حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعريف الموت ونقل الأعضاء بين الطب الحديث والإسلام
نشر في الشعب يوم 14 - 04 - 2007


بقلم: أد : يحيى هاشم حسن فرغل
عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا ،

yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
[email protected]

( 12)

طبقا لما ذكره موقع " محيط شبكة الأخبار العربية 742007 فقد أجاز الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف نقل الأعضاء الآدمية من إنسان ميت إلى آخر حي مادام ذلك يتم بطريقة سليمةوعن طريق التبرع ....وبالرغم من المراوغة التي اتسم بها هذا التصريح من حيث معنى " الطريقة السليمة " و" ضمانات التبرع " وهما صلب القضية فإنها قد جاءت للقيام بدورها الوظيفي كافتتاحية لإعادة الحكومة المصرية عرضمشروع قانون لزراعة الأعضاء البشرية من المتوفين حديثاً للأحياء على البرلمان ، بعدأكثر من ست سنوات من توقف مناقشة المشروع. المصدر " موقع " محيط شبكة الأخبار العربية " 742007

وطالب وزير الأوقاف الأطباء بالاتفاق على وضع تعريف دقيق للموت،للتفرقة بين الموت السريري أو الدماغي (موت جذع المخ) الذي تتوقف فيه كل الأجهزةالحيوية في الجسم باستثناء القلب والمخ .
كما نقلت الأخبار أنه لقد أعلن الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية في مؤتمر حول زراعة الكبد عقدليلة أمس الأول 542007 في القاهرة عن “إمكان استخدام الأعضاء في الزرع بعد موت جذعالمخ ”.
وادعى المفتي - بحسب ما نشرته جريدة "الخليج "الإماراتية - أن الدراسات العلميةفي هذا المجال أكدت أن موت جذع المخ هو موت حقيقي ، مخالفا مجمع البحوث الإسلامية في مصر عند ما تحفظ منذ 10 سنوات على توقيت عملية النقل، بعد أن ظلت مسألة تحديد الوفاةإكلينيكيا ماتزال مشكلة طبية.
ومع ذلك شكك المفتي في موقفه النهائي من تعريف الموت إذ قال في كلمتهأمام المؤتمر: “أنا شخصيا أميل إلى الرأي القائل بأن موت جذع المخ يعد موتا حقيقيا،لكن ذلك لا يمنع من أنه لا يزال في القلب شيء، بسبب وجود وجهة نظرمخالفة”...... المصدر محيط شبكة الأخبار العربية تاريخالتحديث : 07/04/2007 فكيف يميل المفتي إلى ماهو في رأيه مايزال في القلب منه شيء وهو يتحدث عما يعتبر مقياسا للحياة والموت ؟

ومع تصريحات الثلاثة الكبار الرسميين – بالرغم من حاجة اثنين منهما على الأقل إلى وصف الفقيه الحجة أو المجتهد - بدا أنهم يقذفون القضية في ملعب الأطباء ليفتوا فيها في سؤال رئيس : ما هو الموت ؟
وطبقا للمنطق العلماني في الفصل بين الدين والدولة ( وفي أحضانها الطب والأطباء إلخ ) وهو المبدأ الذي ترسخ اخيرا فقد كان يجب عدم الخلط بين الاثنين : أليس كذلك : فيقول الطب ما يشاء ويقول الدين ما يشاء : أليس كذلك ؟؟
أليس فصل الخطاب في فلسفة الفصل بين الدين والدولة : أن يقرر الدين ما شاء الله وأن تقرر الدولة ماشاء قيصر ولمن شاء أن يختار ما شاء منهما دون خلط بينهما ؟
أليست هذه هي العلمانية ؟؟
لكن الثلاثة الكبار الرسميين لا يكتفون بذلك بل ينهجون منهجا أشد " إيثارا " !!! ، إذ يلملمون أوراقهم ويتركون الساحة مستعدين للتوقيع على بياض مما يأتي إليها من جهة الاختصاص !! وبتعبير أدق ينفي منها الدين رغم أنف جهل الطب بماهية العنصر الرئيس في عملية الموت : الروح : أقامت أم رحلت ، وليتهم من هنا يدركون لمن تكون الكلمة النهائية ؟!

وهنا وبمباركة من الثلاثة الكبار الرسميين المشار إليهم : إذا بنا نصحو بعد أربعة عشر قرنا على أصوات تنعي علينا - لا أمواتنا ولكن - أننا لم نعرف بعد ما هو الموت .
هل هو الموت المعروف شرعا الذي يحكم به بعد توقف دقات القلب وظهور مجموعة أخرى من العلامات المقررة شرعا والذي على أساسه شيعنا الملايين من الآباء والأجداد إلى قبورهم منذ آلاف السنين ؟
أم هو شيء جديد لم نعرفه من قبل ؛ هو الموت الذي يقال عنه اليوم ( الموت الإكلينيكي ) أو موت المخ ، والذي يتحقق في رأي القائلين به الجدد بالرغم من استمرار دقات القلب ، وحيوية بقية الأعضاء ، والذي يسمح - إذا تم الأخذ به كتعريف نهائي للموت- بالمسارعة إلى الجسد - في حيويته الجزئية - لتقطيعه ، وأخذ أجزاء منه ما تزال حية ، ليستفاد بها في عمليات نقل الأعضاء أو زرعها ؟!
هذه هي المشكلة المثارة حاليا ، والتي يحاول البعض في ظلها تغيير تعريف " الموت " في القانون الوضعي ، ومن ثم يجر خلفه الشريعة الإسلامية باسم العلم تارة ، وباسم الاجتهاد العصري تارة أخرى ، ثم يهاجمون الفقهاء الذين لا يجارونهم في ذلك ، لتمسكهم بالتعريف المقرر سلفا في الشريعة الإسلامية والفقه المعروف .

