توسعة ورفع كفاءة الطريق الدائري بكفر الشيخ    حزب الوفد يرحب باعتراف أسبانيا وأيرلندا والنرويج رسميًا بدولة فلسطين    الدورة الرباعية| فوز الحدود على الترسانة وسبورتنج على منتخب السويس    مصرع شاب خلال مشاجرة بسبب مبلغ مالي بالقليوبية    مهرجان إيزيس الدولي يعرض صورا نادرة للفنانة عايدة عبد العزيز على خشبة المسرح    رامي رضوان يبدي تخوفه بسبب «روكي الغلابة» لدنيا سمير غانم    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    تعليم قنا ينفرد بالمركز الأول في مسابقة الأخصائي المثالي للصحافة    فليك يقترب من تدريب برشلونة    تريزيجيه على رأس قائمة طرابزون أمام بشكتاش في نهائي كأس تركيا    منظمة الأغذية والزراعة: مصر الثانية عربيًا في إنتاج الليمون    مراقبة بدرجة أم.. معلمة بكفر الشيخ "تهوي" للطالبات في لجنة الامتحان "فيديو"    هلال ذو الحجة 1445.. وأول أيام عيد الأضحى 2024    رئيس البريد: لدينا 30 مليون عميل وحسابات التوفير حصيلتها 300 مليار جنيه    المركز الإسلامي بمدريد يشيد بجهود شيخ الأزهر في توضيح سماحة الإسلام    نقل شاروخان إلى المستشفى بعد تعرضه لوعكة صحية (تفاصيل)    «ثقافية الصحفيين» تناقش كتاب «اقتصاديات الطائرة الورقية» الأحد 2 يونيو    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    وكيل خارجية النواب عن أكاذيب CNN: تضليل ومحاولة لتحميل مصر مسؤولية تعقد المفاوضات    إقبال متوسط على انتخابات الغرف السياحية.. والقوائم تشعل الخلافات بين أعضاء الجمعية العمومية    رئيس لجنة الحكام يحضر مباراة الترسانة وحرس الحدود فى دورة الترقى    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    مصر والصين تتعاونان في تكنولوجيا الأقمار الصناعية    صحيفة عبرية توضح عقوبة إسرائيل المنتظرة للدول الثلاث بعد اعترافهم ب«دولة فلسطينية مستقلة»    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    البنك المركزي يكشف عن وصول قيمة أرصدة الذهب لديه ل448.4 مليار جنيه بنهاية أبريل    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    بإشارته إلى "الرايخ الموحد".. بايدن يتهم ترامب باستخدام لغة هتلر    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على طلبات أمريكية لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    إنبي: من الصعب الكشف عن أي بنود تخص صفقة انتقال زياد كمال إلى الزمالك    جوميز: أحتاج 8 صفقات.. وأتمنى مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا تكبلوا محمد صلاح بالسياسة
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 03 - 2018

لا تقلقنى الأصوات التى تخرج علينا من البقع الكونية المظلمة المنتشرة فى ذهنيتنا العربية المتقرحة، كذلك الصوت الذى دعا محمد صلاح إلى هجر كرة القدم و«إعلان التوبة». فهى فى المحصلة أصوات سأمها السامعون وأبطلتها التجارب وعافها الزمن وعفى عليها. إنما تقلقنى أصوات فئة من الذين يقال لهم «المتنورون» الذين يخشون مظاهر التدين فى سمت بطلنا القومى وربما فى مسلكه. فهى أصوات لو تكاثرت، ولو وجدت آذانا صاغية، سيكون لها أبلغ الضرر وسنكون مثل أوديب الذى فقأ عينيه بيديه.
***
وسط أفراح الاحتفاء بإنجازات محمد صلاح العالمية التى وحدتنا مصريين وعرب، ثمة من راح يبدى تخوفه من شعر نجمنا المسترسل بلا ضابط، ومن لحيته المعفاة، ومن سجداته بعد كل هدف، بل ومن اختياره لاسم ابنته «مكة»، مخالفا بذلك «مواصفات النجم العالمى» ومشابها مظهر «الإرهابيين» كما قيل وكتب. والمؤسف أن السطور الداعية ظاهرا إلى تغيير المظهر، تبدو وكأنها تحمل فى طياتها مساءلة ملتوية لاتجاهات بطلنا السياسية، ومحاصرة لبيان موقع قدميه، وزجرا لتأكيد الاصطفاف. وهو ما أثار استياء عاما عبرت عنه الكثير من المنابر الإعلامية، ورفضته غالبية الآراء على شبكات التواصل الاجتماعى.
الحق أن نموذجا مثل نموذج محمد صلاح من الصعب استيعابه داخل إطار النظم الشمولية. فشىء ما فى تركيبته، شىء حر ومستقل ووافر الاعتداد بهذه الاستقلالية، يؤرق أصحاب تلك الأصوات التى تراه منفلتا من إسار المؤسسة الحاكمة المستقرة. رغم دبلوماسيته الذكية ومبادراته الخيرة السخية، شىء ما يشبه خصلات شعره المتمردة، ولسانه الممدود إثر تسجيل كل هدف، يظهره بمظهر المتمرد على الدروب المرسومة سلفا، شىء ما يشى بفردانيته المستعصية على القولبة والتدجين، شىء ما منغص ومكدر ومربك فى قدرته على التحليق منفردا. فالبعض لم يستسغ مثلا علاقته الودية بالنجم محمد أبو تريكة الذى كان مدرجا على قائمة «الإرهاب» حتى أعادت محكمة النقض العدل إلى نصابه. لكن التركيبة الإنسانية التى يتمتع بها محمد صلاح لم تنتظر إذن محكمة كى تحتفظ بصداقة نبيلة.
