قرأت مؤخراً عن "ربيع الدراما" في اشارة إلي موسم آخر لعرض المسلسلات التليفزيونية الجديدة في شهور السنة الميلادية بعيداً عن شهر رمضان المزدحم درامياً لدرجة التخمة وحتي الاقتتال علي الفوز بمساحة علي أي من القنوات التليفزيونية الخاصة أو العامة. المصرية أو العربية.. وقد شجع علي ذلك "الربيع" أن التجارب التي عرضت بعيداً عن السوق الخاص بالشهر الكريم. نالت حظها من الفرجة بما يرضي صناع هذه الأعمال وما يعني أنها فكرة صائبة للخروج من الموسم المحظوظ بأقل الأضرار. عندما قرأت عن "ربيع الدراما" اصابتني في الحال حالة من القلق. إذ لم يعد "الربيع" يعني النسيم والإعتدال وتفتح الورد واخضرار الطبيعة. لم يعني أبداً الزهو بما جري من كوارث "الربيع العربي" في يناير 2011 لمنطقتنا العربية. لقد محا "الربيع العربي" كل دلالات هذا الموسم الجميل وأصبح مؤشراً لوصف قد يطيح بالأخضر واليابس مما هو مأمول من "الدراما" فنحن بقلوبنا ندعو الله أن تتوقف الفوضي الهدامة ولا تزحف علي ميادين الفنون الجماهيرية التي تخاطب القلب والوجدان والعقل معا خاصة وأن الدراما التليفزيونية من أكثرها تأثيراً. بقول آخر الدراما المنزلية أو الدراما العائلية التي تتناول الحياة اليومية الواقعية لأفراد الأسرة في محيط اجتماعي بعينه وفي أغلب الأحوال الطبقة المتوسطة بمستوياتها المختلفة اقتصادياً وحضارياً والتي تتضمن خيوطاً قصصية ممتدة ومتشعبة ترتبط بالشخصيات وعلاقتهم واستجاباتهم المتباينة إزاء الأحداث التي يعايشونها. وغالباً ما تكون هذه الأحداث عادية وربما تتجاوز العادية إلي ما هو أكثر اثارة للقلق والهموم مثل مشكلات الفقر والمرض والبطالة والادمان .. إلخ الاوجاع التي تعرض علي الأسرة ردود أفعال متنوعة. والدراما العائلية تعتبر النوع الفني الغالب وسط الانتاج الدرامي والأكثر تأثيراً لأنها تنتقي نماذجها من الواقع المعاش ومن السهل أن يتوحد المشاهدون مع الشخصيات ويروا فيهم أنفسهم. وتتنوع الأساليب الدرامية التي تعالج الحكايات التي يتم طرحها بحيث تتسع للفكاهة أو للتعاطف والاثارة والتشويق بحسب القضايا التي تتناولها خصوصاً وأن الموضوعات يمكن أن تكون عادية وليست بعيدة وتمس جموع المشاهدين حين يتوفر لها عناصر الاجادة علي مستوي الحبكة والمعالجة والأداء التمثيلي. وخطورة الدراما العائلية أنها تتضمن أحيانا نماذج تمثل استثناء بالنسبة لأفراد الأسرة وخروجاً عن المألوف وتتبني قيماً ومباديء لا تتفق أبداً مع الثقافة السائدة ولا طبيعة المجتمع ولا أنماطه السلوكية. خصوصاً لو كان مجتمعاً محافظاً لا يتقبل الشذوذ أو الجموح والانفلات بعيداً عن قناعات النسبة الأكبر من أفراده. وقد ظلت المشكلات الاجتماعية في المراحل المختلفة للتطور ميداناً للمعارك بين النزعات المحافظة وبين النزعة الليبرالية التي لا تؤمن بالمعايير الأخلاقية في تقييم الأعمال الفنية.... ولكن بالنسبة للدراما العائلية في مجتمع يتغلب علي تكوين أفراده الحس الديني ويسكن هاجس الحلال والحرام عقله والضمير الجمعي الذي يحرك بوصلة سلوكه وردود أفعاله. وفي هذه الحالة لا يصلح منطق "الصدمة" التي يلجأ إليها بعض كتاب هذا النوع من الترفيه الجماهيري الذي يصل إليهم داخل منازلهم فمن العبث تصوير النماذج الغريبة والشاذة غير المقبولة بحجة أنها موجودة وتشكل نسبة في المجتمع حتي لو كانت أكثر جاذبية من النماذج العادية بالنسبة لفئة المتطلعين إلي الاختلاف والمبهورين بالنموذة الغربي الذي يحلل زواج المثليين والأمور بدون زواج. والتلقيح باستخدام "بنوك" الحيوانات المنوية. وادمان المخدرات. .. إلخ. الموبقات الدخيلة التي يمارسها أصحاب الآراء الليبرالية والمنادين بحرية التعبير وإلغاء المعايير الأخلاقية تماماً عند تناول الأعمال الفنية ودون النظر إلي الاختلاف الواسع بين مجتمع لا يعاني من الجهل ولا مشكلات الفقر ولا الإرهاب وتسيطر عليه الجماعات المتأسلمة وهو في النهاية مجتمع أبوي ذكوري متدين. وليس المطلوب أن تبتعد الدراما عن معالجة ظواهر المجتمع الشاذة ولكن بهدف تحليلها والرجوع للأسباب التي جعلتها منتشرة مثل آفة الآدمان والعلاقات الجنسية المنفلتة بين الشباب وأمامنا نموذج "تحت السيطرة" الذي يعزز وجهة النظر التي أريد ايصالها. وهناك نموذج آخر في مسلسل "حلاوة الدنيا" و"ابن حلال" والنماذج بالمناسبة ليست قليلة.. فتاريخ الدراما المصرية ثري جداً ومتنوع وفعال علي المستوي الوجداني والفكري. ولكن المرحلة التي نعيشها الآن تشهد حرباً ضروساً ومع ذلك لا يشعر كثيرون بفداحة الثمن المدفوع فيها من دماء شبابنا وأموال الشعب المصري. انها لا شك مرحلة استثنائية بالنسبة للصراع ضد كارثة الإرهاب وتداعياته. مثلما تشهد بدايات الخروج من عنق الزجاجة اقتصادياً وتحولاً كبيراً في المجتمع المصري عموما. ومسألة أن نفتح أبواب الدراما العائلية للفوضي الفكرية والفتنة الهدامة التي تؤدي بالضرورة إلي شيوع حالات التسيب الأخلاقي وانتشار الجريمة وتكريس حالة الاغتراب الفكري والإنكار العمدي لقيم الطبقة المتوسطة "العمود الفقري للمجتمع" والسعي إلي تطبيع الظواهر الشاذة باعتبارها واقعاً ومسكوتاً عنه وعلي الدراما أن تكشف عنه النقاب. فلو كان "الربيع الدرامي" علي غرار "الربيع العربي" أنه أنه سوف يأتي بالفوضي الهدامة التي تسعي إلي تفكيك الشخصية المصرية العربية وإعادة بناء مكوناتها العقلية بما يسمح بقبول هذه الظواهر الهدامة الشاذة ويسعي إلي تطبيقها فتلك كارثة مؤكدة أما إذا كان يهدي المشاهدين أعمالاً اجتماعية إنسانية مبهجة وجميلة فنياً. وصادقة ومسئولة موضوعياً فهذا هو عين المراد ومرحباً ب"الربيع" علي كل الاصعدة.