المعلوم من المنطق بالضرورة أن " أعمال المسلمين ليست حجة على الإسلام " ، و لقد حاول الشيوعيون إستخدام نفس المنطق حين إنهار الإتحاد السوفيتى و بدت سوءاته للعالم و إنكشفت عورات النظرية الماركسية فقالوا : إن العيب ليس فى النظرية و لكن العيب فى التطبيق . و هؤلاء مردود عليهم بالعقل و النقل فنقول لهم : هاهو الإسلام قد أثبت قابليته للتطبيق فكانت القرون الثلاثة الأولى المفضلة و كانت حضارة – حين طبق الإسلام – لم تشهدها الإنسانية فى أى مجال من مجالات العلم و الأخلاق و الاقتصاد .... الخ . هذا هو أصلنا و هذا ما عندنا ، فماذا عندكم ؟ لقد طبقتم نظريتكم فى كثير من دول العالم فماذا أنتجت ؟ لقد أنتجت الفقر و القهر لعامة الناس و الثروة و السلطة لفئة مستبدة . لقد أثبت الإسلام قابليته للتطبيق لأنه جاء من عند الله الذى خلق و هو أعلم بمن خلق " الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير " . أما هؤلاء فلم يخلقوا شيئا و لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له . ثم مرت السنون و أصاب المسلمين الوهن فتخلفوا عن " تطبيق الإسلام " فكانت عصور الانحطاط مما دفع بعض المستشرقين و الذين فى قلوبهم مرض إلى أن يطعنوا فى " الإسلام " من خلال " انحطاط المسلمين " . و لو أنصفوا لعادوا إلى الأصل و جزى الله شيخنا و أستاذنا " أبا الحسن الندوى " خيرا على كتابه القيم " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " ، و إنى استأذن منه أن أستعير مثل هذا العنوان – و لو من باب المشاكلة – فأقول : " ماذا خسر المسلمون بانحطاط بعض من ينتمون إلى الجماعات الإسلامية " . لقد قدمت هذه الجماعات فى " أصلها " نماذج مشرفة و خدمت الإسلام – و لو فى بعض جوانبه – فوجدنا علماء " السلف " و هم يصدعون بكلمة الحق فى وجه سلطان جائر . شغلوا أنفسهم بالعبادة و الجهاد و لم يشغلوا أنفسهم و العالم باللحية و الثياب ، و رأينا جماعة " الإخوان المسلمين " عبادا بالليل فرسانا بالنهار ، تحققت فيهم – على مستوى الفرد و على مستوى الجماعة – شمولية الإسلام : فكانت مشاريعهم التعليمية و الاقتصادية و غيرها . ثم ضربوا لنا أروع الأمثلة فى الجهاد و الصبر ، و رحم الله أستاذنا الشيخ " محمد العدوى الذى لبث فى السجون عشرين عاما ثم خرج منها غير متبرم بالحياة بل كان يدفعنا دفعا لأن نكون " صناع الحياة " . ثم مرت السنون و إذ ببعض المسلمين يدخلون هذه الجماعات على حين غفل من أهلها ، و بدات تظهر بعض صور الانحطاط : فهذا يدعى بأنه "سلفى "والسلف منه براء فحسبه من منهج السلف : لحية ذات قبضة أو قبضتين وثوب قصير وثرثرة عن القبور وبالمناسبة فإنى ملتح وثوبى ليس طويلا كما أنى أحارب كل بدعة فى دين الله لا أصل لها فإذا ما عاملته إنكشفت سوءاته فإذا به : عاق لوالديه . متخلف فى العلم . لا يتقن عمله الذى يرتزق منه .... الخ . أين هذا من "أصل السلف "إنه صورة مشوهة وأعماله ليست حجة السلف . وذالك يدعى بأنه من جماعة "الإخوان المسلمون " وحسبه من فكر ومنهج هذه الجماعة