ما أروع هذا الشعب وما أعظمه.. انه فعلا صانع المعجزات والبطولات.. القادر في أحلك الظلمات علي أن يشد خيوط الفجر ليملأ به الدنيا ضياء وبهاء ويحيل جبال اليأس والإحباط إلي أمل ورجاء. كلما هل علينا عيد النصر العظيم في السادس من أكتوبر تلألأت في سمائنا افراح العزة والكرامة والوطنية وانتعشت حياتنا بمفاخر ابطالنا البواسل الذين حاربوا وانتصروا وعبروا بنا من النكسة إلي المجد الشامخ وكتبوا لأمتهم ميلادا جديدا ترتفع فيه رايات العلم والبناء والتعمير والإنتاج والرخاء.. وتفتح فيه ابواب الرزق للأجيال القادمة. كان السادس من أكتوبر ميلادا للأمة بأسرها استرددت فيه مكانتها واستردت ثقتها في نفسها وفي امكاناتها واثبتت فيه للعالم انها قادرة علي أن تقول وتفعل وتؤثر وقادرة علي انتزاع حقها بالقوة بعد ان روجوا عنها انها مجرد ظاهرة صوتية. ومن حسن حظنا ان السادس من أكتوبر كان ايضا ميلادا لجريدتنا "المساء" الذي صدر العدد الأول منها في 6 اكتوبر 1956 علي ايدي رجال مخلصين وبعقول واعية ناضجة أرادت لهذه الصحيفة ان تكون صوت الشعب الصادق المعبر عن آماله وآلامه.. عن طموحاته وتطلعاته وظلت "المساء" طوال مسيرتها تحافظ علي عهدها مع القاريء وتلتزم بالوقوف إلي جانبه وتلتزم ايضا بثوابت الأمة وتطلعاتها. وفي الوقت الذي كانت فيه قواتنا المسلحة تعبر قناة السويس في أكتوبر 1973 إلي سيناء الحبيبة كان الشعب المصري يعبر موانعه النفسية ويحطم قيوده ويتجاوز مخاوفه ويفتح آفاقا جديدة لمستقبل جديد.. أخذ يتشكل رويدا رويدا حتي انبأ عن نفسه وظهر ماردا في 25 يناير .2011 ان الذين عبروا القناة في أكتوبر 1973 هم الذين وضعوا البذرة الأولي لهذا الطوفان الهادر الذي انفجر شعبيا في 25 يناير ومن هنا تأتي الحقيقة التي لا مراء فيها وهي ان 6 أكتوبر 1973 كان المقدمة الأولي للثورة المباركة وان جيل العبور العظيم هو الأب الشرعي للجيل الذي خرج بالملايين ينادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويسقط النظام العتيق ليبني نظاما ديمقراطيا يقوم علي المواطنة والمساواة والتعددية الحزبية وتداول السلطة واعلاء ارادة الأمة وينهي لعبة الزعيم الأوحد والحزب الأوحد. ومثلما كانت القوات المسلحة هي قاطرة النصر العظيم في أكتوبر وهي التي خاضت معارك الميدان بكل شجاعة واقتدار حتي تحقق النصر المبين فقد كانت ومازالت هي الدرع الذي وفر الحماية للثورة المباركة وهي القاطرة التي تقود المرحلة الانتقالية حتي تصل سفينة الوطن إلي بر الأمان رغم ما في البحر من أمواج وأنواء. ومثلما كان للعبور العظيم ابطال حقيقيون ذكرهم التاريخ وسجل اسماءهم بحروف من نور وكان له شهداء قدموا دماءهم فداء لأرض الوطن.. كان هناك أبطال حقيقيون لثورة 25 يناير سوف يذكرهم التاريخ وهناك شهداء منهم من عرفهم الناس ومنهم من لم يعرفهم أحد بعد.. لكنهم بالقطع سوف يظلون احياء في ذاكرة الأمة كما انهم احياء عند ربهم يرزقون. حتي لا ننسي كانت حرب أكتوبر 1973 هي أول حرب تقليدية تكنولوجية في التاريخ وكانت نقطة تحول رئيسية في المفاهيم العسكرية ففيها نشأ مفهوم معركة الأسلحة المشتركة وتناغمت اسلحة الطيران والدفاع الجوي والمدفعية والمهندسين