المشكلة أن هناك ناسا يموت الواحد منهم موتا مخيا - أو بتعبير أدق يتوقف المخ فيه عن مظاهر الحياة - ولكن تظل مظاهر الحياة تدب في بقية أجزاء جسمه ... فإذا اعتبرناه ميتا حسب رأي بعض رجال الطب المعاصر أمكن - قبل أن تتوقف دقات قلبه - أن نأخذ منه بعض أعضائه : كالكبد ، أو الكلية ، أو الرئة ، وننقلها إلى مريض أصيب بالفشل في هذه الأعضاء ، من سراة من يملكون أثمانها المليونية !! . أو من استغلوا أطفال التوربيني { !! } أو من يملكون ماقيا الأعضاء الذين تركوا – أو لم يتركوا - بصماتهم ببني مزار بعد اقتلاع أعضاء ضحاياهم وفروا بعد أن دبروا تلفيق القضية لمتخلف عقلي فبرأته المحكمة وهرب الجناة .
أما إذا تمسكنا بتعريف الشرع للموت - وهو يقتضي توقف القلب ، ومظاهر الحياة كلها في جسده - فإن الجسد يتلف ، والكبد - مثلا - لا يصبح صالحا للاستفادة به في علاج مرضى الكبد ، أو مرضى الكلية ، أو مرضى الرئة ، أو ما أشبه .
وتنهال المقارع على رءوس المتمسكين بالتعريف الشرعي المعروف للموت .
يقول بعض المتكلفين مشهرا بالفقه الإسلامي ( أكثر من ثلاثين مليونا من المصريين مصاب بالكبد ، وعشرة آلاف مريض مصاب بتليف الكبد سنويا ، وتنفق الدولة خمسة وأربعين مليونا من الجنيهات كل عام في غسل الكلى ، ومع ذلك فإن فتاوى ذبح مرضى الكبد لا تزال مستمرة !! ) .
هكذا أصبح التعريف الشرعي للموت فتوى بذبح مرضى فشل الكبد ، دون أن يلحظ الكاتب أن تعريف الموت الإكلينيكي يمكن أن يكون فتوى بذبح الفاشلين مخيا ! .
ويستمر الكاتب فيقول : ( منذ ثلاثة عشر عاما -[ لاحظ أن ما كتبه كان في عام 1994، وعليك أن تضيف عشرة سنوات أخرى ] - وهذه القضية ميتة ! - [ ويبدو أن قاموس الموت يفرض نفسه على لغة الكتابة ] - في أدراج مجلس الشعب . الجميع يخاف من هذه القضية ، خوفا من "بطش" بعض الفتاوى ، وتحريم بعض "الشيوخ " وخلافات بعض الفقهاء !! لكن ضحية موت الملف في مجلس الشعب هم أكثر من ثلاثين مليون مصري !! نعم - وما يزال الكلام للكاتب الفاضل - فهذا العدد من سكان مصر ومواطنيها يصابون بأمراض مزمنة في الكبد ، العلاج الوحيد هو عملية زرع الكبد ، لكن الزرع حرام ، ونقل الأعضاء باطل ، و... إنها قضية ذبح المرضى على الطريقة الشرعية )[1] !!!
سبحان الله ، ما شأنهم بالفقهاء الشرعيين ، ألم يتم بعد الفصل بين الدين والدولة ، ولمن تخضع السلطة القضائية في الدولة العلمانية ؟

وتتصاعد المشكلة عند المتكلفين عندما ما أفتي شيخ الأزهر السابق بحق - الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله - بعدم اعتبار ما يسمى موت المخ موتا حقيقيا ، أو نهائيا ، وتمسك بالتعريف الشرعي للموت ، وهو تعريف مبني على مصادره من الكتاب والسنة ، ولكن فقه المتكلفين لا يرضى بفتوى شيخ الأزهر .
ومن جانبه، اشترط الدكتورنصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لأن تتم عملية النقل من ميت إلى حي بهدف إنقاذ حياته من هلاكمحقق أو لتحقيق مصلحة ضرورية، أن يكون المنقول منه العضو قد تحقق موتهبالمفارقة التامة للحياة موتا كليا ويستحيل عودته للحياة مرة أخرى بشهادة ثلاثة منأهل الخبرة العدول".
وأشار إلى وجود عدة شروط لتحقيق هذا الأمر بشكل شرعي،وأوضح قائلا :"من هذه الشروط ألا يكون العضو المنقول مؤدياً إلى اختلاط الأنساب،وأن يكون المتوفي المنقول منه العضو قد أوصى في حياته بهذا النقل". المصدر " موقع محيد شبكة الأخبار العربية 742007
وتتصاعد المشكلة عند المتكلفين
والمتكلف هو الذي يتصدر للفتوى من غير استعداد لها ، او من غير حاجة إليه ، ففي رواية للدارمي في سننه بسنده عن حذيفة قال : إنما يفتي الناس ثلاثة : رجل إمام أو وال ، ورجل يعلم ناسخ القرآن من منسوخه ، قالوا ومن ذلك [ يسألون عن الثالث] قال عمر بن الخطاب قال : وأمير لا يخاف ، أو أحمق متكلف )
وبعض هؤلاء المتكلفين يسخر من فتوى شيخ الأزهر السابق ومن أمثالها قائلا : ( لم تفلح المراجع العلمية التي تعلمنا منها والتي تؤكد على أن الموت هو موت جذع المخ الذي يتحكم في كافة الوظائف الحيوية للجسم ، وليس الموت هو توقف القلب عن النبض كما يدعون ... ) ثم يسخر من المفتين الشرعيين قائلا ( كل هذا لم يزحزحهم قيد أنملة عن رأيهم المستمد من فقهاء القرن الثاني الهجري ، والذي يقول : إن علامة الموت هي إشخاص البصر ، واسترخاء القدمين ،وتموج الأنف ، وانخساف الصدغين ، وامتداد جلدة الوجه .. نقلا عن مجلة الفتاوى الإسلامية ص 3714 ) .
سبحان الله ، ما شأنهم بالفقهاء الشرعيين ، ألم يتم بعد الفصل بين الدين والدولة ، ولمن تخضع السلطة القضائية في الدولة العلمانية ؟