أنه : يحفظ أركان البيعة العشرة . وضليع فى شرح الأصول العشرين للركن الأول . وقادر بالكلام على إدارة جلسة الأسرة والتى لا يزيد مجال الدعوة فيها عن 16 متر مربع فهو يصرف الوجوه إليه بتكراره عبارة : " أيها الأخوة الأحباب " حتى أنك إذا أخذت من حديثه هذه العبارة كعامل مشترك بلغة الرياضيات لم يبق داخل القوس سوى بضع كلمات يتحدث بها عن قرب " مرحلة التمكين " وقد نسى هذا المسكين أنه لم يبدأ بعد خطوة واحدة فى " مرحلة التكوين " ثم إذا ما عاملته بعد ذلك فإذا به " أسوة فى البخل " ، " أستاذ فى الكذب " ، دكتوراه فى إخلاف الوعد ".... الخ . أين هذا من " أصل جماعة الإخوان المسلمين " إنه صورة مشوهه وأعماله ليست حجة على " الإخوان المسلمون " . إن مثل هذا وذاك كمثل علبة مكتوب عليها " سكر " فإذا ما تعاملت معها وذلك بفتحها بالذباب والصراصير يتطاير منها فى وجهك . ماذا ستقول عندئذ ؟ لعلك ستقول : كل علبة مكتوب عليها سكر سأجدها مملوءة بالذباب والصراصير . وربما تكونت عندك "عقدة التعامل "مع " كل " علبة مكتوب عليها سكر . وهذا بالفعل ما أصاب بعض المسلمين الذين أصيبوا "بعقدة التعامل " مع كل من ينتمى إلى جماعة إسلامية . حتى أنه فى حديثى مع أحد الزملاء وصل بنا الحديث ألى أن سألته : هل أنت من أنصار السنة ؟ فرد على الفور : أعوذ بالله . قلت له : إذن أنت من أعداء السنة . وهنا انتبه وقال : أنا أقصد أنى لست من"الجماعة إياهم " . إنى لست ضد أى جماعة . بل من الثوابت فى حياتى والتى أعمل بها أن : " إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " ، " كدر الجماعة خير من صفو الفرد " . ولكنى أردت بمقالى هذا أن أوجه نصيحتى إلى فئتين من المسلمين ولا ثالث لهما الفئة الأولى : وهى تشمل كل مسلم لا يعمل داخل أى جماعة إسلامية فأقول له : لا تحكم على أى جماعة من خلال سوء تصرفات بعض من ينتمون إليها وإلا فقد وقعت فيما وقع فيه أعداء الإسلام حين حكموا على الإسلام من خلال انحطاط كثير من المسلمين . ولكن عليك أن تقرأ أولا فكر ومنهج هذه الجماعة فما وافق منه الكتاب والسنة فهو الحق وما خالفهما فهو الباطل . الفئة الثانية : وهى تشمل كل مسلم يعمل داخل جماعة إسلامية فأقول له : اتق الله و اعط من نفسك قدوة بالسلوك و الأخلاق و العبادات و المعاملات حتى لا تكون فتنة لآخرين ، و لا تكن " صورة مشوهة " للأصل . و أصلنا جميعا هو سلفنا الصالح الذين تربوا على منهج الكتاب و السنة ، و اجعل من جماعتك وسيلة ولا تجعلها هدفا ، اجعلها وسيلة للتعاون على البر و التقوى ولا تجعلها وسيلة لكى يلعن بعضنا بعضا أو يضرب بعضنا رقاب بعض ، و اعلم بأنك لن تدخل الجنة لمجرد أنك تنتمى غلى جماعة فالجنة ليست حكرا على جماعة و لكن الله سبحانه و تعالى تفضل بكرمه و رحمته فقال لعباده المؤمنين " أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون " و لم يقل لهم " بما كنتم تنتمون " واحذر فإنك قد تمسى من جماعة إسلامية ثم تصبح من جماعة شيطانية ، و الحافظ لنا جميعا هو الإخلاص لله " .