تداول بضائع وحاويات 4185 شاحنة في ميناء دمياط    قنا تعلن مواعيد غلق المحال التجارية خلال فصل الصيف    غدا.. ضعف المياه بالأدوار العليا بأطراف قرى غرب طهطا بسوهاج لإجراء الصيانة الدورية بمحطة مياه شطورة    بايدن يعرب عن استعداده لمناظرة مع ترامب قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة    الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 جنود أوكرانيين في يوم واحد    «إيقاف مبدئي».. عاصفة تهدد مباراة الترجي وصن داونز بالإلغاء    ننشر أسماء ضحايا انهيار شرفة منزل جراء هبوب عاصفة ترابية بأسوان    ثقافة القاهرة تقدم لقاءات تثقيفية وورش للأطفال في احتفالات ذكرى تحرير سيناء    المؤلف حسام موسى: مسلسل بدون مقابل يقدم هاني رمزي بصورة جديدة.. ونستأنف التصوير قريبا    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    قرار عاجل من جامعة حلوان لبحث مشكلة الطالبة سارة| القصة كاملة    اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. مصر تجري اتصالات مع كل الأطراف لوقف الحرب في قطاع غزة    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    برلماني : كلمة الرئيس باحتفالية عيد تحرير سيناء كشفت تضحيات الوطن لاستردادها    حماية الوعي الإيجابي.. الحصاد الأسبوعي لأنشطة «التضامن» في الفترة من 19 إلى 25 أبريل 2024    تنفيذ 15 حالة إزالة في مدينة العريش    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    سيد رجب: شاركت كومبارس في أكثر من عمل    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    تكثيف أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحي بمحافظات القناة    مصرع طفل سقط في مصرف زراعي بالفيوم    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    أول تعليق من كلوب بعد تقارير اتفاق ليفربول مع خليفته    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الأزهر في مقاومة العلمانية
نشر في الشعب يوم 05 - 02 - 2008


yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]

