مَع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض وإحداث العديد من التغيرات في السياسات الأمريكية, ظهرت بعض التساؤلات حول مدى التغير الذي لحق بالتوجه الأمريكي الذي كانت تتبناه الإدراة الأمريكية في عهد إدارتَي الرئيس السابق جورج بوش الابن والهادفة إلى الدفع بمجموعة من الإصلاحات السياسية في العالم العربي، خاصةً فيما يتعلق بتوسيع نطاق الحريات والعملية الديمقراطية, لا سيَّما مع التغير في أولويات الإدارة الحالية وتركيزها الملحوظ على ترميم تحالفاتهم مع الدول الصديقة في المنطقة العربية, ومحاولتها حسم الصراعات المفتوحة مثل الصراع العربي الإسرائيلي, والسعي إلى الخروج التدريجي من العراق وأفغانستان, مع العمل على احتواء إيران وقوى الممانعة في المنطقة, وهكذا فإن قضايا الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في العالم العربي بشكل عام قد أخذت موقعًا متدنيًا في أولويات الإدارة الحالية، خاصةً وأن عمليه الانفتاح الديمقراطي تمخَّضَت في السنوات السابقة عن صعود بعض القوى التي تتعارض مصالحها مع مصالح الإدارة الأمريكية. التراجع عن دعم الديمقراطية أدت الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان والانفتاح السياسي المحدَّد الذي شهدته دول المنطقة ومنها مصر إلى تصاعد نفوذ دول وتيارات تحمل أجندة مناوئة للمصالح الأمريكية في المنطقة مثل إيران وسوريا وحماس وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين, كما ساعدت هذه التطورات على تعميق الصراعات الطائفية والأهلية في العديد من دول المنطقة كما حدث في العراق ولبنان وفلسطين, وقد أدت هذه التطورات إلى تراجع الإدراة الأمريكية عن أجندة الحرية وإلى تبنيها منهجًا أكثر واقعية يقوم على ترميم تحالفاتها مع أصدقائها التقليديين في المنطقة مثل مصر والأردن والسعودية، وذلك من أجل تقويض نفوذ الدول والتيارات الممانعة وخلق حلف مناوئ للمشروع الإيراني في المنطقة. وبنهاية النصف الأول من 2006 وتزامنًا مع الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 تراجع الخطاب الأمريكي المطالب بالإصلاح الديمقراطي وتزايد الخطاب المدافع عن التوجيه المعتدل لدول حليفة مثل مصر والأردن والسعودية, وفي واشنطن تراجع نفوذُ المحافظين الجُدُد الذين روَّجوا لأجندة نشر الديمقراطية وتغيير النظم في المنطقة العربية، وشهدت تلك الفترة استقالةَ دونالد رامسفلد أحد رموز المحافظين الجدد وتعيين روبرت جيتس المحسوب على المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية الأمريكية وزيرًا للدفاع. أولويات أوباما من المعروف أنه تَمَّ انتخاب أوباما في فترة شهدت فيها الولاياتالمتحدة العديد من الأزمات الداخلية والخارجية؛ فعلى المستوى الداخلي تعرَّضت الولاياتالمتحدة لأزمة اقتصادية طاحنة نجمت عن انهيار القطاع العقاري والقطاع المالي، وعلى المستوى الخارجي تراجعت شعبية الولاياتالمتحدة بشكل كبير وارتفعت كلفة بقاء الجيش الأمريكي في كلٍّ من العراق وأفغانستان، خاصة مع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في البلدين وتصاعد نفوذ قوى ممانعة مثل حركة طالبان في أفغانستان والأحزاب الطائفية المقربة من إيران في العراق. وقد تبنَّى أوباما في حملته الانتخابية -وأيضًا بعد انتخابه- منهجًا مختلفًا عن منهج الإدراة السابقة فيما يخص السياسات الداخلية والخارجية, حيث رفع أوباما شعار التغيير كشعار لحملته الانتخابية, ووضع القضايا الداخلية خاصة الأزمة