تنوعت المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في وصف العلاقات الأمريكية المصرية ما بين "علاقات استراتيجية" و"علاقات شراكة" و"علاقات صداقة". فقد كان الرئيس المصري "حسني مبارك" ضيفًا دائمًا في واشنطن خلال فترة إدارة كل من ريجان وبوش الأب وبيل كلينتون، حيث كان الرئيس يزور واشنطن مرة كل عام وإن لم تكن مرتين في العام. إلا أن تلك العلاقات قد شهدت خلال فترة الرئيس بوش الابن عديدًا من التوترات والانقسامات بشأن عديدٍ من القضايا ليتوقف الرئيس المصري عن زيارة العاصمة الأمريكية منذ عام 2004، وهو ما جعل البعض يذهب إلي أن تلك العلاقات لا ترقي إلي مثيلتها الأمريكية مع عديدٍ من دول الشرق الأوسط وعلي رأسها إسرائيل والأردن والسعودية. ومع نهاية الثماني سنوات فترتي حكم الرئيس جورج دبليو بوش حدث انفتاح في العلاقات المصرية الأمريكية مع قدوم إدارة أمريكية جديدة بقيادة الرئيس "باراك أوباما" إلي البيت الأبيض في العشرين من يناير الماضي. تحول من التوتر إلي الشراكة شهدت العلاقات الأمريكية المصرية مرحلة من التوتر والشد والجذب غير المعهود في العلاقات بين البلدين خلال فترتي الرئيس بوش الابن، وقد بدأ هذا التوتر منذ السنوات الأولي لبوش في البيت الأبيض ووقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وتبني الإدارة أجندة نشر الديمقراطية. وقد بدأت الخلافات بين مصر وواشنطن مع توجيه تهمة تشويه سمعة مصر إلي الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والمصرية وسجنه، وتكرار توجيه تلك التهمة له في أغسطس من العام الماضي، والدكتور سعد الدين من الداعمين والداعين إلي نشر الديمقراطية. وزادت حدة التوترات مع ربط جزء من المعونة الأمريكية لمصر بالإفراج عنه. وأخذت العلاقات تتدهور مع سجن مرشح الرئاسة وأحد منتقدي الرئيس الدكتور أيمن نور. وبعد إلقاء القبض عليه، أجلت وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الحين كوندوليزا رايس زيارة كان من المقرر أن تقوم بها إلي مصر. وعندما زارت القاهرة في يونيو 2005، ألقت خطابًا سياسيا حول الديمقراطية. وتصاعد هذا التوتر مع موافقة الكونجرس الأمريكي، في ديسمبر 2007، علي مشروع قانون لتجميد 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر؛ إلي أن تستجيب مصر لثلاثة طلبات أساسية هي: أولاً: إغلاق الأنفاق علي الحدود المصرية الإسرائيلية والتي يتم من خلالها تهريب الأسلحة إلي غزة وإسرائيل. ثانيا: إعادة تأهيل وتدريب الشرطة المصرية للتعامل مع مسائل حقوق الإنسان. ثالثًا: الفصل بين ميزانية وزارة العدل والقضاء المصري. ومع تولي إدارة جديدة زمام الأمور في واشنطن أضحت واشنطنوالقاهرة علي وشك التقارب. بدأها الطرف المصري بالإفراج عن أيمن نور وإسقاط التهم ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم. ويأتي تحسن العلاقات بين البلدين في الوقت الذي تسعي فيه واشنطن إلي التنسيق مع حلفائها العرب حول مواجهة إيران النووية وطموحاتها الإقليمية. مؤشرات التحول في العلاقات تربط عديدٌ من التحليلات المصرية بين كثيرٍ من الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية مؤخرًا برغبة مصرية في فتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكيةالجديدة، وطي صفحة الخلافات مع إدارة الرئيس بوش. مستندة في ذلك إلي افتتاحية "واشنطن بوست" القريبة من البيت الأبيض يوم الاثنين السادس عشر من فبراير، التي طالبت إدارة أوباما بالسعي للإفراج عن أيمن نور وإسقاط التهم ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم، واعتبار ذلك خطوة تسبق استقبال الرئيس المصري "حسني مبارك" في البيت الأبيض. فقد جاء فيها "أنه (الرئيس المصري حسني مبارك) سيكون موضع ترحيب في البيت الأبيض فور إسقاط التهم الموجهة إلي سعد الدين إبراهيم، والإفراج عن مرشح الرئاسة السابق أيمن نور. هذه هي الخطوات البسيطة والصغيرة التي ينبغي علي مبارك أن يتبعها إذا ما أراد أن يحظي