http:://www yehiahashem.jeeran.com



في كلمته خلال الندوة التي أقامتها "مؤسسة عالم الوطن العربي" تحت عنوان: "مستقبل التيارات الإسلامية في برلمانات الوطن العربي"، شن السيد يس مستشار مركز الدارسات السياسية والاستراتيجية ب "الأهرام"، هجومًا حادًا على التيارات الإسلامية بعامة وجماعة "الإخوان المسلمين بخاصة متهما إياها بالتخطيط لتأسيس وإقامة دولة إسلامية ..... ووصف يس جماعة "الإخوان" بأنها تيار متطرف يخطط لإقامة دولة دينية يحكمها الفقهاء، وأنها لا تمثل الإسلام الوسطي كما يزعم البعض.) كتبه صبحي عبد السلام ب المصريين بتاريخ 1412008 نقلناه بتصرف يسير
وليس من المستغرب أن يصل الجهل بعلماني إلى حد إنكار احتواء الإسلام على قيام دولته المعنية بتطبيق الشريعة بل أن يصل هذا الجهل إلى حد التنكر لبدهيات العقيدة الدينية إسلامية كانت أو غير إسلامية إذ يستنكر تكفير من ليس مؤمنا بها ، ففيما نقله السيد صبحي عن السيد يس قوله ( قال يس إن الجماعات الإسلامية أسست أيديولوجيتها على التكفير، مشيرا إلى أن مفتي تنظيم "الجهاد" سيد إمام عبد العزيز، الشهير ب "الدكتور فضل" يكفر كل من لا يدين بدين الإسلام،) هذا بينما أن من البديهيات لكل دين أن يقرر تكفير من لا يؤمن به ، وهي بدهية مسوغة دينيا ومنطقيا لكل من يؤمن بدين من الأديان ما لم يكن يقف من الأديان موقفا لا أدريا أو علمانيا!!
ويقع العلماني العريق في هذا الخطأ من واقع خطأ منهجي ، ذلك أنه في المسألة الدينية أزاح الاحتكام إلى أصل الاعتقاد الديني : فبدلا من أن يكون مرجعه حكم الله كما جاء به الوحي في خطابه للعقل جعل مرجعه: حكم العقل غير المقيد بخطاب الوحي وبدلا من أن يكون تابعا مقلدا لرسول الله حامل الوحي الأمين ومبلغ شرط الخروج من دائرة الكفر - وفقا للشهادتين -- اختار أن يكون تابعا مقلدا لطبقة من فلاسفة الغرب الذين ظهروا في التاريخ نتيجة لعوامل تاريخية دائمة التغير ، وبدلا من أن يكون خاضعا لحكم الله مطلق الكمال اختار أن يكون تابعا لمجموعة من فلاسفة الغرب بالرغم من تناقضاتهم المكشوفة بحكم رؤاهم المختلفة ،
ن يكون تابعا مقلدا وفي هذا الصدد يبين لنا الدكتور محمد عمارة أصل هذا الانحراف في مقاله بالمصريون بتاريخ 1412008 : بقوله : ( لقد رفع فلاسفة التنوير الغربي شعار " لا سلطان على العقل إلا العقل وحده"!..فألهوا العقل ..مع أنه نسبي الإدراك ..وأحلوه محل المطلق !..
وقد عبر عن هذا المذهب الوضعي اللاديني أحد مفكري هذا التنوير الغربي عندما تحدث عن القطيعة المعرفية الكبرى التي أقامها هذا التنوير و ثقافة الحداثة مع الموروث الديني على وجه الخصوص ، فقال :
" لم يعد الإنسان يخضع إلا لعقله فأيديولوجيا التنوير، التي أقامت القطيعة الابستمولوجية (المعرفية ) الكبرى، قد فصلت بين عصرين من المراجع البشرية : عصر الخلاصة اللاهوتية للقديس توما الأكويني "1225-1234م" وعصر الموسوعة لفلاسفة التنوير ..... ") !.
وأشار الدكتور عمارة إلى بداية تسرب هذا الفكر إلينا مرافقا للانتصار السياسي في الغرب موازيا للهزيمة السياسية في بلادنا فقال : ( ولقد كان هذا التنوير الوضعي اللا ديني هو فلسفة الثورة الفرنسية 1789 م .. وكان مذهب بونابرت "1769-1821م" الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798 ، ولقد حاول بونابرت إخفاء مذهبه الوضعي اللا ديني عن الشعب المصري ، للتقرب إليه وخداعه ..بل وأعلن حبه للإسلام ورسوله سائرا في هذا الخداع على طريق الإسكندر الأكبر "356-323 ق. م" ..الذي أعلن احترامه لديانة المصريين وتوقيره لمعابدهم..وذلك لتأييد وتأمين احتلال الأرض باحتلال العقول والقلوب !..)
ويببن الدكتور عمارة بداية تيقظ علماء الإسلام لهذا الغزو فيقول : ( لكن علماء الأمة قد أدركوا ببصيرتهم المؤمنة أن بونابرت إنما يريد خداعهم ..وأن الرجل وحملته وجيوشه لا علاقة لهم بأي دين من ديانات السماء ..فأعلن الجبرتي "1167-1237ه 1754-1822م" في مواجهة دعوى إيمان بونابرت وجيشه بالإسلام :" إن إسلامهم نصب !..فلقد خالفوا النصارى والمسلمين ، ولم يتمسكوا من الأديان بدين ،وهم دهرية معطلون وللمعاد والحشر منكرون ، وللنبوة والرسالة جاحدون"!.)
ثم يستمر قائلا : ( وعندما صدرت مجلة المقتطف سنة 1889 م في ظل الاحتلال الإنجليزي لتبشر بهذا التنوير الغربي ، ولتقدم الوضعية اللا دينية باعتبارها نظريات علمية ..وصفها عبد الله النديم "1261-1313 ه 1845 1896م" ووصف القائمين عليها بأنهم "أعداء الله و أنبيائه ..والأجراء الذين أنشئوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين ، ممن ينسبون معجزات الأنبياء إلى الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية ، ويرجعون بالمكونات إلى المادة والطبيعة ، منكرين وجود الإله الخالق ، وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية ، وما هي إلا معاول يهدمون بها الأديان "!..
وبينما كان المتغربون يعرضون جانبا واحدا من جوانب صورة فلاسفة التنوير الغربي وخاصة "فولتير" " 1734-1778م" و "روسو" "1712-1778م" كتب جمال الدين الأفغاني "1254-1314ه 1838-1897م" ففضح حقيقة فكرهما اللا ديني والمعادي للنبوات والرسالات فقال :" إنهما يزعمان حماية العدل ، ومغالبة الظلم ، والقيام بإنارة الأفكار ، وهداية العقول ، فنبشا قبر أبيقور الكلبي وأحييا ما بلي من عظام الدهريين ونبذا كل تكليف ديني ،وغرسا بذور الإباحية والإشراك ، وزعما أن الآداب الألوهية جعليات خرافية ، كما زعما أن الأديان مخترعات أحدثها نقص العقل الإنساني ،وجهر كلاهما بإنكار الألوهية، ورفع كل عقيرته بالتشنيع على الأنبياء وكثيرا ما ألف فولتير من الكتب في تخطئة الأنبياء والسخرية بهم والقدح في أنسابهم وعيب ما جاءوا به حتى نبذ الفرنساويون الديانة العيسوية ، وبعد أن أغلقوا أبوابها فتحوا على أنفسهم أبواب شريعة الطبيعة "!..)
وكذلك قام بدوره رفاعة رافع الطهطاوي –أسير التنويريين !! – في مقاومة هذا المد العلماني وهو يدون كتابه بعنوان " الدولة الإسلامية : نظامها وعمالاتها " وهو المتمم لكتاب " نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز " بتعليق عبد الرحمن حسن محمود وفاروق حامد بدر ؛ نشر مكتبة الآداب الجماميز عام 1990 م
هذا و لم يكن الشيخ محمد عبده – بالرغم من تعلق العلمانيين ببعض مواقفه – بعيدا عن مقاومة هذا المد العلماني الذي كان خافيا في عهده على كثير من المراقبين حيث ينفي عن الإسلام ما يسميه الفرنجة " الثيوقراطية " ولكنه يقول في الوقت نفسه : ( لكن الإسلام دين وشرع ، فقد وضع حدودا ورسم حقوقا ، فليس كل معتقد في ظاهر أمره بحكم يجري عليه في عمله ، فقد يغلب الهوى وتتحكم الشهوة ، فيغمط الحق ، ويتعدى المعتدي الحد ، فلا تكمل الحكمة من تشريع الأحكام إلا إذا وجدت قوة لإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي بالحق ، وصون الجماعة ، وتلك القوة لا يجوز أن تكون فوضى في عدد كثير فلابد أن تكون في واحد وهو السلطان أو الخليفة )
ثم يحترس عن الثيوقراطية فيقول : ( الخليفة عند المسلمين ليس بمعصوم ، ولا هو مهبط الوحي ، ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة ) أنظر الإسلام دين العلم والمدنية تحقيق طاهر الطناحي ونشر دار الهلال ص 100- 101
وهاهو شيخ الإسلام في تركيا الشيخ مصطفى صبري يؤكد لزوم الشريعة الإسلامية في مواجهة علمانية أتاتورك في كتابه ( النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة )
وظهر الشيخ رشيد رضا ليواجه بوادر العلمانية في مصر في كتابه ( الخلافة أو الإمامة العظمى )
وكذلك فعل الأمير شكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب والشيخ أحمد شاكر وأبو الحسن الندوي وحسن البنا
كما قام مصطفى صادق الرافعي الأديب الكبير بدوره في مقاومة العلمانية في كتابه ( بين القديم والجديد ) ردا على طه حسين في كتابه ( مستقبل الثقافة في مصر )
كما قام الفقيه الدستوري الأشهر الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري بدوره في مواجهة العلمانية في كتابه ( الخلافة ونظام الحكم الإسلامي)
ولاجدال في أن كان هؤلاء الأقطاب بوجه اوبآخر تلاميذ في صحن الأزهر

