لم يعد بمقدور أحد التنبؤ بما سيكون عليه العالم غدا أو حتي بعد ساعة من الآن .. فقد وضعنا قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران علي فوهة بركان .. قد نصحو ذات صباح علي اشتعال الحرب التي لن ينجو منها أحد .. ولن تكون أبدا في صالح أي طرف من الأطراف الإقليمية .. بما فيها إسرائيل التي ابتهجت بالقرار ووجهت الشكر لترامب واعتبرته ثاني أكبر هدية بعد قرار نقل السفارة للقدس . هناك من يتخيل أن إسرائيل سوف تنتهز الفرصة وتعلن الحرب علي إيران .. خصوصا أن نتنياهو بدأ بمناوشات عسكرية مع القوات الإيرانية الموجودة علي أرض سوريا عقب قرار ترامب .. لكنها مازالت مناوشات استعراضية .. والرأي عند أغلب المفكرين الاستراتيجيين أن إسرائيل لن تجازف بالدخول في حرب مفتوحة مع إيران لأنها تعلم جيدا مدي خطورة تلك الخطوة وتبعاتها .. وأن غاية ما تفعله أن تجر أمريكا لكي تخوض الحرب نيابة عنها .. ولن يكون ذلك سهلا أيضا .. فصقور إدارة ترامب يحذرون من أن إيران ليست العراق أو أفغانستان . هل ستكتفي أمريكا بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية علي إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي؟ الاجابة عن هذا السؤال أيضا صعبة.. لأن الإدارة الأمريكية تشعر الآن بإهانة دولية لا تتفق مع توقعاتها .. فالحلفاء الأوروبيون رفضوا جميعا قرار ترامب علنا وأظهروه بمظهر المعزول دوليا فيما كان يظن أنه سوف يعزل إيران.. بريطانيا وفرنسا وألمانيا أعربوا عن غضبهم الشديد من القرار وأعلنوأ أنهم سيعملون علي إنقاذ الاتفاق الذي وقعوا عليه مع أمريكا.. فهي لم تكن وحدها الموقعة عليه عام 2015. وتزخر صحف أوروبا الشهيرة بالسخرية من ترامب في هذا الصدد وتشبيهه بالثور الهائج الذي دخل إلي محل للزجاج.. وكتب روبرت فيسك في "الإندبندنت" البريطانية أن ترامب هو النسخة الأمريكية من العقيد القذافي لكونه منفصلا تماما عن حقائق العالم ..وفي أمريكا نفسها يواجه ترامب اتهامات ثقيلة من أسماء كبيرة مثل الرئيسين السابقين كارتر وأوباما وكثير من قيادات حزبه الجمهوري الذين يرون أنه ارتكب خطأ فادحا.. أما روسيا فقد اتهمته بأنه يمثل تهديدا للسلم والأمن العالميين ويعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.. وقالت الصين إن ترامب بقراره الانسحاب من الاتفاق النووي فتح صندوق الشر . قليلون جدا الذين يقفون مع الثور الهائج وهو ما قد يدفعه إلي التمادي بالغرور والعناد لإثبات القوة.. أو ربما تتحرك أجهزة الدولة العميقة الأمريكية لتوقفه وتشده خطوة للوراء. علي الجاب الآخر تهدد إيران جديا بالعودة إلي تخصيب اليورانيوم وبمعدلات عالية كرد اعتبارعلي قرار ترامب.. لكنها لو فعلت ذلك ستصبح أمام العالم بلا ظهير وستفقد من يقف في صفها اليوم .. وستعطي ترامب مبررا لشن الحرب وإثبات صحة اتهاماته. الخلاصة أن مغامرة الثور الهائج أحدثت انقلابا في الاستقرار الدولي وجعلت العالم يقف علي أطراف أصابعه انتظارا لأي مفاجأة قد تشعل الحرب الكونية.