وفتوى شيخ الأزهر المشار إليها نشرت بمجلة الأزهر في عدد جمادى 1413 ، وقد جاء فيها :أن صفة الموت لا تتحقق إلا بعد أن تتحقق علاماته التي قررها الفقهاء ، وهي العلامات المستمدة من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام على النحو التالي :

أولا : فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعجل بسلخ البهيمة أو قطع أجزائها قبل أن تهمد ،وتبرد ، فقال : ( لا تتعجلوا النفوس قبل أن تزهق ) رواه ابن كثير ، وقال : إنه جاء في حديث مرفوع رواه الثوري في جامعه[2] .
ويقول الله تعالى : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ، لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها ) 36 الحج . قال ابن عباس ومجاهد : وجبت جنوبها ؛ أي ماتت بالذبح ، فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت بالذبح وتهمد حركتها .
فإذا كان الله تعالى قد أمر بعدم قطع شيء من البهيمة ، قبل أن تموت تماما وتبرد حركتها ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعجل موتها فتسلخ قبل أن تهمد وتبرد ؛ فأولى بذلك الإنسان الذي كرمه الله تعالى حيا وميتا ، فلا يجوز بحال أن يتعجل موته وتبقر بطنه لتأخذ كليته أو قلبه أو كبده قبل أن يموت تماما ويبرد ..

ثانيا : إن الله وحده هو المحيي والمميت ، وهو وحده الذي يقدر الآجال ، وهو الذي يخلق الموت والحياة : ( وأنه هو أمات وأحيا ) 44 النجم ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) 23 الحجر .
فالموت من فعل الله وخلقه وليس من فعل سبب من الأسباب ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) 145 آل عمران
ومعنى هذا - كما يقول شيخ الأزهرالسابق في فتواه - ( أنه لا يحق لطبيب ، أو لغيره أن يتعجل الحكم بموت أحد الطرفين اللذين يعالجهما المنقول منه أو المنقول إليه ) لمجرد اليأس من حصول الشفاء .
والموت الذي تنبني عليه الأحكام الشرعية هو الموت الذي تقرره الشريعة الإسلامية نفسها ، وهو لا يتحقق إلا بمفارقة الروح للجسد .
سبحان الله ، فهل يعرف الطب شيئا عن وجود هذه الروح أقامت بالجسد أم رحلت عنه ؟ ؟

وعلامات تمام الموت فيما ورد شرعا تتجمع فيما يلي : شخوص البصر ، لأنه يتبع الروح عند خروجها ، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيرا ، فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت ) أخرجه أحمد في مسنده عن شداد بن أوس .

ومن باب الأخذ بسنة الرسول القولية والعملية معا : ذكر الفقهاء من علامات الموت : استرخاء رجلي الميت ، وانفصال كفيه ، وميل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخساف صدغيه ، وانقطاع نفسه ، وانفراج شفتيه .
ومن هنا كان اعتبار الإنسان ميتا ، إنما يكون متى زالت عن جسده ظواهر الحياة ، وبدت تلك العلامات الجسدية القاطعة في حدوث الموت .
والإنسان - إذن - لا يعتبر ميتا بتوقف الحياة في بعض أجزائه ، بل يعتبر كذلك - أي ميتا - متى تحقق موته كلية ، فلا يبقى في الجسد حياة .
ومن هنا كما جاء في الفتوى : لا يجوز الإقدام على إزهاق روح إنسان معصوم الدم على التأبيد وبه حياة مستقرة ، ولو كانت بعض الظواهر تشير إلى عدم استمرارها أو ميئوسا - بحسب علمنا المحدود والحالي – من بقائها والشفاء مما ألم بها ، سواء بقصد تخليصه من آلام المرض وقسوته ، أو لأخذ بعض أعضائه لعلاج إنسان آخر .
وبهذا يعتبر قتلا للنفس قطع أي جزء من جسد المريض قبل التيقن من موته - بتلك العلامات الشرعية - والقتل هنا ينسب إلى السبب الأقوى في إزهاق الروح ، كقطع الكبد ، أو القلب ، أو الرئة ، متى توقفت الحياة في إثره .