....وعلى وجه التحديد نذكر مما قام به الأزهر كمؤسسة في مقاومة العلمانية ... البيان الذي أصدرته جماعة علماء الأزهر فور عقد معاهدة 1936 ، توهما منها بأن الفرصة قد صارت سانحة للحكم بكتاب الله بعد أن انزاح كابوس الاستعمار عن البلاد ، وقد نشرناه في ذيل رسالة لنا عن التطرف ألقيناها بمؤتمر الشرطة ، نشرت ملحقة بمجلة الأزهر في عدد جمادى الأولى 1408 ه ، كما نشرت في ذيل كتاب لنا عن ( حقيقة العلمانية ) أصدرته الأمانة العامة للدعوة بالأزهر بإشراف شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق .


وفيما قبل تشكيل مجمع البحوث الإسلامية قامت هيئة كبار العلماء بالأزهر بدورها وهي تصدر بيانها –– بصدد الرد على الشيخ على عبد الرازق وشيعته الذين يستدلون بقوله صلى اله عليه وسلم " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء " على انسحاب الإسلام من شئون الحياة الدنيا وهم مع ذلك ما يزالون يعتقدون بصحة القرآن الكريم !! إذ يقول البيان :( هل يرى هؤلاء أن تدبير أمور الدنيا وسياسة الناس أهون عند الله من شيء من المال يقول الله في شأنه " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " أو من صاع شعير يقول الله في شأنه : " أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ، وزنوا بالقسطاس المستقيم " ثم يتساءل البيان :
ماذا يعمل هؤلاء في مثل قوله تعالى " إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله " وقوله تعالى : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " وقوله تعالى : "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " وقوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم "
وماذا يعمل هؤلاء في مثل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسرت سنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص ، فقالت أم الربيع يا رسول الله أتقتص مني فلانة ؟ لا والله ، فقال : سبحان الله يا أم الربيع كتاب الله القصاص "
ومثل ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الطرق فلا شفعة "
وما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قضى باليمين على المدعى عليه ، وما رواه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد ) أنظر كتيب " حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الإسلام وأصول الحكم " نشر عام 1344 ه ص 11- 13
وفي سياق هذه المقاومة صدرت قرارات مجمع البحوث بالأزهر في عهود الأئمة : حسن مأمون وعبد الحليم محمود ، وبيصار ، وجاد الحق : لتصفع خرافة التوافق بين الإسلام والعلمانية على وجهها ، كما تخزق " عين " تهمة التطرف التي تلصقها العلمانية بالداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إذ تقول بالمؤتمر الثاني للمجمع : ( يسجل المؤتمر أن الإسلام عقيدة وشريعة وحضارة ، وترق حضاري يشرع للحياة صورتها المتكاملة )
وجاء فيه أنه ( يدعو الأمم الإسلامية إلى اتخاذ الإسلام منهجا لسلوكها في الحياة بالاستمساك بالقيم الخلقية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام وباتخاذ الشريعة الإسلامية أساسا لتشريعاتها )
وجاء في مؤتمره الثالث أنه يدعو إلى : ( أن تتضافر جهود المسلمين حكومات وأفرادا على توجيه حياتهم العامة والخاصة وجهة إسلامية سليمة على أساس متين من تعاليم الدين الحنيف في نظم الحكم والإدارة والقضاء )
وجاء قراره بأن ( الإسلام عقيدة وشريعة تحدد الحقوق والواجبات ) و( أن تعاليم الإسلام قد اشتملت على أحكام في تنظيم الجانب الاقتصادي يتألف من مجموعها نظام اقتصادي متكامل يمتاز عن النظم الاقتصادية الأخرى )
كما ناشد المؤتمر الثالث للمجمع ( السلطات ذات الاختصاص في مختلف الدول الإسلامية أن تعمل على تنقية تشريعاتها ونظمها من كل ما يخالف حكم الإسلام وأن ترد هذه التشريعات والنظم إلى كتاب الله وسنة رسوله )
كما أوصى في المؤتمر الرابع ( بتأليف لجنة من رجال الفقه والقانون لتضطلع بوضع الدراسات ومشروعات القوانين التي تيسر على المسئولين في البلاد الإسلامية الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في قوانين بلادها كقوانين العقوبات والقانون التجاري والقانون البحري وغيرها )

