حسناً فعل المجلس الأعلي للقوات المسلحة حين أوضح الصورة كاملة حول علاقته بحملة التفتيش علي منظمات التمويل الأجنبي وما ذكره البنتاجون من تعهد المشير طنطاوي لوزير الدفاع الأمريكي بوقف مداهمات مقار الجمعيات والعمل علي عودة نشاطها. فقد نشرت الصفحة الرسمية للمجلس الأعلي علي موقع الفيس بوك نفياً صريحاً وواضحاً لما تردد حول قيام بعض الحكومات الأجنبية بالاتصال بالمجلس العسكري لإيقاف مداهمات منظمات المجتمع المدني والاعتراض علي تفتيش بعضها.. وأكدت صفحة المجلس أن هذه القضية بكل ملابساتها في يد القضاء المصري العادل.. ولن تكون هناك كلمة من الداخل أو من الخارج إلا كلمة القضاء المصري العظيم. وبكل صراحة.. هذا ما كنا ننتظره من المشير طنطاوي والمجلس الأعلي للقوات المسلحة في هذه القضية الشائكة.. وهذا ما أشرت إليه في هذه الزاوية أمس معاتباً.. وفي ذات الوقت مستبعداً.. أن يكون المشير قد تعهد لوزير الدفاع الأمريكي بوقف المداهمات والعمل علي عودة نشاط الجمعيات باعتبار ذلك نوعاً من التدخل في صميم أعمال القضاء المستقل النزيه.. وهو أمر مرفوض تماماً. والحقيقة أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يتعرض حالياً وبسبب هذه القضية لحملة إرهاب وابتزاز مكشوفة من الداخل والخارج.. فالجمعيات والمنظمات ومن يستفيدون منها يشنون حرباً شعواء علي المجلس العسكري ويتهمونه بممارسة إجراء عقابي ضدهم بسبب دورهم في الثورة أو دورهم في اعتصامات ومظاهرات التحرير وأحداث شارع محمد محمود وشارع مجلس الوزراء.. أو الرد علي السياسة الأمريكية التي تضغط علي الدول العربية والغربية لعدم تقديم معونات لمصر. وآخر اتهام وجه إلي المجلس العسكري بأنه يشن حملة المداهمات ضد الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني خدمة للأحزاب والتيارات الإسلامية كي لا تجد منافساً ليبرالياً لها علي الساحة وتخلو لها الساحة لتكون هي اللاعب الوحيد. والذين يقولون هذا الكلام يتناسون أن الهدف من حملة التفتيش كشف الجمعيات الدينية التي تحصل علي أموال من الخارج.. والتمويل المشبوه الذي تحصل عليه جماعات وأحزاب إسلامية لتنفيذ أجندات معينة. أما التهديد والابتزاز القادمان من الخارج فيتمثلان في الأصوات الداعية إلي وقف المعونة الأمريكية لمصر والمعونات الأخري الآتية من الشرق والغرب.. وربط هذه المعونات بتغاضي مصر عن حقها السيادي في السيطرة علي ملف التمويل الخارجي لتعلم حجم الأموال التي تأتي ومن أين تأتي ولماذا وكيف يتم إنفاقها. إن لدينا قانوناً ينظم عمل الجمعيات والمنظمات وينظم عمليات التمويل التي تقدم إليها.. والمطلوب فقط هو توفيق أوضاع هذه الجمعيات والمنظمات مع القانون.. والالتزام بالقواعد المتفق عليها دولياً بحظر التمويل السياسي.. والذي تطبقه أمريكا وحلفاؤها بكل دقة. المطلوب أن يكون التمويل في النور.. وأن تطبق القواعد علي الجميع.. وأن يسمح لأجهزة الدولة الرقابية أن تمارس دورها بكل قوة وأن تعلن نتيجة تحقيقاتها دون تعجل ودون وصاية من أحد. ولقد نشرت الصحف علي مدي الأيام القليلة الماضية بعض الحقائق التي نقلها موقع "ويكيليكس" عن لقاءات بين بعض من يسمون أنفسهم نشطاء سياسيين ونسميهم نحن نجوم التمويل الأجنبي مع السفراء الأمريكيين في القاهرة والأموال التي حصلوا عليها والشهرة الزائفة التي تمتعوا بها.. ومن الواجب أن نعترف بأننا كنا نشعر مجرد شعور بهذا الذي يحدث في الخفاء في السفارة الأمريكية.. وكنا نشعر مجرد شعور بأن المسألة فيها دولارات وتمويل وفتح صفحات جرائد معينة وشاشات قنوات معينة لهؤلاء النجوم حتي يصبحوا من النخبة وقادة الرأي الذين يوجهون الناس. وكنا في حاجة إلي إجراء سيادي قوي يفصل في أمر هذا الشعور الغامض.. ويحدد بالدليل هل هذا الشعور حقيقي أم أنه تهيؤات غير صحيحة.. ولذلك كان لابد من تدخل القضاء ليقوم بالتفتيش وكشف الحقائق كاملة.. والفصل بين الصالح والطالح من هذه الجمعيات والمنظمات. لذلك نقول للجميع: اتركوا القضاء يأخذ مجراه ويقول كلمته ويؤكد سيادة الدولة علي أرضها حتي لو كان الثمن وقف المعونة الأمريكية.. فماذا يفيد لو كسبنا المعونة وخسرنا أنفسنا؟!