بينهم أبو تريكة.. قبول طعن 121 متهمًا على إدراجهم بقوائم الإرهاب    السفيرة سها جندي تترأس أول اجتماعات اللجنة العليا للهجرة    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    الصور الأولى لأبطال فيلم "تاني تاني" قبل عرضه    رئيس بعثة صندوق النقد تشيد بالإجراءات المصرية في ملف المناخ    رئيس الوزراء: نسعى لتطوير قطاع الصناعة الفترة المقبلة    مسؤولو التطوير المؤسسي بهيئة المجتمعات العمرانية يزورون مدينة العلمين الجديدة    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    أسعار ومواصفات أودي Q3 موديل 2024 بعد إضافة فئة جديدة    البيئة: 550 مليون يورو استثمارات تمت وجارية بمجال التوافق البيئي في الصناعة    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبوسالم    التحقيق مع وزير الزراعة الصيني للاشتباه في ارتكابه انتهاكات للانضباط الحزبي والقانوني    «الحرية المصري»: مصر لن تتخلى عن مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف قد يشكل موجة أولى من خطة روسية أوسع نطاقا    جوارديولا: مويس سيفعل كل ما في وسعه لإفساد تتويج مانشستر سيتي    تحرك عاجل من كاف قبل ساعات من مباراة الأهلي والترجي بسبب «الجزائري».. عاجل    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    الأهلي يحدد موعد عودته إلى القاهرة بعد خوض مباراة الترجي    بعد الخلافات العديدة.. إشبيلية يعلن تجديد عقد نافاس    القوافل التعليمية.. خطوة نحو تخفيف العبء عن الأسر المصرية    في انتظار عيد الأضحى المبارك: التحضير والاستعداد للفرحة القادمة لعام 2024    تعرف على تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي.. في العناية المركزة    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 9 متهمين بارتكاب جرائم سرقات بالقاهرة    ضبط قائد لودر دهس طفلة في المرج    في يومها العالمي، متاحف الإسكندرية تستقبل زوارها بالورود والحلويات (صور)    ثورة غضب عربية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب عادل إمام    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    الرعاية الصحية: نمتلك 11 معهدًا فنيًا للتمريض في محافظات المرحلة الأولى بالتأمين الشامل    بعد إصابة المخرج محمد العدل، احذر من أعراض جلطة القلب وهذه أسبابها    الكشف على 1645 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    «المصل واللقاح»: متحور كورونا الجديد سريع الانتشار ويجب اتباع الإجراءات الاحترازية    حزب الله: استهدفنا تجمعا ‏لجنود الاحتلال في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية    الأحجار نقلت من أسوان للجيزة.. اكتشاف مفاجأة عن طريقة بناء الأهرامات    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    «الري»: بحث تعزيز التعاون بين مصر وبيرو في مجال المياه    طلاب الإعدادية الأزهرية يؤدون امتحاني اللغة العربية والهندسة بالمنيا دون شكاوى    ب5.5 مليار دولار.. وثيقة تكشف تكلفة إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة (تفاصيل)    جوري بكر تتصدر «جوجل» بعد طلاقها: «استحملت اللي مفيش جبل يستحمله».. ما السبب؟    معهد القلب: تقديم الخدمة الطبية ل 232 ألف و341 مواطنا خلال عام 2024    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    موعد مباراة بوروسيا دورتموند أمام دارمشتات في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تخاف إسرائيل من ثورة مصر
نشر في المصريون يوم 08 - 06 - 2011


رعب إسرائيلي غير خفي
لم يَعُد خافيًا حالة الرعب التي أصيب بها الكيان الصهيوني (إسرائيل) بعد ثورة مصر، وقد بدأ هذا الرعب مبكرًا قبل نجاح الثورة، فقد قالت نيويورك في 31/1/2011: "إن الثورة المصرية أشاعت الاضطراب في الجيش والحكومة الإسرائيلية، كما ركزت كبريات الصحف الإسرائيلية على الأحداث في مصر، وكانت تنبؤات معظمها مفزعة، وتطابقت العناوين الرئيسة لاثنين منها: "شرق أوسط جديد"( ).