وتناقش الفتوى إمكان الاعتماد على جهاز رسم المخ لبيان توقفه ، ومن ثم الحكم بموته ؟ وما يقال في ذلك من أنه ممكن عن طريق ما يقوم به جهاز رسم المخ الكهربائي من بيان توقف خلايا المخ عن إرسال أية ذبذبات كهربية ، فإذا استمر هذا التوقف لأكثر من 24 ساعة فإن ذلك يعني بالدليل القاطع - في نظر هذا الرأي - موت خلايا المخ ، واستحالة عودتها للحياة ، حتى ولو ظلت خلايا القلب حية .تناقش الفتوى ذلك بأنه لم يصل بعد إلى مرتبة الحقيقة العلمية المستقرة ، وتستشهد على ذلك بما ذهب إليه بعض الأطباء ( الأستاذ جرونيه ) من أن جهاز رسم المخ الكهربائي لا يصلح بمفرده كوسيلة للتحقق من حدوث الموت ، فهو لا يعكس من المخ إلا النشاط القريب للمراكز العصبية ، ولكنه لا يعطي معلومات كافية عن نشاط المراكز العصبية العميقة ، كما أنه يحتمل ألا يؤدي الجهاز أية إشارات لمدة محدودة مع أن المراكز العصبية العميقة تكون في حالة حياة . هذا بالإضافة إلى أنه توجد حالات عضوية وبيولوجية تؤثر سلبيا على أداء تسجيل جهاز رسم المخ الكهربائي ، لاسيما درجة الحرارة .
ولهذا - كما جاء في بحث هذا الطبيب - وفقا لما جاء في فتوى شيخ الأزهر السابق - ينبغي الانتظار مدة تتراوح بين أربع وعشرين واثنتين وسبعين ساعة بعد عدم إعطاء الجهاز لأية إشارات وقبل إعلان الوفاة رسميا ، مع الاستعانة بالوسائل الإكلينيكية الأخرى ، للتحقق من الوفاة ، مثل الاسترخاء التام للعضلات ، والانعدام التام لرد فعل الجسم ، وانخفاض الضغط الشرياني ، وانعدام التنفس التلقائي .
تقول الفتوى بعد ذلك : هذا الذي تقرر من قبل هؤلاء الأطباء والعلماء يأتي مؤيدا لما قرره فقهاء المسلمين من ضرورة ظهور تلك العلامات الجسدية المؤكدة لموت الإنسان ، الذي يعتبر إجماعا يحرم تجاوزه شرعا .
وقد جاءت هذه الفتوى في سياق رد مشيخة الأزهر على ما ورد إليها من استفتاء حول الموضوع ، من الأستاذ الدكتور نبيل البلقيني عميد معهد الأورام آنذاك ، يستطلعه الحكم الشرعي فيما يراد من اعتبار الوفاة الحقيقية هي وفاة المخ - كما جاء في نص خطابه إلى شيخ الأزهر -تمكينا لعمليات نقل الأعضاء قبل أن تتلف بقية الأعضاء
وقد رد شيخ الأزهر السابق بالفتوى - وهو من أهل الفتوى - بعد أن اعتمدت أولا بلجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية في اجتماعها بتاريخ 166 1992 ، ثم اعتمدت ثانيا بمجلس المجمع في جلسته بتاريخ 22 6 1992 ، وأرسلت الفتوى بعد ذلك إلى رئيس مجلس الشعب ، ونقيب الأطباء ، ورئيس مجلس الشورى ، ورئيس مجلس الوزراء ،والنائب العام ، ووزير العدل ، وعميد معهد الأورام ، صاحب الاستفتاء المذكور .

وقد اعتمدت فتوى الأزهر تلك على المصادر الأصلية من الكتاب والسنة ، وكتب المذاهب الفقهية ، كالمغني لابن قدامة ، والمجمع شرح المهذب للنووي ، وشرح الخرشي على مختصر خليل ، وكتاب البحر الزخار ، وفوائد الناصرية في فقه الإمامية ، وحاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ، حيث انتهت الفتوى إلى أن للموت علامات لابد من حصولها قبل الحكم بالوفاة ، وأن هذه العلامات لا تكتفي بما يسمى وفاة المخ ، وإنما ينبغي أن تتحقق لها أمور : وهي : إحداد البصر ، وانفراج الشفتين ، وسقوط القدمين فلا ينتصبان ، وانفصال الزندين والكفين ، وميل الأنف ، وامتداد جلدة الوجه ،وانخساف الصدغين ، وانقطاع النفس ، والسكون بعد الحركة ، وبرودة الحسد ، وتغير اللون ، فأما إذا مات مصعوقا ، أو غريقا ، أو حريقا ، أو مترديا من جبل ، أو مترديا في بئر فلذلك علاماته أيضا .
ومن ثم لا يجوز الإقدام على إزهاق روح إنسان معصوم الدم على التأبيد وبه حياة مستقرة ،ولو كانت بعض الظواهر تشير إلى عدم استمرارها ، أو كانت ميئوسا من بقائها والشفاء مما ألم بها ... سواء بقصد تخليصه من آلام المرض ، أو لأخذ بعض أعضائه لعلاج إنسان آخر .
تلك فتوى شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بعدم اعتبار ما يسمى موت المخ أو الموت الإكلينيكي موتا حقيقيا معترفا به شرعا .. ومنا قشته في الفتوى لبعض أسانيد القائلين بالموت الإكلينيكي
وقد تأكدت هذه الفتوى بعد ذلك بالبيان الصادر في عهد شيخ الأزهر الحالي الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي من مجلس مجمع البحوث الإسلامية بالمشاركة مع دار الإفتاء المصرية بجلسته رقم 8 بالدورة 33 المنعقدة بتاريخ 17من ذي الحجة 1417 الموافق 24من إبريل 1997 حيث استعرض البيان الكتاب المرسل من السيد وزير الصحة بمصر والمرفق به مشروع قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية " من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي " لبيان الحكم الشرعي فيه .
وقد جاء في بيان المجمع فيما يختص بتعريف الموت ما يعتبر تأكيدا لما ذهب إليه شيخ الأزهر السابق حيث يقول البيان الجديد : ( والموت شرعا مفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة ، بحيث تتوقف كل الأعضاء بعدها توقفا تاما عن أداء وظائفها ، والذي يحدد ذلك هم الأطباء ) .
ومن هنا فإننا نسجل الآتي :
أولا : وقطعا للدجل الذي يمكن أن يتلاعب ببعض الألفاظ في هذا النص نوضح أن الرجوع إلى الأطباء ليس في تعريف الموت ، ولكن في تقرير الظاهرة حسب مواصفاتها القياسية التي حددها الشرع مقدما ، وهي توقف كل الأعضاء ، فلم يبق مجال للأطباء أن يقرروا موت المريض ، لمجرد توقف المخ ، مع بقاء الحياة في بقية الأعضاء ، وإنما عليهم أن يخبروا بالفحص السريري ما إذا كان المسجى أمامهم قد توقفت أعضاؤه المتصلة كلها ، أم لم تتوقف ، وليس لهم أن يقولوا شيئا آخر ، حتى النطق باعتباره ميتا ، فهو ليس من حقهم أصلا ، وإنما يرددون فيه كلمة الشرع .