الاقتصادية وإصلاح القطاع المالي وقطاع الصحة في مقدمة أولوياته, وعلى المستوى الخارجي استعاد أوباما تراث الرئيس كلينتون في السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك من خلال الاهتمام بترميم علاقات أمريكا مع حلفائها التقليديين والابتعاد عن النهج الأحادي والاعتماد بشكل أكبر على المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة وحلف الناتو ومجموعة الثمانية ومجموعة العشرين لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية, واستخدام الحوار والدبلوماسية مع دول معادية وأخيرًا من خلال الاهتمام بقضايا التنمية الاقتصادية. وقد عبَّرت وزيرة الخارجية الأمريكية عن أولويات الإدارة الحالية في المرحلة القادمة في شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في 13 يناير 2005 عبر طرح فكرة الدبلوماسية الذكية, والتي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، وهي الدبلوماسية والدفاع والتنمية، وأكدت كليبنتون في شهادتها على أن تحقيق الرخاء والتنمية هو المدخل الأفضل لتحقيق الديمقراطية؛ حيث أشارت كلينتون إلى أن دعوات توسيع الحقوق السياسية المدنيَّة في دول تعاني من الجوع والمرض ستسقط على أذنٍ صمَّاء إذا لم تقدِّم الديمقراطية مزايا مادية تحسِّن من حياة الناس وتقلِّص من الفساد الذي يعرقِل جهودَ التقدم. وفي خطاب آخر أمام مجلس العلاقات الخارجية في يوليو 2009 حدَّدت كلينتون أولويات السياسة الخارجية الأمريكية كما يلي نريد أن نحدَّ من انتشار الأسلحة النووية وأن نمنع استخداماتها ونبني عالمًا خاليًا من تهديداتها.. نريد أن نعزل وأن نهزم الإرهابيين وأن نواجه المتشددين مع التواصل مع المسلمين حول العالم.. نريد أن نشجع وأن نسهل جهود كل الأطراف من أجل السعي إلى تحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط.. نريد تحقيق انتعاش اقتصادي عالمي من خلال تقوية اقتصادنا والدفع بأجندة تنموية طموحة وتوسيع التجارة الحرة والعادلة وتشجيع الاستثمار الذي يخلق وظائف لائقة.. نريد أن نحارب التغير المناخي وأن نعزز أمن الطاقة وأن نضع أسسًا لمستقبل قائم على الطاقة النظيفة.. وأن نشجع وأن ندعم الحكومات الديمقراطية التي تحمي الحريات وتحقق نتائج لشعوبها، كما ننوي أن ندافع عن حقوق الإنسان في كل مكان, وفيما يخص الآليات التي تنوي الإدارة استخدامها لتحقيق تلك الأهداف فيمكن تلخيصها كما يلي: بناء آليات التعاون مع الحلفاء التقليديين, والاحتكام إلى الدبلوماسية أولًا مع الخصوم, وإدماج الأهداف التنموية كهدف أساسي للسياسة الخارجية, والتنسيق بين الجهود العسكرية والمدنية في مناطق الصراع مثل العراق وأفغانستان. أما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط فقد ابتعدت الإدراة الأمريكيةالجديدة عن لغة النقد والترهيب التي اعتمدها بوش وتبنَّت لغةً تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة، وقد تجلى هذا النهج الجديد في خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي من القاهرة في 4 يونيو 2009 وتناول خطاب أوباما قضايا الديمقراطية بشكلٍ مغاير بعض الشيء، حيث قلل الخطابُ من أهمية البعد الانتخابي لصالح قضايا أخرى مثل الحريات الدينية وحقوق المرأة, وقد عبَّر أوباما في خطابه عن قناعة سادت في واشنطن بأن الدفع في اتجاه عقد انتخابات حرة ونزيهة في غياب شروط اقتصادية واجتماعية معيَّنة قد يؤدي إلى صعود قوى غير ديمقراطية حين قال: سنرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم, هذه النقطة لها أهميتها لأن البعض لا يُنادون بالديمقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة, ولا يرحموا الغير في ممارستهم القمعية لحقوق الآخرين عند وصولهم للسلطة. وفيما يخص السياسات الفعلية في مجال برامج دعم الإصلاح والديمقراطية فقد تجلَّت في كلمة هيلاري كلينتون في منتدى المستقبل في مراكش نوفمبر 2009، حيث كشف الخطاب وجود اتجاه للابتعاد في المرحلة القادمة عن ثلاثة مجالات والمشاركة السياسية مع التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية كوسيلة لخلق قاعدة اقتصادية واجتماعية تساعد على تحقيق التنمية والديمقراطية وهي: خلق فرص اقتصادية جديدة وتوفير فرص عمل, ودعم العلوم والتكنولوجيا وأخيرًا التعليم. وقد قامت الإدراة الأمريكية في ميزانية 2010 بالتقديم بطلب 250 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر تخصّص لتحسين الرعاية الصحية والتعليم والتحوُّل إلى القطاع الخاص ورفع نِسب المشاركة من خلال دعم حقوق الإنسان والتعليم المدني والقضاء. وقد انعكس المنهج الأمريكي الجديد تجاهَ قضية الديمقراطية بالإيجاب على العلاقات المصرية الأمريكية؛ حيث حرصت الإدراة الأمريكيةالجديدة على ترميم العلاقات مع مصر من خلال اختيار القاهرة كمكان لإلقاء خطبة أوباما إلى العالم الإسلامي، وأيضًا ومن خلال الابتعاد عن توجيه الانتقادات العلنية إلى الحكومة المصرية، والاعتراف بأهمية الدور المصري في المنطقة، وأيضًا من خلال الحرص على إعادة تأسيس الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي، والذي بدأ تحت إدارة كلينتون وانقطع خلال إدارة بوش. الاستحقاقات القادمة تعرَّض موقف إدارة أوباما تجاه مسألة دعم التحول الديمقراطي في مصر والدول العربية لنقدٍ من العديد من المؤسسات البحثية وبعض دوائر صنع القرار الأمريكية؛ حيث أكد الكثير من المراقبين للشأن المصري أهمية التأكيد على قضايا الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في مصر، وخاصة أن مصر مقبلةٌ على عدد من الاستحقاقات الانتخابية المهمَّة في المرحلة القادمة، وقد اكتسبت قضية مستقبل الرئاسة في مصر أهمية خاصة لدى العديد من المهتمِّين, حين نادى هؤلاء الإدارة الأمريكية بفتح حوار مع القيادة المصرية للتعرف على اتجاهاتها في هذا الشأن. كما نادى العديد من المراقبين بتبني منهج المشروطية الإيجابية من خلال ربط بعض المزايا الاقتصادية مثل اتفاقية التجارة الحرة أو تخصيص وقفة لدعم التنمية في مصر باتخاذ إصلاحات سياسية محددة، كما أكدوا على أهمية الربط بين الملفات المختلفة، وذلك من خلال التأسيس لحوار استراتيجي بين البلدين يتناول أيضًا قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي، فهل تؤدي هذه الانتقادات إلى تبني إدارة أوباما لموقف أكثر تدخلية في المرحلة القادمة وخاصة أن مصر مقبلة على الانتخابات البرلمانية في عام 2010 ثم الانتخابات الرئاسية في 2011. إن المؤشرات الحالية تشير إلى أن إدراة أوباما لن تلعب دورًا مؤثرًا في الاستحقاقات القادمة؛ حيث إن الأمور تسير في إطار من الاستقرار, ويبدو أن الإدراة الأمريكية تفضِّل الابتعاد عن محاولة التأثير على الأوضاع الداخلية؛ طالما أن الأمور تجري في إطار آمنٍ ومستقرّ, مع الاتجاه إلى الاستمرار في دعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، والتي قد تساعد على إحداث تحوُّل نحو الديمقراطية في مرحلة قادمة. المصدر: الإسلام اليوم