ثم أبدت وسائل الإعلام الإسرائيلية قلقها من تعيين الدكتور عصام شرف رئيسًا للوزراء بمصر، ففي تقرير لإذاعة الجيش الإسرائيلي بعنوان: "رئيس وزراء معادي لإسرائيل"، قالت الإذاعة: «إن عصام شرف رئيس الحكومة المصرية الجديد يعارض سياسة تطبيع العلاقات".
كما دعت صحيفة يديعوت احرونوت تل أبيب بالتوجه إلى الشعب المصري رأسًا للدعوة إلى السلام، وذلك في تقرير بعنوان: "اعرضوا السلام على 80 مليون مصري"( )!
بينما استقبل الإعلام الإسرائيلي نبأ تعيين السيد نبيل العربي وزيرًا للخارجية في حكومة شرف بحالة من الغضب والقلق الشديدين، وعنونت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية افتتاحيتها ب "وزير خارجية مصر الجديد اتهم إسرائيل بقتل الشعب"، وأكدت الصحيفة أن العربي "يحمل موقفًا معاديًا لإسرائيل وقد لا يبدي تعاونًا كثيرًا مع إسرائيل خلال منصبه الجديد"( ).
ثم تزايد قلقها من قرار مصر السيادي بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين بالكلية( )، وأخيرًا - وليس بآخرٍ - الرعب الذي أصاب حكومتها الحالية بسبب المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس( ) والتي أنهت خلافًا استمر ببركات عصابة مبارك لمدة أربع سنوات.
وقد قامت هذه المصالحة برعاية مصرية كنتيجة مباشرة لما أحدثته الثورة من تصحيح لدور مصر العربي والإقليمي.
وفي هذا البحث نحاول دراسة أسباب هذا القلق أو بالأحرى الفزع الإسرائيلي من ثورة مصر، وذلك من خلال دراسة أثر الثورة المصرية على المزايا الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة.
المزايا الاستراتيجية لإسرائيل:
يرى "جوين دايار" الصحفي الكندي المقيم بلندن - والباحث في تاريخ الشرق الأوسط - في كتابه "الفوضى التي نظموها في الشرق الأوسط بعد العراق"، والذي نُشر سنة 2007م، إن التفوق الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط إنما يعود بالأساس إلى ثلاث مزايا من صنع إسرائيل وحلفائها وميزة رابعة من صنع العرب.
"أولى هذه المزايا احتكارها للأسلحة النووية في المنطقة منذ أربعين سنة، إذ تملك إسرائيل مالا يقل عن عدة مئات من الأسلحة النووية وتشكيلة من وسائل النقل القادرة على بلوغ كل البلدان العربية، إضافة إلى إيران بالطبع، في حين لا تملك أي دولة أخرى في الشرق الأوسط أيًا منها، والثانية هي التفوق العسكري الساحق لقواتها العسكرية التقليدية التي ما تزال قادرة بسهولة على تدمير الجيوش النظامية لكل الدول العربية المجاورة( )، والثالثة هي الدعم المالي والعسكري السخي وغير المشروط تقريبًا الذي تتلقاه من القوى العظمى الوحيدة في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية - وهنالك أمر رابع ليس من صنع إسرائيل، إنه الفقر المدقع والعجز والتفكك التي تعاني منه الدول العربية المجاورة لها"( ).
ناقش دايار هذه المزايا وأثر غزو أمريكا للعراق عليها، وسنحاول من خلال مناقشته أن نوضح أثر ثورة مصر على هذه المزايا مرة أخرى.
القنبلة النووية الإسرائيلية وهمٌ أم حقيقةٌ:
إن امتلاك إسرائيل لعدة مئات من الأسلحة النووية، ووسائط نقل قادرة على تهديد الدول المجاورة لها في المنطقة وعدم امتلاك الدول العربية لأيًا من الأسلحة النووية ميزة إستراتيجية لا تُنكر للعدو الصهيوني، ولكن هل تستطيع هذه الميزة الدوام إلى الأبد، بالطبع لا.
