النفط يسجل مكاسب أسبوعية وسط مؤشرات على تحسن الطلب    البيت الأبيض: يجب فتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح فورا    منظمة الصحة العالمية: لم نتلق أي إمدادات طبية في غزة منذ 10 أيام    غارات إسرائيلية تستهدف منازل بعدة مناطق في قطاع غزة    عملاق الدوري التركي يزاحم موناكو على ضم محمد عبد المنعم    قمة الدوري السعودي.. الهلال يخطف «نقطة» من النصر بمشاركة رونالدو    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالطريق الحر بالقليوبية    محطات وقوف قطار «القاهرة – أسوان» الإضافي في عيد الأضحى المبارك    انتشال جثة شاب غرق فى مياه النيل بقرية الجعافرة في أسوان    دعاء حلمى: عادل إمام نجم تلاحم مع جمهوره من خلال أعماله    ما علاقة الزعيم عادل إمام بكرة القدم؟.. أعمال خالدة ولقطات نادرة    أول ظهور ل ريم سامى بالفستان الأبيض في حفل زفافها (فيديو)    فيديو.. أحمد السقا: لما مصر تمر بظروف صعبة لازم نستحملها    طريقة عمل البيتزا من المنزل بأقل تكلفة    الري: الموافقة على 38 طلب بمحافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء لتراخيص الشواطئ    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    تطوير محمية ودعم ب15 مليون جنيه.. بروتوكول تعاون بين وزيرة البيئة ومحافظ جنوب سيناء    مصطفى الفقي: غير مقتنع بالفريق القائم على "تكوين" وكلامهم مردود عليه    "مات بعد شهور من وفاة والدته".. نجوم الرياضة ينعون أحمد نوير    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    تأثير الامتحانات على الطلاب ونصائح للتغذية السليمة    إعلام أمريكي: موقف أوكرانيا أصبح أكثر خطورة    وظائف وزارة الزراعة 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    كوريا الجنوبية تتهم بيونج يانج بزرع الألغام في المنطقة المنزوعة السلاح بين البلدين    «هندسة مايو» يكرم الكاتب الصحفى رفعت فياض    في ذكرى ميلاده.. لماذا رفض عادل إمام الحصول على أجره بمسلسل أنتجه العندليب؟    هشام ماجد يكشف عن كواليس جديدة لفيلمه «فاصل من اللحظات اللذيذة»    ضمن الخطة الاستثمارية للأوقاف .. افتتاح مسجدين بقرى محافظة المنيا    طيران الاحتلال يغتال القيادي بحماس في لبنان شرحبيل السيد «أبو عمرو» بقصف مركبة    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    حريق هائل يلتهم محتويات شقة سكنية في إسنا ب الأقصر    استمرار تراجع العملة النيجيرية رغم تدخل البنك المركزي    وزير الاتصالات يبحث مع سفير التشيك تعزيز التعاون بمجالات التحول الرقمي    حسام موافي يوضح أعراض الإصابة بانسداد الشريان التاجي    "بسبب سلوكيات تتعارض مع قيم يوفنتوس".. إقالة أليجري من منصبه    علماء الأزهر والأوقاف: أعلى الإسلام من شأن النفع العام    توخيل يؤكد تمسكه بالرحيل عن بايرن ميونخ    "بموافقة السعودية والإمارات".. فيفا قد يتخذ قرارا بتعليق عضوية إسرائيل    4 وحدات للمحطة متوقع تنفيذها في 12 عاما.. انتهاء تركيب المستوى الأول لوعاء الاحتواء الداخلي لمفاعل الوحدة الأولى لمحطة الضبعة النووية    تاتيانا بوكان: سعيدة بالتجديد.. وسنقاتل في الموسم المقبل للتتويج بكل البطولات    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    تحذيرات الرئيس فى القمة    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    «المستشفيات التعليمية» تكرم المتميزين من فرق التمريض.. صور    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طامة المدعو برهامي الاخيرة
نشر في الشعب يوم 27 - 04 - 2014

