حتي بدايات السبعينيات كان من السهل أن يقرأ الباحث عن شقة إعلانات عن شقة للإيجار ومع الغياب النسبي للأمان لم يكن المالك ولا الراغب في السكن ليرضي بأقل من شقة تمليك ولكن حلم التمليك صعب ان لم يكن مستحيلا علي الشباب وجاء قانون الإيجار الجديد عام1996 ليعطي أملا للمستأجر ومع الوقت ارتفعت أسعار العقارات والإيجارات وحلا للأزمة بادرت الحكومة الي الإعلان عن شقق تملكها المحافظات, ومنح مجلس الوزراء لكل محافظ الحق في التصرف في هذه الشقق بالتمليك أو الإيجار, وقرر محافظ القليوبية, المستشار عدلي حسين أن تكون هذه الوحدات بالإيجار.. فهل نجح قانون الايجار الجديد طوال15 عاما في حل أزمة الاسكان في مصر ليطال شقق الحكومة أيضا؟ أجمع كثيرون علي الاستياء من ارتفاع الايجارات الفترة الأخيرة واعترضوا بشدة علي فكرة ان تكون الشقق المقدمة من الحكومة بنظام الايجار واعتبروه نوعا من سلب حقهم في شقة تمليك الي نهاية العمر ورأوا ذلك بداية لالغاء نظام التمليك الذي يؤدي الي ضياع حلمهم في الشعور بالاستقرار الأسري. وقد قابلتنا حالات ونماذج لأسر تعرضت للضياع نتيجة قانون الايجار الجديد فتقول س.خ أنها تزوجت منذ سنتين بعد خطوبة دامت3 سنوات علي أمل الحصول علي شقة تمليك وبعد الفشل في الحصول عليها قررا الزواج في شقة قانون ايجار جديد في حي فيصل لمدة عام وبعدها انتهي العقد وأصر المالك علي رفع الايجار فانتقلا الي شقة أخري في6 أكتوبر وبعد ستة أشهر ترك زوجها العمل ولم يتمكن من سداد القسط الشهري وبعد شهرين سافر وانقطعت اخباره واصبحت مهددة كل شهر من صاحب العقار ثم فوجئت بورقة طلاقها حتي وجدت نفسها في الشارع وحينها ادركت سبب إصرار الأهالي علي توفير شقة تمليك قبل الزواج. هذه التجربة تتكرر كل يوم بتفاصيل مختلفة ولكن النهاية واحدة تشريد للأسرة وعدم الاحساس بالاستقرار طوال السكن في شقة ايجار جديد ويعترض محمود حسن(موظف) علي فكرة الايجار الجديد بشدة ويتساءل لماذا تتملص الحكومة دائما من واجبها في توفير سكن للشباب والأسر الفقيرة؟ كيف بعد الاعلان عن شقق حكومية تقدمها لهم بنظام الايجار فهذا غير مقبول حتي لو كانت الايجارات منخفضة فسيظل الاحساس بعدم الاستقرار ملازما للأسرة البحث عن الاستقرار غادة حامد مدرسة ولديها طفلان وتقطن بمنطقة القاهرةالجديدة ولها تجربة مع قانون الإيجار الجديد حيث تزوجت منذ7 سنوات مع والدة زوجها في المنزل نفسه وطوال العام الأول من زواجها بدأت الخلافات مع حماتها فكان البديل الوحيد هو اللجوء الي شقة بنظام الايجار الجديد ونظرا لارتفاع أسعار الإيجارات فقد انتقلت من شقة الي أخري بحثا عن الاستقرار الذي لم تعثر عليه حتي الآن. وتؤكد سميرة ممدوح موظفة أن زوجها لايمكنه توفير ثمن شقة مستقلة تمليك او ايجار والأفضل ان تقدم شقق الحكومة بنظام التمليك لان الايجار متوافر لدي الأهالي وبنفس الاسعار ولايمكن التصرف فيها بالبيع او التنازل وكانت تحلم بتوفير شقق تمليك لأنهم ذاقوا الأمرين في الايجار فهي تسكن في حجرة واحدة وعليها إيجار متأخر منذ ثلاثة شهور ومهددة بالطرد وتخاف أن تطردها المحافظة أيضا ان تأخرت عن دفع الإيجار هذه مجرد نماذج لمواطنين خاضوا تجربة البحث عن شقة ولم يجدوها فهل سيظل حلم الحصول علي شقة مستحيلا؟ للطلبة لا للمتزوجين يكشف السماسرة عن ارتفاع الأسعار بالمناطق المختلفة اذ فاقت كل التوقعات ففي العمرانية مثلا كان من المتوقع أن تنخفض الإيجارات ولكن اكتشفنا اننا مخطئون فيبدأ سعر الشقة هناك من700 جنيه بالحواري الضيقة هذا ما أكده لنا الحاج محمود غالي سمسار بالمنطقة قائلا ان القانون الجديد يناسب الطلاب القادمين من الأقاليم لاستكمال دراستهم لكنه لايصلح للشباب المقبلين علي الزواج لعدم شعورهم بالاستقرار ولا يتلاءم مع امكانياتهم المحدودة وفكرة زيادة الايجارات أمر طبيعي ومتروك للعرض والطلب ومتعلق بارتفاع اسعار مواد البناء. وفي منطقة الحلمية شهدت القيمة الايجارية ارتفاعا غير مسبوق تبدأ من800 جنيه فيؤكد حسن القن( سمسار) أن ارتفاع أسعار الايجارات ليس في مصلحة الشباب أو المقبلين علي الزواج بل يخدم الفئات القادرة والسبب اقبال العرب من سوريا أو فلسطين او العراق علي هذه الوحدات فهم يمثلون60% من المستأجرين حاليا وبسبب قرب المناطق من وسط البلد فقد عمد الملاك الي رفع الأسعار والأكثر من ذلك أنه بعدما كانت قيمة التأمين تعادل شهرين أو ثلاثة أصبحت تحدد حسب رغبة المالك وظهرت عدة مناطق تلبي احتياجات الفئات غير القادرة ومنها ضواحي عين شمس والخصوص والمرج وعزبة النخل. وينبه حسن العلي( سمسار) إلي مشاكل كثيرة تحدث بسبب طمع الملاك في التأمين بعد انتهاء المدة ولم يعد لمتوسطي الدخل مكان بينهم وأغلب المترددين عليه من المتزوجين الذين لايستطيعون مواجهة اسعار الشقق التمليك الخيالية واغلب الملاك لايضعون اكثر من سنة للعقد ويصل سعر الإيجار الي750 جنيها رغم وجودها في حواري ضيقة وتتراكم اسعار الايجارات علي صاحبها وتصل الي2500 جنيه بمناطق أخري بذات المنطقة ويقول طه السيد مدير ادارة شركة عقارات أن نظام الإيجار الجديد جزء أساسي من المنظومة العقارية وتشهد القاهرة والجيزة ارتفاعا ملحوظا نتيجة ارتفاع أسعار الأراضي ويساء استغلال تحويل الايجار الجديد الي مشروع اداري للتربح وهذا يتطلب موافقة من المالك وتعديل العقد وتواصل أسعار الإيجارات ارتفاعها في المدن الجديدة لتبدأ من1000 جنيها القاهرةالجديدة وتصل إلي4000 جنيه. ويؤكد نبيل أحمد شوقي مدير إدارة التسويق والاستثمار العقاري ان الإيجار الجديدأصبح مصدرا للاستثمار ولا يمكن انكار ان القانون الجديد نجح في حل مشكلة الشباب بتوفير العديدمن الوحدات السكنية واشباع حالة الاحتياج الاستثماري التي يمر بها المالك ويطالب بانشاء شركة متخصصة لإدارة الاملاك لان نحو80% من الشقق الآن ايجار جديد ويجب أن يشترط صاحب العقار الاوراق المطلوبة لاثبات طبيعة النشاط في حالة اقامة مشروعات حتي لايكون سبيلا الي انشاء شركات وهمية. ويقول ايهاب عابد مدير ادارة للاستثمار العقاري والتسويق إن المدن الجديدة مثل التجمع الخامس والشروق تشهد ارتفاعا في الايجار والتمليك لما تتميز به من الخصوصية وانخفاض الكثافة السكانية والايجار الجديد مرتفع بالفعل بهذه المناطق لأن الايجار القديم لم يعد يتناسب مع المنظومة العقارية في مصر. حل يرضي الطرفين ويقول أبو الحسن نصار مهندس استشاري ان الهدف