ثانيا : وهنا نقطة فاصلة : أن الطب الحديث - باعتباره علما ملتزما تمام الالتزام بالمنهج العلمي و يعزل نفسه تماما عن كل كلام عن الروح وهي حقيقة وراء الحس - لا يملك من ثم كلمة واحدة فيما يتعلق بوجودها في الجسد أو مفارقتها له ، والذي يملك ذلك وحده هو الدين الذي يستند إلى الوحي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم : قولية أو فعلية ، والفعلية منها بلغت حد التواتر فيما جرى عليه العمل من أصحابه والتابعين . ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )

ثالثا : ونضيف هنا تساؤلا عما تعنيه عبارة ( الموت الإكلينيكي ؛ موت المخ ) عند التحليل الدقيق : هل تعني موت الجزء أو موت الكل ؟
لا يصح القول بأنها تعني موت الكل إلا على سبيل المجاز المرسل الذي لا مكان له هنا ، وإنما مجاله هناك في الإنشاء ، أو الأدب ، أو البلاغة ، أو الشعر ، أو جماليات التعبيرعند هواة الأدب من الأطباء .
أما في حق الموت ، والحياة ، و ما يترتب عليهما من حقوق وآثار فلا .

فإذا قلنا إنها تعني موت الجزء مباشرة وتعني موت الكل تبعا ، فهذا غير صحيح ، وإلا لما صلحت الأجزاء التي تؤخذ ممن يسمونه ميتا باعتبارها حية يستفاد بها لمشرف آخر على الموت ، ولو لم تكن حية لما أخذت ، ولما دخلنا في المشكلة أصلا .

فإذا قلنا إنها تعني موت الجزء ، لكننا أمام جزء يساوي الكل ، فسوف يرجع التساؤل مرة أخرى بطريقة أخرى : وهو بأي مقياس ؟ بأي مقياس تم اعتبار هذا الجزء مساويا للكل ؟ بالمقياس المادي الكمي الحسي الذي لا يملك العلم غيره ؟ أم بمقياس الثقافة ، أم بمقياس العقلانية ؟ أم ... أم ... إلخ ، فيسأل عندئذ الحقل الذي جاء منه المقياس ، أم بمقياس الشرع ؟ وفي جميع هذه الأحوال الأخيرة يكون على العلم عندئذ أن يستمع ؟؟ !
أليست تلك متاهة بغير مخرج مالم نعتصم فيها بكلمة الدين ؟

رابعا : والحقيقة التي لا يمكن الخلاف عليها -حتى في مجال أشد الأطباء تعصبا للأخذ بما يسمى الموت الإكلينيكي كدليل على موت المريض - هي أنه بمجرد حدوث الموت الإكلينيكي ، وقبل اكتمال الموت في سائر الأعضاء لا يمكن الحكم بأن (.. المريض قد مات ...) ولكن أقصى ما يمكن أن يؤكده الطبيب -من تلك الطائفة - هو أن يقول : (.. إن المريض سيموت عاجلا.. ) .نعم : إنهم يقررون في هذه الحالة أن المريض لا أمل في شفائه ، وأنه في طريقه إلى الموت العاجل حتما .. . ولا يمكنهم أن يزيدوا حرفا على ذلك .
ومن البديهي إذن أن التعامل مع ( .. جسد سيموت عاجلا.. ) - جدلا - يختلف اختلافا جذريا مع ( .. جسد ميت .. ) فقد يجوز للطبيب أو أهل المريض أن ينفضوا أيديهم من علاجه - جدلا - وأن يجهزوا الكفن ، ويستعدوا للجنازة ، و... و ... ولكن ليس من حق أحد على الإطلاق أن يفترض وقوع الموت فعلا لمحض أنه سيقع . وإلا ترتب على ذلك جميع النتائج التى يرتبها القانون ، والشرع ، طالما أن هذا القانون وهذا الشرع لم يتورط بعد في إجازة الاعتداء على حياة جسد يقول عنه الطبيب - بغير خلاف - إنه ( سيموت عاجلا ) لا أنه ( مات ) وفي هذه (..السين .. ) التي تفرق بين العبارتين تكمن الفروق الهائلة بين جريمة القتل ، وبين شريعة الدفن .

