لا أدري حين يحاول المشتغلون بالتاريخ رصد أحداث هذه الفترة الزمنية علي ضوء ما فعل مؤرخون سابقون ممن دونوا مرئياتهم فحظيت بعناية سلفهم من أمثال عبد الرحمن الجبرتي، أو حتى مجرد ذكرياتهم أو مذكراتهم المرتبطة بأحداث تاريخنا المعاصر ومعاييره المزيفة والمتقلبة . هل يستطيع المؤرخ المعاصر وسط زخم المزيفين والمبررين والسفاحين واللصوص المحتمين بقوة السلطة ورأس المال أن يحدد مفهوم الإرهاب مثلا ؟ أو يعارض فيه المفهوم الذي سنته أمريكا سيدة العالم المعاصر ومن خلفها الغرب وإسرائيل ؟ هل يمكن أن نصع مفهوما لإرهاب الدولة وإرهاب الفرد، أو إرهاب مجموعة سياسية فرضت نفسها علي شعوبها ووضعت قوانين تقنن للإرهاب والسلب والنهب وذبح وسجن المخالفين لتحتمي فيه باسم الشرعية ؟ وهل يمكن وصفها بشرعية الإرهاب ؟ وماذا يكتب المؤرخ عن الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسى ورفاق دربهم وعن نضالهم ضد من سلبوهم الأرض والعرض وحق الحياة هل هم الإرهابيون بالمعني الغربي أو قاتلوهم ومغتصبوا أرضهم هم رعاة كل إرهاب ؟ وهل القوانين التي وضعت للمنظمة الدولية والتي تمكن إرهابيي هذا الزمان من تبرير إرهابهم وتزييف حق المهضومين وكبح جماحهم وبسط سيطرة الإرهابيين علي الشعوب الضعيفة لا يعد إرهابا دوليا ؟ وهل كان صدام حسين إرهابيا لمجرد أنه لم يرضخ لإرهاب الغرب وأمريكا ووقف أمام زعيم إرهابيي هذا العصر بوش وكلينتون وشارون ؟ وهل لم يكن الذين سايروا وساعدوا وبرروا هذا الإرهاب من العراقيين والعرب والمسلمين في قتل العراقيين واستغلال ثرواتهم ونهب خيرات بلادهم والاعتداء علي حضارتهم وإهانة معتقداتهم واحتلال بلادهم لا يعدون من الإرهابيين ؟ وبماذا نصف بوش الذي قتل صدام حسين يوم عيد المسلمين وعلي القنوات الفضائية دون أن يعبأ بأحد ؟ وبماذا نصف صدام حسين الذي ظل علي شموخه ولم يهرب أو يفر لآخر لحظة قبل شنقه ؟ من هو الإرهابي الذي يستحق المحاكمة ؟ وبماذا نصف أدعياء العدالة التي لم تجرؤ علي محاسبة مدمر الشعوب بوش أو بلير أو ساركوزي أو نتنياهو أو شارون وأدانت عمر البشير وإسماعيل هنية ووضعتهم علي قائمة الإرهاب، ألا يعد ذلك إرهابا مفضوحا بغطاء القانون ؟ وهل من الإنصاف أن نجد مبررا للإرهاب الغربي بزعامة أمريكا في احتلال أفغانستان مستندين علي حادث 11 سبتمبر الذي يحيط الغموض بفاعله فينتهي شعب وتنتهك أرض وتستباح أعراض لمجرد اعتراض بعض أبنائه علي إرهاب الغرب عبر السنين ونسمي المعارضين الذين لم يتحملوا إرهاب القرون بالإرهابيين وننسي الإرهابيين الحقيقيين ؟ وهل من الإنصاف أن تتوه المعاني وتضيع القيم وسط هذا الإرهاب الفكري وننسي نحن المسلمين رفض الملا محمد عمر زعيم طالبان أفغانستان تسليم صديقه ورفيق جهاده أسامة بن لادن مقابل تركه في الحكم فيتنازل عن الحكم ويقاسم صديقه عيشة الكهوف والجبال للجهاد ضد الإرهاب الأمريكي؟ وهل مازلنا تحت طائلة الإرهاب الفكري نظن أن أسامة بن لادن صنيعة الأمريكيين وليس صنيعة المنهج الإسلامي الذي دعاه لمقاومة السوفييت ثم الأمريكيين ؟ ألا يدعونا موقف هذا الرجل إلي مراجعة الإجابة علي تساؤل لماذا رفض بن لادن حياة القصور المتاحة له وفضل عليها حياة الجحور التي كانت باختياره ؟ ألا يعد ذلك جهادا يستوجب الإعجاب ضد كل ألوان الإرهاب المعاصر الذي تقاسمه الغرب والسوفييت والعرب ؟ ألا يعد بوش قاتل صدام حسين والآلاف من العراقيين والأفغان والباكستانيين وجعل المسلمين ميدانا لتجارب أسلحته علي قمة الإرهاب العالمي ؟ وهل لا يعد باراك أوباما الذي حاول تبرير الإرهاب الأمريكي ثم تسويقه ثم قتله لأسامة بن لادن وإلقاء جسده في البحر والاحتفال بذلك قمة من قمم الإرهاب الدولي والشخصي حتى بميراث والده الحاج حسين أوباما ؟ وهل لا يعد بعد كل هذا الشيخ أسامة بن لادن كما وصفه بعض المنصفين رجلا في زمن عز فيه الرجال ؟ ومجاهد ومناضل وشهيد وشاهد علي عصر سيطر فيه الإرهاب الدولي ؟ إرهاب بوش وكلينتون وبلير وساركوزي وبوتن ونتنياهو وشارون وبيريز وأوباما وكثير من الزعماء المسلمين والعرب التابعين والخائفين والخائنين ؟ ألستم معي في النهاية في أن هذه المعايير المتغيرة والزائفة في مجرد جانب واحد منها تجعل المؤرخ المعاصر في حيرة من أمره إذا أراد أن يدون تاريخ هذه الفترة ؟ * مؤرخ مصري