دأبت القنوات المصرية والفضائية العربية علي تقديم وجبات يومية دسمة من الأعمال الدرامية المختلفة خلال أيام شهر رمضان المبارك من كل عام وأصبح الشهر الفضيل موسماً سنوياً يتباري فيه المنتجون وكتاب السيناريو في تقديم أفضل ما لديهم خلال هذا المهرجان السنوي وتسعي القنوات الفضائية إلي جذب المشاهدين وتحقيق أعلي نسبة مشاهدة بما ينشط معه سوق الترويج الإعلاني وتسويق المنتج الدرامي نفسه بغض النظر عن مضمون هذا العمل أو ذاك وما يحمل من رسالة ومضمون وهدف ثقافي أو تربوي أو إصلاحي بعيداً عن مجرد الترفيه والتسلية وبعيداً عن نوعيات الأعمال الدرامية ومضامينها وأهدافها ونوعياتها أو حتي نجاحها وفشلها علي الصعيد الجماهيري فإن كثيراً من الأصوات تعالت ورفعت شعارات التنبيه والتحذير من مخاطر ما تطرحه كثير من الأعمال وطالبت بترشيح كثير منها حتي لا تتعارض مع منظومتي الأخلاق والقيم والآثار السلبية التي تخلفها الأعمال الدرامية علي صعيد الأسرة والشباب بل تعالت أصوات المتخصصين الذين سارعوا إلي إثبات وجود علاقة سلبية مباشرة ما بين ما تطرحه كثير من الأعمال الدرامية وما يتعرض له الشباب من مشاكل وأزمات وتأثيرها علي سلوك الشباب والأطفال واتجاهاتهم ونظرتهم إلي الحياة. وعلاقاتهم الأسرية وتشير العديد من الدراسات التحليلية للمضامين الدرامية التليفزيونية إلي ارتفاع معدلات مشاهد تعاطي المخدرات وتكمن خطورة الدراما التليفزيونية في نشر ثقافة التدخين وتعاطي وإدمان المخدرات وخاصة في ظل ارتفاع نسبة التعرض لها بين فئات الجمهور واستمرار عرض الأعمال الدرامية مما يسفر عن كونها جزءاً مهماً من جوانب ذاكرة الأجيال وعاملاً مهماً من عوامل رؤيتهم للواقع الاجتماعي. الدراما والشباب لهذا قام صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي بإجراء الدراسة الراهنة والتي تهدف إلي التعرف علي أبعاد المعالجة الدرامية لقضايا التدخين والتعاطي وإدمان المخدرات من خلال رصد الجوانب السلبية والإيجابية في تناول المسلسلات التليفزيونية التي يتم عرضها خلال شهر رمضان لقضايا التدخين وتعاطي وإدمان المخدرات وتأثيرها علي الشباب والفتيات. وكان من أهداف الدراسة التعرف علي حجم اهتمام الدراما التليفزيونية بتناول قضايا التدخين وتعاطي المخدرات والوقوف علي أساليب المعالجة والقالب الدرامي والوقوف علي صورة المدخن والمتعاطي والمدمن التي كشفتها الدراما التليفزيونية عند تناولها لهذه الشخصيات ورصد أنواع المواد المؤثرة علي الحالة النفسية وأساليب التدخين والتعاطي والإدمان الأكثر شيوعاً في المسلسلات والتعرف علي علاقات المدخن والمتعاطي والمدمن بأفراد أسرته وأصدقائه اشتملت الدراسة علي جميع المسلسلات التي قدمتها القنوات التليفزيونية المصرية الأرضية والفضائية خلال شهر رمضان 2010 وقد بلغ إجمالي المسلسلات التي تم تحليلها 35 مسلسلاً تليفزيونياً تم عرضها علي القنوات التليفزيونية المصرية خلال شهر رمضان ووصل عدد الحلقات التي تم تحليلها 983 حلقة تم عرض عدد مشاهد التدخين والتعاطي 2047 مشهداً