في ورشة للأطفال في المرحلة الرابعة الابتدائي.. كان موضوعها الحب والكراهية سهرت الليل أفكر كيف أشرح للأطفال جمال الحب وبشاعة الكراهية دون السقوط في المباشرة والملل والسفسطة.. وفجأة تذكرت والدي رحمة الله عليه وكيف بسطها لي وشرحها في هدوء وجمال بل.. الأصح كيف حفرها في عقلي الصغير فلم تغادره حتي الآن وتحولت من فكرة لمنهج حياة.. قد يتهمني البعض بالسذاجة أو يعتقدون أنني مدعية ولكن لم يشغلني رأيهم ذات يوم وقررت أن أظل كما علمني والدي وقد جعلني هذا في حالة تصالح مع نفسي ومع العالم مهما حدث ومهما تعرضت. وفي محاضرتي طلبت من أبنائي أن يحضروا لي علبة عصير برتقال وكوبا من الماء ممتلئا.. وسألتهم من منكم يستطيع صب البرتقال في الكوب لأشربه.. وبدأت اقتراحات البراءة.. نسكب الماء ونصب البرتقال.. ومن قال في تحد أنا ساحر وممكن أصب البرتقال فيطرد الماء ومن قال مستسهلا نأتي بكوب آخر.. وأمام تلك البراءة بدأنا ننفذ للنقاش فأخبرتهم أن القلب الذي بين صدورنا مثل هذا الكوب لو امتلأ بالكراهية التي نرمز لها باللون الأسود لن نتمكن من وضع الحب في قلوبنا فالأبيض النقي الجميل لو اختلط بالأسود سيسود الأسود ويتغلب عليه.. ومن هنا لابد من أن نعمل علي أن تكون قلوبنا ممتلئة باللون الأبيض ولا نحاول أن ندخل اللون الأسود لقلوبنا.. ثم أخذت اقتراحاتهم البريئة.. أحد هذه الاقتراحات أن نسكب الماء ونملأ الكوب بالبرتقال وهذا لمن كان قد تعلم كيف يكره كيف نقي قلبه.. والثاني الذي قال نسكب البرتقال حتي يطرد الماء ويبقي البرتقال وهذا أيضا نظرية تبديل مافي القلب وتحتاج لجهد أكبر.. أما المستسهل الذي قال نأتي بكوب آخر فسألته وهل تستطيع أن تأتي بقلب آخر؟ كان نتيجة هذه المحاضرة التي صاحبها بعض الأدوات كقلب بلاستيك وكوب وماء وعصير.. أن بعض الأطفال المتشاحنة جرت وتصالحت وأشهدتني علي الصلح الذي باركناه ببعض الصور.. إلي أن فاجأني أحد الأطفال قائلا: "وممكن نعمل ده في مصر" انتابني صمت المفاجأة وعمق السؤال البرئ.. هل ممكن!! وسألته ماذا تعني بالسؤال؟ فقال ممكن نفضي مصر من الناس السيئة ونملأها بناس طيبة.. بهرني السؤال وطمعت في المزيد من أفكار أطفالنا وسألته لماذا تقول هذا؟ فأجابني "لأن الحرامي الذي سرق شنطة ماما في الشارع من مصر وحاجات كثيرة يعني" أجبته أن البلدان غير الكوب والقلب ولا ينطبق عليها تلك النظرية ولكن لو تمكنا جميعا أن نملأ القلب بالحب والخير والجمال لن يكون هناك لص ولا ناس سيئة ولو بقي منهم من أناس سيكون العدد قليلا ونستطيع تمييزهم بسهولة. تركت المدرسة وأنا علي يقين أن الواقع فرض علينا أسلوب حياة جعلت النقش علي وجدان أطفالنا أمر غير يسير علي الأسر والمعلمين.. فالتحديات كثيرة في بلد ساد فيه العنصر الأسوأ وبات السؤال والتحدي الحقيقي كيف نربي أولادنا وما هي الآليات الجديدة التي يجب أن ننفذ منها وهل القضية الحقيقية لون الحب الأبيض ولون الحقد الأسود.. أم كيف يعيش في بلد يسرق المصري المصري وينجو. الطرح كبير والسؤال بحاجة للكثير من التفكير فأطفالنا ليسوا بسذاجتنا قديما.