العسكريين والمشاة والمدرعات والبحرية في منظومة واحدة حققت نصرا فريدا كما نشأ مفهوم جديد للقيادة والاستخدام الأمثل للسلاح والمنهج العلمي في التخطيط والتنفيذ ووضحت أهمية المعلومات الدقيقة في تخطيط العمليات. كل هذه الدروس وغيرها جعلت من حرب اكتوبر 1973 نموذجا فريدا من المعارك تحرص المعاهد العسكرية العالمية علي دراستها رغم مرور 38 عاما عليها ولا نبالغ إذا قلنا ان الفكر العسكري الذي تم استخدامه في حرب أكتوبر تمت الاستفادة به في عمليات عسكرية متعددة بعد ذلك وحتي الآن. وهكذا فرضت حرب أكتوبر نفسها علي التاريخ العسكري كواحدة من أهم العمليات العسكرية واثرت بشكل كبير علي تطور نظم التسليح واعمال القتال بالاسلحة المختلفة وعلي التوازن العسكري الاقليمي في الشرق الأوسط. كانت أولي مفاجآت حرب اكتوبر الضربة الجوية التي شاركت فيها 240 طائرة مقاتلة مصرية في عمق سيناء.. نجحت في دك مطارات ومراكز قيادة ووحدات الدفاع الجوي المعادية في مختلف انحاء شبه جزيرة سيناء وحققت نسبة تزيد علي 90% من اهدافها وهو انعكاس لدقة التخطيط ودقة المعلومات التي تأسس عليها التخطيط. ونبهت هذه الضربة إلي أهمية تطوير وسائل الهجوم الجوي والتخفي بالطائرات المقاتلة.. وتزويد الطائرة بوسائل تكنولوجية تجعلها أكثر مرونة كما لفتت حرب أكتوبر الانتباه لاستخدام الطائرات في صد الهجوم الجوي في حالة ضعف وسائل الدفاع الجوي. وكانت المفاجأة الثانية للحرب في أسلوب استخدام المدفعية حيث تم توجيه ضربة مدفعية مكثفة بمجرد بدء الضربة الجوية الأولي.. وأثناء قيام الطائرات المصرية بقصف اهدافها المخططة في سيناء بدأ 2000 مدفع مصري علي طول خط القناة في اطلاق قذائف المدفعية بكثافة بلغت 10 آلاف و500 قذيفة في الدقيقة الواحدة وبمنتهي الدقة. ورغم ان المعروف عسكريا قبل هذه الحرب ان المدفعية لا تعمل طالما ان الطائرات في الجو الا ان التخطيط والتنسيق الكامل بين الاسلحة المختلفة شمل عودة الطائرات من مسارات محددة آمنة بين موجات قذائف المدفعية ولم تصب أي طائرة مصرية خلال عودتها وهو تكتيك لم يكن مستخدما من قبل في أي حرب سابقة. المفاجأة الثالثة كانت الدفاع الجوي الذي استطاع رغم كل الصعوبات قطع الذراع الطولي لإسرائيل وهي قواته الجوية فمنذ اللحظة الأولي لاندلاع الحرب فوجيء العدو بصعوبة اختراق حائط الصواريخ الذي انشأته قوات الدفاع الجوي المصرية علي طول شاطيء القناة واعتبر أول منظومة صاروخية متكاملة للدفاع الجوي وشكل غطاء صاروخيا لتنفيذ عملية العبور العظيم. وكانت أول تجربة في العالم للمواجهة بين سلاح الطيران المعادي ونظام الدفاع الجوي في أرض معركة مكشوفة وهو ما أدي لتساقط طائرات العدو بشكل كبير.. وأدي ايضا إلي تراجع خط نهاية الطيران المعادي إلي شرق القناة بحوالي 15 كيلو مترا حيث كانت الطائرات الاسرائيلية تلقي بصواريخها من هذا العمق وهو ما يمنعها من اصابة الاهداف بدقة. وقد أدت هذه المفاجأة إلي تطوير واضح في اسلحة الدفاع الجوي ونظم استخدامها وتطورت الحرب بعد ذلك من حرب بين الصاروخ والطائرة إلي التفكير في استخدام صواريخ مضادة للصواريخ واصبحت هناك منظومات متكاملة في الجيوش المتقدمة للصواريخ المضادة للصواريخ ومن أمثلتها نظام باتريوت الأمريكي ونظام أرو الاسرائيلي. وجاءت المفاجأة الرابعة من الصراع بين الصاروخ والدبابة حيث كانت الدبابة تواجه الدبابة في الحروب السابقة ولكن خلال حرب اكتوبر 1973 استخدم المقاتل المصري الصواريخ المضادة للدبابات وأدي ذلك لاحداث خسائر ضخمة في دبابات العدو وهي صواريخ محمولة علي الكتف وهو ما استفاد منه العالم فيما بعد حيث شهدت صناعة الدبابات تطورا متلاحقا في حماية الدبابة من الصاروخ كما تم انتاج صاروخ جديد بقدرات اكبر وتم انتاج دبابة بدروع اقوي. أما المفاجأة الخامسة فقد قدمتها القوات البحرية المصرية وغيرت بها مفاهيم القتال البحري حيث يمكن استخدام قطعة بحرية صغيرة في ضرب وحدة أكبر باستخدام نظام صاروخي ذاتي التوجيه منخفض المسار وخلال حرب الكتوبر ظهرت مفاجأة التخطيط للقتال البحري البعيد حيث تمكنت غواصة مصرية من اغلاق باب المندب لقطع اية امدادات عن ميناء ايلات الاسرائيلي علاوة علي شل حركة ميناء يافا علي البحر المتوسط وهو ما لم تكن تتوقعه اسرائيل حيث كانت تري ان اقصي ما يمكن ان تفعله البحرية المصرية هو اغلاق خليج العقبة واعدت العدة لمنع ذلك ولكنها فوجئت بأن الاغلاق جاء من مدي ابعد عن باب المندب وادي ذلك لخنق اسرائيل اقتصاديا طوال فترة الحرب. وخلاصة القول ان هذه المفاجآت التي صنعها العقل المصري والسلاح المصري والمقاتل المصري هي التي حققت في النهاية معجزة النصر العظيم.. كتبت ميلادا جديدا لمصر والمصريين. ميلاد "المساء" ومن حسن الطالع أن يتزامن عيد ميلاد "المساء" في السادس من أكتوبر 1956 مع عيد العبور العظيم الذي استردت به قواتنا المسلحة شرف الأمة العربية بأسرها بعد 6 سنوات من هزيمة يونيه .1967 وجاء اختيار الزعيم جمال عبدالناصر لخالد محيي الدين أصغر أعضاء مجلس قيادة الثورة سنا وأكثرهم انحيازا للديمقراطية وحرية الرأي ليتولي مسئولية تأسيس "المساء" كجريدة تعبر عن اليسار غير الشيوعي وأصبح خالد محيي الدين أول رئيس تحرير للصحيفة الوليدة التي أكدت منذ اللحظة الأولي ارتباطها باهداف ثورة 23 يوليو وتطلعاتها والدور التنويري المنوط بها وارتباطها ايضا بفكرة التعدد والتنوع في الآراء والتزام الصدق والجدية فيما تتضمنه صفحاتها من اخبار وتحقيقات ومقالات. وتشكلت شخصية "المساء" وتأكد تميزها مع توالي الأيام سواء فيما يتعلق بتناول القضايا الجماهيرية والتعبير عن نبض المواطن والاهتمام بالجانب الثقافي والأدبي واعطاء الرياضة مساحات أكبر وغير مسبوقة في الصحف وبالذات كرة القدم وما يرتبط بها من تحليلات وأخبار ومسابقات بين الأندية. واجتذبت "المساء" شباب الصحفيين الذين وجدوا فيها فرصة أكبر للانطلاق وابراز مواهبهم وصياغة تجاربهم المهنية المختلفة عن تيار التقليد السائد ومن صفوفها الأولي خرجت اسماء كبيرة ولامعة انتشرت في العديد من الصحف المحلية والعربية ومن هذه الأسماء قيادات تربعت علي عرش صاحبة الجلالة بالقلم أو بالريشة. ورغم قوة الدفع الهائلة التي حظيت بها "المساء" عند نقطة الانطلاق إلا انها أخذت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي تشق طريقها وسط ظروف صعبة وتعرضت لهزات عنيفة وتعثرت