بمدة زمنية بلغت 54 ساعة وقد جاءت هذه المشاهد بنسبة 3.4% من إجمالي مدة المسلسلات التي بلغ عدد ساعات عرضها 1245 ساعة. وتعكس الدراسة إلي وجود عدد لا يستهان به من مشاهد التدخين والتعاطي قدمت خلال شهر رمضان في المسلسلات التليفزيونية التي يقبل أفراد الأسرة علي التعرض لها وهو ما قد يترتب عليه تأثر المشاهدين وخاصة النشء والشباب بمضمون هذه المسلسلات والاعتقاد بأن التدخين والتعاطي سلوك اعتيادي موجود بواقعنا بنفس الكم الذي قدم به خلال شهر رمضان وهذا يؤدي في النهاية إلي إدراك الجمهور لهذا الواقع المحرف علي أنه الواقع الاجتماعي الحقيقي. ونتيجة لذلك فإن هذا الواقع التليفزيوني يكتسب نوعاً من الشرعية الاجتماعية مما يؤدي إلي التأثير علي سلوك الشباب. وهنا نطرح تساؤلاً هل تعكس الأرقام السابقة واقع ظاهرة التدخين والتعاطي في المجتمع المصري؟ أم يتباري صناع الأعمال الدرامية في حشو تلك المسلسلات بمشاهد مثيرة للتعاطي والإدمان لتجذب انتباه عدد كبير من المشاهدين وخاصة الشباب وهل هم علي دراية بالمسئولية الاجتماعية تجاه ذلك؟ وتؤكد الدراسة أن الدراما عرضت مشاهد تدخين باستثناء مسلسل واحد فقط وقد كشفت نتائج التحليل أن 4.91% من المسلسلات التي عرضت مشاهد تدخين لم تتناول أبعاد المشكلة وجوانبها المختلفة وإنما وردت مشاهد التدخين عرضاً ضمن سياق الأحداث بينما تناول مسلسلان فقط بنسبة 7.5% من إجمالي المسلسلات لبعض جوانب مشكلة التدخين وأضراره وهناك ثلاثة مسلسلات فقط بنسبة 6.8% من إجمالي عدد المسلسلات لم تعرض مشاهد للتعاطي أو الإدمان خلال أحداثها بينما عرض 12 مسلسلاً بنسبة 9.62% من إجمالي عدد المسلسلات مشاهد التعاطي والإدمان دون مناقشة القضية وجوانبها في أحداث العمل الدرامي في حين تناولت 10 مسلسلات بنسبة 5.28% جوانب القضية من خلال مناقشة أسباب ودوافع التعاطي والنتائج المترتبة عليه. التدخين سلوك عادي وتشير الدراسة إلي أن التدخين أصبح يقدم في الأعمال الدرامية علي أنه سلوك اعتيادي يتم تناوله بدون مناقشة سلبياته أو ما يترتب عليه من نتائج سواء بالنسبة للشاب أو لأسرته ومناقشة الدراما التليفزيونية لقضايا التدخين يحمل رسالة ضمنية مفادها أن التدخين ظاهرة طبيعية يتوقع ظهورها ضمن أحداث الحياة اليومية ولا تستحق التوقف أمامها وتعاملت مع سلوك التدخين بوصفه أسلوباً لمواجهة الضغوط النفسية والمشقة في الحياة اليومية. حيث كان أبطال المسلسلات يلجأون للتدخين مباشرة حال تعرضهم لضغوط أو شعورهم بالقلق والاضطراب كما قدمت الدراما التليفزيونية كذلك التدخين في صورة السلوك المساعد أو المصاحب لعمليات التركيز والتخطيط والتفكير وصنع القرار وغيرها من العمليات العقلية الهامة في إدارة شئون الحياة اليومية وهناك إصرار من صانعي الدراما علي تقديم التدخين في صورة جذابة ومقبولة اجتماعياً من جهة وصورة منافية للواقع ونتائج البحوث العلمية من جهة أخري ورسمت الدراما التليفزيونية صورة الشخصية المدخنة في أبهي مظاهرها ولم تعكس الجوانب السلبية لها فقد قدمت الدراما التليفزيونية