البلاد تستعد لمرحلة جديدة.. برئيس جديد ومجلس وزراء قوي ومجلس نيابي متميز.. فإن الجماهير كلها تتطلع إلي مستقبل أفضل وحياة أرغد.. وبناء أنجح لمسيرة المصري.. بعد أن عاش سنوات من القحط والفقر و"القرف" و"الغلب".. والمعاناة في الحصول علي أساسيات الحياة.. بدون طائل. هناك مشاكل أساسية يعاني منها الشباب علي وجه الخصوص وباقي أفراد المجتمع بصفة عامة.. ولعل ظاهرة العنوسة بين الشباب أصبحت تشكل مشكلة خطيرة خصوصا أن حالات تكوين الأسر.. تتناقص باستمرار عاما بعد عام.. وكيف يمكن حل هذه المشكلة إذا كان السكن هو العقبة الرئيسية.. ووزارة الإسكان مشغولة بأمور لا يشعر بها الناس صحيح أنها تبني مساكن.. ولكن ما هي هذه المساكن؟ إنها بيوت ضيقة وغير مريحة وبعيدة تماما عن أي مستوي اجتماعي متوسط.. فالواضح أن اهتمام الوزارة منحصر إما بالمساكن الهزيلة والتي تشبه المساكن العشوائية.. أو بالمساكن الفاخرة والتي أصبحت صورها تملأ الصحف وأجهزة التليفزيون وأسعارها بالملايين.. وكأن الشعب المصري أصبح من المليونيرات..!! وفي رأيي أن الأسلوب الذي تنتهجه وزارة الإسكان هذا أسلوب التاجر الشاطر الذي يسعي لتسقيع الأراضي ليرتفع ثمنها.. وإلا فما معني إعداد مساحات قليلة من الأراضي المخصصة للبناء وما معني أن يكون التوزيع من خلال القرعة.. وبالتالي يدخل فيها المحتاج وغير المحتاج من الذين يرغبون في إعادة بيعها.. وأيضا ما معني تخصيص مساحات 150 مترا في مشروع ابني بيتك والبناء رأسيا علي نصف المساحة.. فخرجت هذه المشروعات لكي تضيف إلي المناطق العشوائية مناطق ابني بيتك.. وقد دعيت لكي أشاهد مشروعا منه في مدينة بدر.. وقد ساءني بالفعل ما شهدت.. وبالتالي فإنني أتساءل.. أين المساكن المتوسطة التي يمكن أن يحصل عليها الشباب بإيجارات معتدلة.. كما وجدنا نحن مساكن جميلة ومريحة في شبابنا في الستينيات. اعتقد أن الوزير النشط المهندس إبراهيم محلب والذي له باع طويل في مسائل الإسكان.. ويمكن أن يجد حلولا لهذه المشاكل التي تؤرق الكثيرين. والحقيقة أنني أرجو الوزير ألا يرفض طلبا من أي مواطن يريد الحصول علي قطعة أرض مناسبة لبناء بيت له ولأسرته وأنه لا يطبق الأسلوب الحالي الذي يعتمد علي عرض المساحات القليلة والقرعة بين الراغبين لأنهما أفقر الطرق للاتجار بالأراضي.. ولكن إذا كانت الفرصة متاحة لكل الناس بأن يجدوا الأراضي متيسرة لهم فلن يكون هناك تسقيع لها.. وطبعا هناك ضوابط لذلك منها مثلا ألا يتم تسليم الأراضي للراغبين إلا في الموعد الذي يحددونه هم للبناء.. بحيث يسدد رسوم الحجز ويظل يسدد بعض المبالغ المطلوبة منه حتي يتسلمها ويشرع في البناء.. أي أن تسليم الأراضي يتم في الزمن الذي يحدده المواطن لا الوزارة. بصراحة اعتقد أن أزمة الإسكان لم تحدث في مصر إلا بعد التدخل الحكومي بإصدار قرارات بتخفيض الإيجارات في الخمسينيات من القرن الماضي الأمر الذي ترتب عليه ظهور "الخلو رجل" وحبس كل مالك يتقاضي هذا الخلو ثم الإحجام عن البناء وأصبح العثور علي سكن يشوبه نوع من العذاب. وفي شهر أغسطس سنة 1961 أنشأت الحكومة وزارة للإسكان.. وهي التي بدأت بنظام تمليك للمساكن وبيعها للمواطنين بحيث تحصل علي مقدم يساوي الخلو وأقساط شهرية وهي تماثل القيمة الإيجارية للوحدة خصيصا وأن التمليك كان مقصورا علي المباني دون حصة في الأرض. وبصراحة أيضا أقول لماذا هذه المركزية في الإسكان ولماذا أصلا هناك وزارة للإسكان؟ لماذا لا يتم توزيع اختصاصاتها علي مديريات الإسكان في المحافظات فكل مديرية هي التي تعرف مشاكل سكان المحافظة والأماكن الخالية التي يصلح فيها إقامة مشروعات عمرانية وفي هذه الحالة يمكن توزيع موظفي الوزارة علي المحافظات وبالتالي تستفيد كل مديرية إسكان ببعض الخبراء الذين كانوا يعملون في الوزارة.. وأتذكر أن الرئيس الراحل أنور السادات كان قد فوض المحافظين سلطات رئيس الجمهورية.. وأن يتم حل مشاكل المحافظة من خلال المحافظ والأجهزة المعاونة. حل مشاكل الإسكان ممكنة والقضاء علي العنوسة أيضا ممكنة جدا ولكن لن يحدث هذا إلا مع إلغاء المركزية والاتجاه إلي اللامركزية ونفس الحال ينطبق علي السياحة.. وهذا له حديث آخر.