ظلموها فقالوا "كلام جرايد".. أي كلام غير دقيق أو غير صحيح أو كلام فشنك والسلام.. والحقيقة أن الجرايد بريئة من هذه الأوصاف.. أقصد الجرايد المحترمة طبعاً.. الجرايد لاتأتي بشيء من عندها وإنما تنقل فقط كلام المسئولين الذي تنطبق عليه كل هذه الأوصاف وأكثر.. والصحافة مجرد ضحية مثل القارئ تماما. لهذا.. إذا أردت أن تكون عادلاً في حكمك وصادقا مع نفسك فلا تقل "كلام جرايد" وإنما قل "كلام وزراء أو كلام محافظين أو وكلاء أو مدراء أو خبراء أو أي حاجة".. أما الصحف فهي تنقل كلام هؤلاء جميعاً رغم كل مافيه من تهويل وفرقعات وتناقضات.. وناقل الكفر ليس بكافر.. معظم الصحف تنقل ما يحلو لها فقط وما تريد توصيله.. وبعضها - الأكثر مهنية - ينقل كل الكلام ويترك لك الحكم عليه بحرية تامة. سأقدم لك نموذجاً. في مثل هذا اليوم.. الخميس الماضي.. نشرت "الأخبار" حواراً مطولاً مع وزير الزراعة الدكتور عادل البلتاجي تضمن حقائق صادمة وأحلاماً واسعة وسكت عن قضايا خطيرة.. فماذا نسمي هذا؟!.. هل هو كلام جرايد أم كلام وزراء؟! علي سبيل المثال.. حين سئل الوزير عن المبيدات المسرطنة التي ألصقت بالدكتور يوسف والي قال: "دي خرافة وكلام غير علمي.. ليس هناك شيء اسمه مبيدات مسرطنة.. تلك الشائعات كانت منتشرة في الوزارة لأسباب سياسية وأسباب أخري ليس لنا دخل بها". وعندما سئل عن المقولة التي أطلقها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء بأن الفساد في وزارة الزراعة للركب اكتفي بالقول إنه تمت إحالة 20 حالة فساد في توزيع الأسمدة المدعمة إلي النيابة العامة دون أية إشارة إلي الفساد الحقيقي الذي قصده محلب والذي نشم جميعا رائحته من بعيد. وعندما سئل عن العلاقات المصرية الإسرائيلية والتعاون المشترك في مجال الزراعة اكتفي بكلمة "لاتعليق". نعم.. لاتعليق علي السؤال الأهم.. السؤال الذي ينتظر القارئ إجابة صريحة وواضحة عليه بالايجاب أو بالنفي.. وربما لايدري السيد الوزير أن كلمة "لا تعليق" فيها من الإثارة مايفوق التعليق.. وبعد ذلك يغضب الناس من الإثارة والمبالغات ويقولون "كلام جرايد".. مع أن الوزير هو الذي يفتح الباب علي مصراعيه للقيل والقال حين يمسك عن قول الحقيقة. أما عندما سئل عن المشروعات الجديدة وآلاف الأفدنة التي سيتم استصلاحها انطلق لسانه.. فتحدث عن مليون فدان وأربعة ملايين فدان.. ثم 400 فدان في سيناء ومثلها في توشكي.. بالاضافة إلي آلاف الأفدنة التي سيتم توزيعها علي الشباب ومعها منازل للسكن العائلي. وبالمناسبة.. وزير الاسكان يكرر هو الآخر الحديث عن هذه المشروعات الهائلة التي نكاد نحفظها عن ظهر قلب منذ أن أعلن عنها الدكتور الجنزوري أثناء حكم مبارك دون أن يتم انجاز شيء منها إلا النذر اليسير.. لكنها تتكرر علي ألسنة الوزراء والرؤساء.. ولو جمعنا هذه الافدنة التي يتحدثون عنها بالملايين لاكتشفنا أن أرض مصر كلها أصبحت خضراء ومنتجة وليس عندنا مشكلة في المياه حتي نقف في وجه سد أثيوبيا. لكن العيب ليس عيب الجرايد كما قلت.. العيب عيب من لايقدرون مسئولية الكلمة ولايخجلون من تكرار أول تصريحات أدلي بها أول وزير في حكومة الاسرة الثالثة الفرعونية علي أساس أن القارئ لن يتذكر.. ولو تذكر فلن يحاسب الوزير وإنما سيهز كتفيه ويقول "كلام جرايد".