من خلف الزجاج السميك للمطعم الفاخر. اعتليت السور المحيط به . ورحت أتابع الأطباق الكثيرة التي راح يضعها الجرسون تباعا. بناء علي طلباتهم وقد تصاعدت منها أبخرة متعددة بروائح مختلفة كدت أشمها . ولساني يتحرك بين شفتي دون توقف . وبطني يعتصرها الجوع . مازال يضيف أطباقا أخري من الأرز والحساء والفراخ المحمرة . وقد استعدوا للأكل . خفضت رأسي بينما كانت تجلس إلي جواري . وقد أخرجت كيستها القماش السوداء المدككة . وبدأت في عملية الفرز . فترص كل فئة فوق بعضها البعض . أما الجنيهات الفضية فقد وضعتها في جيب جلبابها الأسود . استعدادا لتجميدها إلي ورقات صحيحة . ثم دست الكيسة في صدرها وقد تهلل وجهها فرحا . بينما لساني لا يطاوعني أن أسألها عن حصتي من "سرحة "اليوم معها. هل تعطني بعض الورقات؟! فآخذها وأدخل إلي المطعم . وأجلس علي الطاولة المجاورة للعائلة الموجودة . أنادي بصوت مسموع علي الجرسون . وأطلب مثلهم بالضبط . وقتها أتبين الروائح التي كنت أجهل رائحتها من خلف الزجاج . وبعد انتهائي من الأكل . أمد يدي إليه بالحساب كاملا . وربما كان المبلغ أكبر من الحساب فأتركه له وأنا أبتسم : "بقشيش". لكن هل يمكنني فعل ذلك فعلا؟! كانوا مازالوا يأكلون وبعض الأطباق قد أوشكت أن تصبح فارغة . بينما أحدهم يمسك بآخر ورك في يده . وقد رفعه ناحية فمه. ارتفع معه وفمي مفتوح علي كامل اتساعه . وقد دعوت الله أن يسقط علي الأرض . علمتني أن أدعو بأسلوب يجعل الناس يخرجون كل ما في جيوبهم وهم يمصمصون شفاههم حزنا علي حالتي. وقد امتزج صوتي بالبكاء . ولا مانع من نزول بعض الدموع . فترق القلوب عليّ أكثر . وبالفعل حدثت المعجزة وسقط الورك المحمر علي الأرض . اقتربت يده من الأرض في محاولة منه لالتقاطه . وسط استياء وسخط من الجميع .فقاموا متجهين ناحية حوض المياه الموجود خلف الستار المعلق في نهاية المطعم الفارغ . بينما دارت الفكرة في رأسي وآمنت عليها بطني الجائعة . فقادتني قدماي إلي الطاولة بأطباقها الفارغة . حاولت الإمساك بالورك المترب .بينما هي تجلس إلي جواره .بلونها الاسود الغاطس في وضع تحفز للانقضاض عليه. كل ما كان يجول بخاطري وقتها هذا الطعم اللذيذ الذي سوف أتذوقه . قبل وصولي إلي الباب . دخلت وجلست علي إحدي الطاولات . تضرب يداها بعضهما البعض . جلست إلي جوارها . وهي تدس يدها في صدرها . مخرجة الكيسة القماش .بينما كانت تمر من أمامنا . وهي تمسك بالورك المحمر بين فكيها دون مواء.