بمناسبة طامة المدعو برهامي الاخيرة: اقول بعد حمد الله تعالى والثناء عليه عز وجل . فانا لله وانا اليه راجعون عظم البلاء في هؤلاء المفتونين غفلوا او تغافلوا . ان لكل مقام مقال فالاطروحات والابحاث العلمية لمجالس العلم وللاخذ والرد بين الطلبة والمعلمين وليس لعامة الناس على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية وخصوصا وسط هذا الهرج المجتمعي المشهود والله المستعان . ثم ان مع احترامي الوافي لافاضل العلماء الذين ذكر قولهم على سبيل الاستدلال والحجة وعلى اعتبار ان نقله عنهم منضبطا صحيح القياس !! فهم قطعا ممن يؤخذ منه ويرد وان كلامهم بغير دليل من الاصول ليس بحجة على دين الله خصوصا وانه يتعارض البتة مع الثابت في الشرع المطهر كتابا وسنة قال تعالى ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) . وعن سعيد بن زيد رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد ) رواه أحمد وأهل السنن وقال الترمذي هذا حسن صحيح . وعن أبي هريرة قال : { جاء رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ، قال : فلا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد ، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار } رواه مسلم وأحمد . وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع : ص 138 واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين . وقال ابن تيمية رحمه الله في الاختيارات : ( دفع ضرر العدو عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعا ) . وقال : ( أما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم .اه وكلام ابن تيمية السابق يُفسره كلامه في مواضع أُخر منها : إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلد الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا ، اه . وقال في الفتاوى 28/358 فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا .. إلى أن قال وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن ... مع القلة والكثرة والمشي والركوب اه . وفي حاشية الدسوقي المالكي قال : أي توجب الدفع على كل أحد وإن امرأة أو عبدا أو صبيا ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدين اه وقال في نهاية المحتاج عند الشافعية: فإن دخلوا بلدة لنا .. فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة اه . اذن لا يختلف العلماء في وجوب رد الصائل على العرض، لأن العرض لا يجوز بذله إلا بحله، ولا حل له إلا بملك يمين أو نكاح. قال ابن المنذر: (والذى عليه عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وأهله إذا أريد ظلمًا، لقوله عليه السلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد" ، ولم يخص وقتًا دون وقت، ولا حالاً دون حال –ثم أورد استثناء السلطان من الدفع-) وقال النووي: (وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف) وبعين عبارة النووي عبر العيني في شرحه للبخاري وقال عليش: ((وجاز) أي لا يمنع ( دفع ) آدمي مكلف أو صبي أو مجنون أو غيره (صائل) أي: مقبل على شخص لقتله أو أخذ حريمه أو ماله... ودفع الصائل على النفس والبضع واجب . وذكر ابن الفرس والقرطبي قولين في الوجوب قالا والأصح الوجوب . ابن العربي المدفوع عنه كل معصوم من نفس وبضع ومال وأعظمها حرمة النفس وأمره بيده إن شاء أسلم نفسه أو دفع عنها , لكن إن كان زمن فتنة فالصبر أولى , وإن قصده وحده فالأمران سواء , ونقله ابن شاس والقرافي . قال والساكت عن الدفع عن نفسه حتى يقتل لا يعد آثما ولا قاتلا لنفسه. قال ابن تيمية: (أما إذا كان مطلوبه الحرمة- مثل أن يطلب الزنا بمحارم الإنسان، أو يطلب من المرأة، أو الصبي المملوك أو غيره الفجور به. فإنه يجب عليه أن يدفع عن نفسه بما يمكن، ولو بالقتال، ولا يجوز التمكين منه بحال؛ بخلاف المال فإنه يجوز التمكين منه؛ لأن بذل المال جائز، وبذل الفجور بالنفس أو بالحرمة غير جائز. وأما إذا كان مقصوده قتل الإنسان، جاز له الدفع عن نفسه. وهل يجب عليه؟ على قولين للعلماء في مذهب أحمد وغيره. وهذا إذا كان للناس سلطان، فأما إذا كان- والعياذ بالله- فتنة، مثل أن يختلف سلطانان للمسلمين، ويقتتلان على الملك، فهل يجوز للإنسان، إذا دخل أحدهما بلد الآخر، وجرى السيف، أن يدفع عن نفسه في الفتنة، أو يستسلم فلا يقاتل فيها؟ على قولين لأهل العلم، في مذهب أحمد وغيره). والأصل في دفع الصائل على العرض حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"، مع دلالة عموم الآيات كقوله تعالى :{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}. قال الخطابي: ( قد طلب الله سبحانه في غير آية من كتابه إلى التعرض للشهادة وإذا سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شهيداً، فقد دل ذلك على أن من دافع عن ماله أو عن أهله أو دينه إذا أريد على شيء منها فأتى القتل عليه كان مأجوراً فيه نائلاً به منازل الشهداء). وقال ابن القيم بعد أن نقل فتوى ابن المبارك لغلام بقتل من أرداه إذا علم أنه لا ينجيه إلا القتل، قال: (ويكون مجاهداً إن قَتَل، وشهيداً إن قُتِلَ. فإن من قُتل دون ماله فهو شهيد، فكيف من قتل دون هذه الفاحشة؟). حكم التدرج في دفع الصائل: يتطابق أكثر الفقهاء في الجملة على اشتراط التدرج في دفع الصيال وذلك في معرض بيانهم أحكام الصيال .. قال الزيلعي: ((ومن دخل عليه غيره ليلا فأخرج السرقة فاتبعه فقتله فلا شيء عليه )...، إذا لم يقدر على أخذه منه إلا به , ولو علم أنه لو صاح عليه يطرح ماله فقتله مع ذلك يجب القصاص عليه ; لأنه قتله بغير حق , وهو بمنزلة المغصوب منه إذا قتل الغاصب حيث يجب عليه القصاص ; لأنه يقدر على دفعه بالاستعانة بالمسلمين والقاضي فلا تسقط عصمته بخلاف السارق والذي لا يندفع بالصياح). قال الخرشي: (الصائل سواء كان مكلفاً, أو لا إذا صال على نفس, أو مال, أو حريم, فإنه يشرع دفعه عن ذلك بعد الإنذار إن كان يفهم بأن يناشده الله بأن يقول له: ناشدتك الله إلا ما خليت سبيلي ثلاث مرات , وأما إن كان لا يفهم كالبهيمة , فإنه يعاجله بالدفع من غير إنذار , ويدفعه بالأخف فالأخف فإن أدى إلى قتله قتله). وقال النووي: (ويدفع الصائل بالأخف, فإن أمكن بكلام واستغاثة حرم الضرب , أو بضرب بيد حرم سوط , أو بسوط حرم عصا , أو بقطع عضو حرم قتل , فإن أمكن هرب فالمذهب وجوبه , وتحريم قتال). وفي الإقناع للحجاوي: ( من صال على نفسه أو نسائه أو ولده أو ماله ولو قل بهيمة أو آدمي ولو غير مكافئ أو صبيا أو مجنونا في منزله أو غيره ولو متلصصا ولم يخف أن يبدره الصائل بالقتل دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإن اندفع بالقول لم يكن له ضربه وإن لم يندفع بالقول فله ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به فإن ظن أنه يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديد). والأصل في اشتراط التدرج لدفع الصائل: 1. حديث مخارق بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: "ذكره بالله" ، قال: فإن لم يَذَّكر؟ قال: "فاستعن عليه من حولك من المسلمين" ، قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين، قال: "فاستعن عليه بالسلطان" ، قال: فإن نأى السلطان عني؟ قال: "قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك". فهذا الحديث صريح في دلالته على الأخذ بقاعدة التدرج والابتداء بأخف وسيلة لدفع العدوان ثم بالأشد فالأشد. 2. حماية الإنسان في نفسه وعرضه وماله ورد العدوان عنه من وظائف الدولة الإسلامية ممثلة بولاة الأمور وأجهزة الدولة المختلفة، ولكن لتعذر لجوء الفرد إلى مؤسسات الدولة لحمايته أو لرد الاعتداء عنه حين تعرضه للخطر أباحت له الشريعة الإسلامية حماية نفسه بنفسه ورد الاعتداء عن نفسه بالوسائل الممكنة لديه، فلا يجوز له أن يستعمل من وسائل الدفع إلا بالقدر الذي تقتضيه الضرورة. هذا غاية ما وقفت عليه لاشتراط مراعاة التدرج .. وإذا تأملنا حديث مخارق رضي الله عنه تبين لنا: أن الصائل في مرحلة المناشدة والاستعانة بالمسلمين ثم السلطان لمَّا يبدأ بعد في الصيال، فالفعل الحاصل منه مجرد مجيء "يأتيني يريد مالي" ، فلما بدأ استحق القتال، وليس فيه أنه إذا شرع الصائل في الصيال يضربه المصول عليه باليد فإن لم ينزجر فبسوط ، ثم بعصى ، ثم بسيف ويجرحه ولا يقتله... نقل أبو طالب عن الإمام أحمد في لصوص دخلوا عليه : يقاتلهم أو يناشدهم ؟ قال: (قد دخلوا , ما يناشدهم ؟). أي عقلٌ في مَحَاكِّ الأزمات يطيق مراعاة هذه الأمور، ولو وجب مراعاتها لكن من التكليف بما لا يطاق. ومن هذا أن الباجي لما أورد مسائل في قتل الصائل أعقبها بفرع فقال: (( فرع ) فإذا قلنا : تجب عليه الدية فقد قال ابن القاسم والمغيرة وابن كنانة : دية الخطأ ووجه ذلك: أن القاتل لما فجأه من الغضب الذي سببه من الزاني يصير في حكم المغلوب الذي لا عقل له فكانت جنايته خطأ). والإنسان بطبعه إذا دُوهم غالب بغاية ما يطيق خاصة إذا تساوت قدرته وقدرة المهاجم، أو كانت قدرته دون قدرة المهاجم ! يقول د: أحمد بهنسي:( وإنما يلزم أن تعلم أن مراعاة الترتيب المذكور هو في الأحوال الطبيعية، أما إذا التحم القتال بين الصائل والمدافع يسقط الترتيب المذكور؛ لأنه لو راعينا الترتيب أصبح المدافع في موقف يخشى على نفسه من الهلاك)، وليس حفظ نفس المصول عليه بدون نفس الصائل، ثم إن الصائل هو المعتدي وهو يريد من المصول عليه ما يحرم عليه، فكيف يطالب المصول عليه بأن يحافظ على نفس الصائل بغاية ما يطيق ! والشريعة التي تحافظ على الدماء هي التي أمرت بهدرها متى ما استحقت الهدر .. يحكي الميموني عن الإمام أحمد: (رأيته يعجب ممن يقول أقاتله وأمنعه, وأنا لا أريد نفسه!). § وثمة أدلة أخرى هي أصح من حديث مخارق رضي الله عنه لا تدل على مراعاة الشرط التدرج متى وقع الصيال، ومن هذه الأدلة: 1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك" قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله" قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد" ، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". ففي هذه الحديث أرشده صلى الله عليه وسلم إلى المقاتلة مباشرة متى ما وقع الصيال، ولم يذكر له مراعاة التدرج، ولا يصح أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين له شرط التدرج هنا للعلم به، لأن الرجل أتى مسترشداً لما لا يعلم ولو كان التدرج -بالذي يذكره الفقهاء- شرطاً لما أخر النبي صلى الله عليه وسلم بيانه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. 2. حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رجلاً اطلع في جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أعلم أنك تنظرني لطعنت به في عينك" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإذن من أجل البصر". 3. عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه بمشقص أو مشاقص، فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه". و"المدرى" شيء يعمل من خشب أو حديد على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه، يسوى به الشعر المتبلد، ويستعمله من لا مشط له. وقيل: هو عود يدخله من له شعر في رأسه ليضم بعضه إلى بعض وهو يشبه المسلة، وقيل هو حديدة كالخلال لها رأس محدد من عادة
الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده. و"المشقص" نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض، فإذا كان عريضا فهو المِعْبَلة. و"يختله" أي: يُدَاورُه ويَطْلُبه مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر. ففي هذين الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد إتلاف عين الناظر، وهذا غاية ما يؤذن بدفعه في النظر؛ لأن الصيال هنا صيال بالبصر فقط، ونهاية مدافعة هذا يكون بإتلاف العضو الصائل وهو العين الباصرة، وهذا ما دل عليه الحديثان، فالأول –حديث سهل- علق الفعل على العلم، وفي الثاني –حديث أنس- هم بإتلاف العين. وفعله صلى الله عليه وسلم يوافق قوله، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن، فخذفته بحصاة، ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"، وفي لفظ آخر: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حل لهم أن يفقئوا عينه". ولم يراع هنا شرط التدرج: بأن يصاح به أولاً، ثم يستعان بالناس ومن بعده السلطان، ومن بعد ذلك يضرب في بدنه فإن لم يكفّ فُقِئت عينه ! قال ابن قدمة: (ظاهر كلام أحمد, أنه لا يعتبر في هذا أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك, لظاهر الخبر . وقال ابن حامد : يدفعه بأسهل ما يمكنه دفعه به, فيقول له أولاً: انصرف . فإن لم يفعل, أشار إليه يوهمه أنه يحذفه, فإن لم ينصرف, فله حذفه حينئذ ) ثم قال ابن قدامة: (واتباع السنة أولى). إن نصوص هذه الأحاديث تسير مع الفطرة البشرة والحمية العربية والغيرة الإسلامية، فأين هذا مما يذكره بعض الفقهاء فيقولون لا بد من مراعاة التدرج في دفع الصائل ببصره. 4. حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قاتل يعلى بن منية أو ابن أمية رجلا، فعض أحدهما صاحبه، فانتزع يده من فمه، فنزع ثنيته - وقال ابن المثنى: ثنيتيه - فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيعض أحدكم كما يعض الفحل؟ لا دية له"، وفي لفظ لمسلم:" ما تأمرني؟ تأمرني أن آمره أن يدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل؟ ادفع يدك حتى يعضها، ثم انتزعها؟" .قال النووي معلقاً على لفظ الأخير: (ليس المراد بهذا أمره بدفع يده ليعضها وإنما معناه الإنكار عليه أي إنك لا تدع يدك في فيه يعضها فكيف تنكر عليه أن ينتزع يده من فيك وتطالبه بما جنى في جذبه). فالنبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ انتقال المعضوض مباشرة إلى إتلاف الأسنان المعتدية بالعض، وهذا غاية ما يؤذن بدفعه في العض ابتداءً؛ لأن الصيال هنا صيال أسنان، ونهاية مدافعة هذا يكون بإتلاف العضو الصائل وهو السن هنا. ولم يراعَ في الخبر شرط التدرج، وما نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل نازع اليد، هل ابتدأ بالنصح، ثم هل حاول فك لحييه، وبعد عجزه عن فكهما هل حاول ضربه بيده الأخرى ! جاء في مجمع الضمانات: (لو عض يد رجل فانتزع صاحب اليد يده وقلع سن العاض لا ضمان عليه في قول أبي حنيفة . وقال ابن أبي ليلى عليه دية السن . ولو عض ذراع رجل فجذبه من فيه فسقط بعض أسنان العاض وذهب لحم ذراع المجني عليه قال محمد لا يضمن الأسنان ويضمن العاض أرش ذراع المجني عليه) وقال الأذرعي : (وإطلاق كثيرين يفهم أنه لو سل يده ابتداء فندرت أسنانه كانت مهدرة وهو ظاهر الحديث). وقال البهوتي: (( وإن عض يده إنسان عضا محرما فانتزع ) المعضوض (يده من فيه ولو بعنف فسقطت ثناياه) أي العاض ( فهدر ) ظالما كان المعضوض أو مظلوماً). إن مجرد التفكير بالترتيب الذي ينص عليه جملة من الفقهاء، مجرد التفكير به في مضايق دفع الصائل أثناء صياله ضرب من التكليف بما لا يطاق، ومخالفة لظواهر النصوص وخروج عن ردة الفعل الفطرية في دفع الاعتداء. * وإذا فتشنا في أقضية الصحابة رضي الله عنهم عثرنا على أنَّ عملهم في ظاهره كان على إهمال شرط التدرج متى ما وقع الصيال، ومن ذلك: 1. ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسنده عن القاسم بن محمد قال: أحسبه عن عبيد بن عمير قال: استضاف رجل ناساً من هذيل، فأرسلوا جارية لهم تحتطب، فأعجبت الضيف فتبعها، فأرادها على نفسها، فامتنعت فعاركها ساعة فانفلتت منه انفلاتة، فرمته بحجر، ففضت كبده فمات، ثم جاءت إلى أهلها، فأخبرتهم فذهب أهلها إلى عمر، فأخبروه، فأرسل عمر، فوجد آثارهما، فقال عمر: "قتيل الله لا يودى أبداً" ، قال الزهري: ثم قضت القضاة بعد بأن يُودى. أخرجه ابن أبي شيبه بسنده عن عبيد بن عمير: أن رجلاً أضاف إنساناً من هذيل، فذهبت جارية منهم تحتطب، فأرادها على نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع إلى عمر بن الخطاب، قال: "فذلك قتيل الله، لا يودى أبدا"، وأخرجه عن السائب بن يزيد ولفظه: أن رجلاً أراد امرأة على نفسها، فرفعت حجراً، فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر، فقال: "ذاك قتيل الله" وساقه البيهقي بسنده من طريق عبيد بن عمير وذكر أنه مرسل وسياق الخبر عنده: أن رجلا كان من العرب نزل عليه نفر فذبح لهم شاة , وله ابنتان فقال لإحداهما: اذهبي فاحتطبي، قال: فذهبت فلما تباعدت تبعها أحدهم فراودها عن نفسها فقالت: اتق الله , وناشدته فأبى عليها , فقالت: رويدك حتى أستصلح لك , فذهبت ونام , فجاءت بصخرة ففلقت رأسه فقتلته , فجاءت إلى أبيها فأخبرته الخبر، فقال: اسكتي , لا تخبري أحدا , فهيأ الطعام فوضعه بين يدي أصحابه فقال لأصحابه: كلوا , فقالوا: حتى يجيء صاحبنا، فقال: كلوا , فإنه سيأتيكم , فلما أكلوا حمد الله وأثنى عليه وقال: إنه كان من الأمر كيت وكيت , فقالوا: يا عدو الله قتلت صاحبنا , والله لنقتلنك به , فارتفعوا إلى عمر رضي الله عنه فقال: " ما كان اسم صاحبكم؟ " فقالوا: غفل، قال: " هو كاسمه , وأبطل دمه " 2. ما أخرجه عبد الرزاق بسنده عن جندب، أنه أخذ في بيته رجلاً فرض أنثييه فأهدره عمر قال: وأخبرني صالح بن كيسان، عن القاسم بن محمد : "أن رجلاً وجد في بيته رجلاً فدق كل فقار ظهره، فأهدره عمر بن الخطاب". 3. ما أخرجه ابن أبي شيبه بسنده عن سليمان بن يسار: "أن امرأة بالشام أتت الضحاك بن قيس فذكرت له أن إنسانا استفتح عليها بابها، وأنها استغاثت، فلم يغثها أحد، وكان الشتاء ففتحت له الباب، وأخذت رحى، فرمته بها فقتلته، فبعث معها وإذا لص من اللصوص وإذا معه متاع فأبطل دمه". والشاهد من مجموع هذه الآثار : أنَّ عمر والضحاك بن قيس رضي الله عنهم لم يستفصل أحدهم من المصول عليها عن مراعاتها شرط التدرج، وغاية ما في الآثار أن المصول عليها ذكرت الصائل بالله أو استغاثت بالناس ولم تغث، لكن هذه درجتان من درج المدافعة وبقي درجات أخرى قبل القتل، كالضرب باليد، ثم الضرب بالعصى... والقاعدة أنَّ ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويحسن به الاستدلال. 4 ما أخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن نافع قال: "أصلت ابن عمر على لص بالسيف , فلو تركناه لقتله". وسياقه في السنة للخلال:"أن لصاً دخل عليهم، فأصلت ابن عمر عليه بالسيف، فلو تركناه لقتله". وما نقل أنَّ ابن عمر ناشده قبل هذا، ولم ينقل أيضاً أن اللص شرع في المقاتلة، بل النص يوحي إلى أن اللص كان مجرداً من سلاح يوازي سلاح ابن عمر رضي الله عنه، والإمام أحمد استدلال بقصة ابن عمر في الابتداء بالمقاتلة من غير تدرج، فعن الميموني قال: قالوا لأبي عبد الله: لص دخل على رجل في داره، كيف يصنع؟ قال: "أليس ابن عمر أخذ السيف، لولا أن منعناه" ، قالوا: فيضربه؟ قال: "لهم ،للرجل أن يمنع ماله ونفسه-يعني :بكل ما-"، ولما ذكر للإمام أحمد مناشدة اللص في غير الفتنة، قال: "حديث قابوس عن سلمان، ولم يثبته، وقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قوتل فقاتل فقتل دون ماله فهو شهيد"، فضعف حديث المناشدة واستدل بعموم الحديث المروي في مقاتلة اللص من غير تدرج يبتدأ بالمناشدة. فإذا ثبت هذا في مدافعة صيال المال، فثبوته في مدافعة صيال العرض أولى. * ثم إذا نظرنا في الظروف التي نص الفقهاء على أن شرط مراعاة التدرج يسقط فيها، وجدنا ثمة اضطراب أو استثناءات مردها الاستحسان، وهذه الاستثناءات تضعف الأصل الذي بُنيت عليه- وسيأتي سرد هذه الظروف-. ولا