شخصية المدخن بوصفها شخصية قوية وناجحة في عملها وقادرة علي التأثير في البيئة المحيطة بها ولديها درجة عالية من القبول الاجتماعي وتتسم بالتحرر والشهامة ويتسم هذا التناول الدرامي لشخصية المدخن بالأهمية والخطورة في آن واحد. حيث يؤكد العديد من الباحثين أن التعلم بالعبرة والاقتداء يزداد جوهرياً حال اتسام القدوة بصفات مجندة اجتماعياً فالطرح الذي تقدمه الدراما التليفزيونية لشخصيات المدخنين الجذابة هو دعوة مفتوحة للصغار والشباب للاقتداء بهذه الشخصيات فيما يقومون به من أفعال وتعاملت الدراما التليفزيونية مع التدخين بوصفه أمراً واقعياً لابد منه ولا سبيل للوقاية من حدوثه فقد أظهرت الدراما التليفزيونية التدخين في أوقات اليوم ولدي مختلف الشخصيات ذكوراً أو إناثاً واختلاف مستويات تعليمها أو ثقافتها. واختلاف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية. واختلاف ظروفها المعيشية كذلك تبين أن وجود الأسرة أو عدم وجودها. وطبيعة العلاقات بين أفرادها لا يشكل فارقاً في حدوث التدخين ولم تبرز الأعمال الدرامية العقاب الذي وقع علي الشخصية نتيجة التدخين إلا في حالات محدودة للغاية. كما لم تقدم الدراما التليفزيونية حلولاً لمشكلة التدخين إلا في حالة واحدة فقط. حينما أبرزت دور الرياضة كعامل وقائي ضد الوقوع في مشكلات التدخين وربطت الدراما التليفزيونية بين تعاطي المواد المخدرة المختلفة ومجموعة من المشاعر الإيجابية كالشعور بالسعادة والاستمتاع مع بيان درجة النشوة التي يصل إليها المتعاطي حال تعاطيه وبينت الدراما التليفزيونية وجود درجة عالية من ارتباط الشخص المتعاطي بالمادة التي يتعاطاها والحب المتبادل بينه وبين مادة التعاطي وهو ما يعني استحالة إقلاع المتعاطي عنها وتعكس الجوانب السابقة في مجملها صورة جذابة علي كافة المستويات النفسية والعقلية والوجدانية والاجتماعية لظاهرة التعاطي وتعاملت الدراما التليفزيونية مع التعاطي بوصفه أمراً مألوفاً يمكن أن نراعيه في حياتنا اليومية في كافة الأماكن بما فيها المستشفيات بل وأقسام الشرطة المسئولة عن مواجهة مثل هذه السلوكيات وبينت الدراما التليفزيونية التعاطي بوصفه سلوكاً لا يعوق الفرد المتعاطي عن ممارسة أنشطة حياته اليومية ومتابعة عمله وإدارة شئونه دون أن تبرز جوانب التدهور التي يمكن أن تصيب حياته جراء تعاطيه لهذه المواد كما قدمت الدراما التليفزيونية صورة جذابة محببة إلي النفس الإنسانية خاصة الشباب والمراهقين فقد قدمت بوصفها عاملاً يساعد في التخلص من الهموم والمشكلات وبوصفها عملاً يزيد من خفة ظل المتعاطي ودرجة استمتاعه بالحياة وقبوله الشخصي بين الآخرين وبوصفها عاملاً يساعد علي التركيز والإبداع وبحسن القدرة الجنسية وساعدت الدراما التليفزيونية علي تشويه العلاقة بين الدين وتعاطي المواد المخدرة حينما أبرزت في عدة سياقات قضية عدم تحريم تعاطي الحشيش. بل وأظهرت بعض المتعاطين وهم يمسكون المسابح لذكر الله دون أن تشير إلي تعارض الفعلين معاً وهي بذلك تقوض أركان إمكانية استخدام الوازع الديني