لست صوفياً.. ولا أدعي معرفة باطنية كتلك التي يدعيها المتصوفة من أهل الحقيقة.. لكنني أحب الصوفية الحقة.. صوفية التقي والورع والزهد والخشوع والعلم والخشية والاستقامة والاخلاص.. صوفية الدكتور عبدالحليم محمود والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ إسماعيل صادق العدوي والشيخ النقشبندي رحمهم الله جميعاً.. وأغار علي آل البيت وعلي أولياء الله الصالحين من الصوفية المزيفة والصوفية الجاهلة السطحية.. وأغار عليهم أيضاً من مبالغات المبالغين الفجة التي تتحول الصوفية علي أيديهم إلي مجرد فلكلور شعبي فاقد للروح وللجلال.. ومن هذا المنطلق كتبت في هذه الزاوية الجمعة الماضي نقداً حاداً للفواحش التي رآها الناس في مولد السيدة زينب وتنسب زوراً وبهتانا إلي الصوفية. وتأسرني أحوال العاشقين الهائمين بحب الله ورسوله ومواجدهم.. وتطربني أشعار الصوفية الرقراقة وحكمهم التي تتفجر ينابيع من الإلهام تمس شغاف القلوب العطشي فترويها وتغسلها وتنقيها.. وتمس الأكباد الجافة فترطبها وتطهرها وتزكيها كنسمة طرية في حر يوم قائظ. لذلك سعدت عندما أهداني الزميل الأستاذ محمود رافع مدير تحرير جريدة "الأخبار المسائي" كتابه "الرؤساء وأقطاب الحقيقة" الذي يفيض حباً وحناناً وعلماً.. وقد أمضيت معه سهرة روحانية ممتعة.. حلقت فيها مع حكايات الأقطاب إلي عنان السماء.. وصحبت فيها دموع العاشقين وتجليات الذاكرين الساجدين. يبدأ الكتاب بنفحات النبوة.. الحقيقة الأحمدية.. التي هي نور من نور الله.. رآها سيدنا عيسي وبشر بها.. ثم تناقلت في أصلاب بني هاشم حتي استقرت في عبد المطلب ثم عبدالله.. وقد شهد بهذه الحقيقة أصحاب الرسول الكريم الذين عاصروا معجزاته.. وحقاً يا رسول الله لا يعرف قدرك إلا ربك.. وصدقت فيما قلت : "لي وقت لا يسعني فيه غير ربي سبحانه "و" إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين". ويتحدث الباب الثاني عن "الطريق إلي الحقيقة" الذي لا يكون إلا بالورع والإخلاص والزهد والمراقبة والذكر.. والجهاد الأكبر في مجاهدة النفس ليلاً ونهاراً.. فإذا ما انتصرت علي نفسك عدوك الأقرب.. وتخلصت من أدران الذنوب.. وركبت سفينة الصدق فأنت بإذن الله علي أول سلم العارفين. والباب الثالث بعنوان "علم الحقيقة" الذي ينقل فيه زميلنا محمود رافع عن سيدي داوود الكبير قوله : "كلما ازداد علم العبد زاد افتقاره وعلت همته.. لأنه في حالة جهله يطلب العلم.. وفي حالة علمه يطلب جلاء العلوم.. والعلوم درجات لا غاية لمنتهاها.. وعالم الظاهر كلما اتسع علمه إنما اتسع في الوجود وفشا.. وعالم الباطن كلما اتسع علمه علا عن الإدراك ومال إلي الخفاء. ثم تتوالي الأبواب التي تتحدث عن "باب الحقيقة سيدنا علي بن أبي طالب" وأسياد الحقيقة من آل البيت الإمام الحسين والإمام علي بن الحسين زين العابدين.. ثم قطب الأقطاب سيدي أبوالحسن الشاذلي.. ثم قطب العارفين سيدي علي وفا.. والقطب الأمي سيدي علي الخواص.. وغريق النور سيدي علي نورالدين البيومي.. وقطب الزمان سيدي حمزة بن العباس. والحكايات كثيرة في هذا الكتاب غير العادي.. لكن الحكاية التي أبكتني كانت مذبحة كربلاء التي استشهد فيها الإمام الحسين علي يد عسكر يزيد بن معاوية.. والبطولة التي أبداها هذا القائد الفذ حين وقف صامداً من أجل المبدأ الذي آمن به وهو يعلم أنه مقتول لا محالة لأنه يواجه عدوا لا يعرف غير الخسة والنذالة.. وقد ضرب الحسين باستشهاده أروع مثل للثبات علي المبدأ رغم المحنة الكبري التي تعرض لها آل البيت. هذا كتاب مواجد ومواجع.. وشحنة روحية هائلة لمن أراد أن يتعرف علي دروب السالكين إلي الله.