يُفهم مما سبق أن ظواهر النصوص لا تراعي التدرج بالصفة التي يذكرها بعض الفقهاء، لا يفهم من ذلك إسقاط التناسب بين رد الصائل مع نوع الصيال الواقع منه. بمعنى أنَّ دفع الصائل مراتب تتعدد بحسب مراتب الصيال نفسه، فلمن صِيل عليه بالعض أن ينزع يده من فم العاض وإن تضمنت إتلاف الأسنان الصائلة، لكن ليس له أن يقتله مباشرة، لأن الصيال واقع من بعض البدن لا كله، كما أنه ليس له أن يتلف عضواً آخر غير العضو الصائل، فليس له ابتداءً أن يقطع قدم الصائل ليطلق يده المعضوضة. وكذلك في الاطلاع على العورات له أن يرمي العين بما يتسبب بفقئها، لكن ليس له أن يرميها ابتداءً بما يتسبب بإتلاف النفس، لأن الصيال واقع من العين وهي بعض البدن لا كله. قال الشافعي: (ولو طعنه عند أول اطلاعه بحديدة تجرح الجرح الذي يقتل، أو رماه بحجر يقتل مثله كان عليه القود فيما فيه القود; لأنه إنما أذن له الذي يناله بالشيء الخفيف الذي يردع بصره لا يقتل نفسه). أما الصيال على المال والعرض والنفس فهذا صيال من كل البدن فله أن يتلف بدن الصائل كله ابتداءً من غير تدرج، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله، أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد"، وفي لفظ للنسائي: "من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيد"، والشهادة لا تكون إلا على ما هو مشروع، إضافة لخبر عمر رضي الله عنه، وخبر ابنه لما أصلت السيف على السارق. المسألة الخامسة: مسائل متفرعة عن اشتراط التدرج. هذه المسائل فروع للقول الذي يشترط التدرج في دفع الصيال. أولاً: المرجع في تقدير الانتقال بين رتب التدرج. يُرجع في تقدير الانتقال بين رتب التدرج في دفع الصيال إلى اعتقاد المكلف –المصول عليه-، فهو الذي يعاصر الصيال ويقدر ما يراه مناسباً لدفع الصيال، كما يقدر اللحظة المناسبة للانتقال من رتبة إلى أعلى منها. في الدر المختار: (( إن كان يعلم أنه لا ينزجر بصياح وضرب بما دون السلاح وإلا) بأن علم أنه ينزجر بما ذكر ( لا ) يكون بالقتل)) جاء في شرح الخرشي لمختصر خليل (يجوز للمصول عليه قتل الصائل ابتداء إذا علم أنه لا يندفع عنه إلا به , ولا ضمان عليه ) ونص خليل في المختصر: (وجاز دفع صائل بعد الإنذار للفاهم , وإنْ عن مال, وقصد قتله إن علم أنه لا يندفع إلا به لا جرح إن قدر على الهرب بلا مضرة ). وجاء في الفروع لابن مفلح: (ومن صال على نفسه أو حرمته أو ماله... دفعه بأسهل ما يظن , وقيل : يعلم دفعه به ). وقال المرداوي معلقاً على عبارة المقنع "ومن أريدت نفسه , أو حرمته , أو ماله: فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به"، قال: (وذكر جماعة منهم المصنف له دفعه بغير الأسهل ابتداء . إن خاف أن يبدده . قلت : وهو الصواب). وقال البهوتي: ((فإن اندفع بالقول لم يكن له ضربه ) بشيء ( وإن لم يندفع بالقول فله ) أي الدافع ( ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به، فإن ظن أن يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديد ) لأنه آلة القتل). وجاء في المحلى لابن حزم: (فإن كان على يقين من أنه إن ضربه ولم يقتله ارتدع , فحرام عليه قتله . فإن لم يكن على يقين من هذا , فقد صح اليقين بأن مباحاً له الدفع والمقاتلة ؟ فلا شيء عليه إن قتله من أول ضربة أو بعدها قصدا إلى مقتله أو إلى غير مقتله ; لأن الله تعالى قد أباح له المقاتلة والمدافعة قاتلا ومقتولاً) .. سئل عبد الله بن المبارك عن الغلام إذا أرادوا أن يفضحوه؟ قال يمنع، ويذب عن نفسه. قال: أرأيت إن علم أنه لا ينجيه إلا القتل، أيقتل حتى ينجو؟ قال: نعم. والخلاصة: أن الانتقال بين رتب التدرج راجع إلى تقدير المصول عليه، فهو الذي يكابد الصيال، والشاهد عادةً يرى ما لا يراه الغائب، كما أنَّ العقل في حال التزاحم له عذره ووضعه، ولا يعامل معاملة العقل الذي سلم من المؤثرات. ويكفي في التقدير الظن أو غلبته؛ لتعذر اليقين هنا، والشريعة في جملة من الأحكام علقت الأمر على الظن أو غلبته وهذا منها لتعذر القطع باليقين. ثانياً: أمور مؤثرة في التدرج: ينص الفقهاء على أمور تؤثر في شرط مراعاة التدرج: فمثلاً الحنفية يراعون في شرط التدرج الآلة المستخدمة في الصيال، فيفرق بين السلاح والعصى. فالصيال بعصى لا يحل قتل الصائل ابتداءً ، بخلاف من صيل عليه بسلاح. كما