يقول الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق ( : إن مجمع البحوث الإسلامية قنن القانون المدني كله على مذاهب مختلفة وقننه وكان في لجانه المختلفة مستشارون من القانونيين و فيه علماء وفقهاء في كل مذهب من المذاهب وهو الآن بصدد تقنين القانون الجنائي .. ) المصدر : كتيب أصدره الأزهر بعنوان " الاجتهاد والثبات في الشريعة الإسلامية " لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود مطبعة الأزهر

وفي هذا السياق أصدر - شيخ الأزهر الإمام الدكتور عبد الحليم محمود - القرار رقم 3 لسنة 1976 ( اللجنة العليا لمراجعة التشريعات الوضعية وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية ) من كل من كبار العلماء : فضيلة الشيخ محمد عبد الله سامون رئيسا و فضيلة الشيخ عبد الله عبد الخالق المشد و فضيلة الشيخ محمود عبد الغفار سليمان و فضيلة الشيخ عبد العظيم محمود بركة والسيد المستشار السيد عبد العزيز هندي وجميل مصطفى بسيوني . وكان من أعمالها أن قامت ب ( وضع مشروع قانون الحدود الشرعية ) وفرغت من وضع هذا المشروع بمذكرته الإيضاحية شاملا : حد السرقة والحرابة والزنا والشرب والقذف والردة ، بالإضافة إلى المذكرة الإيضاحية والأحكام العامة ، وقدمته لمجلس الشعب في صيغة معدة لما يلزم لإصداره من موافقة مجلس الشعب وتوقيع رئيس الجمهورية ، ونشر الأزهر طبعة من هذا المشروع بتقديم المستشار عبد العزيز هندي أمين عام اللجنة العليا


ولقد استجابت بعض المؤسسات الدستورية للدولة – مؤقتا لهذه التوصيات والإنجازات – فأصدرت إدارة الصحافة والنشر بمجلس الشعب عام 1983 كتابا بعنوان " تطبيق الشريعة في مجلس الشعب " وجاء في مقدمة الكتاب : ( تاقت النفوس من أبناء شعب مصر العظيم منذ فترة طويلة إلى تطبيق أحكام الشريعة كما تطلعت إلى اليوم الذي يكون فيه مرد الأمر إلى أحكام الله تبارك وتعالى التي فطرت عليها طبيعة هذا الشعب ، وقد قابل أعضاء المجلس الموقر ذلك بكل الترحيب والتقدير ) ، ولابد أن نسجل بالتقدير والشكر والعرفان هذه المبادرة الكريمة للأستاذ الدكتور صوفي أبو طالب الذي لم يأل جهدا في حشد جهابذة علماء الشريعة والقانون لإنجاز هذا العمل التاريخي العظيم )
وهكذا أسهم مجلس الشعب أو رئيسه الدكتور صوفي في مقاومة العلمانية داعيا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية
وقد أرسل شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق خطابا برقم 518 في 1071984 إلى رئس مجلس الشعب حض فيه المجلس على ضرورة الإسراع في مناقشة قوانين الشريعة ، وأتبعه بخطاب ثان في 22111984 أنظر جريدة النور في 17121986 – 15 ربيع الثاني 1407 –


كما قام فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار بدوره في تصريحه بعد حادث المنصة بأيام : ( إن الدين الذي لا يتناول في مفهومه السياسة ومنهجها في قيادة المجتمعات يظل ناقصا .. ونعوذ بالله وبديننا أن يكون كذلك ) مجلة آخر ساعة نوفمبر 1981

و الأستاذ الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق يقول عن العلمانية في كتابه " العلمانية والإسلام بين الفكر والتطبيق " نشرة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :ص 7 إنها " ليس لها مكان في وجود الإنسان مع الإسلام ، فإما أن يوجد الإسلام ولا علمانية ، أو توجد العلمانية ولا إسلام "


ولم تكن هذه المقاومة إلا استجابة طبيعية لكون تطبيق الشريعة الإسلامية حقا معلوما لدى جميع الأئمة والجماعات والمذاهب والعصور الإسلامية إضافة إلى كونه فريضة مستقرة في " مبنى الإسلام " باعتباره مستقرا بدوره فوق أركانه الخمسة وفقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس ... )

وقد استقر ذلك نظريا وعمليا بدءا من فجر الرسالة حتى اليوم حيث لم تظهر العلمانية إلا كمرض طارئ بدت نذره على يد الاستعمار

يقول الأستاذ الجليل الدكتور جابر قميحة في مقاله " الإسلام دين ودولة " {.... وبدون تعمُّل أو إسراف نستطيع أن نقول: إن المجتمع الذي استقر على أرض المدينة كان بوجود النبي صلى الله عليه وسلم وعلى مدى عشر سنوات يمثل بكل معنى الكلمة دولة متكاملة، لها كل الشرائط والأركان السابقة:
فالمدينة رقعة من الأرض، أو إقليم له حدوده المميزة المعروفة عند سكانها وغيرهم.
والشعب هو جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين الذين تركوا أموالهم وديارهم من أجل عقيدتهم، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذه العناصر، وصهرها في بوتقة واحدة، فربطت بينهم قيم الحب، والإخاء، والإيثار.
أما الحكومة فهي حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اعتمدت في الحكم على ركائز إنسانية، من أهمها الشورى والعدل.
وكل أولئك جعل لهذه الدولة الجديدة أهلية كاملة في التعامل كشخصية اعتبارية مع الآخرين. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم باشر مهماته السياسية عند وصوله إلى المدينة مباشرة، فكتب "دستور المعايشة"، وهو يعد من أطول كتبه، إن لم يكن أطولها، وهو ينظم العلاقات الاجتماعية، والقانونية، وأسلوب التعامل، ويحدد الحقوق والواجبات في حالتي الحرب والسلم في هذا المجتمع الجديد بما فيه من مهاجرين وأنصار، وجماعات، وقبائل اليهود.
وفيه تقنين لخروج الإنسان من إطار القبيلة والقبيلة إلى رحاب الدولة والأمة.. واستن هذه الدستور بسنن التكافل بين رعية الأمة وجماعاتها في مختلف الميادين، سواء كانت الميادين مادية أو معنوية.. ..... ) نقلا عن موقع المصريون بتاريخ 13122007