ولكن كيف نجزم بذلك؛ إن الأسباب يمكن أن نلخصها فيما يلي:
كُسر من الناحية التقنية احتكار إسرائيل الإقليمي للأسلحة النووية من قبل باكستان الدولة المسلمة التي تملك أسلحة نووية قادرة على تهديد إسرائيل نفسها.
والحقيقة: أن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة "إسلامية"، قامت بصنعها باكستان بتمويل عربي( )، أي أن الاحتكار التقني لصنع القنبلة النووية قد كُسِر بالفعل، وقد حاول علماء من باكستان تبادل المعلومات التقنية مع غيرهم من علماء الدول العربية.
ومن هنا لابد أن ننبه إلى أن من أكبر ما جنته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من غزو أفغانستان هو تحكمها بالقنبلة النووية الباكستانية أو على أقل التقديرات مراقبتها بعدما أشاعت أمريكا إمكانية أن تقع هذه القنبلة في أيدي التنظيمات الإرهابية( ).
وعلى الرغم من صحة هذا الحدث وضعف مكانة القنبلة النووية الباكستانية كسلاح ردع عند العرب - بعدما تخلوا عنه وتنصلوا من دورهم فيها - ومهما يكن من أمرٍ فستظل القنبلة الباكستانية "قنبلة إسلامية"، ومهما توالت على باكستان حكومات عميلة فستبقى في نهاية الأمر وبتأثير من الدين والتاريخ منحازة إلى الأمة الإسلامية والعربية وخاصة عند تعرض أي من الدول العربية إلى تهديد نووي إسرائيلي.
حقيقة التفوق العسكري الإسرائيلي الساحق:
يرى جوين دايار أن تفوق إسرائيل المطلق على كل جيرانها في الحروب التقليدية يتآكل بسرعة مسبقًا( ).
ويعدد سبب ذلك إلى أن أسلوب الحرب في المنطقة قد تغيّر، وتغيره ليس في صالح الأسلوب الحربي الكلاسيكي لإسرائيل، فجيش الكيان الصهيوني يعتمد بالأساس على شق تشكيلات العدو بسرعته الفائقة، وقوته النارية الهائلة وتفوقه التقني العالي( )، وهذا الأسلوب في القتال لا يمكنه الاستمرار في حرب طويلة، فلا تستطيع إسرائيل إبقاء جنودها المواطنين في جبهة القتال لأشهر أو سنوات لأن الاقتصاد سينهار.
وقد ظهر هذا جليًا في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان( ) عام 2006م. فقد فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها من تلك الحرب وهو إعادة ترسيخ مفهوم الردع العسكري التقليدي لإسرائيل، والذي كان قد تقوض بشكل خطير بعد الانتفاضات الفلسطينية المتتابعة والتي أثرت في هيبة إسرائيل، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي تنفيذ مهمته بعد أسابيع من القصف المستمر بإخراج مقاتلي حزب الله من مواقعهم، كما لم ينجح المشاة الإسرائيليون في تحقيق هذا الهدف عندما خاضوا الحرب ميدانيًا، وكانت النتيجة أن بدا الجيش الإسرائيلي أقل فعالية مما كان يعتقد العرب، وأصبح هناك أمل كبير في الشرق الأوسط المسلم في إمكانية استنزاف الجيش الإسرائيلي بواسطة حروب عصابات ضمن الأراضي المحتلة وعلى امتداد حدوده.
وهنا لابد أن نسجل ثلاث نقاط مهمة:
الأولى: أدت حقيقة أن الجيش الإسرائيلي جيش احتلال إلى أن أصبحت المهمات الرئيسة له هي مهمات وحدات مكافحة العصابات، وهي مهمات لا يقدر عليها الجيش النظامي، لأن الجنود النظاميين لا يحبون حروب العصابات ولا يحسنون القتال فيها، وذلك لأن الخطر يكون مفاجئًا وغير مرئي (وإن كانت درجته أدنى)، إضافة إلى عدم إمكانية تحقيق نصر حاسم، وبالأحرى لا يقدر جيش إسرائيل من الاحتياط على تنفيذ هذه المهام.