أنهم يرون للزمن أثراً في مراعاة شرط التدرج، فمن صيل عليه في الليل لا يُساوى بمن صيل عليه في النهار؛ ولهذا يقولون من صيل عليه بسلاح يقتل مطلقاً ليلاً أو نهاراً، أما من صيل عليه بعصى فيقتل إذا كان الصيال ليلاً؛ لأن الغوث في الليل معدوم عادة. ويراعون أيضاً في شرط التدرج محل الصيال، فيفرقون بين من صيل عليه في محلٍ وحشٍ كالمفازة وبين من صيل عليه في المدينة. قال الكاساني: (ولو أشهر على رجل سلاحاً نهارا أو ليلا في غير مصر , أو في مصر فقتله المشهور عليه عمداً فلا شيء عليه , وكذلك إن شهر عليه عصا ليلاً في غير مصر , أو في مصر , وإن كان نهارا في مصر فقتله المشهور عليه يقتل به , والأصل في هذا أن من قصد قتل إنسان لا ينهدر دمه , ولكن ينظر إن كان المشهور عليه يمكنه دفعه عن نفسه بدون القتل لا يباح له القتل , وإن كان لا يمكنه الدفع إلا بالقتل يباح له القتل ; لأنه من ضرورات الدفع , فإن شهر عليه سيفه يباح له أن يقتله ; لأنه لا يقدر على الدفع إلا بالقتل ألا ترى أنه لو استغاث الناس لقتله قبل أن يلحقه الغوث إذ السلاح لا يلبث , فكان القتل من ضرورات الدفع ; فيباح قتله فإذا قتله فقد قتل شخصا مباح الدم فلا شيء عليه . وكذا إذا أشهر عليه العصا ليلا ; لأن الغوث لا يلحق بالليل عادة سواء كان في المفازة , أو في المصر , وإن أشهر عليه نهارا في المصر لا يباح قتله ; لأنه يمكنه دفع شره بالاستغاثة بالناس , وإن كان في المفازة يباح قتله ; لأنه لا يمكنه الاستغاثة فلا يندفع شره إلا بالقتل ; فيباح له القتل). والشافعية يستثنون صوراً من شرط مراعاة الترتيب، وممن ساقها الشربيني، فقال: (ويستثنى من مراعاة الترتيب مسائل : الأولى : لو التحم القتال بينهما واشتد الأمر عن الضبط سقط مراعاة الترتيب كما ذكره الإمام في قتال البغاة. الثانية : ما سيأتي في النظر إلى الحرم أنه يرمي بالحصاة قبل الإنذار على خلاف فيه. الثالثة : لو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا والمصول عليه لا يجد إلا السيف فالصحيح أن له الضرب به ; لأنه لا يمكنه الدفع إلا به , وليس بمقصر في ترك استصحاب السوط ونحوه. الرابعة : إذا رآه يولج في أجنبية فله أن يبدأ بالقتل , وإن اندفع بدونه في كل لحظة مواقع لا يستدرك بالأناة،...). وهذه الحالة الرابعة نص عليها الحنفية مع شيء من اضطراب؛ فبعضهم فرق بين زوجته والأجنبية فقال في زنى الأجنبية لابد من تدرج، أما في زوجته فيسقط التدرج وله القتل مباشرة، لكن ابن عابدين يرى أن خلاف أئمتهم في مراعاة التدرج في هذه الصورة راجعٌ إلى اختلاف الحال، فإن كان وجده قبل الزنى فلا بد من التدرج قبل القتل، وإن كان وجده حال الزنى فهذا له القتل مطلقاً من غير تدرج ، ويجري هذا الحكم على الزوجة والأجنبية من غير فرق بينهما. وابن تيمية رحمه الله أفتى بأن الرجل إذا وقف على الصائل في حال المواقعة فله قتله مباشرة أما إن وقف عليه ولم يفعل بعد فاحشة؛ ولكنه وصل لأجل فعلها فذكر أن في قتله مباشرة نزاع وأفتى بأن الأحوط لمن قتله أن يتوب من القتل .. ويذهب الحنابلة أيضاً إلى أنَّ من الأمور المؤثرة في رعاية التدرج الجهل بحكم التدرج .. وهذه الاستثناءات تضعف الأصل الذي بنيت عليه. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. (منقول بتصرف) 23/ 6/ 1435ه.. هذا والله تعالى اعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.