تري الشريعة الإسلامية أن الدفاع عن النفس من كل خطر يداهمها حق إنساني طبيعي. لم تفرق فيه بين مسلم وغيره. بل التحقيق عند أهل العلم أنه واجب مقدس لا يجوز التنازل عنه. خلافاً للشافعية في القول الأظهر عندهم حيث قالوا بجواز الدفاع عن النفس من العدوان عليها دون وجوبه إذا كان المعتدي مسلماً» استدلالاً بحديث الصحيحين عن أبي بكرة أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار". قيل: فهذا القاتل. فما بال المقتول. قال: "إنه أراد قتل صاحبه". واعترض الجمهور علي هذا الاستدلال: بأنه ورد في شأن المعتدين. بحيث يكون كلاهما معتد. بخلاف ما لو كان أحدهما معتد والآخر معتدي عليه. وهذا ما يعرف تفصيله في باب الصيال. والصيال في اللغة: الاستطالة والوثوب والاستعلاء علي الغير. وهو مصدر: صال يصول إذا قدم بجرأة وقوة. وصال عليه: أي سطا عليه ليقهره. والصائل: الظالم. ولا يخرج المعني الاصطلاحي للصيال عن معناه في اللغة: فهو الاستطالة والوثوب علي الغير غير حق. سواء أكان الصائل إنساناً أم حيواناً. وسواء أكان الإنسان الصائل مسلماً أم غير مسلم. مكلفاً أم غير مكلف. وسواء أكان المصول عليه مسلماً أم غير مسلم. ويدل علي مشروعية دفع الصائل عموم قوله تعالي: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" "البقرة: 195". وقوله تعالي: "ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة" "النساء: 29". ولا يخفي أن في عدم دفع الصائل قتل للنفس. وإهلاك لها. كما يدل من السنة علي مشروعية دفع الصائل أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم عن عمران بن حصين. قال: "قاتل يعلي بن منية. أو بن أمية رجلاً. فعض أحدهما صاحبه. فانتزع يده من فمه. فنزع ثنيته - وفي رواية: ثنيتيه - فاحتجا إلي النبي. صلي الله عليه وسلم. فقال: "أيعض أحدكم كما يعض الفحل. لا دية له". فليس للمبتدر بالعض حق فيما وقع عليه من ضرر سقوط أسنانه بسبب دفاع المعضوض عن نفسه. وأخرج بعض أصحاب السنن - وصححه الترمذي - عن سعيد بن زيد. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "من قتل دون دينه فهو شهيد. ومن قتل دون أهله فهو شهيد". وقد وضعت الشريعة الإسلامية عدة ضوابط لمشروعية دفع الصائل المعتدي حتي لا يتوسع الناس في ذلك. فيحدث التهارج. ومن أهم تلك الضوابط: أن يقع الدفع حال الاعتداء. فإن زالت تلك الحال فلا يكون الدفع لغير الحاكم. كما يشترط أن يتم الدفع بالأخف فالذي يليه في الشدة إن أمكن. فإن أمكنه الدفع بكلام أو استغاثة بالناس حرم الضرب. وإن أمكنه الدفع بضرب اليد حرم الضرب بالسوط. وإن أمكنه الدفع بقطع طرف حرم القتل» لأن هذا الدفع شرع لضرورة. ولا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأخف. كما ذهب جمهور الفقهاء إلي أن من ضوابط دفع الصائل: عدم تمكن المصول عليه من الهرب. أو الالتجاء إلي حصن. أو الاحتماء بحاكم. وذلك لإمكانه الدفاع عن نفسه دون إضراره غيره ولعدم جواز العدول إلي أشد الوسائل مع إمكان أيسرها. ذهب إلي ذلك الحنفية والمالكية والمذهب عند الشافعية وهو وجه للحنابلة. وفي الوجه الثاني عند الشافعية والحنابلة: لا يجب الهرب بل يشرع له دفع الصائل» لأن إقامته في ذلك الموضع جائزة. فلا يكلف الانصراف. وهل يشترط لمشروعية دفع الصائل أن يكون الاعتداء علي النفس وليس علي نفس الغير؟ خلاف بين الفقهاء. ذهب بعض الشافعية في وجه عندهم إلي أن مشروعية دفع الصائل خاصة بحال الدفاع عن النفس. فلا يجوز الدفاع عن نفس الغير» لأن شهر السلاح يحرك الفتن. وخاصة في حال نصرة الآخرين. وليس الدفاع عن الغير من شأن آحاد الناس. وإنما هو وظيفة الحاكم ومن ينيبه.