهم علمانية

ويرى بعض المحللين ظاهرة الأصولية المسيحية الأمريكية قائمة في النموذج الأمريكي في أفلام رعاة البقر ، حيث تظهر شخصية المبشر : عنصرا أساسيا في الفيلم ، مثل شخصية المأمور والشرير ، والرجل الطيب ، وحيث تظهر الكنيسة كمبنى صغير ملازم لبيوت القرية الصغيرة في ذلك الزمان ، ومع تلك البداية ظهر الواعظ المتجول ، ثم أخيرا ظهرت البرامج الدينية في الراديو ، وصار لكل برنامج واعظ مشهور ، ولكل برنامج جمهور ، وعندما ظهر التليفزيون تعددت البرامج ، ولكل منها واعظ أو أكثر ، وأصبح عدد مشاهدي الواعظ يتزايد بالملايين ، وأصبحت البرامج وكأنها كنائس أو شيع ، وأصبح توجيه الفكر الديني الأمريكي لا ينبع من الكنائس وحدها بل ينبع أيضا من كنائس التليفزيون ، كما يقال .[6]

ولقد كان التفسير الأصولي لحركة الوصول إلى معركة هرمجدون قائما على تصور أن روسيا هي – حسب تعبير ريجان نفسه – التي ستقود كل قوى الشر ، وتزحف حتى منابع النفط في الشرق ، وتصل إلى فلسطين متحالفة مع قوى الشر ، وهناك تقابل جيوشَ أمريكا حامية شعب الله المختار ، والتي تقود قوى الخير .. ولكن الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف قلب هذا التصور الذي قدمه لندسي ، وظهر التفسير الجديد على مشارف التسعينات ، حيث ترى الأصولية أن قوى الخير انتصرت ضد الاتحاد السوفيتي في معركة مرحلية ، بدون حرب عسكرية ، وأصبح تصور روسيا كتابع جديد لامبراطورية الخير يعد تأكيدا بأن المسيح قد انتصر في النهاية ولكن لا في المعركة الأخيرة بل في معركة تمهيدية ) [7]

فأين هي المعركة الأخيرة ؟ الجواب : في هرمجدون ضد ما يسميه الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن " معسكر الشر" وهو يعني به ما يسمى " الإرهاب " إعلاميا وبصفة مؤقتة أيضا لكي ينكشف عن صراحته فيما بعد ، ويتحدد في انطلاقه على الإسلام والمسلمين على مستوى العالم وعلى مستوى الشرق الأوسط وفلسطين بالتحديد ، وعلى المسجد الأقصى بتحديد أدق .[8]
ويخدعوننا بقولهم علمانية
والله أعلم
يتبع

------------------------------------------------------------------------
[1] جريدة الأسبوع 16 سبتمبر 2002 ص 19
[2] جريدة الشعب في مصر 3111 1998
[3] أنظر كتاب ( المسيحية والحرب ) للدكتور رفيق حبيب نشر يافا للدراسات والأبحاث عام 1991 ص 185
[4] أنظر كتاب ( المسيحية والحرب ) للدكتور رفيق حبيب نشر يافا للدراسات والأبحاث عام 1991ص 32 – 33-34 -35
[5] المسيحية والحرب لرفيق حبيب ص 42- 43
[6] المسيحية والحرب ص 141-142
[7] المسيحية والحرب ص 44- 45- 46- 47
[8] جريدة الشرق الأوسط 14 111986


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.