الاساسي من الايجار الجديد هو استغلال الشقق المغلقة كحل مؤقت أو دائم لأصحاب الشقق التمليك ومن يبحثون عن شقة ومن المفترض أن يكون عقد الإيجار بين المالك والمستأجر محددا حتي لايحدث أي خلاف بعد ذلك ورغم ارتفاع الأسعار فهو يعد الحل الأمثل للكثير من الشباب المقبلين علي الزواج لذلك يقبلون علي المناطق التي تنخفض بها أسعار العقارات ولكن يجب تعديل الصيغة التنفيذية للمشروع للحفاظ علي استقرار كل من المالك والمستأجر مع التزام الطرفين لعدم الدخول في قضايا وخلافات. ويوضح أن سوق العقارات المصرية تعاني الركود سواء الإيجار والتمليك الأمر الذي زاد من هموم المصريين وفاقم معاناتهم في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية ومن المعروف أن أي عملية تجارية تخضع لقوانين العرض والطلب وهي مسألة متعارف عليها بين التاجر والمستهلك لكن بالنسبة لسوق العقارات فالأمر يختلف لان شراء وبيع الشقق والعقارات يعتبر نوعا من الاستثمار الذي يمنح صاحبه بعض الأمان بشرط عدم الخسارة مضيفا أن من أهم اسباب ارتفاع العقارات هو ارتفاع اسعار مواد البناء وفي مقدمتها حديد التسليح فارتفعت أسعار الشقق بشكل جنوني خاصة في المدن الجديدة والمجمعات السكنية وكانت النتيجة أن الشقق التي تكلفت الملايين لبنائها لا تزال تنتظر من يشتريها لان اصحابها يسعون للمكسب ويرون انه مهما طال الانتظار سيأتي اليوم الذي تغطي فيه تكلفة البناء وتحقق مكاسب وبالرغم من انخفاض اسعار الحديد بشكل ملحوظ الا ان عدم ثبات اسعار مواد البناء وتزايدها مثل سعر طن الحديد والذي يتراوح بين4000 و3800 جنيه للطن أدي الي ركود حركة البيع والشراء لذلك قامت الحكومة والشركات العقارية بالوحدات الاقتصادية التي تتراوح مساحتها بين60 و100 متر ويتراوح سعرها بين80 و120 الف جنيه ورغم ضيق المساحات وسعرها يضطر الشاب في بداية حياته للاقتراض وتلقي رواجا كبيرا خاصة بين الشباب من الفئة العمرية الأقل من30 عاما التي تمثل نحو من37% من إجمالي عدد سكان مصر وهذا مادعا الغالبية العظمي من شركات الاستثمار العقاري الي التوجه لبناء الوحدات الاقتصادية حيث ان مايقرب من80% من اجمالي المشروعات العقارية موجه لسد حاجة هذا القطاع وتعد فكرة الايجار في محلها لخدمة قطاع أوسع. الاشتراكية ومابعدها ويري الدكتور أحمد أنيس رئيس الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقاري أن ارتفاع اسعار الايجارات ليس مفاجئا لارتباطه بارتفاع أسعار العقارات المرتفعة وتطبيق قانون الايجار الجديد كان لابد منه بدلا من تجميد العقارات وأنه حين كان هناك توجه اشتراكي حدث عزوف عن الاستثمار في العقارات وكان كثيرون يتجهون الي التمليك دون الاستفادة منه ومع ظهور القانون الجديد تشجع الملاك للايجار وكانت الايجارات معقولة في البداية ولكن مع ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء ارتفعت أسعار الوحدات السكنية وكان نظام الايجار القديم هو المعمول به وكان يعتبر بمثابة خراب بيوت لهم فكيف يكون ايجار شقة مساحتها150 او200 متر في حي راق مثل الزمالك او جاردن سيتي10 أو15 جنيها ويؤكد الدكتور عبد المجيد جادو خبير عقاري ومهندس استشاري ان