رئيس الوزراء يتابع تطورات الإصلاح الاقتصادي مع مجلس السياسات المالية والنقدية    الأمم المتحدة: نضع اللمسات الأخيرة على خطط نقل المساعدات لغزة    شي جين بينغ بمناسبة قمة البحرين: العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل فترة في التاريخ    تدريبات قوية لخماسي حراسة مرمى الزمالك استعدادا لمواجهة نهضة بركان المغربي    وزير الشباب يطمئن على لاعب مشروع البطل الأوليمبي بعد إجرائه عملية الصليبي    تفاصيل تصفية هارب من الإعدام و29 قضية مخدرات وسلاح بجبل أسيوط    انتهاء تصوير فيلم «اللعب مع العيال» ل محمد إمام    وزارة الصحة: إرشادات مهمة للحماية من العدوى خلال مناسك الحج    في غياب ميسي إنتر ميامي يتعثر بتعادل سلبي أمام أورلاندو سيتي في الدوري الأمريكي    رئيس جامعة الأقصر: منشآت جميع الكليات جاهزة لاستقبال امتحانات نهاية العام    مد فترة استلام الطلبات لوظائف القطار الكهربائي الخفيف حتى 23- 5- 2024    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    فانتازي يلا كورة.. صلاح ضمن المرشحين لشارة "الكابتن" في جولة الختام    الفئة من 401 إلى 500.. تصنيف تايمز العالمي يضم «جنوب الوادي» لقائمة الجامعات الشابة    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    إسباني محب للإنذارات.. من هو حكم مباراة النصر والهلال في الدوري السعودي؟    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    التموين: وصول 4 طائرات تحمل خمسة آلاف خيمة إلى أهالي قطاع غزة    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 .. رابط ظهورها بالخطوات    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. ماذا قال الجاني عن دوافعه؟ (فيديو)    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    تعرف على مواعيد عرض فيلم "شرق 12" في مهرجان كان السينمائي    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة الطريق من يوسف الصديق
نشر في المصريون يوم 29 - 08 - 2010

تعرضنا في الحلقة الأولي من سلسلة ( خارطة الطريق من يوسف الصديق ) الى العنصر الأول وهو : أهمية التخطيط, ثم في الحلقة الثانية الى العنصر الثاني: صفتان لازمتان للقائد , وفيما يلي العنصر الثالث:
3/ عوائق على الطريق
أولا : طول الطريق ومشقته : أظهرت السورة أن طريق الريادة والتمكين شاق ووعر وطويل – فقد بدت القصة مع يوسف في رحلته من الوطن الى الغربة فالعبودية فالغواية الى السجن وصولا الى التمكين, عبر عدة ابتلاءات واختبارات هامة ومؤثرة, مما يقطع الطريق على المتحججين بحجج دون ذلك, فلم يكن لدى يوسف عليه السلام أية مقومات مادية تعاونه, فهو البعيد عن وطنه, المنقطع عن أهله, الفاقد لحريته.
ولم يستسلم يوسف عليه السلام ولم يركن لفقده هذه المقومات, بل قاوم كل عثرات الطريق بالاستقامة والخلق وبذل الجهد, ليضع منهجا لأي داعية من بعده يتمثل في " صلاح نفسه" و" دعوة غيره" .
ثانيا : الانحرافات الأخلاقية
تمثل الانحرافات الاخلاقية واحدة من أهم العوائق التي تعترض طريق المصلحين , وقد أظهرت سورة يوسف بعض االانحرافات الاخلاقية المجتمعية التي تؤدي الى نتائج وخيمة.
فقد تمثل الانحراف الاخلاقي في حسد إخوة يوسف له, وهو خلق ذميم , وهو أول ما عُصي اللهُ به, حسد ابليس لأدم واستنكاره أن يسجد له.
ويعتبر الحسد الدافع لأول جريمة على وجه الأرض ( حسد قابيل لهابيل) , فعندما تقبل الله من أحدهما , ولم يُتقبل من الأخر قال: لأقتلنك, وقتل قابيل هابيل كأول حالة قتل في التاريخ.
وتمثل الخلل المجتمعي البارز كما ظهر في القصة من غواية امرأة العزيز ليوسف , وفي مجالس الغيبة ( وقال نسوة في المدينة ) , وفي شيوع الانحراف ( كما في سلوك نساء المجتمع صوب يوسف للدرجة التي جعلته يدعو ربه بقوله : أن لم تصرف عني كيدهن (, ونرى ذلك الخلل المجتمعي الكبير في ذلك السكوت أو الغياب المذهل لرجال المجتمع في ضبط نسائهن ).
