"أبوالنوم".. قرية مصرية حتي النخاع. بحراوية المكان. سكندرية الهوي. شاء قدرها أن تكون علي آخر حدود البحيرة مع الإسكندرية. تتبع الوحدة المحلية لقرية الحاجر مركز كفر الدوار.. الفقر والجهل والمرض. ثالوث يسيطر بقوة علي حياة 20 ألف مواطن بالقرية. مما أحال حياتهم إلي معاناة يومية. وأطاح بهم إلي عالم النسيان والتجاهل من جانب مسئولي المحافظة والوحدة المحلية بكفر الدوار. الذين يبدو أنهم لم يتذكروا حتي الآن أن هناك منطقة يقطنها مواطنون يتعرضون لمعاناة دائمة اسمها "أبوالنوم". والطريق إلي "أبوالنوم" صعب وطويل ومرهق ومكلف. حيث استغرقت رحلة "المساء" إلي القرية أكثر من ثلاث ساعات بداية من مدينة دمنهور عاصمة البحيرة وصولا إلي كفر الدوار ومنها إلي قرية "كوم الحنش" ثم منطقة "الثلاث كباري" عبر سيارة نصف نقل -وسيلة المواصلات الوحيدة- ثم سيارة أخري نصف نقل خصوصي -لعدم وجود مواصلات" حتي الوصول إلي قرية "أبوالنوم". التي ما إن تصل إليها حتي يداهمك إحساس مرعب بالهدوء القاتل والسكينة المستفزة. حيث تتناثر البيوت البسيطة علي تبات مرتفعة لتكون 24 تجمعاً سكنياً لمواطنين جاءوا إلي المنطقة منذ عشرات السنين. وعاشوا فيها طوال السنوات السابقة في ظل معاناة حقيقية ومستمرة علي أمل أن تتحسن الظروف وتتبدل الأحوال. ويحصلوا علي حقوقهم باعتبارهم مواطنين مصريين. وزاد هذا الأمل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير لعل وعسي..!! "أبوالنوم" كما عرفت من أهالي القرية كانت عبارة عن أرض مغمورة بالمياه بجوار بحيرة مريوط. وكان يأتي إليها طائر يسمي "النوام" ما أن يصل إلي المنطقة حتي يمكث بها ثلاثة أسابيع ثم يعاود رحلته إلي الصحراء الغربية. لذلك سميت القرية بهذا الاسم. وأهالي القرية تبدو عليهم بساطة وصعوبة الشقاء الحياة. وجوههم كلها معاناة. جراء افتقادهم لأبسط المرافق والخدمات التي تيسر الحياة اليومية أمامهم. فالخدمة الصحية لم تعرف طريقها إليهم حتي الآن. ويواجهون صعوبات كثيرة في استخراج تصاريح دفن الموتي وإثبات المواليد بين البحيرة والإسكندرية. ويعتمدون في ري الأراضي الزراعية علي مياه الصرف الزراعي. كما أن نسبة التعليم لا تتعدي 20%. ونسبة الفقر تتجاوز 40%. ولا توجد مواصلات تربط القرية بمركز كفر الدوار. والانتقال إلي الإسكندرية أسهل كثيراً منه إلي كفر الدوار. علماً بأنه يوجد طريق من القرية مباشرة إلي كفر الدوار لا يستغرق سوي نصف ساعة وهو طريق "الدشودي" ومطلوب رصفه بشكل عاجل. والأغرب أنهم لم ينعموا بمياه الشرب النقية إلا العام الماضي فقط. كما أن المطلب الأساسي والمهم لأهالي القرية هو الانفصال والخلع من محافظة البحيرة والانضمام إلي محافظة الإسكندرية. "المساء" رصدت أوجاع وهموم ومشاكل أهالي قرية "أبوالنوم" بكفر الدوار. في البداية قال سلامة إدريس الهواري- أمين مخازن الجمعية الزراعية بالقرية- في حزن وأسي إن الخدمة الصحية بقرية "أبوالنوم" منعدمة تماماً. حيث لا توجد