خطواتها بعض الوقت.. وحين نادت بعض الأصوات بإغلاقها بسبب الأزمات المالية والارتباك الاداري وقفت شخصيات محترمة إلي جانبها حتي عبرت مرحلة الخطر واستعادت لياقتها من جديد وكانت الفرصة متاحة أمام قراء "المساء" ليتابعوا من خلالها البشارات الأولي لابداعات ادباء السبعينيات من الشعراء وكتاب القصة الذين ملأوا الساحة بعد ذلك وكانوا ومازالوا يتذكرون فرحة اللحظة الأولي حين نشرت لهم "المساء" صورهم وابداعهم وحققت أملهم الكبير الذي كانوا يحلمون به. وحجزت "المساء" مكانتها كواحدة من أهم واكبر المدارس الثقافية التي تخرج فيها عشرات الادباء والنقاد والمفكرين الذين صاروا نجوما بعد ذلك في دنيا الأدب والنقد.. فما من أديب أو ناقد من كبار أدباء ونقاد جيل الستينيات والسبعينيات إلا وكانت "المساء" هي الجسر الذي عبر بواسطته إلي دنيا الشهرة والنجومية في مجال الأدب والنقد بأنواعه المختلفة.. الأدبي والمسرحي والسينمائي والتشكيلي والموسيقي. من هذه الأسماء الكبيرة يحيي حقي ود.محمد مندور وادوار الخراط وبهاء طاهر ومصطفي بهجت بدوي وسليمان مظهر وفاروق منيب وسامي خشبة وفاروق عبدالقادر وخليل كلفت وعلي الراعي ومحفوظ عبدالرحمن وبدر الديب وبدر الدين ابوغازي ونعمان عاشور ود.سيد النساج وخيرية البشلاوي ومحمد جبريل وأمل دنقل وصبحي الشاروني وكما الجويلي وجلال العشري ويحيي الطاهر عبدالله وعبدالرحمن الابنودي ويوسف ادريس. ومع التطورات السياسية ومناخ الانفتاح تحولت "المساء" من صحيفة عقائدية إلي صحيفة جماهيرية واسعة الانتشار.. تعبر عن هموم المواطن البسيط وتتبني مشاكل من لا صوت لهم.. واستحدثت أبوايا جديدة بالارتباط بالقاريء من خلال تقديم الخدمات أو تقديم المسابقات.. وظهرت علي صفحات "المساء" أفكار مبتكرة عديدة وبرعت أقلام صحفييها في تغطية الأحداث الكبري واجراء المتابعات وافردت مساحات واسعة لآراء القراء إلي جانب مقالات الكتاب الكبار. وقد تزامنت عناصر النجاح هذه مع عنصر آخر مهم هو المطبعة الحديثة التي اتاحت الفرصة لاضافة الألوان إلي صفحات الجريدة والاهتمام بالصورة الصحفية وايضا التطورات المتسارعة التي شهدتها مراحل التجهيزات الفنية حتي وصلت إلي احدث تكنولوجيا الطباعة في العالم وكان من نتيجة تضافر تلك العوامل مجتمعة زيادة توزيع "المساء" إلي أرقام غير مسبوقة. وكانت "المساء" ومازالت في مقدمة الصحف التي تفاعلت بسرعة مع الانفتاح السياسي الكبير والحراك الذي صاحب ثورة 25 يناير لتؤكد دفاعها عن قيم الديمقراطية والتعددية وحرية الصحافة مع التزامها الكامل بالثوابت القومية والهوية العربية والتعبير الصادق والأمين عن قضايا أمتنا في مواجهة حملات التضليل والغزو الثقافي والاعتداء علي المقدسات الإسلامية والمسيحية. وتحرص "المساء" علي تقديم نموذج ناصع ومشرف للصحافة التي تعلي من قيمة الإنسان المصري وتعلي مصالح الوطن فوق كل اعتبار وتضع نصب اعينها دائما انها مسئولة عن تأكيد معاني الوحدة الوطنية ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين المواطنين وانها مسئولة عن توجيه المجتمع إلي اعطاء اهتمام أكبر لحل مشاكله الأساسية كالبطالة والفساد والتلاعب بالمال العام والإدمان