.. ولسوف يظل -أبدا- يوم العاشر من رمضان.. هو اليوم الخالد الأغر تتعلم دروسه الأجيال.. وتتناقلها مع الزهو والفخر.. فلقد استوعبت الأمة في يوم العبور العظيم والنصر.. درسا كانت قد نسيته.. أو هي تناسته حينا من الدهر.. ذلك هو درس الايمان والعزيمة والوطنية الصادقة والانتماء.. درس حب الوطن.. والجهاد في سبيله مع صدق الولاء.. درس التضامن والتعاون علي درب التضحية والفداء. أشرق يوم العاشر من رمضان.. وقدانصهرت الأمة في بوتقة الرجاء والأمل.. الصدق في التوجه والاخلاص في العمل.. وسادها التواد والتراحم.. والتسامح والتآلف.. التكامل والتكافل.. مع التآخي والتعاطف.. ورحلت إلي غير رجعة.. رذائل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.. وبرزت إلي الساحة فضائل شعب نبيل طيب الأعراق.. اما الزبد فقد ذهب جفاء.. وأما ما ينفع الناس فقد مكث في الأرض.. والتهبت مشاعر الأمة غيرة علي الكرامة والشرف والعرض.. وغدت الأمة قاطبة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.. صارت الطاعة، والالتحام بالجماعة حتما مقضيا وواجبا وفرضا.. وتعاون الجميع علي البر والتقوي.. فلا موضع للاثم والعدوان.. واستبدل الحب والود والصدق.. بالبغض والجفاء والبهتان.. وتزود الجيش والشعب بسلاح قوي لا يفل.. مع سواعد قوية لا تضعف أو تكل.. ذلكم هو سلاح العزيمة والإرادة والثبات والإيمان.. والاستعانة بالله وحده القوي العزيز الرحمن.. وانطلق هتاف أهل الكنانة.. مع جيش مصر الباسل ونسوره البواسل.. نابعا من الأعماق يشق عنان السماء ويجوب كل الآفاق.. »الله أكبر«.. كان هو النشيد والحداء.. كان هو ابتهال المؤمنين وصادق الدعاء.. كان هو كلمة السر.. مع ساعة الصفر.. ترنيمة السماء.. وهكذا اصطلح الشعب مع مولاه.. فآزره ربه وسانده ووالاه.. وبدت بشائر النصر لخير أجناد الأرض البواسل الأمجاد.. مصداقا لقوله تعالي: »إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد«. وهكذا تفتحت لمصر الكنانة أبواب السماء.. ورفرفت في أجوائها ألوية العزة والكرامة والشرف والاباء.. وذاقت الأمة طعم الفوز المؤزر والفتح المبين والانتصار.. بعد ان تجرعت.. ذات يوم كأس المهانة والهزيمة والانكسار. ولقد تعلمنا من درس السادس من أكتوبر.. ماذا تفيد التقوي.. وماذا يسفر عنه التعاون والتراحم والتلاحم وحب الإنسان لأخيه الإنسان.. ماذا يجني من يحسنون لله الطاعة والولاء.. ويجيدون لوطنهم الاخلاص والانتماء. تلك كانت مقدمات قوية سوية.. كانت نتيجتها حتمية فورية.. انها النصر من الله.. والفتح المبين.. مصداقا لوعده الحق.. »وكان حقا علينا نصر المؤمنين«. ذلكم هو شأننا مع يوم العاشر من رمضان بروائع نتاجه.. بعد محكم أسبابه.. يطالعنا ذكراه في كل عام فنعيش في ساحته النيرة وفي اشرافات رحابه.. نسترجع روائع ذكرياته.. ونتعلق بقوي أهدابه.. نعي من جديد أعظم درس ان كنا قد نسيناه.. نستوحي العظة والعبرة.. نستعيد ما أفتقدناه. ما أحوجنا اليوم.. وكل يوم.. إلي روح يوم العاشر من رمضان.. يوم تحقق النصر المؤزر بسواعد الأبطال الصائمين المزودين بسلاح الايمان.. ما أحوجنا إلي ان نعي درس العبور العظيم والنصر المبين.. فنزيد من اعتصامنا بحبل الله المتين.. ونعود كما كنا يومها متآخين متلاحمين متسامحين.. نحسن لله الولاء.. ونجيد للوطن الانتماء.. مدركين حقا.. ان حب الوطن هو عين الايمان.. وان رعايته وحراسته وتنميته هي جوهر البر والعدل والاحسان.. وان النصر مع الايمان.. هو الوعد الحق من الله العزيز الرحمن.