وحدة صحية بالقرية. وأقرب وحدة للقرية في نطاق كفر الدوار علي بعد سبعة كيلومترات وهي وحدة "سيف النصر" التابعة لمجلس قرية الحاجر علماً بأن نسبة العمل بها لا تتعدي 25%. وحين تضطرنا الظروف إليها يقولون لنا اذهبوا إلي وحدة "أبيس 6" التابعة للإسكندرية علماً بأنها مزالة منذ خمس سنوات ولا تعمل رغم أن المسافة بيننا وبينها خمسة كيلومترات فقط. وأشار إلي أن المشكلة الأهم والأخطر التي تواجه أهالي القرية هي الصعوبات الدائمة والحقيقية في استخراج تصاريح دفن الموتي وإثبات المواليد بسبب عدم وجود وحدة صحية بالقرية. ورفض وحدة "سيف النصر" تلبية هذه المطالب مما يدخلنا في دوامة لا تنتهي بين البحيرة والإسكندرية من أجل قضاء مصالحنا. أكد جمال فتحي فتح الله -موظف" أن القرية معزولة بشكل مؤلم عن مركز كفر الدوار بسبب وجودها علي آخر حدود البحيرة مع الإسكندرية وعدم وجود مواصلات مناسبة تربط القرية بكفر الدوار. حيث لا توجد سوي سيارات نصف النقل التي تعمل علي خط الحاجر- سيدي غازي- كفر الدوار وهي وسيلة مواصلات غير آدمية. تعمل علي طريق طويل ومكلف وشاق ويستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلي كفر الدوار. علماً بأنه يوجد طريق يربط القرية بكفر الدوار مباشرة يسمي طريق "الدشودي" الذي كانت تعمل عليه "دلتا" أثناء الحرب العالمية الثانية. وهو طريق مناسب جداً للقرية حيث إن طوله 16 كيلومتراً وعرضه 18 متراً إلا أنه غير مرصوف ولم يهتم به المسئولون بكفر الدوار والبحيرة حتي الآن. رغم أنه الطريق الأمثل للقرية ويعوضنا عن اللجوء إلي طريق الحاجر الصعب والطويل. لكن هذا الوضع الصعب يدفعنا إلي الانتقال إلي قرية "أبيس 6" بالإسكندرية للوصول إلي كفر الدوار التي لا يفصلنا عنها سوي خمسة كيلومترات. مشيراً إلي أن الأهالي يضطرون إلي شراء "الموتوسيكلات" لتعويض المواصلات والقرية بها أكثر من 70 كيلومتراً بدون رصف وحينما أنعموا علينا بالرصف قاموا برصف 200 متر فقط. أوضح فتحي محمد حسان- أمين صندوق الجمعية الزراعية- أن مياه الشرب ضعيفة للغاية حيث إن المياه تأتي إلينا من محطة أبيس عبر خط طوله 25 كيلومتراً. الأمر الذي يستلزم تقوية المحطة حتي تصل إلينا المياه مناسبة. وقال إننا لم نشرب المياه النقية إلا في عام 2010 بعد معاناة حقيقية لسنوات طويلة ظللنا خلالها نشرب المياه عن طريق إحضارها في سيارات من الإسكندرية. ولم نتمكن من توصيل مياه الشرب إلا بعد توسط السائق الخاص برئيس الشركة القابضة للمياه وتدخله لدي رئيس الشركة بعد مقابلته بالصدفة في السعودية أثناء أداء فريضة الحج. ليبدأ العمل في توصيل المياه للقرية عام 1999 وتنعم القرية بالمياه النقية العام الماضي فقط أي أن العمل في المشروع استغرق كل هذه السنوات بعد شكاوي ومطالبات عديدة بداية من عام .1980 الصرف الزراعي لري الأراضي قال عبدالمالك خيرالله- مزارع- إن أكثر من ثلاثة آلاف فدان بالقرية تواجه أضراراً كبيرة ومستمرة بسبب الاعتماد علي