تابعنا جميعا تصريحات ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية حول عدم مقاومة مغتصب زوجته أو ابنته أو شقيقته أو أمه أو عمته أو خالته أو أى امرأة تسير معه فى الطريق، إذا كانت مقاومته للمغتصبين ستهدد حياته بالخطر، ومبرر برهامى فى هذا أن «حفظ النفس مقدم على حفظ العرض». وقد استقى برهامى كلامه هذا من كتاب حاشية البجيرمى على الخطيب، فى اطار الحديث عن الصائل(المعتدى الظالم)، حيث كان للبجيرمى والشيخ الخطيب الشربينى رأى يعد من الشواذ، إذ إنهما اشترطا عدم التصدى للظالم إذا ترتب على مقاومتك ضرر قد يلحق جسدك أو احد أعضائك أو نفسك: أو حسب صياغة البجيرمى: «لو فرض صيال على مال وبضع ونفس، قدم الدفع عن النفس ثم البضع ثم المال الأخطر فالأخطر». فالمعتدى على النفس أو المال أو البضع (العرض) يسميه العلماء صائلًا، ودفع الصائل بما يندفع به مشروع، فقد اتفق الفقهاء حول دفع الصائل(المعتدى الظالم)، وقال أغلب الفقهاء بوجوب دفع الصائل على النفس وما دونها، وهناك شواهد كثيرة توجد مقاومة المعتدى، منها ما جاء فى صحيح مسلم: «أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟، قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟، قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟، قال: هو فى النار». وروى من حديث سعيد بن زيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد». وقوله عليه الصلاة والسلام فى مسند أحمد: «من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله فقد وجب دمه». وقد قال معظم الشافعية بوجود دفع الصائل: إن كان الصائل كافرًا، والمصول عليه مسلمًا وجب الدفاع سواء كان هذا الكافر معصوم الدم أو غير معصوم إذ غير معصوم الدم لا حرمة له، والمعصوم بطلت حرمته بصياله، ولأن الاستسلام للكافر ذل فى الدين وفى حكمه كل مهدور الدم من المسلمين كالزانى المحصن، ومن تحتم قتله فى قطع الطريق ونحو ذلك من الجنايات». اختلف العلماء فى حكم دفع الصائل باختلاف ما يريد الاعتداء عليه، فإن كان يريد أخذ المال فدفعه جائز لا واجب، والمعتدى عليه مخير بين أن يدفع عن ماله، وبين أن يعطيه المال، وكذا فى الدفع عن النفس، وأما فى الدفع عن البضع (العرض) فقد قال كثير من العلماء بوجوب الدفع، بل قال النووى -رحمه الله- فى شرحه لصحيح مسلم: (وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف) والذى نعلمه هو أن الخلاف فى الدفاع عن العرض -هل هو واجب أو جائز؟- موجود، وإن كان الراجح هو الوجوب، وهو مذهب الأكثر. فى ظنى ان العيب ليس فى كلام ياسر برهامى، بل فيمن أتاحوا له المجال لكى يدلى برأيه فيما لا يمتلك أدواته، وأعتقد أن المسئولية هنا تقع على عاتق شيخ الأزهر ودار الإفتاء، إذ على الأزهر ان يدفع للحكومة بمشروع قانون يجرم فيها من يمشون بالفتنة بين الناس. وقد سبق ونبهت بعد قيام ثورة يناير إلى فكر هذا الرجل، وأشرت إلى الآراء التى يصرح بها تحت مسمى الفتاوى، مثل تحريم تهنئة المسيحيين ومعاشرتهم ومشاركتهم فى الطعام والتجارة، وتكفيره للشيعة وتحريضه ضدهم، وتحريمه وظيفة صيانة ماكينة أموال البنوك، وغيرها من الآراء التى يتبناها ويروج لها بين شباب التيار السلفى، ولنا مؤخرا فى إشاعته للخنوع بين الشباب، إذ نصحهم ان يشاهدوا أخواتهم أو زوجاتهم أو بناتهم او أمهاتهم أو خالاتهم أو جاراتهم يغتصبن دون أن يدافع عنهن خوفا مما قاله البجيرمى فى حاشيته أن يلحق به الضرر فى جسده او عضو من أعضائه أو حياته.