فمن ظهور الإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت حياته سلوكا تطبيقيا ضد العلمانية وكما يقول عنه الدكتور محمد عمارة: (إن ابلغ رد على هؤلاء العلمانيين هو الإشارة إلى أبرز معالم هذه الدولة التي أسسها الرسول و صحبه وهي المعالم التي تواترت في أمهات مصادر الحديث والتاريخ ، ولقد قيض الله لهذه القَسمة التي تمثل المنطلق لتراث الإسلام السياسي عالِما أبحر في محيط السنة ، والتقط منه اللبنات التي أقامت معالم دولة المدينة شامخة وبارزة للناظرين .. وهو أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن مسعود بن موسى بن أبي عفرة الخزاعي ( 710 – 879 ه 1026 – 1103 م ) في كتابه " تخريج الدلالات السمعية " ومن هذا الكتاب ندرك أننا بإزاء دولة كاملة الأركان
على راس هذه الدولة كان القائد والأمير وولي الأمر والإمام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
وكان له وزراء ومشيرون ، وكان منهم من اختص بالحجابة والسقاية والكتابة والترجمة وحمل الخاتم وإمارة الحج ، ومنهم كانت عمالات في التعليم والإعلام والعلاقات الخارجية والسفراء والتراجمة والشعراء والخطباء ، وفي القطاع الحربي كان هناك غير أمراء القتال وجنده كتاب الجيش وفارضو العطاء والعرفاء ورؤساء الجند . وعلى النواحي كان هناك ولاة وأمراء الأقاليم وفيها كان القضاة وعمال الجباية والخراج والقائم على الحمى وصاحب المساحة وعمال الزكاة والصدقات والخارصون للثمار كما كان هناك فارضو المواريث وفارضو النفقات ، وكان هناك من يقوم بمهمة المحتسب وصاحب العسس ومتولي حراسة المدينة والعين الجاسوس والسجان والمنادي ومقيم الحدود ومتولي التطبيب والعلاج ، وعند الغزو كان هناك أمراء الجهاد والمستخلفون في المدينة ومن يستنفر الناس للقتال ، وصاحب السلاح وصاحب اللواء وأمراء أقسام الجيش وحراس القائد والقائمون على متاع السفر ومن يخذلون الأعداء ومن يبشرون بالنصر إلخ . أنظر كتاب ( تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنايع والعمالات الشرعية ) نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة 1980 تحقيق الأستاذ محمد أحمد أبو سلامة
ومن بعده سار الصحابة رضي الله عنهم على خطاه وهم قريبو عهد به يذكرون أن الآية في قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44 " عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك مستحلا له.

وهل كان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه إلا مهتديا بخطا الرسول وصحابته وهو يدعو - إلى الأخذ بتعاليم الإسلام في موقفه من أهل البغي أو السلطان الجائر أو الجماعة الباغية ؟ داعيا إلى الخروج عليهم (3).
ولم يكن أبو حنيفة يرى الخروج بالسيف من بداية الأمر ، لأن (...ما يفسدون من ذلك أكثر مما يصلحون ، من سفك الدماء واستحلال المحارم وانتهاب الأموال .. (4))
لكن ما يقول به الإمام في المرحلة الأولى من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . لا بد أولاً من أن تسبقه محاولة للإصلاح ، إذ يبين لأبي مطيع الذي يسأله عن معنى قوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي :: ".." أن هذا القتال لا يصح أن يكون بدعوى كفر البغاة ، ولكن باسم بغيهم فحسب ، يقول ( فقاتل أهل البغي بالبغي لا بالكفر ). يقول أبو حنيفة: .... تأمر وتنهى فإن قبل ، وإلا قاتلتها فتكون مع الفئة العادلة .. (5).
وأبو حنيفة إذ يدعو إلى أن يكون المرء في هذا القتال مع الفئة العادلة (... كن مع الفئة العادلة والسلطان الجائر، ولا تكن مع أهل البغي(2) ). لا يدعو إلى أن نكون مع السلطان الجائر في أي موقع فالمهم عنده هو الفئة العادلة ، لا السلطان نفسه ، فنحن مدعوون إلى أن نكون مع السلطان الجائر إذا كان في الفئة العادلة لأننا هنا نقف معها لا معه ، وفى الخروج عليه وهو فيها إضرار بها قبل كل شئ ، وهذا ما يفهم من قوله (.. فتكون مع الفئة العادلة وإن كان الإمام جائرا )(3) .
. قال أبو حنيفة: حدثنا حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: قال  : " إذا ظهرت المعاصي في أرض فلم تطق أن تغيرها فتحول عنها إلى غيرها فاعبد ربك ، فالهجرة بديل الخروج بالسيف ، إذا كان العجز عن التغيير .
و يقول أبو حنيفة : ( وإن كانت الجماعة باغية فاعتزلهم واخرج إلى غيرهم ) .
فلم يكن أبو حنيفة يرى الخروج بالسيف بإطلاق(4) كما كانت الخوارج تفعل ، ولم يكن يرفض الخروج بإطلاق ، وإنما كانت له نظرة متوازنة ، ، ومن هنا كان ما يروى من أنه كان يفتى سراً بوجوب نصرة زيد بن على وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام(5).

