تصاعدت حدة التوتر داخل أوساط القضاة بعد الموقف الصارم الذي اتخذه المستشار محمود أبو الليل وزير العدل تجاه مطالب القضاة ورفضه إطلاعهم علي التعديلات التي أدخلها مجلس القضاء الأعلى علي مشروع قانون السلطة القضائية الذي أعده نادي القضاة منذ سنوات . جاء ذلك خلال اللقاء الذي جمع أبو الليل بعدد من أعضاء مجلس إدارة النادي ، حيث ندد أعضاء النادي بالموقف الحكومي المتعسف والمصر علي إدخال تعديلات من شأنها أن تقضي علي أي استقلالية للقضاء ، وتحوله إلي أحد أجهزة السلطة التنفيذية. وقد شهدت أروقة نادي القضاة حالة من الغضب العارم تجاه هذا الموقف الحكومي ، حيث تقدم أكثر من أربعة ألاف قاضي من أعضاء النادي بطلبات للدخول في إضراب تام عند نظر القضايا في مسعى للضغط علي الحكومة لاحترام إرادة القضاة. وقد اعتبر مجلس إدارة نادي القضاة نفسه في حالة انعقاد دائم حتى موعد عقد الجمعية العمومية للنادي عقدها في 17 من مارس القادم ، والتي ستبحث السبل الكفيلة بالتصدي لهذا التعسف الحكومي . وعلمت "المصريون" أن نادي القضاة أصدر قرارا يطالب فيه الحكومة بإلغاء كافة التشريعات القانونية التي تنص علي قيام القضاة بالإشراف علي أي نوع من الانتخابات وفي مقدمتها انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى ، ناهيك عن دراسة مجلس الإدارة لمقترح تقدم به العديد من رموز القضاء بالدعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية للتباحث حول أساليب مواجهة المماطلة الحكومية فيما يخص مشروع قانون السلطة القضائية . وتقدم العديد من القضاة كذلك بمقترح إلى النادي بتنظيم اعتصام رمزي أمام مقر النادي في نفس اليوم الذي ستحيل فيه الحكومة مشروع القانون إلي مجلس الشعب مع احتمالات تطويره إلي إضراب عام ينظمه القضاة ويسجلونه عبر إثباته في مقر المحاكم صباحا والانتقال إلي مقر النادي لمواصلة اعتصامهم المفتوح. وعبرت مصادر قضائية عن مخاوفها الشديد من استعداد الحكومة لتنفيذ مذبحة جديدة في صفوف القضاة أقوى من المذبحة التي حدثت عام 1969 خصوصا أن النظام يتصرف مع القضاة حاليا بأسلوب عنيف يهدف إلي القضاء علي أي استقلالية للقضاة. من جانبه ، وجه المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض انتقادات شديدة للموقف الحكومي تجاه القضاة ، معتبرا أنها تتصرف بأساليب تفكير صبيانية تتجاهل هيبة القضاء واستقلاله ، لكنه لفت إلي أن القضاة أمامهم عدد من الخيارات لمواجهة موقف الحكومة المتعسفة. وأضاف أن موقف وزير العدل من القضاة كشف عن سعي حكومي لتأميم نادي القضاة وتحويله إلي مؤسسة من مؤسسات الدولة وهو ما يتنافى معه وجود أي استقلال للقضاء أو وجود أي أحكام قضائية مستقلة ، معتبرا ما حدث من تعديلات أدخلها المجلس الأعلى للقضاء على قانون السلطة القضائية يعد بمثابة مذبحة جديدة للقضاة. وطالب البسطويسي جموع الشعب المصري بالتدخل لدعم القضاة حيث لم يعد أمام القضاة وسيلة لمواجهة هذا الموقف إلا الدعم الشعبي حيث إن شعبنا سيكون الخاسر الأكبر من العدوان علي استقلال القضاء. وفي السياق ذاته ، أشار المستشار محمود الخضري رئيس نادي قضاة الإسكندرية إلي أن الحكومة قد سعت من خلال موقفها المتعنت من القضاة إلى معاقبتهم علي وقفتهم الصلبة تجاه تزوير الانتخابات ، مؤكدا أنها تضرب عرض الحائط بجمع البنود التي تحافظ علي استقلال القضاء وتستغل أغلبيتها داخل مجلس الشعب لتمرير قانون السلطة القضائية كما يحلو لها ضاربة بعرض الحائط مطالب قضاة مصر الشرفاء . وطالب الخضيري أعضاء مجلس الشعب بضرورة التيقظ للمؤامرة الحكومية علي استقلال القضاء ، مؤكدا أنه يراهن علي الضمير الوطني لنواب الشعب للتصدي لهذا العبث الحكومي ، وأن القضاة لن يتركوا وسيلة لإجبار الحكومة علي العودة إلي جادة الصواب واحترام إرادة القضاة وناديهم الذي دخل في حالة انعقاد دائم حتى يمكن وقف هذه المهزلة. وكان نادي القضاة قد أنتقد ، عقب الاجتماع الذي عقده أمس الأول ، إقدام مجلس القضاء الأعلى على إرسال مشروع قانون السلطة القضائية إلى وزارة العدل دون إطلاع القضاة عليه ، مؤكدا أن مهمة المجلس الأعلى تنحصر في إبداء الرأي فيما يعرض عليه من مشروعات القوانين إلا أنه رغم ذلك قام بإرسال مشروع القانون للوزارة دون عرضه على القضاة مع أن الأصل في عمل القضاة هو العلانية والأصل في التشريعات أن تطرح للنقاش العام لتزداد نصوصها إحكاما . وأشار النادي إلى أن السرية تثير الشكوك وتسمح بانتشار الشائعات حول وجود اتفاق على مصادرة حق القضاة في التعبير عن رأيهم في شئونهم من خلال ناديهم ، وأن مشروع المجلس الأعلى تضمن نصوصا تسمح بإشراف المجلس على النادي وعرقلة عقد جمعيته العمومية مستغلة النصوص التي عطلت عمل النقابات المهنية . وأشار النادي إلى أن نص القانون المقدم من المجلس الأعلى يضع المستشارين تحت هيمنة رؤساء المحاكم وهيمنة مجلس القضاء الأعلى من خلال التفتيش عليهم ، بينما يتجاهل أملهم في أن يكون مشروع القانون محققا لأماني القضاة ووعد الرئيس مبارك لهم بدعم استقلال القضاة . ودعا نادي القضاة إلى إعلان نص مشروع القانون الذي أعدته اللجنة التي شكلتها وزارة العدل لصياغة قانون السلطة القضائية ونشر المقترحات التي تقدم بها المجلس الأعلى للقضاة ، مؤكدا رفضه أي محاول لاستبدال إشراف وزارة الشئون الاجتماعية على النادي بإشراف المجلس الأعلى للقضاة ، مؤكدا أن إشراف أي جهة على النادي يتنافى مع متطلبات استقلال القضاء.