وهي تعالج ذلك بأقلام نظيفة جادة.. لا تبتغي غير الصالح العام ولذلك فإن طموحها يكبر يوما بعد يوم ونجاحها يتسع أيضا يوما بعد يوم. أكتوبر الجديد من حقنا.. بل من واجبنا أن نحتفل بالسادس من أكتوبر.. عيد "المساء" وعيد النصر.. ولكن من واجبنا أيضا أن نفكر كيف استطعنا في الماضي أن نعبر من الظلمات إلي النور.. ومن اليأس إلي الرجاء وكيف انتقلنا من شاطيء العجز إلي شاطيء الأمل والطموح وكيف نستطيع الآن ان نصنع معجزة جديدة وعبورا جديدا بروح الثورة ونقائها وحماس شبابها.. ونسجل لأمتنا ميلادا جديدا ينتشلها من حالة الركود والفوضي والاضطراب وانعدام اليقين والإيمان ويأخذها إلي غد أفضل.. وأكتوبر أفضل فيه انطلاقة الروح ويقين الواثق بالله وبقدرته علي الفعل والإنجاز. حين نتذكر السادس من أكتوبر 1973 نترحم عليه وعلي ما كان فيه لم تكن هناك فتنة طائفية.. ولا تربص من فئة لفئة.. ولا طمع ولا جشع.. ولا رغبة في الاستئثار واقصاء الآخر.. كنا رجلا واحدا وقلبا واحدا وهدفا واحدا وكأن الوطن للجميع. لم يكن هناك عدوان علي أراضي وأملاك الدولة ولم يكن هناك حيتان يبتلعون الأرض ويسرقون ويقتلون ويستغلون نفوذهم للسيطرة والتكويش.. ولم يكن هناك جشع في نفوس الناس برفع الأسعار كل يوم اضعافا مضاعفة حتي صارت الحياة مستحيلة. لم يكن هناك بلطجية ولا سرقات للسيارات والمنازل ولم تتلق الشرطة بلاغات إبان ملحمة العبور عن جرائم تماثل الجرائم البشعة التي تصدمنا كل يوم علي صفحات الجرائد.. كأننا كنا في حلم جميل.. أو في جنة لا لغو فيها ولا تأثيما.. إلا قليلا سلاما.. سلاما. ماذا حدث لنا.. ولماذا تغيرنا؟! ان الأيام الخالدة في تاريخ الأمم ليست مجرد ذكري تأتي وتمر لكنها مناسبات ملهمة وما كان التاريخ إلا عبرة وعظة.. تأخذ منه المداد لنصيع المستقبل علي نحو أفضل من الماضي.. وما احوجنا اليوم إلي روح اكتوبر لكي نحمل الوطن إلي غد اكثر اشراقا وما احواجنا إلي روح العبور لكي ننطلق بها إلي شاطيء الأمان. والحقيقة ان عودة روح أكتوبر إلينا.. أو عودتنا إلي روح أكتوبر هي في الواقع عودة إلي الذات ومن يقرأ التاريخ سوف يدرك ان مصر في لحظات التحدي تخلع عباءة الصمت وترفع راية الأمل.. ولا تعترف بالعجز أبدا. وكم مرت بمصر من لحظات انكسار ظن اعداؤها انها النهاية ثم ثبت باليقين انها البداية.. والميلاد الجديد. اننا اليوم في مرحلة البحث عن الذات وتلك مرحلة حرجة تطرح فيها اسئلة الهوية وتتعدد الاجابات وتتنوع الطموحات ولكن حين نصل إلي اليقين فسوف تصبح الخطوة الأولي سهلة ثم تتلوها خطوات علي طريق الاحياء. ومثلما كنا معا في معركة العبور فسوف نكون معا في معركة العبور الجديدة.. معركة الديمقراطية وبناء الدولة المدنية الحديثة.. لن تنصلح أحوالنا بالشباب دون الشيوخ ولا بالمثقفين دون العمال والفلاحين.. ولا بالأثرياء دون الفقراء ولا بالمسلمين دون المسيحيين.. وإنما لابد ان تكون معا.. يدا واحدة.. قادرة.. آمنة مطمئنة. ويا أيها السادس من أكتوبر.. هيا ابعث فينا روحك الجديدة.. وأيقظ فينا ارادة التحدي حتي نثبت للعالم مرة أخري اننا قادرون علي التخطيط والتدبير المحكم.. وأننا إذا أردنا فعلنا.. وأتينا بالمعجزات.