وكذلك كان الإمام الطبري رضي الله عنه المتوفى عام 310 ه وهو يذكر في تفسير قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44 " : (وكذلك القول عن كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر ، لأن جحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي )

وكذلك كان الإمام الغزالي المتوفي عام 505 ه وهو يقرر وجوب نصب الإمام إذ يقول في بيان شرعي وبرهان قوي : ( لا ينكر وجوب نصب الإمام لما فيه من الفوائد ودفع المضار في الدنيا ولكنا نقيم البرهان القطعي الشرعي على وجوبه ، ولسنا نكتفي بما فيه من إجماع الأمة ، بل ننبه على مستند الإجماع ونقول :
نظام أمر الدين مقصود لصاحب الشرع عليه الصلاة والسلام قطعا .
وهذه مقدمة قطعية لا يتصور النزاع فيها .
ونضيف إليها مقدمة أخرى : وهي أنه لا يحصل نظام الدين إلا بإمام مطاع .
فيحصل من المقدمتين صحة الدعوى : وهو وجوب نصب الإمام )
ثم يبين الإمام الغزالي البرهان على المقدمة الثانية وهو أن نظام الدين لا يحصل إلا بإمام مطاع فيقول :
(البرهان عليه أن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا ، ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع. )
ثم يرد اعتراض أشباه العلمانيين من قديم القائلين : بأن الدنيا والدين ضدان والاشتغال بأحدهما خراب للآخر فيقول : ( هذا كلام من لا يفهم ما نريده بالدنيا الآن فإنه لفظ مشترك ، قد يطلق ويراد به فضول التنعم والتلذذ ، والزيادة على الحاجة والضرورة ، وقد يطلق على جميع ما هو محتاج إليه قبل الموت . )
ثم يقول : ( ونظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن ، وبقاء الحياة ، وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والأقوات والأمن ... وليس يأمن الإنسان على روحه وبدنه وماله ومسكنه وقوته في جميع الأحوال ، فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات .
وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجه الغلبة متى يتفرغ للعلم والعمل ؟ وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة ؟
وإذن بان أن نظام الدنيا شرط لنظام الدين )

ثم يسترسل الإمام الغزالي في البرهنة على المقدمة الثانية وهي القول بأن الدنيا والأمن على النفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع ، فيقول : ( ذلك تشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين الأئمة ، وأن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج والمرج وعم السيف وشمل القحط وهلكت المواشي ، وبطلت الصناعات ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم ، إن بقي حيا ، والأكثرون يهلكون تحت ظلال السيوف
ولهذا قيل : الدين والسلطان توأمان
ولهذا قيل : الدين أس والسلطان حارس
وما لا أس له فمهدوم ، وما لا حارس له فضائع
وعلى الجملة لا يتمارى العاقل في أن الخلق على اختلاف طبقاتهم وما هم عليه من تشتت الأهواء وتباين الآراء لو خلوا وآراءهم ولم يكن لهم رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا عن آخرهم وهذا داء لا علاج له إلا بسلطان قاهر مطاع يجمع شتات الآراء
فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا ، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين ، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة ، وهو مقصود الأنبياء قطعا ، فكان وجوب نصب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه فاعلم . ) أنظر الإمام الغزالي في كتابه " الاقتصاد في الاعتقاد " ط مصطفى الحلبي ص 113 – 115

ويقول الإمام الشاطبي ت 590 ه فيما يعتبر تفنيدا لدعاوى العلمانية : ( ومدار الغلط هو الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض ، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وأجزائها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ، ومطلقها المحمول على مقيدها ، ، إلى ما سوى ذلك من مناحيها ، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام فذلك حكمها الذي نطقت به حين استنطقت
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا حتى يستنطق فلا ينطق باللسان وحده ، ولا بالرأس وحدها ، ولا باليد وحدها ولا بالرجل وحدها بل بجملته التي سمي بها إنسانا ، فكذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها ، لا من دليل منها أي دليل كان .
فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان . وشأن متتبعي المتشابهات أخذ دليل ما أي دليل كان عفوا ، وأخذا أوليا ، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي ، فكان العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا ، فمتبعه متبع متشابه ، ولا يتبعه إلا من كان في قلبه زيغ كما شهد الله به ، " ومن اصدق من الله قيلا " ) انظر الموافقات ج1 ص 329 ط المنار عام 1332 ه


وكذلك كان الإمام القرطبي رضي الله عنه المتوفى عام 671 ه وهو يذكر في تفسيره لتلك الآية : " ان من لم يحكم بما انزل الله ردا للقرآن وجحودا للرسول الكريم فهو كافر "

وكذلك كان الإمام البيضاوي رضي الله عنه المتوفى عام 685 ه من وهو يذكر في تفسيره للآية " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44 " : ومن لم يحكم بما أنزل الله مستهينا به منكرا له فأولئك هم الكافرون لاستهانتهم به وتمردهم بأن حكموا بغيره ، ولذلك وصفهم بقوله : الكافرون الظالمون الفاسقون ، فكفرهم لإنكاره ، وظلمهم بالحكم بخلافه ، وفسقهم بالخروج عنه.

