لم نكن مخطئين في قراءتنا للتحوُّل الذي طرأ على خطاب أوباما وإدارته حيال ما يسمى العنف أو "الإرهاب الإسلامي"، والذي بدأ مقلِّلًا من شأنه قبل الفوز بالرئاسة وبعده، ثم عاد إلى خطاب بوش الذي جعل منه أولوية خلال إدارتيه الأولى والثانية. وفي حين بدا حديثنا عن التحول الجديد محض قراءة تحليلية للوقائع على الأرض، فقد جاءت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لتؤكدَه على نحوٍ حاسم في تصريحات لشبكة "سي إن إن"، وذلك بقولها: إن "شبكات الإرهاب الإسلامي تشكِّل أكبر تهديد للأمن القومي الأمريكي"، ثم زادت الأمر توضيحًا بقولها: إنه "حتى كوريا الشمالية أو إيران المسلحتان بالأسلحة النووية لا تمثلان تهديدًا للولايات المتحدة مثل التهديد الكبير الذي يمثِّلُه تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المتحالفة معه"، مشيرةً إلى إمكانية امتلاك القاعدة ومنظمات إرهابية أخرى "أسلحة دمار شامل". كان لافتًا أن يأتي الردُّ على كلينتون من نائب مستشار الأمن القومي جون برينان الذي قال: "بصراحة، لقد تعبنا من استغلال السياسيين لقضايا الأمن القومي، مثل الإرهاب، لمجرد أهداف وأغراض سياسية"، معتبرًا أنهم "يجهلون الحقائق ويطلقون اتهامات وادعاءات لا ترتكز إلى أية وقائع"، مضيفًا: "إنها انتهازية سياسية أن يتم استغلال واقعة طائرة ديترويت، بينما لا تزال التحقيقات في بدايتها في عهدة مكتب التحقيقات الفيدرالي"، مما يبدو أنه تشكيك في العملية وقيمتها من زاوية التهديد. من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن تصريحات كلينتون قد جاءت عقب محادثات أجراها الرئيس أوباما مع أركان الإدارة للردّ على اتهامات لإدارته بإهمال قضايا الأمن القومي الأمريكي. هي إذَنْ عودة غير ميمونة لمصطلح "الإرهاب الإسلامي" الذي جاء أوباما بوعد نسخه من الخطاب الأمريكي، وذلك في سياق من المصالحة مع العالم الإسلامي، لكن دوائر اليمين ومعها الدوائر الصهيونية لم تسمحْ له بذلك، والسبب أن أية مصالحة مع العالم الإسلامي لن تتم من دون تحوُّل في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، ولما كان صاحبنا عاجزًا عن إحداث ذلك التحول، فإن الحل هو استعادة خطاب بوش من أجل تبرير حروبِه العبثية، أكان للمسلمين الذين سيقول لهم إنه يحارب "الإرهاب" وليس الإسلام، أم للأمريكيين الذين ينبغي أن يبرِّر لهم استمرار التورط في أفغانستان وباكستان، وتاليًا في اليمن والصومال، فضلًا عن العراق الذي أخذت بعض دوائر اليمين تحذِّر من مغبة إهمالِه، كما فعل هنري كيسنجر في مقاله الأخير في صحيفة "واشنطن بوست"، وهذه المرة في سياق من التحذير من وقوعِه في قبضة إيران، مع العلم أن تركيز اليمين والصهاينة على الخطر الإيراني إنما يتم لحساب الهواجس الصهيونية؛ لأن السلاح النووي الإيراني لن يهدِّدَ بحال الأمن القومي الأمريكي، ولو خرجت واشنطن من أفغانستان ومن العراق لما طاردها "الإرهابُ الإسلامي"، وحتى لو قرَّرَت بعض مجموعاته ذلك، فإن نجاحها يبدو بالغ الصعوبة، بدليل أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر لا تزال يتيمةً، فيما لا تبدو قصة طائرة ديترويت مقنعة بحال. من هنا يمكن القول: إن الصهاينة وليس غيرهم، مدعومين بدوائر اليمين المتصهين، هم الذين سيواصلون رسم السياسات الخارجية الأمريكية، لا سيَّما تلك المتعلقة بالعالم الإسلامي، وكما سعى أولئك إلى استبعاد الإجابة العملية لسؤال "لماذا يكرهوننا؟" طوال حقبتَيْ بوش، فهم لن يسمحوا لأوباما بأن يغيِّر البوصلة مع العالم الإسلامي، هم الذين يدركون أن ذلك لن يتم من دون تغيير سياسات واشنطن حيال القضية الفلسطينية، أو دولتهم الأم بتعبير أدق. المصالح الأمريكية مهدَّدَة من قِبل الإسلاميين الذين يحملون السلاح، وكذلك الممانعين منهم، هذا صحيح، ولكنه تهديد يتعلق بوجود الاحتلال وممارساته في العراق وأفغانستان وباكستان ودعم الاحتلال الصهيوني، ولو خرجوا لما لاحقتهم طالبان والمقاومة العراقية إلى عُقر دارهم، حتى لو فكر آخرون بأعمال لن تشكل تهديدًا حقيقيًّا لإمبراطورية بحجم الولاياتالمتحدة. بقي القول: إن بيع الكلام للمسلمين من قِبل إدارة بوش سيتواصل، ورسالته إلى منتدى أمريكا والعالم الإسلامي في الدوحة وتعيينه مبعوثًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي دليل على ذلك، لكن المسلمين ليسوا مغفَّلِين لكي يتركوا الأفعال وينشغلوا بالأقوال. المصدر: الإسلام اليوم