بمقابلة الرئيس الجديد" . تعززت حجج هذا التيار بالإفراج عن المعارض المصري، والرئيس السابق لحزب الغد الليبرالي الدكتور أيمن نور بعد يومين من نشر الافتتاحية وزيارة وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط" لواشنطن وهي أول زيارة لمسئول عربي لواشنطن منذ دخول أوباما المكتب البيضاوي في العشرين من يناير الماضي ، ناهيك عن إسقاط التهم عن الناشط الحقوقي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم، والإفراج عن عدد من السجناء السياسيين. تلك المؤشرات تُمهد لرغبة مصرية قوية في الانفتاح علي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفتح صفحة جديدة والإعداد لزيارة الرئيس المصري "مبارك" إلي البيت الأبيض بعد توقف دام لما يقرب من خمس سنوات. وعلي الجانب الأمريكي هناك أيضًا عديد من المؤشرات التي تُشير لمرحلة جديدة من العلاقات الأمريكية العربية ومنها المصرية. تتمثل أولاها في تغير القيادة الأمريكية، ووصول رئيس أمريكي جديد "باراك أوباما"، معلنًا عن تدشين سياسة خارجية أمريكية جديدة تقوم علي التعاون المشترك بين حلفاء واشنطن في المنطقة بعيدًا عن العمل الأحادي الجانب، سياسة جديدة قائمة علي المصالح المشتركة، ومعلنًا عن عهد جديد من السياسة الأمريكية مع دول المنطقة وقضاياها. وهو ما تجلي في الاتصال التليفوني في أولي أيام أوباما في المكتب البيضاوي بالرئيس المصري "مبارك" وعديد من قيادات المنطقة لمناقشة قضاياها. واختيار الرئيس الأمريكي القاهرة لإلقاء خطابه المهم والمنتظر إلي العالم الإسلامي من جامعة القاهرة في الرابع من يونيو الماضي والتي سبقتها زيارة وزيرة الخارجية لمصر في مارس الماضي وعدد من مسئولي الإدارة الأمريكيةالجديدة. وبموازاة سياسة أمريكية جديدة في المنطقة ابتعد أوباما في خطابه التنصيبي وإبان حملته الانتخابية عن تناول القضايا التي كانت وراء تدهور العلاقات الأمريكية العربية ومنها المصرية إبان فترتي الرئيس بوش الابن. فلم يتحدث أوباما عن تراجع الديمقراطية وحقوق الإنسان قيمًا وممارسة ولا عن حرب علي الإرهاب، ولكنه أشار إلي أيدٍ أمريكية ممدودة لكافة القوي والدول الصديقة والتي صنفتها الإدارة السابقة بالعدو؛ إذا رغبت في التعاون مع أمريكا وتغيير سياساتها. وفي ميزانيته للعام المالي 2010 يقل الدعم الأمريكي المقدم لتدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر علي عكس إدارة الرئيس بوش الابن التي كانت تركز علي تلك القضيتين كركيزتين للعلاقات الأمريكية المصرية. وتلك المؤشرات تشير إلي التغيير في مسار العلاقات الأمريكية المصرية. ومنذ أن وصل أوباما إلي البيت البيض في العشرين من يناير الماضي، التقي الرئيسان المصري والأمريكي مرتين الأولي في القاهرة عندما استقبل الرئيس مبارك الرئيس الأمريكي بقصر القبة بالقاهرة خلال زيارة أوباما لمصر في الرابع من يونيو الماضي، أما اللقاء الثاني الذي جمع بين الرئيسين مبارك وأوباما فكان في يوليو الماضي في مدينة (لاكويلا) الإيطالية علي هامش قمة مجموعة الثماني. وسيعد اللقاء القادم في البيت البيض ثالث لقاء لهما. القضايا محور العلاقات تُظهر المؤشرات الأولية إلي أن التركيز خلال الزيارة المصرية للعاصمة الأمريكية سيكون أكثر علي الملفات الإقليمية مع إهمال عديد من الملفات المحلية الأخري كدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان عكس الإدارة السابقة التي تصدرتها قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعلي عكس ما يذهب إليه كثيرون فإن قضية الخلافة في مصر لن تكون محورًا في المناقشات الأمريكية المصرية، نظرًا لأن ما يهم الإدارة الأمريكية هو الحفاظ علي مصالحها مع النظام المصري. ويأتي تقدم القضايا الإقليمية علي ما عداها من قضايا محلية في ظل ازدحام الأجندة الإدارة الأمريكية وانخراطها في عديد من الملفات الإقليمية بداية من الصراع العربي الإسرائيلي والوضع الفلسطيني داخليا وصولاً إلي الملفين العراقي والإيراني.