خامسا : ومع ذلك فإننا نجد في مجال التقدم العلمي الطبي ما يشكك في صحة القول بأن المصاب بما يسمى موت المخ : ( إنه سيموت عاجلا )
ذلك أن الأطباء المعارضين لما يسمى الموت الإكلينيكي كدليل على موت المريض ؛ يعرضون تساؤلا هاما عن احتمالات واردة في مجال تقدم الطب ؛ بحيث يصل قريبا إلى معالجة مطردة التقدم لخلايا المخ التالفة ، وقد نجح أخيرا في تكوين بعض الأنسجة من خلايا بعض الأعضاء - وعندئذ تكون أحكامنا السابقة بموت المصابين بما يسمى الموت الإكلينيكي أو موت المخ ، تجاوزا خطيرا لا يقل عن جريمة القتل . مهما كانت براءة الهدف العلمي في نقل الأعضاء .
واحتمالات التقدم العلمي القريب في معالجة خلايا المخ التالفة تطل بوادرها منذ الآن ، ففي الأخبار التي تتسرب للصحافة منذ الآن أنه ( طور فريق طبي بريطاني تقنية جديدة في إصلاح أغشية الدماغ التالفة .. ) ويستهدف العلاج الجديد كما جاء في الخبر ( الأمراض الأخرى التي تتعرض فيها خلايا الدماغ للموت ، نتيجة ضعف تسرب الأوكسجين إليها ) .
ويقول الخبر : ( كان من الصعب حتى الآن مقاومة أمراض ضعف الدماغ طبيا ، لأن خلايا الدماغ على خلاف الخلايا العادية في الجسد الإنساني لا يمكن استبدالها أو تجديدها ، ولكن فريق الأطباء النفسيين من معهد الطب النفسي في مستشفى مولسدي الذي قاده الطبيب البروفيسور جيفري غري قاموا بغرز خلايا دماغ فأر مولود حديثا في خلايا دماغ فأر تعرضت أغشيته للتلف نتيجة سكتة قلبية ، وحين ذاك فإن الفأر الذي كانت قد أصابته غيبوبة كاملة وعجز عن أداء مهامه العادية في السابق عاد إلى حالته الطبيعية ) .
ويستمر الخبر موضحا : ( وجد الفريق الطبي أن الغرزة التي تحتوي على خلايا الدماغ - التي عرفها الأطباء ب " خلايا نيوروبثيليال الجذرية " قد امتدت لمعظم الخلايا التالفة في دماغ الفأر المريض ، وعند توطنها مكان الخلايا التالفة فإنها أخذت بالقيام بنفس المهام التي كانت تقوم بها الخلايا الميتة ) .
وقد أدى هذا النجاح بالباحثين إلى ( إنشاء شركة " رينيورن " لبيع بحثهم ،وتسويقه ، حيث يعتقدون أن التجارب على الإنسان يمكن أن تبدأ بعد ثلاثة أعوام أو أربعة منذ الآن { نشر الخبر في جريدة الخليج 16111997 } ويمكن أن تتوفر التقنية العلاجية الجديدة خلال القرن القادم ) .
وجاء في الخبر أيضا أنه ( بالإضافة لهذا فإن الفريق الطبي توصل إلى طريقة نمو إجباري لملايين خلايا المخ الجنينية الجذرية في المختبر مستخدمين جينا سرطانيا يعمل في درجة حرارة أقل من حرارة الجسد . وقال الدكتور جون سينيدين المؤسس المشارك في شركة " رينيورن " : سيكون باستطاعتنا استنبات الخلايا في المختبر ، ووضعها في الثلاجة وتزويد جراحي الدماغ بها حينما يحتاجونها . )
فهل ينوي دعاة الموت الإكلينيكي بعد أن يستجيب لهم القانون في اعتباره موتا حقيقيا ، أن يقدموا اعتذارهم بعد سنوات معدودة مثلا ، ثم يعملون على تغيير القانون مرة أخرى ؟ وهل تتحمل خطورة المسألة مثل هذا العبث بمصير الحياة الإنسانية ؟
و أليس من حقنا أن نؤكد أن الرؤية الإسلامية - في نطاق التعريف التقليدي للموت - هي الأكثر استشرافا للتقدم العلمي عند ما تتمسك بحياة المريض حتى تتحقق ظاهرة الموت في جميع الأعضاء ،ولا تحكم بموته بمجرد توقف مخه عن مظاهر الحياة ؟

سادسا : وإذا كان من الواضح لدينا منذ الآن أن هناك إمكانية علاج المخ التالف - مستقبلا قريبا على الأقل - بنفس القدر الذي يقدمه العلم لاستبدال القلب التالف ، فما هو قرار الطب بالنسبة لحالتين افتراضيتين تعرضان عليه في وقت واحد : ففي الحجرة رقم (1) مريض تالف القلب صحيح المخ يمكنه أن يستفيد بنقل قلب بالحجرة رقم (2) لمريض تالف المخ صحيح القلب ؟
والعكس صحيح أيضا ،وهو أن المريض بالحجرة رقم (2) يمكنه أن يستفيد بنقل خلايا مخ المريض بالحجرة (1)؟
أيهما يتم اتخاذ القرار باعتباره ميتا ليؤخذ منه للآخر ، بينما كل منهما- على حد سواء - يمكن إنقاذه على حساب الآخر ؟
في الحل الإسلامي : كلا المريضين حي محترم الحياة إلى أن تتوقف جميع أعضائه توقفا تاما ، ولا يمكن الحكم بأنه ميت قبل هذا التوقف التام .
فماذا يكون عند أصحاب الموت الإكلينيكي من قرار بموت أحدهما ؟
وما ذا عند المفتين المتكلفين هنا من حكم ليقدموه لرجال الطب ليرفعوا عن كاهلهم مسئولية الفتوى ؟

سابعا : ومن المعروف أن المخ يظل حيا بعد توقف القلب لمدة ثلاث دقائق ، فهل نسارع إلى انتزاع مخه الثمين وحفظه بالطرق العلمية الحديثة ، لينقل فيما بعد إلى مريض آخر مات مخه ( إكلينيكيا ) ولم يمت قلبه ؟

في إحدى الحالات التي نشرها الأهرام في شهر مارس 1990 عادت الحياة إلى طفل بعد خمس عشرة دقيقة من توقف القلب ، وعادت الحياة إليه كاملة برغم هذه المدة الطويلة ؟ فما هي فتوى المتكلفين ؟
هل تقطع رأس الطفل هنا الذي مات قلبه ( مؤقتا لمدة خمس عشرة دقيقة ) ليعطى أو تعطى كنوزه المخية للآخر في الحجرة رقم (2) الذي مات مخه - كما يقال إكلينيكيا - ولم يمت قلبه ؟
أم العكس ؟

خصوصا إذا لاحظنا أن احتمالات نجاح الطب في زرع الدماغ احتمالات واردة أيضا ، كما جاء في جريدة الخليج 921989، إذ يقول الخبر ( يتوقع أن ينشر الباحثون في أكثر من عشرة مراكز طبية في أمريكا الشمالية خلال العام الحالي - {طبعا لم أتمكن من متابعة ما حدث منذ هذا التاريخ ،وهذا لا يؤثر في ورود الاحتمال المشار إليه }- نتائج أوائل الخطوات المتعلقة بعملية زرع دماغ بشري على أساس منتظم إلى حد ما ... يقول البروفيسور جورج ألين ، بروفيسور الأعصاب في إحدى المستشفيات الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد " مثل أي حقل في الطب لا يوجد مستحيل ) .

