لست خبيرا في الشئون الرياضية واهتماماتي بعيدة عن كرة القدم. ومع ذلك لم أستطع أن أمنع نفسي من إغراء الكتابة عن محمد صلاح النجم المصري الذي سحر العالم بفنه وقدراته وأدبه وقدم نموذجا مبهرا للاعب الموهوب . لكنه مازال يعاني من اللغط الكثير الذي يثار حوله في بلده ومازال يجد مضايقات من اتحاد الكرة بدلا من أن يكون في طليعة المؤسسات التي تسانده. علي موقع ال "بي.بي.سي" نشر حوار طويل مع مواطنة بريطانية تتحدث فيه عن التأثير الإيجابي الذي أحدثه محمد صلاح في شخصية طفليها . وطاقة الأمل والطموح التي فجرها فيهما فجعلهما أكثر إقبالا علي الحياة . وأكثر إحساسا بأهمية وجودهما ورغبتهما في أن يكونا في مثل أخلاق "مو صلاح" ومهارته وأخلاقه العالية . وأن يقدما لبلدهما وللعالم شيئا جميلا يدخل السعادة والبهجة علي قلوب الناس مثلما يفعل نجم فريق ليفربول . إنهم هناك يرونه شابا ناجحا صالحا ونافعا وصل لأعلي درجات النجومية ومع ذلك لا يغتر بما حقق ومازال محتفظا بتواضعه وانتمائه لوطنه وحبه لأهله البسطاء وأخلاقه الانسانية الراقية كسب كثيرا من المال لكنه لا يتباهي بما يرتدي من أفخر الثياب وما يمتلك من سيارات فارهة وطائرات ويخوت وإنما يتبرع بكثير من المال للمحتاجين وللمؤسسات الخيرية التي تخدم البسطاء ولا ينفق بسفه ويتعامل مع زوجته ووالديه باحترام وحب شديدين . وهذا السلوك الأخلاقي هو ما فتح له القلوب. أما نحن فقد توقف بعضنا عند لحيته وشاربه وشعره وتوقف آخرون عند السجدة التي يؤديها بعد كل هدف يسجله لا نكتفي بسلوكه التلقائي البسيط غير المصطنع وإنما نجتهد في تصنيفه وتوصيفه وحولناه إلي مادة للصراع السياسي والاستقطاب الأيديولوجي . بعضنا يطالبه بتهذيب شعره ولحيته ليكون مقبولا عند الانجليز وبعضنا يريد منه أن يكون داعية إسلاميا لنشر دين الله في الغرب مع أن ما قدمه صلاح للإسلام والمسلمين قد يكون أكبر بكثير مما قدمته كل المؤسسات الدينية علي مدي سنوات طويلة ويكفي أنه صحح صورة المسلم أمام العالم وقدم نموذجا محببا للمسلم العصري. هناك تباين كبير بين تعاملنا وتعامل الانجليز مع ظاهرة محمد صلاح هم أحبوه علي ما هو عليه وجعلوا منه قدوة لأبنائهم . يتحدثون عنه كإنسان ملتزم يحمل قيما رفيعة ويشكل قدوة لجيل يعاني الضياع والإحباط والتمرد والتخبط بين التطرف والإدمان . أما نحن فنصر علي أن نحمله ما لا يحتمل يريد كل منا أن يغيره علي هواه . نطالبه بأن يكون شخصا آخر غير نفسه . لم نحترم خصوصيته والتزاماته وكل ما يهمنا أن نجعل منه سلعة لامعة علي أبواب مدينتنا نتفاخر بها أمام الزائرين . العالم يصفق له ويشجعه وفي كل صباح يقرأ في الصحف الأجنبية ما يجعله أكثر تفاؤلا وثقة بنفسه ويقرأ في بعض صحفنا ما يحبط ويغيظ ويدخل به في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل. ارحموه يرحمكم الله.