الإيجار الجديد مخرج وحل جزئي لأزمة الاسكان لكن مع المغالاة تم تضييق الشريحة المستفيدة من الايجار الجديد ومع جشع وطمع أصحاب التمليك أصبحت الأسعار مغالي فيها وهذا لم يحقق العدل للطرفين ومع فشل مشروعات إسكان محدودي الدخل ومع عدم وجود فرصة فهناك مايسمي بالايجار التمويلي الذي يتم استغلاله لفترة محددة ومن أكبر مشكلات الايجار الجديد هو افتقاد ساكنيه الي الاستقرار الأسري نتيجة ارتباطه بالمكان الذي يقطن به والإيجار الجديد أفضل للنشاط المهني ولكن اذا لم يتمكن المستأجر من تحصيل الايجار يتعثر في السداد ويتوقف النشاط وارجع السبب في ارتفاع الإيجارات الي تدخل السماسرة والوسطاء في رفع الأسعار داعيا إلي إنشاء هيئة رسمية وسيطة بين المالك والمستأجر مضيفا ان الايجار القديم لا يجوز بمفردات اليوم ومع الظروف الاقتصادية والقوانين لايمكن الاستمرار فيه ومع سيطرة القطاع الخاص علي سوق العقارات فالدولة تخلت عن دورها في حل أزمة الاسكان ومع تغير أنماط البناء ومع رفع الأسعار أصبح محدودو الدخل في مأزق فوصل سعر المتر بالمدن الجديدة الي3 آلاف للمتر وفي الوقت نفسه استغل أصحاب الشقق قانون الايجار الجديد بمدة ليست طويلة بهدف اعادة التعاقد بسعر اخر مما ادي الي تضاعف ايجار الشقة الواحدة في حالة تجديد الأسرة المستأجرة العقد سنويا فالشقة التي تبلغ مساحتها100 متر في حي متوسط مثل حي الهرم او شارع فيصل يتراوح ايجارها في السنة الاولي بين700 و900جنيه ومع تجديد العقد يضاف نحو100 جنيه لإيجار الشقة وحتي يضمن قانون الايجار الجديد حقوق كل من المالك والمستأجر يجب وضع ضوابط تكفل حماية المستأجر من جشع الملاك وفي نفس الوقت توفر لهم الاستقرار وعدم الخوف من المجهول اذا قرر المالك انهاء التعاقد. ويؤكد ان منح المحافظين حرية بتغيير نظام الاستفادة من التمليك الي ايجار هو قرار صائب للغاية لأنه يقضي علي عملية الاتجار في الوحدات السكنية أو تحويل الشقق إلي أنشطة أخري حيث تذهب تلك الشقق الي مستحقيها الفعليين وليس أصحاب النفوذ والمحسوبية لأن نظام التمليك يضيع الكثير من الشقق ويحرم المحتاجين ويخلق سوقا سوداء ويزيد مشكلة السكن اشتعالا وسوف يقضي علي مشكلة الاسكان وارتفاع أسعار الشقق خلال السنوات القليلة حيث يحصل علي الشقق المدعمة المحتاجون اليها فقط نظير ايجار شهري بسيط ويمنعهم من ناحية اخري من بيع تلك الشقق ويضمن وصول الدعم لمستحقيه ويمنع المنتفعين والسماسرة من المتاجرة بالشقق. ويري الدكتور أشرف البسطويسي بمركز بحوث الاسكان ان الايجار الجديد رغم ارتفاع الايجار جعل الشقة في متناول الجميع ولكن من المعروف عالميا ان الايجار لايزيد علي15 الي20% من دخل الفرد مؤيدا فكرة الايجار التمليكي التي تسعي اليها الحكومة ويقول المهندس هشام زهران بالمركز القومي لبحوث الاسكان انه ليس من العدل أن تظل الشقق المدعمة ملكا للحكومة فمساحة الشقق لاتتعدي60 مترا ويفترض أنها تكون تهدف لخدمة الشباب ويجب ان تركز الحكومة علي ذهاب الشقق الي مستحقيها لأن اغلب المستفيدين منها أثرياء وتحويل الشقق الي نظام الايجار يعد سرقة لحلم الشباب في الشقة مضيفا ان الايجار الجديد يمثل مشكلة موقوتة داخل الأسرة.