عندما فاجأتنا التصريحات المتصهينة بشأن إنكار عروبة القدس والتشكيك في وجود المسجد الأقصي بفلسطين والزعم بأن الأقصي الحقيقي موجود علي طريق الطائف بالسعودية والدعوة إلي التخاذل عن نصرة الأقصي الجريح بدعوي أن المساجد لله وليست للمسلمين وأن الرسول مات والأقصي لم يكن في أيدي المسلمين.. أقول عندما فاجأتنا هذه التصريحات والدعوات المتصهينة كانت صدمتنا كبيرة.. وكان كل همنا أن نتصدي لها ونبطل مفعولها ونهزمها قبل أن تهزمنا.. ونرد عليها بالحقائق التاريخية الثابتة التي يعرفها القاصي والداني. وبعد أن خفت حدة الصدمة وذهبت الدهشة بدأ التفكير يتجه إلي زوايا أخري مثل لماذا خرجت هذه التصريحات الآن.. وما الهدف الحقيقي من ورائها.. ومن المستفيد منها.. وإلي أي المصادر والمراجع استند أصحاب التصريحات.. وهل هناك من يحركهم من الخارج؟! في هذا الإطار عقد مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة ندوة تحت عنوان "الانتفاضة الجديدة والرد علي المتصهينين العرب بشأن القدس.. هويتها ومركزيتها في الصراع".. وفي 19 ديسمبر الجاري عرضت "الأهرام" و"أخبار اليوم" جانبا من الورقة البحثية التي قدمها د. رفعت سيد أحمد مدير المركز ومؤسسه في هذه القضية.. والتي ركزت علي عدة نقاط مهمة نذكر منها: * من المؤكد أن المستفيد الأول من ترديد أكذوبة "يهودية القدس" هو الكيان الصهيوني.. خاصة هذه الأيام الذي بدأ فيها المخطط العملي لهدم المسجد الأقصي بعد أن تم تهويد أغلبية المدينة وزرعها بالمستوطنات. * إسرائيل تبحث عن سند تاريخي تغطي به جريمتها الكبري تجاه أولي القبلتين.. وهذا السند لن يكون له مصداقية إذا كان يهوديا لأنه ساعتها سيكون تحصيل حاصل.. أما أن يأتي الاعتراف والتأكيد من مؤرخ أو باحث عربي له حظ من الشهرة.. حتي لو كانت قائمة علي غير أساس علمي متين.. فإن هذا هو "عز الطلب" الصهيوني.. حيث سيسهل كثيرا مسألة هدم الأقصي وتغيير معالم المدينة المقدسة. * الأكاذيب التي تلفظ بها البعض من مثقفينا حول القدس والمسجد الأقصي متهافتة تاريخيا وعلميا.. وأول من ادعي أن المسجد الأقصي موجود بالطائف في السعودية وليس بفلسطين وكان النبي يصلي فيه.. أستاذ يهودي في جامعة بار إيلان الإسرائيلية يدعي د. موردخاي كيدار.. وقد كرر هذا الزعم عدة مرات آخرها كان عام 2009 في الكنيست الإسرائيلي.. وهو نفس ما ردده لاحقا د. يوسف زيدان الكاتب المعروف. * حين تصدر هذه الأكاذيب من غزاة وقتلة أقاموا دولتهم علي دماء الفلسطينيين ومقدساتهم فهذا أمر طبيعي.. أما أن يردد بعض مثقفينا هذا الكلام فهذا هو الجهل وأحيانا التآمر مع المشروع الصهيوني لخدمة أهدافه.. إن حسنت فيهم النية فهم جهلاء بالتاريخ وضحايا لأكاذيب مؤرخين يهود أقاموا تأريخهم علي حجج توراتية زائفة.. وإن لم تحس فيهم النية فهم متواطئون مع الرؤي الصهيونية وبمثابة وكلاء لها وخلايا نائمة تستيقظ عند الحاجة الصهيونية إليها. قبل أيام نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية دراسة وثائقية للخبير الاستراتيجي الإسرائيلي "نداف شرجاي" أكد فيها أن الإسرائيليين يتحدثون عن تغير مصطلح "القدس الموحدة" إلي "القدس اليهودية القوية الكبيرة الموحدة".. ما يعني إعادة تقسيم المدينة لتفريغها تدريجيا من العرب ومن آثارهم - الكنائس والمساجد - وفي المقدمة المسجد الأقصي الذي يعملون علي هدمه لبناء الهيكل مكانه. * هذا المخطط له خرائط جاهزة أعدها - كما يقول - شرجاي - أفراد في معهد القدس لبحوث إسرائيل.. وهو المعهد الذي يقف منذ 3 عقود وراء أكثر الخطط التهويدية التي تتصل بالقدس.. والخطير في الأمر أن هذا المعهد وغيره من مؤسسات أمريكية وأوروبية تربطه علاقات وطيدة بهذا النفر من مثقفينا الذين قالوا بيهودية القدس وشككوا في وجود المسجد الأقصي.. وبعضهم دائم الزيارة والتدريس بتلك المؤسسات.. ومنهم ذلك الروائي الذي يمتلئ جهلا وغرورا. حفظ الله عروبة القدس.. وأعادها لأهلها محررة طاهرة.. هي ومسجدها الأقصي الشريف.