ويقدم لنا ابن تيمية ت 728 ه وصفا مبكرا لإلحادية صنف من العلمانية " الجزئية " !! تمثلت في عصره في طائفة ممن يصفهم بقوله ( الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام ، ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان ، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ اتباعها ، ,,إن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا ، فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال ، وهؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيبا مطلقا ، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال ، وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون به من تلك الأحوال ، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات ، والرافضة والجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين .. ) المصدر : منهاج السنة ج1 ص 3 )
سبحان الله : فالكفر ملة واحدة ، ويدور الزمن ليكون الباب لهؤلاء عصريا شيوعيا ، أو عصريا صهيونيا ، أو عصريا تطوريا أو عصريا جهلويا !!الخ ،

.ويقول الأستاذ الدكتور جابر قميحة فيما يتصل بالإمام ابن القيم ت 751 ه : ( ما أصدق ابن القيم حين قال: "تقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة، كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة، وحقيقة، وتقسيم الدين إلى عقل ونقل، وكل ذلك تقسيم باطل. بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك ينقسم إلى قسمين: صحيح وفاسد، فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها، والباطل ضدها ومنافيها". (إعلام الموقعين 4/ 375).
ومن ثم أطلق الفقهاء على "سياسة الحكم" مصطلح "السياسة الشرعية"، وهي تعني: تدبير الشئون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح، ورفع المضار، مما لا يتعدى حدود الشريعة) .
نقلا عن موقع المصريون بتاريخ 13122007
....
وكذلك كان العلامة ابن أبي العز شارح الطحاوية المتوفى عام 792 ه وهو يقول : ( هنا أمر يجب أن نفطن له :
وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة ، وقد يكون معصية كبيرة ، أو صغيرة ، ويكون كفرا مجازيا ، وإما كفرا أصغر على القولين المذكورين ،وذلك بحسب حال الحاكم
فإن اعتقد أن الحكم بما انزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو مستهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفرا أكبر
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا اصغر
وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأ فهذا مخطئ ، له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور )
والفرق بين ما يسمى كفرا أصغر أو مجازيا تابع للخلاف في ما إذا كان للكفر مراتب فالقائلون بذلك يسمون العصيان كفرا أصغر ، وما إذا كان الكفر لا مراتب له وإنما هو حقيقة واحدة كالإيمان فهؤلاء يسمون العصيان كفرا مجازيا . انظر شرح الطحاوية لابن أبي العز ص 228-229-230

وكذلك كان العلامة ابن خلدون رضي الله عنه المتوفى عام 808 ه وهو يقرر أن ( نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ) مقدمة ابن خلدون ، وانظر عمر فروخ في كتابه " تجديد في المسلمين لا في الإسلام " ص 160


وكذلك كان مؤلف " فواتح الرحموت " عبد العلي بن نظام الدين الأنصاري في شرحه ل " مسلم الثبوت " في أصول الفقه ، لمحب الدين بن عبد الشكور الهندي المتوفى عام 1119 ه وهو من أواخر ما ألف في أصول الفقه ، وكلمته إذن مطلة على تاريخ الفقه طوال التاريخ الإسلامي يقول : ( لا حكم إلا من الله بإجماع الأمة ، لا كما في كتب بعض المشايخ لأن هذا عندنا – أي أهل السنة – وعند المعتزلة الحاكم العقل ، فإن هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام ) أنظر " فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت " ذيل كتاب " المستصفى " للإمام الغزالي ، طبع المطبعة الأميرية بمصر عام 1324 ه ص 25