مياه الصرف الزراعي في ري الأراضي الزراعية لعدم توافر مياه الري اللازمة مما يؤدي إلي الإضرار بالتربة الزراعية وقلة إنتاجية الأرض بسبب ارتفاع نسبة الأملاح في مياه الصرف الزراعي. كما أن المزارعين يعانون كثيراً بسبب عدم توافر مستلزمات الإنتاج الزراعي مثل الأسمدة والمبيدات والتقاوي وارتفاع أسعارها في السوق السوداء وعدم قدرتهم علي شرائها من التجار الذين يبيعونها بأسعار خيالية مما يؤثر بالسلب علي إنتاجية الأرض. أشار محمد رمضان خضر- مزارع- إلي أن أكثر من 40% من أهالي القرية يعملون باليومية ودخلهم ضعيف للغاية ولو توقف أحدهم عن العمل يوماً تحدث له مشكلة كبيرة في قوت يومه والعمالة اليومية تتركز في الزراعة والأعمال الحرفية المختلفة مثل النجارة والحدادة والأسمنت. وبالتالي فإن نسبة الفقر مرتفعة بالقرية ويواجه الشباب مشاكل خطيرة بسبب قلة فرص العمل وانعدام الوسائل التي تمكن هؤلاء الشباب من ممارسة الرياضة وعلي رأسها عدم وجود مركز للشباب. كما أن القرية تفتقد للخدمة التليفونية لعدم وجود شبكة أرضية والاعتماد الأساسي علي المحمول. علي السيد السماحي وفرج خير الله شامخ- مزارعان- نسبة التعليم بالقرية لا تتجاوز 20% وآخر مرحلة تعليمية للتلميذ في القرية هي الإعدادية. حيث نضطر إلي ذلك ليساعدنا الأبناء في تلبية نفقات المعيشة وجلب الرزق. وحيث إن المنطقة لا توجد بها مدرسة ثانوية سوي في كفر الدوار أو الإسكندرية. وأضافا أن القرية بها مدرسة ابتدائية وأخري إعدادية. ولا يوجد صرف صحي بل إن المتاح هو الصرف العشوائي الذي يعتمد علي الآبار الأمر الذي يسبب الكثير من الأمراض بسبب اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي. كما أن شبكة الكهرباء تحتاج إلي صيانة عاجلة والتيار ينقطع بصورة شبه مستمرة في الشتاء. عبدالرحمن جبريل خضر "20 سنة"- سائق سيارة نصف نقل علي خط الحاجر- تحدث والدموع تملأ عينيه قائلاًًً: توقفت عن التعليم عند المرحلة الإعدادية حتي أساعد والدي بالمعاش في تربية أشقائي الستة الذين لم يكملوا أيضاً تعليمهم. وأعمل باليومية علي سيارة نصف نقل وأتقاضي 20 جنيهاً في اليوم هي مصاريف المنزل لأننا لا نملك سوي نصف فدان- أرض زراعية- وأسدد ديوناً علينا بعد زواج اثنتين من شقيقاتي الثلاث. مشيراً إلي أن كل منزل بالمنطقة به أكثر من ستة أفراد بدون عمل وتلك هي الأزمة الخطيرة التي تواجه أبناء المنطقة. وفي نهاية زيارة قرية "أبوالنوم" أشار أهالي القرية إلي ضرورة استقلال سيارة نصف نقل إلي قرية "أبيس 6" بالإسكندرية ومنها إلي مجمع المواقف للوصول إلي البحيرة حيث يتعذر الوصول من القرية إلي كفر الدوار مباشرة. وحملوا "المساء" رسالة عاجلة إلي الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء بضرورة تلبية مطلبهم بالانفصال والخلع من محافظة البحيرة والضم إلي محافظة الإسكندرية حتي تتوفر لهم المرافق والخدمات ويشعروا بآداميتهم بعد أن تجاهلتهم البحيرة طوال السنوات السابقة.