والخلاصة أن العمليات الخاصة بقمع التمرد (الانتفاضات) تنتهي غالبًا بإفساد كل الجيوش واستنزاف عزيمتها ومهنيتها، حيث يضعف الانضباط وتتزايد الانهاكات أو يصبح المتميز بين المدنيين الأبرياء ومقاتلي التمرد (الانتفاضة) غاية في الصعوبة أو غير ممكن بتاتًا( ).
الثانية: لابد أن نذكر هنا ما قام به وزير الدفاع المصري السابق المشير محمد حسين طنطاوي (رئيس المجلس العسكري الحاكم الآن) من الوقوف أمام تحول العقيدة القتالية للجيش المصري النظامي من عقيدة حرب على عدو خارجي والمحافظة على أمن الوطن وسلامة أراضيه إلى حرب على الإرهاب أو كما سبق مكافحة العصابات، الأمر الذي أبقى على أقل تقدير القدرة الروحية والمعنوية للجيش على القتال في الميدان وضمن عدم استنزاف قواه كما حدث للجيش الإسرائيلي.
ويظهر هنا لماذا تخاف إسرائيل من ثورة مصر؟ إن تولي قادة الجيش المصري تحقيق أهداف الثورة المصرية أزعج إسرائيل أيما إزعاج، ذلك لأن عقيدة الجيش المصري لم تتغير "لسنا لنا إلا عدو واحد" وهو إسرائيل، وقد صرح بذلك كثير من القادة العسكريين آخرهم المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة - رحمه الله تعالى - (وزير الدفاع المصري السابق)، وأبقى على هذه العقيدة - على الرغم من كل الضغوط التي أحاطت به - المشير محمد حسين طنطاوي.
الثالثة: لابد من الإطلالة على التاريخ لنستشرف به الحاضر والمستقبل، صرح كثير من القياديين المصريين السابقين أن من أهم عوامل وأسباب نصر أكتوبر 1973م، حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر و الأردن ما بين سنتي 67 و73، ما أدى إلى إنهاك جيش العدو وتهيئته لهزيمة في سنة 1973م، وهو ما يؤيد ما توصل إليه جوين دايار فيما سبق من عرضي لرأيه وتحليله لقوة الجيش الأسرائيلي.
وأخيرًا يقول جوين دايار: "بات بعض العرب من غير المتدينين المتعصبين( ) يعتقدون فعلاً بإمكانية إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل، وهكذا أصبحت الميزة الإستراتيجية الثانية لإسرائيل - أي تفوقها القاطع في الحروب التقليدية - سلعة مهددة ومشكوك فيها"( ).
متى تتعارض المصالح الأمريكية والإسرائيلية:
تدعم أمريكا حليفتها الدائمة وربيبتها المدللة إسرائيل دعمًا سخيًا غير مشروط من قِبَل الحكومة والشعب، كما تقوم مجموعات ضغط أمريكية مؤيدة لإسرائيل ومنها لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) بالتأثير على الكونجرس الأمريكي لضمان استمرار هذه العلاقة.
ومن أهم المزايا التي استفادت منها إسرائيل هو حصانتها تجاه معايير حسن السلوك الاعتيادية التي تسري على كل حلفاء أمريكا، فقد زُج عدد كبير من الأمريكيين في السجن لفترات طويلة لتجسسهم لصالح إسرائيل من دون أن يؤثر هذا الأمر على العلاقة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، بل وصل الأمر إلى أن "تخلت الولايات المتحدة في زمن جورج بوش عن سياسة أمريكية عمرها 38 عامًا عندما أسقط بوش الابن الدعم الأمريكي عن قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وهما المتعلقان بمسألة الأراضي الفلسطينية المحتلة".