ثامنا : فإذا رجعنا إلى فتوى الموت المخي الإكلينيكي : من الذي نعتبره ميتا في الحجرتين الافتراضيتين المذكورتين ، لنأخذ منه ونعطي الآخر بينما كل منهما في نظر الطب يمكن علاجه إذا ضحينا بالآخر ؟
هل يملك قرارا أخلاقيا واحدا ؟

أم نرجع إلى المختص بالفتوى في الموت والحياة ، الناظر وحده إلى تكوين الحياة البشرية من مصدرين هما الجسد والروح ، بينما العلم الحديث لا يعرف ولا يزعم أنه يعرف شيئا عن أحد هذين المكونين ، وهو الروح ؟ وهو علاوة على ذلك لا يعرف ، ولا يزعم أنه يعرف شيئا عن خلق الإنسان ؟ أو خلق الحياة أصلا ؟

تاسعا : والمؤسف أنه بالرغم من وضوح الرؤية الشرعية على هذا النحو في مجال الحوار الموضوعي ، نجد أصحاب التكلف في الفتوى يفتحون أبواب الإرهاب العلمي - إن صح هذا التعبير - ضد الفتوى الشرعية الصادرة من أهل الاختصاص ، على مصاريعها ، فيقول أحدهم : ( مطلوب من رئيس الجمهورية شخصيا التدخل لفض الاشتباك بين العلم والفقه - هكذا !! {{ يا أخي ما انتهت المشكلة دستوريا }} - والتخفيف عن الآلاف الذين يعيشون الموت المؤجل { يقصد بالطبع الواقعين تحت ما يسمى الموت المخي الإكلينيكي دون أن يعتبرهم الفقه الشرعي موتى} - ومن يدفع ثمن هذه الخلافات في النهاية ؟ هو المريض الذي يذبح على الطريقة الشريعة .. )[3]
وكأننا في هذا المنطق الدعائي أمام اختيار بين الذبح على الطريقة العلمية - باعتبار الموت الإكلينيكي ، الذي يتبناه الكاتب المحترم - و بين الذبح على الطريقة الشرعية ، في الفتوى التي لا تقول بغير الموت التام لجميع الأعضاء !!
بينما الفتوى الشرعية لا تفتي بالذبح على أي وجه من الوجوه ، بل تدعو إلى احترام حياة الطرفين احتراما كاملا ، وتمنع اختراقها باسم العلم أو باسم التجربة ، أو باسم مصلحة مريض لم يمت بعد موتا حقيقيا لحساب مريض لم يمت بعد موتا حقيقيا أيضا ، أو باسم ميزانية الدولة ، أو أي اعتبار آخر ، وإنما تقف مدافعة حتى النفس الأخير عن جميع الأطراف على قدم المساواة ، باسم الفتوي غير المأخوذة من حكمة البشر النسبية ، أو اجتهاداتهم الفردية ، أو انحرافاتهم الخلقية : على السواء ، وإنما المأخوذة من الشارع الخالق العالم المالك بإرادته وعلمه وقدرته وتشريعه للموت والحياة جميعا ...
وقد تأكدت هذه الفتاوى بما صدر من بعض المراكز العلمية لطبية .وهذا ما سوف نوضحه في المقال القادم

ثم نضيف ما قرره علماء وأطباء آخرون ، مما يؤكد حتمية الأخذ بتعريف الشريعة الإسلامية للموت ،.

عاشرا : فقد أثيرت في المؤتمر الطبي للتخدير والعناية المركزة الذي عقد بدمشق في عام 1993 قضية الموت الإكلينيكي أو ما يسمي موت المخ ، حيث أوضح البحث المقدم من الدكتور أحمد الشواربي أستاذ التخدير بطب عين شمس بجمهورية مصر العربية : ( أنه من الثابت في كل المراجع الطبية أن حالات موت المخ يكون أصحابها أحياء تظهر فيهم مظاهر الحياة المختلفة ، رغم توقف بعض وظائف المخ ، حيث ينبض القلب نبضا عاديا ، ويحتفظ الجسم بحرارته الطبيعية ، وتظل إفرازات معظم أجهزة الجسم على طبيعتها ، ويستمر التمثيل الغذائي للكبد ، وعمل الكليتين ، ويحتفظ الجسم بالكثير من الأفعال الانعكاسية الإرادية ، كما يستمر شعره وأظافره في النمو ، وأن الحمل في حالة السيدات الحوامل اللاتي تم تشخيصهن ( أي بالموت الإكلينيكي ) يستمر طبيعيا طوال فترة الغيبوبة ، حتى تتم الولادة في موعدها الطبيعي ، وهو ما تم تسجيله علميا ، ونشر بالمجلات والصحف عشرات المرات في السنوات الأخيرة ، وأن هذه الدلائل كلها تقطع باستمرار الحياة في هذه الأجساد ، ومن ثم فإن تدخل الطبيب بإنهاء حياة هؤلاء إنما هو قتل لنفس حرم الله قتلها . ) .
ثم طالب الباحث المؤتمر بإصدار توصيات منها : مطالبة الأطباء العرب والمسلمين ألا يتورطوا - تحت شعار التقدم العلمي ومجاراة الأبحاث العلمية - في أية ممارسات تتعارض مع أخلاق الإسلام ، حيث إن بعض المجلات الطبية قد أعلنت صراحة - في صورة مناقضة تماما للأمانة العلمية بعامة والطبية بخاصة - أنه لا يجب على الطبيب إعطاء أي بارقة أمل لأهل مريض الغيبوبة ( ميت المخ ! ) في شفائه ، حتى يمكن أخذ موافقتهم على انتزاع أعضائه !! وحيث تطالب بعض هذه المجلات الممرضة في العناية المركزة ( أن تقوم بخدمة مريض الغيبوبة من أجل الوصول به إلى مرحلة جني الأعضاء !!!!) [4]( نقلا عن جريدة الأهرام 19111993 ومن الواضح هنا تراجع قيمة العلم أمام قيمة الهوى ! .

