لم أتصور في يوم ان أكتب عن المشير محمد حسين طنطاوي. لا لشئ إلا ليقيني أن "الناس مقامات" وأنني لست مؤهلاً للكتابة عنه. فلست من خبراء العسكرية. ولست من "الطاعنين" في السياسة. لكن ذلك لايمنع أنني أحبه وربما يمثل هذا الحب في كياني بعضاً من حب الوطن. فمن دافع عنا في كل حروبنا الحديثة بدءاً من 56 ومروراً ب67 ثم حرب الاستنزاف وأكتوبر.. يستحق ذلك وأكثر من ذلك. من هنا. كان ما فعله الالتراس الاهلاوي في وقفتهم التي كانت ضد الوجدان المصري بأسره. بمثابة صدمة. احتجت إلي وقت. لا لأستوعبها وإنما لأتجاوزها. اليوم. بالطبع لا أكتب للألتراس ولا عنهم. فيكفيهم ما نالوه من سخط جارف امتد في ربوع مصر كلها لان ما فعلوه كان موجهاً لعموم المصريين. فالمشير بات رمزاً ومعني وصورة مشرقة نستدعيها كلما أرقتنا الهموم. وبحثنا في الذاكرة وفي الكتب عن قامات نستمد من شموخها عزاً وكبرياء.. اليوم أكتب للمشير. ولنفسي فلربما لا تصل إليه كلماتي. لكنني حتي وإن رددتها في نفسي ولقرائي الذين أعتز بهم.. يكفيني.. نحن أحياناً نكتب لأنفسنا.. نكتب لنتذكر أو لنفرح أو لنشاطر من يقرءون بعضاً من مشاعرنا. لاتحزن سيدي.. فقد احتملت منا أسوأ من ذلك.. احتملت غياب الوعي فأبقيت علي وعي الوطن.. احتملت الصراعات وجنبت البلاد ويلات شتات كان بانتظارنا. احتملت كل ما قالوا واكتفيت بأن تقول لنا أروع ما سمعنا.. لاتحزن فلديك قرابة ثلاثين نوطاً ووساماً وقلادة. علي كل منها خُطت معارك وملاحم وأساطير الشجعان. لا تبتئس يا بطل معركة المزرعة الصينية.. فقط تذكر سيدي تلك الليلة. وذاك الصباح. وكيف أحاط بك العدو من كل جانب. يري في عبورك بعثرة لأوراقنا وهدراً لنصرنا. وكأنك ومن معك كنتم تعلمون ذلك. فخضتم معركة قلبت موازين المعارك ولا زالت تدرس في العالم بأسره.. تذكر تلك الليلة. فما أهون الليالي بعدها. وما أصغر المواقف بعدها.. هناك كنتم تجابهون الموت بصدر مفتوح وقلب محب وإيمان بالله لا يتزعزع.. هناك علمتم العدو أن الجيش المصري من طراز نادر.. علمتم العالم ان بإمكاننا ان ننسج علي الارض علماً جديداً وحرباً لم يعتادوها.. تذكر كل ذلك يا سيدي. وظني انه لم يبرح ذاكرتك.. أدرك ان نكران الأهل قد لايحتمل. لكن احتماله ممكن منك فقد اعتدت أن تعطي.. اعتدت أن تحب وأن تؤثر وأن تصبر.. هل ألعاب أولاد صغار أكبر من الحرب والدم والنار؟.. لا تحزن سيدي.. أيحزنك أولادك الصغار. انت مثلنا من تلك البيوت وتدرك ما يفعل بنا صغارنا .. هم جيل الوعي الغائب والانترنت المخدر.. هم جيل "أيدول" و"ذي فويس" و "ستار أكاديمي" لكن قدرك قبلنا ان تحتمل.. يامن احتملت كل مصر وتعشقك كل مصر. لاتحزن سيدي. فحتي تضاريس الوطن تحفظ لك قدرك.. ممشاك في سيناء يذكر لك تلك الصرخة وهذا الوجوم.. وقتها كان ما تكابد جبلا تهون أمامه "سفاسف الالتراس". مثلك يقف أمامه التاريخ فكيف يقف أمامك شئ.. لاتحزن أيها الشامخ شموخ الأهرامات. أيها الهادئ في وداعة سنابل القمح. ** ما قبل الصباح: لاتحزن سيدي فنحن لم نعبر ونحن صيام ربما كنا "نيام".