هذا بينما يرى باحثون كثر أن كثيرًا من الأهداف والمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط كانت يمكن أن تتحقق بسهولة أكبر لو لم تكن الولايات المتحدة وثيقة الصلة إلى هذه الدرجة بإسرائيل.
فمن أجل مصالح إسرائيل في المنطقة قامت إسرائيل بحملة لدفع الولايات المتحدة بكل الوسائل الممكنة لتغزو العراق، حتى أنها فبركت دليلاً مزيفًا على برنامج الأسلحة النووية العراقية( ) في حادثة أوكسيد فلز اليورانيوم في النيجر( ).
لقد بالغت إسرائيل بشكل خطير في استغلال علاقتها مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، مستفيدة من عجز إدارة بوش المزمن عن التمييز بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
ومع كل هذا فالعلاقة الإستراتيجية لا تبدو أنها مرشحة لتدوم إلى الأبد، يقول جوين دايار: "مع ذلك، فالولايات المتحدة تبقى دولة ذات سيادة، والواقعيون في إسرائيل يدركون بأن الحلف الأمريكي ليس منقوشًا على الصخر، واليوم الذي سيطرح فيه هذا الحلف للمساءلة قد لا يكون بعيدًا"( ).
ويبرهن على ذلك بأمور مهمة، فعلى الرغم من أن الشعب الأمريكي، سيدعم التحالف مع إسرائيل حتى لو أدرك بأنه يشكل نقطة ضعف استراتيجية في السياسة الأمريكية، فإنه لا أحد في موقع السلطة في إسرائيل يثق بالنوايا الأمريكية الطيبة بما يكفي لكي يسعى لاكتشاف إذا كان ذلك صحيحًا أم لا؟ بحسب تعبير جوين دايار، ويتجلى هذا الشك الإسرائيلي في كثرة عدد الجواسيس التي تجندهم إسرائيل لحسابها في الولايات المتحدة الأمريكية، وربما يعود إلى الطبيعة اليهودية للشعب الإسرائيلي.
كما تتزايد الرغبة عند الشعب الأمريكي في تقليل الولايات المتحدة صلتها قدر الإمكان بمشاكل الشرق الأوسط الدائمة والمستعصية على الحل، وقد نبه موت كثير من الجنود الأمريكان في العراق وأفغانستان الشعب الأمريكي إلى ضرورة العودة وعدم جدوى هذه الحروب التي تأكد أنها لا تمت إلى الحرب على الإرهاب بصلة، وربما يزداد الأمر سوءً عندما يدرك الأمريكان أن حرب العراق كانت من أجل مصالح إسرائيل لا المصالح الأمريكية.
يقول روبرت نوفاك: "الصحفي الإسرائيلي المحافظ": "أنا مقتنع بأن إسرائيل قدمت مساهمة كبيرة في اتخاذ القرار بشن هذه الحرب، أعرف ذلك قبل بدء الحرب، حيث قال شارون في حديث مغلق مع أعضاء في مجلس الشيوخ بأنهم إذا نجحوا في التخلص من صدام حسين، فإن ذلك سيحل مشاكل إسرائيل الأمنية، كانت إسرائيل الرابح الأكبر في الهجوم الإرهابي في 11 أيلول 2001، فهي منذ ذلك الحين تتمتع بحرية مطلقة في التصرف في الأراضي [المحتلة]" ( ).