***
ربما هو ذلك الخلق الرفيع الذى ساعده على صنع الأسطورة. ذلك المزج الحكيم بين الشغف والانضباط والإصرار على شحذ المهارات. ولا ننسى ذلك الصبر الذى تجرع كئوسه منذ كان يخرج من بيته فى قرية «بسيون» بعد صلاة الفجر كل يوم ليصل إلى ناديه بعد سفر يستغرق خمس ساعات.. كئوس الصبر مترعة لا تنفد وهو جالس على مقعد الاحتياط فى نادى «المقاولون العرب» بعد أن رفضه رئيس نادى الزمالك، أو بعد سنوات فى نادى «تشيلسى» حيث اصطبر عامين على تعنت مورينيو الذى تعمد تهميشه. وها هى حصيلة أيام الجلد تزهر وتثمر. فهو اليوم واحد من أهم خمسة لاعبين على مستوى العالم. ورسميا هو أول لاعب فى التاريخ يسجل أكثر من 35 هدفا فى موسم واحد مع ناديه ليفربول ليتربع على عرش هدافى الدورى الإنجليزى الممتاز. وفى غضون خمسة أعوام منذ احترافه، تقاطرت عليه الجوائز وقفزت قيمته كلاعب إلى 162 مليون دولار. لكن، وسط كل هذه الأرقام، يبقى تميزه الإنسانى مضربا للأمثال. يقول عنه السياسى والكاتب البريطانى جورج جالاوى: «الشىء الوحيد الذى يفوق مهارة محمد صلاح هو شخصيته. ذلك التواضع الذى يعد قدوة لكل الرجال الكبار. هو بحق مفخرة لمصر وللإسلام».
ثم يأتى من كتابنا الأفاضل من يتخوف من لحية طليقة، أو من كنية «أبى مكة» أو من سجدة وسط مباراة. هل تدركون يا سادة مبلغ القوة النفسية التى تقتضيها تلك السجدة وسط عشرات الآلاف فى بلاد تتعالى فيها الصيحات المضادة للمهاجرين إلى الحد الذى أدى إلى التصويت لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى فيما يعرف بال«بريكست»؟ هل تعلمون ما يمكن أن تغيره سجدة البطل صلاح فى ملف دمج المسلمين وتقبلهم فى بلاد شهدت اغتيال النائبة جو كوكس وتزايدت فيها جرائم الكراهية وليس جريمة مقتل الطالبة المصرية مريم عبدالسلام ببعيد؟ هل تدركون أثر هذه السجدة الشجاعة على المهاجرين البسطاء الذين يواجهون كل يوم فى أعمالهم صورا من التضييق باسم الإسلاموفوبيا؟
على أية حال، يجب ألا نحمل اللفتات العفوية أكثر من معناها. ويجدر ألا نتعامل مع تعبير لاعبنا عن تمسكه بعقيدته بعيدا عن سياقه. إذ أحسب أن الأغنية التى ابتدعها مشجعو ليفربول لصلاح، التى يعلنون فيها عن استعدادهم للتحول إلى الإسلام لو سجل مزيدا من الأهداف، هى أفضل تعبير عن قبول الآخر وأبسط وسيلة لإحراز التصالح المجتمعى ولاحتواء الإسلام كديانة معترف بها مليا فى البلاد. فمشجعو صلاح لا يمجدون لاعبهم المفضل فحسب ولكنهم يسعون أيضا عبر غنائهم لإحياء تقاليد التسامح واحترام الآخر التى عرفت بها بريطانيا قبل المد القومى المتطرف الذى شهدته السنوات الأخيرة فى مختلف بلاد أوروبا.
فى هذا السياق الإنسانى العالمى يجدر بنا أن نرى صلاح، لا فى ضوء معاركنا الداخلية الصغيرة أو نوايا إعلاميينا المفخخة. ربما علينا أن ننفذ وصية عالم الفيزياء البريطانى ستيفن هوكينج التى ينهانا فيها عن النظر إلى أقدامنا والتطلع مليا نحو السماء عسانا أن نحجز لأنفسنا منزلة على خارطة الفضائل الإنسانية عبر النموذج المدهش الذى يمثله محمد صلاح. أيها السادة، رجاء، اتركوه حرا جميلا مبدعا يعلو بمهاراته ويعلى معه اسم مصر. لا تطاردوه بصغائر الأفكار أو تحاولوا تسجيل الأهداف السياسية على حسابه. اتركوه يبدع فى المراوغة والترقيص والتهديف ودعوه ينطلق فى سماء الله الواسعة، نجما معبرا عن أحلامنا المنتظرة هى الأخرى منذ أمد بعيد على مقاعد الاحتياط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.