وإذن فما الذي حدث لتتساقط أحجار هذا البناء ؟
يقول الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق : وهو يتحدث عن جذور هذا الهدم في مصر- وقد كانت طليعة هذا التغريب - في محاضرة له بحضور رجال القانون : ( الذي حدث عندنا نحن في مصر أننا كنا نطبق نظام الشريعة الإسلامية ثم جاء الاستعمار ونسف الشريعة الإسلامية من القطر المصري ، وأحل محلها القانون الوضعي ، واستقدموا قضاة ومستشارين من الأقطار الغربية ، ثم رأى أن هذا النظام لا يتأتى أن يستمر كثيرا فأنشأ مدرسة الحقوق وكانت تسمى مدرسة قبل أن تكون كلية – لتخريج قضاة أو محامين أو مستشارين إلخ ليحكموا بالقانون الوضعي وكان لا بد أن يكون المنهج والبرامج هو القانون الوضعي ..... وزال الاستعمار وحاولنا أن نتخلص من كل آثار الاستعمار ، ولكنا ألفنا كليات الحقوق وألفنا مدرسة الحقوق فخيل إلينا أن الأمر عادي ، ولكن الأمر في حقيقته ليس كذلك ، إنه في غاية الغرابة أن نقيم نحن في بلدنا في قطرنا كليات للغزو الفكري لنتابع آثار الاستعمار ولنعمل على استمرار آثار الاستعمار، ننفق عليها ونربي فيها أبناءنا ونضع أبناءنا في جو ليغزوهم هذا الجو فكريا وليكونوا أوربيين أكثر منهم مسلمين أو أكثر منهم وطنيين لأن الوطنية تقتضي أن نتخلص من الغزو الفكري ومن آثار الاستعمار ولكننا ألفنا الأمر !!
ذهبت إلى كلية حقوق عين شمس لإلقاء محاضرة وسألت : كم عدد المحاضرات في الكلية في الأسبوع ؟ فقيل : اثنتان وعشرون محاضرة ! كم منها للشريعة : درسان في الأسبوع وعشرون درسا للقوانين الوضعية .
لو كانت هذه الكلية في فرنسا أو انجلترا أو إسرائيل ما كانت لتزيد على ذلك ... )
ثم يستمر الإمام الأكبر شيخ الأزهر في خطاب الحاضرين من أساتذة كليات الحقوق ليقول ( من أجل ذلك كانت الأمانة في أعناقكم أنتم .. ) ثم يقول ( تصبح مسئوليتنا كبيرة وبخاصة حينما نقرا – ونحن من المؤمنين ومن غير شك هنا مجموعة كبيرة إن لم يكن الكل من الصالحين المؤمنين : كيف يتأتى أن يسكت الصالحون المؤمنون وهم يسمعون : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما "
يسلموا تسليما بحكم الله ، بتشريع الله
تقولون : أين القانون الذي تحكم به ؟ وهذا سؤال من أسخف الأسئلة ، كيف وأنت مسلم وتتحدث العربية تقول : أين القانون ؟ القانون أمامك في الكتب موجود ، في كتب الفقه وكتب التشريع الإسلامي ، هل يتأتى أن يكون شخص تخصص في التشريع ثم لا يفهم كتابا في التشريع باللغة العربية ، ليس بلغة لا تينية ولا أعجمية أو شيء من هذا القبيل ، إنما هو باللغة العربية ، ليس في ذلك حجة ، ليس في ذلك مطلقا أي مستند للتقاعس عن تطبيق التشريع الإسلامي ) ثم يضيف : ( ومع ذلك فهناك هذه المقومات الكثيرة التي كتبت فيما يتعلق بالموضوع ) المصدر : كتيب أصدره الأزهر بعنوان " الاجتهاد والثبات في الشريعة الإسلامية " لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود مطبعة الأزهر
ومع ذلك وإزاحة لهذه الأعذار قام المجمع بقيادته بتقنين القانون المدني وشرع في الجنائي في حياته كما أسلفنا ( راجع محاضرات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود في نادي القضاة ونادي قضايا الحكومة بالقاهرة والمنشور في العدد التاسع من مجلة القضاة سبتمبر 1975 ومجلة قضايا الححكومة ملحق العدد الرابع سنة 18 ،
...
ثم ...
سبق السيف العذل حتى دخل الغزو أروقة الأزهر نفسه كما أوضحنا بعض ذلك في مقالات سابقة بعد وفاته بقليل على يد من لم يف بحق منهجه من بعض تلاميذه !! وفي هذا السياق (انتقد رئيس لجنة الإفتاء السابق في الأزهر صمت شيخ الأزهر سيد طنطاوي، عن معاناة الحجاج الفلسطينيين العالقين في معبر رفح، والذين تم حل مشكلتهم مؤخرا، وأرجع ذلك إلى ضعف شخصيته وعدم امتلاكه لرؤية دعوية وسياسية واضحة على حد وصفه.
وأرجع رئيس لجنة الإفتاء السابق في الأزهر، الشيخ جمال قطب في تصريحات ل "قدس برس"غياب دور الأزهر إلى ما أسماه بالخطة المتكاملة، التي يجري تنفيذها منذ عهد محمد علي باشا؛ لإضعاف الأزهر وتهميش دوره.
وقال: "لا أعتقد أن بإمكان مؤسسة الأزهر أن تأخذ موقفا مناهضا للتوجهات الرسمية؛ لأن الشيخ الحالي لا يملك رؤية دعوية وسياسية واضحة، فهو رجل أكاديمي موظف، وهذا هو الذي يكف يد الأزهر عن أن يكون له موقفه الواضح، مما يتعرض له المسلمون في كل أنحاء العالم.
وقال: هناك علماء يستطيعون توجيه انتقادات شديدة للحكام على موقفهم الصامت، لكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا أمام هذا الواقع، إلا إذا كانت وراءهم جهة دينية أو سياسية تستطيع أن تدعم موقفهم، على حد تعبيره.
وأشار قطب إلى أن هذا الموقف يأتي في سياق مخطط متكامل، يهدف لإفراغ مؤسسة الأزهر من أي دور ريادي في الأمة.
وقال: الحكومة لها زمن طويل تجند كل من له قدرة وظيفية، ليتفاعل بضعفه مع قضايا الأمة، وهي تتدخل من البداية في تعيين شيخ الأزهر من خلال اختياره بناء على معايير تجعله موظفا غير كفء، وتتركه يتفاعل بضعفه مع المستجدات..
لكنها لا توحي إليه ولا تطلب منه، وفي ذلك إضعاف للأزهر وبالتالي إضعاف لمصر وللأمة العربية والإسلامية، لأن المؤسسة الدينية العريقة إذا قويت قويت الأمة الإسلامية، والعكس صحيح، على حد تعبيره.) نقلا عن جريدة الشعب
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
يتبع


(3) الفقه الأبسط بشرح أبى الليث ( ص 4) .
(4) الفقه الأبسط ( ص 44 ) .
(5) المصدر السابق .
(2) المصدر السابق ( ص 48 ) .
(3) المصدر السابق ص 44
(4) يذكر الخطيب البغدادي روايات كثيرة تفيد أن أبا حنيفة كان يرى الخروج على الإمام بالسيف والمعلق على الكتاب يطعن فى أسانيد هذه الروايات جميعها . تاريخ بغداد ( ج12 ص 395 –298 ) .
(5) نقله أحمد أمين عن الزبخشري فى الكشاف . انظر ضحى الإسلام ( ج3 ص 274 ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.