وفي بيان صادر من الجمعية المصرية لجراحي الأعصاب ، بتوقيع الأستاذ الدكتور شريف عزت عبد العزيز رئيس الجمعية ، نشر بجريدة الوفد في 4 5 1997 .. جاء فيه : أن ( توقف نشاط جذع المخ - عدا النبض - يعني أن هناك بعض النشاط مازال قائما ، إذ أن القلب مازال ينبض . قد يقول البعض : إن القلب قد ينبض تلقائيا في مريض على جهاز التنفس الصناعي ؛ فعلا قد يكون ذلك ، ولكن أيضا قد يكون نبض القلب نابعا من نشاط المراكز المعنية في جذع المخ ، إذن : تشخيص نشاط جذع المخ كلية يجب ألا يتم إلا بعد توقف القلب أيضا . )
وهذا صريح في موت جذع المخ أو ما يسمى موت الدماغ
ثم يرد البيان على القول بأنه ( لم توجد حالة تم فيها تشخيص موت جذع المخ وعادت للنشاط ) قائلا : ( إنه توجد حالات تم فيها استعادة نشاط جذع المخ بعد تشخيص موت المخ ، وإن كانت قليلة ، لكنها مهمة ، وتعكس عدم التيقن من الموت ... ، خاصة أن المعايير مختلفة )

حادي عشر : ثم يوضح البيان أن عبارة ( موت المخ أو توقف نشاطه = الموت ) ، سوف لا تترك مجالا لتقدم البحث في محاولة تنشيط جذع المخ - وهو احتمال علمي وارد - كما هو الحال لو كانت قد أخذت هذه العبارة بالتسليم بالنسبة للقلب
وذكر أنه منذ ثلاثين عاما كان توقف القلب يعني الموت ، ولو كان البحث العلمي قد أخذ بهذه المقولة بالنسبة للقلب وتوقف عندها لما حدث التقدم العلمي الذي أمكن عن طريقه استعادة نشاط القلب .
ثم يقرر البيان : أن التيقن فعلا من حدوث الموت هو حجر الزاوية في تشخيص الموت ، وذلك يستلزم توقف القلب أيضا بالإضافة للتنفس ، ويلخص البيان ما تقدم بقوله ( إن تشخيص الموت يستلزم توقف جميع أجهزة الجسم عن العمل بما فيها القلب ) . وهو نفس ما قررته الفتوى الشرعية .
وهذا ماقررته أيضا كلية الطب بالأزهر في مؤتمرها السنوي عام 1996 عندما أصدر المؤتمر قراره بأن ( مرضى موت جذع المخ [ لاحظ التعبير هنا بكلمة " مرضى " ] لا يمكن اعتبارهم موتى حقيقيين ) .
كما أكد الدكتور فخري صالح كبير الأطباء الشرعيين بمصر وهم أعرف الأطباء بالموت [ أنظر كلمة الدكتور صفوت حسن لطفي بجريدة الوفد 4 5 1997 ] ( أنه لا يمكن الحكم بموت الإنسان طالما أن هناك جهازا واحدا من أجهزة الجسم الحيوية ما يزال يعمل ) .
كما سبق لمجلس الدولة المصري " قسمي الفتوى والتشريع " أن أفتى بأنه ( لا قول بموت مادام جزء من الجسم ما زال حيا ) .
وهذا هو ما استقر عليه الفقه الشرعي في تعريفه للموت ، وهو وحده الذي أثبت ويثبت دائما صلاحيته للتعامل مع الأحوال المختلفة سواء تقدم الطب في علاج مريض القلب ، أو تقدم في علاج مريض المخ ، أو غير ذلك من الاحتمالات في كل زمان ومكان . .
ومعني هذا أنه لا يجوز تغيير تعريف الموت المقرر شرعا ، ولا يجوز اعتماد ما يسمى موت المخ ، أو الموت الإكلينيكي ، حتى عند كثير من الأطباء المعاصرين أصحاب الكلمة المسموعة في هذا الموضوع وفقا لما قدمناه .

أما الخروج على فتوى الشرع في هذا الموضوع بالمسارعة إلى اعتبار ما يسمى الموت المخي موتا حقيقيا ، والمسارعة إلى التصرف في أعضاء من اعتبر ميتا على هذا الأساس ، بقطعها لحساب مريض آخر ، فهي عملية قتل صريحة واضحة ، تدخل من قام بها أو ساهم فيها تحت حكم قتل النفس بغير الحق وفقا لقوله تعالى :( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) 32 المائدة ، وتحت حكم النصوص الشرعية المستفيضة في شناعة هذا الفعل الجريمة الكبيرة ، وما يستحقه من حكم القصاص في الدنيا وفقا لقوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة ) 179 البقرة ، وفي الآخرة : إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما خرجه عنه الإمام البخاري بسنده عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : ( يأتي المقتول معلقا رأسه بإحدى يديه ملببا قاتله بيده الأخرى ، تشحط أوداجه دما ، حتى يقفا بين يدي الله تعالى ) .
فهل من مسلم مستعد لهذا الموقف ؟

------------------------------------------------------------------------
[1] روزا اليوسف 441994 العدد 3434
[2] وروي مثله في سنن البيهقي الكبرى ، وسنن الدارقطني بعبارة ( ألا ولا تعجلوا النفس أن تزهق )
[3] روزا ليوسف 4 4 1994 العدد 3434
[4] جريدة الأهرام 19111993


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.