ثالثا : الظم والاستبداد من أكبر المعوقات
إن موقف ملك مصر كان في غاية الروعة والحكمة,فقد رأينا أن الملك قد تقصى الحقائق في قضية يوسف, وجاءت نتيجة التحقيق غير ملفقة, وقد كان من المتصور وفقا لأعراف السلطة والاستبداد أن تميل التحقيقات لصالح سيدة القصر وزوجة المسئول الكبير,لكن التحقيقات جاءت عادلة وغير مزيفة, ولذلك واجه الملك النسوة بصحيفة الاتهام الحقيقية فقال : (ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ), وهذا يعني اتهامهن بشكل مباشر بتلك المراودة , وكان من عدل الملك أنه لم يكتف بالتحقيقات " على صدقها ونزاهتها" لكنه أستدعى النسوة ليقمن بالرد على الاتهام الموجه لهن,فأقررن بالحقيقة, وحينئذٍ علم ببراءة يوسف, فلم يكتف برفع الظلم عن المظلوم باخراجه من السجن فقط, بل قام بتكريمه وادناه منه وولاه منصبا هاما من أرفع مناصب الدولة.
واحسب أن دولة ترفع الظلم عن مواطنيها لجديرة بأن تتحقق فيها الادارة الجيدة لشؤونها, ولعل فضل الله برفع البلاء عن هذه الدولة وانقاذها من المجاعة, بل ومساهمتها في انقاذ الدول المجاورة لها من المجاعة كان ثمرة لتحقيق العدالة ورفع الظلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى " - 28/63 - في " رسالة في الحسبة " ما نصه :
فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى : " اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً " .
وفي موضع أخر في السورة الكريمة, عندما أراد يوسف أن يأخذ أخاه فقال إخوته : قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ
لم يقل يوسف عليه السلام: معاذ الله أن نأخذ بريئا بجريرة سارق . لأنه كان يعلم أن أخاه ليس بسارق . فعبر أدق تعبير, مؤكدا على نفي الظلم عن نفسه في حكمه .
رابعا : تمهيد الأرض للسير الأمن :
من عوائق الطريق أيضا أن يتم النظر للمستقبل دون تصحيح أخطاء الماضي , ولذلك طلب يوسف انهاء مشكلة الماضي قبل التطلع للمستقبل , وقد تم ذلك بإقرار المخطئين على أنفسهن,وابراء ساحته وتطهير سمعته.
[وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)
خامسا : التشويه
وعلى طريق النهضة والريادة والاصلاح نجد جهد أهل الباطل في تشويه أهل الحق, وتشويه منهججهم , رأيناه في كل عصر ومصر, منذ عهد نوح عليه السلام وهو يقوم باعداد سفينة النجاة فيسخر منه قومه, الى عهد ( وحيد حامد) وهو ينكر عذاب القبر في مسلسل ( العائلة), ويصف الإسلاميين بكل نقيصة في أكثر من عمل, ثم أخيرا في مسلسل " الجماعة", ويبدو أن الحق وأهله لا يمكن أن يكونون بمنأي عن حملات التشويه أبدا, وقد لاحظنا ذلك في سورة يوسف, في وصف أخوته لأبيهم, ‘ذ يصفون نبيا كريما هو يعقوب عليه السلام أنه من الضآلين!!: [ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)] .
وأوضحها الله بجلاء تام في سورة المطففين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ (32)
ووجدنا أمراة العزيز تريد إغواء يوسف فيمتنع, فإذا بها تسارع بالصاق التهمة به, ولم تكتف بذلك بل بادرت باصدار الحكم!!, كما قال الله تعالي: [وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)]
وهذا دأب أهل الباطل , إن لم يجاريهم أهل الحق في باطلهم ألصقوا بهم التهم الباطلة وحكموا عليهم بالأحكام الظالمة, وفي السياق نفسه ووجدنا إخوة يوسف بعد السنوات الطويلة التي مرت على جريمتهم بحق يوسف, إلا أن الكذب لا يزال يجري على السنتهم , و الحقد لا يزال يملأ قلوبهم صوبه, فما إن عرفوا بوجود صواع الملك في متاع أخيهم بادروا : [ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)].
وهنا تتبدى الدقة في أقوال يوسف حينما حاوره إخوته بقولهم: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)
لم يقل يوسف عليه السلام : معاذ الله أن نأخذ إلا من سرق, لأن الحقيقة أن أخاه لم يسرق, فكان دقيقا في قوله: [معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده]..
لذلك أحسب أنه على الدعاة الى الله أن يدركون أنه ما من حق يُصدع به, إلا وباطل يقوم للتصدى له, ولذلك لا يجب أن يحرفهم ذلك عن غاياتهم الكبرى وأهدافهم السامية, دون تجاهل عثرات الطريق ومعوقاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.