كشفت مصادر سياسية وقضائية مطلعة أن قرارا سياديا صدر بإغلاق ملف إحالة أربعة من المستشارين نواب رئيس محكمة النقض إلى التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا في التصريحات المنسوبة إليهم حول وقوع تجاوزات وأعمال تزوير في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولفتت المصادر إلى أن التضارب في التصريحات والبيانات ما بين النائب العام ووزير العدل ومجلس القضاء الأعلى يرجع إلى تباين وجهات النظر بين هذه الجهات حول كيفية تنفيذ قرار إغلاق الملف بطريقة تحفظ ماء الوجه، وعدم السماح للقضاة وناديهم بالخروج من تلك المواجهة في صورة المنتصر. وقالت المصادر إن جهات سيادية حذرت القيادة السياسية من أن أي تصعيد جديد مع القضاة لن يكون في صالح النظام، بعدما أبدى القضاة ومنظمات المجتمع المدني تضامنا واسعا مع القضاة المحالين للتحقيق، فضلا عن أن كون القضاة المحالين من نواب رئيس محكمة النقض، أعلى سلطة قضائية في البلاد، له دلالة بالغة الخطورة، حيث إنه من المنتظر أن تنظر محكمة النقض الطعن المقدم من الدكتور أيمن نور في الحكم الصادر من محكمة الجنايات بسجنه لمدة خمس سنوات في قضية التوكيلات المزورة، وأي محاولة حكومية لمعاقبة أى من قضاة المحكمة يعني أنهم غير مستقلين وأنهم خاضعون لسلطة الحكومة. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد طالبت خلال زيارتها الأخيرة للقاهرة بإطلاق سراح نور ووصفت سجنه بأنه "انتكاسة" لمسيرة الإصلاح في مصر، لكن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أكد أن القضية مطروحة أمام القضاء وأن نور تقدم بطعن في الحكم الصادر ضده أمام محكمة النقض، وعلينا أن ننتظر حتى تفصل المحكمة في الطعن. وكان مجلس القضاء الأعلي قد قرر رفع الحصانة عن المستشارين محمد رضا الخضيري ومحمود مكي وهشام البسطويسي للتحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة العليا بتهمة إهانة الهيئة القضائية. ولم تستبعد المصادر أن يكون قرار إغلاق الملف قد جاء بعد أن حذرت دوائر حكومية من خطورة إحالة القضاة إلى نيابة أمن الدولة طوارئ المشكوك في شرعيتها في سابقة ستكون الأولى وهو ما يحمل في طياته احتمال تعرض النظام لضغوط داخلية ودولية للتراجع عن هذه الخطوة، وإجباره على تلبية مطالب القضاة وتمرير مشروع قانون السلطة القضائية الذي قدمه نادي القضاة لوزارة العدل منذ عام 1991. ووصفت المصادر ما حدث بأنه تراجع من الحكومة عن موقفها من القضاة لتهدئة الأوضاع قبل الجمعية العمومية لنادي القضاة يوم 17 مارس القادم، مشيرة إلى أن وزير العدل تعهد لنادي القضاة بإرسال الدعم المالي المخصص لنادي القضاة والمقدر بمبلغ 10 ملايين جنيه إلي النادي في أسرع وقت. ونبهت المصادر إلى إمكانية أن تكون هذه الخطوة قد جاءت في إطار المساعي للوصول إلى حل وسط بين النظام والقضاة بخصوص بعض البنود التي تسببت في تصاعد الموقف بين الطرفين وتهديد القضاة بالدخول في سلسلة من الإجراءات الاعتراضية على مساعي النظام لإخضاع السلطة القضائية لهيمنته بدءا من الاعتصام وصولا إلى الإضراب عن العمل وهو ما ستكون له عواقب وخيمة على النظام والساحة السياسية والقضائية في مصر. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة ستبدأ في المرحلة القادمة في إعادة فتح الخطوط الساخنة مع نادي القضاة وتجديد الوساطة التي كان يقودها المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل السابق والتي وصلت إلى طريق مسدود بعد تمسك كل طرف بموقفه ورفض النظام إطلاع القضاة على التعديلات التي أدخلها على مشروع قانون السلطة القضائية. من جانبه ، نفي المستشار محمود مكي نائب رئيس النقض ، وأحد القضاة المحالين للتحقيق، أن القضاة لم يتم إخطارهم حتى الآن بشكل رسمي بهذه الإجراءات ، مشيرا إلى أنها لو تمت بالفعل فإنها ستكون تصحيح لمسار إجراءات التحقيق مع القضاة أمام نيابة أمن الدولة العليا والتي تشكل كارثة بكل المقاييس لأنها مسألة غير مسبوقة على الإطلاق. ورأى مكي أنه من غير المنطق إحالة القضاة للتحقيق أمام أي جهة تحقيقات لأنه لا توجد وقائع وجرائم موجهة إليهم وأن كل ما فعلوه هو أنهم أبدوا رأيهم في مسيرة العملية الانتخابية وأكدوا أن هناك وقائع تزوير لعدد من نتائج الدوائر الانتخابية ولابد من التحقيق فيها مطالبين بإشراف قضائي كامل على العملية الانتخابية منذ تنقية جداول الناخبين وحتى إعلان النتيجة وأن هذه مطالب جموع القضاة بل جموع الشعب المصري. وشدد مكي على أنه القضاة لن يتنازلوا عن المطالبة باستقلال القضاء وإقرار مشروع قانون استقلال السلطة القضائية الذي أعده النادي منذ عشر سنوات، ولن يتنازلوا عن التحقيق في جرائم التزوير التي تم ارتكابها في الانتخابات التشريعية. أما المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض، وأحد القضاة المحالين للتحقيق، فقد وصف مواقف وزير العدل والنائب العام ومجلس القضاء الأعلى بالمتناقضة والمتخبطة حيث كذب وزير العدل ما صرح به النائب العام ومجلس القضاء الأعلى يكذب النائب العام مشيرا إلى أنه لا يجب أن نتعامل إلا مع قرارات ملموسة وأن الحكومة ساعية بكل جهدها إلى ذبح استقلالية القضاء في المرحلة القادمة والنزول بهذا الاستقلال إلى أدنى حد. وكانت تقارير صحفية قد أشارت أمس إلى أن مجلس القضاء الأعلى سحب طلبا كان قدمه للنائب العام ماهر عبد الواحد للتحقيق في وقائع الإدلاء بتصريحات مع أربعة قضاة من بينهم ثلاثة من نواب رئيس محكمة النقض، مشيرة إلى أن تراجع المجلس، الذي يعين أعضاءه الرئيس حسني مبارك ويرأسه وزير العدل، جاء بعد احتجاجات من القضاة ومنظمات حقوقية داخل وخارج مصر على إحالة القضاة للتحقيق في نيابة أمن الدولة رغم تمتعهم بالحصانة القضائية. وأوضحت التقارير أن المجلس سيكتفي بتحقيق داخلي مع القضاة بشأن التصريحات التي تناولت اتهامات من القضاة بالتلاعب بنتائج الانتخابات. لكن تقارير أخرى، أشارت إلى أن المستشار محمود أبو الليل وزير العدل طلب من النائب العام سحب أوراق قضية المستشارين الأربعة، وإرسال ملف القضية إلي وزير العدل للإطلاع عليها, والتصرف بشأنها، وعما إذا كان الأمر يستدعي ندب مستشار للتحقيق، أو حفظ الأوراق. وتصاعدت حالة التضارب والبلبلة، مع صدور بيان من النائب العام المستشار ماهر عبد الواحد ينفي أن يكون وزير العدل قد طلب سحب ملف القضية، مشددا على أن النيابة العامة جزء من السلطة القضائية وأنها تتمتع بالاستقلالية التامة. وأوضح عبد الواحد أنه هو الذي تقدم بطلب إلى مجلس القضاء الأعلى لرفع الحصانة عن المستشارين للتحقيق معهم في تصريحاتهم حول تزوير الانتخابات، لكن ولكونه عضوا في مجلس القضاء فقد طلب من وزير العدل ندب أحد نواب رئيس محكمة النقض، على أن يكون أقدم من المستشارين الثلاثة، كقاضي تحقيق لسماع أقوالهم في وقائع تزوير الانتخابات التي وردت علي لسانهم بصفتهم مبلغين وليسوا متهمين.