ثم ماذا:
يقول جوين دايار: "لكن المزايا الاستراتيجية الثلاث الآنفة الذكر التي تتمتع بها إسرائيل ليست معرضة لخطر داهم حتى الآن، إذ قد تمضي ثلاثون سنة أخرى قبل أن تتمكن أية دولة مسلمة أقرب من باكستان من تطوير أسلحة نووية، وقد يستخلص جيش الدفاع الإسرائيلي العبر من أدائه السيئ الأخير، ويتعلم كيف يتعامل بنجاح مع تحدياته الجديدة، وقد تبقى الولايات المتحدة حليفًا لإسرائيل إلى الأبد، لكن الإسرائيليين في الوقت الحالي (2007) يراهنون بمستقبل بلدهم على أساس الافتراض بأن المزايا الاستراتيجية الثلاث كلها ستبقى كما هي حتى العام 2050م، كما يراهنون على أن كل الدول العربية المجاورة، التي تتفوق على إسرائيل في مجموع عدد السكان بنسبة عشرين إلى واحد، ستبقى ترزح تحت حكومات عاجزة، وستبقى مفتقرة للصناعة الحديثة والعلم والتكنولوجيا، وستبقى ضعيفة من الناحية العسكرية بحيث أنها لن تقدر أبدًا على تحويل تلك الأفضلية العددية الهائلة إلى ميزة إستراتيجية، ليس خلال السنوات العشر القادمة، بل الخمسين القادمة، أو ربما إلى الأبد، أي أنهم يضعون سياستهم على أساس الافتراض بأن الزمن الاستراتيجي الجميل سيدوم إلى وقت غير محدد، وهذه قد تعتبر ممارسة إدارية سيئة من قبل صاحب كشك هامبرجر ناجح"( ).
"لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً في مصر يتصور أن تزول دولة ظلم بهذه السرعة الفائقة، وبسياسة عض الأصابع الذكية، وبضربة الجماهير القاضية في بلد اتهم شعبه على مدى عقود بالسلبية واللامبالاة"( ).
كذلك لم تتوقع إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية نجاح ثورة 25 يناير بل لم يتوقعا قيامها، كما لم يكن يتوقعها الباحثون السياسيون (وجوين دايار) مثال على ذلك، ونجاحها هو قلب لسياسة إسرائيل بالكلية، ولكن تقويض الكيان الصهيوني إنما هو مكفول بما ستقدمه الثورة وشبابها لاستعادة قوة مصر العربية والعالمية، من خلال ما تضمنه من سياسات للحكومات المصرية المقبلة في اتجاه المصلحة المصرية العربية العليا، فعلى الرغم من كون الثورة بنفسها هي مقوض رئيس وسبب كفيل للرعب الإسرائيلي والقلق الأمريكي، فقد ذكر تقرير معهد واشنطن الأمريكي لدراسات الشرق الأدنى: (الثورتان المصرية والتونسية قد أدهشتا "إسرائيل")، وتمثل هذه الثورات والاضطرابات الأخرى التي يشهدها الشرق الأوسط في البحرين وليبيا مصدر قلق للدولة العبرية بسبب انعكاساتها الاستراتيجية المحتملة". وأضاف التقرير: "تعد التطورات في مصر ذات أهمية خاصة نظرًا لدور القاهرة التقليدي في المنطقة، وكذلك الطبيعة الخاصة للعلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية بين القاهرة وتل أبيب"( ).
نعم الثورة خطوة كبيرة إلى الأمام لكن تبقى جهود لابد من بذلها ودراسات مستفيضة من كل أبناء الوطن كي تنجز الثورة ما يتمناه المصريون منها.
ولقد قامت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عن طريق مراكز البحث سواء الأكاديمية أو الخاصة بدراسة الحالة المصرية وتحديد كيفية التعامل مع شرق أوسط جديد( )، والمعادلة الأمريكية والإسرائيلية بسيطة غير مركبة هي الحفاظ على مصالح كل من الدولتين في منطقة هي من أهم مناطق العالم من خلال التاريخ والجغرافيا والثروات.
وما لم نقم نحن مَنْ قام أو أيد الثورة بجهود مماثلة لبحث سبل النهضة بمصر والأمة العربية سنكون كمن قاد السيارة إلى أول الطريق السريع الذي يطلبه ثم وقف معجبًا بكثرة السيارات الفارهة التي تمر بجانبه.
وفي بحث آخر نود أن نشير إلى أهم ما يمكن أن نقوم به في سياستنا الاستراتيجية سواء في ذلك الخارجية أم الداخلية من أجل الحفاظ على الثورة وتعزيز مكاسبها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.