في جهود الوقاية والعلاج من تعاطي المواد النفسية كما ساعدت الدراما التليفزيونية علي تشويه العلاقة بين القانون والتعاطي حينما أبرزت في عدة سياقات عجز القانون عن مواجهة التعاطي والإتجار وهي بذلك تفتح الطريق أمام المترددين في الدخول لهذا المجال التعاطي أو الاتجار طالما بقيت يد القانون عاجزة عن ملاحقتهم والتعامل معهم وأبرزت الدراما التليفزيونية وجود بعض التأثيرات السلبية لتعاطي المواد النفسية وإن لم تكن بالدرجة ذاتها التي أبرزت بها جوانبه الإيجابية وكان من أبرز هذه التصورات السلبية عن التعاطي كونه محرماً دينياً ومخالف للقانون ويسلب الإرادة ويغيب العقل. واعتبار أن المدمن مريض يحتاج للعلاج. وأن المواد النفسية مواد مميتة وأن التعاطي يؤدي إلي انهيار الشخصية كما بينت الدراما التليفزيونية اختراق تعاطي المواد النفسية لكافة الحواجز بما فيها تعاطي الإناث وتعاطي صغار السن والمسنين وقدمت الدراما التليفزيونية شخصيات المتعاطين مبرزة كافة مميزاتها وذلك علي أنها شخصيات قوية ومؤثرة علي البيئة المحيطة بها وناجحة في عملها ومتحررة ومقبولة اجتماعياً. ولم تتعرض الدراما التليفزيونية إلي الآثار السلبية للتعاطي والعقاب الذي يقع علي المتعاطين والتجار جراء أفعالهم. فعدد كبير من الشخصيات التي كانت تتعاطي لم تتعرض لأي نوع من العقاب نتيجة هذا التعاطي. وهو ما يعكس أن هذه المسلسلات تقدم التعاطي علي أنه سلوك اعتيادي ليس له أضرار أو لا يؤثر إطلاقاً علي مصير الشخصية النهائي. وهو ما يقدم صورة مشوهة للواقع الاجتماعي حيث يقود التعاطي صاحبه غالباً إلي الواقع الاجتماعي الحقيقي إلي نهائيات حزينة. حلول ومقترحات وأوصت الدراسة للنهوض بدور إيجابي في احتواء ظاهرة التدخين وتعاطي وإدمان المخدرات بمخاطبة وسائل الإعلام للآباء بوصفهم آباء قادرين إذا نهضوا بدور صالح أن يجنبوا أبناءهم التدخين وتعاطي المخدرات لأنه خط دفاع أول في مواجهة ظواهر خطيرة وأن تكون الرسائل الإعلامية غير مباشرة بمعني ألا تكون موجهة بشكل مباشر. فاللامباشرة في المواجهة أفضل بكثير من المواجهة المباشرة لأنها لا تدفع إلي معايشة الخبرة وعلي الإعلام دور هام في تحصين المستهدفين من التورط في هذه الخبرة ويقوم بدور هام في التنوية عن خبرة التدخين وتعاطي وإدمان المخدرات من منظور خطورة الآثار السلبية للتدخين والتعاطي بأنواعها المختلفة من الناحية الصحية والنفسية والعقلية وقد يتحرك الإعلام في إطار مناقشة دوافع التدخين أو التعاطي بشكل جذاب مما ييسر علي من لديهم الاستعداد أن يتحركوا صوب المحاولة خاصة إذا كانت لهذه الدوافع وطأتها علي نفس الفرد وتشكل بالنسبة له أزمات نفسية أو اجتماعية أو بدنية فسيقوم الفرد بالمحاولة حتي وإن كانت لها آثار فادحة مادامت دوافعها قائمة لديه ومواجهة مشكلة التدخين وتعاطي وإدمان المخدرات والحد من انتشارها داخل المجتمع يعتمد بشكل أساسي علي تكاتف جهود الدولة وعلي رأسها الأسرة والمؤسسات التربوية والدينية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام بشكل خاص.