ترامب يتهم بايدن بقيادة "إدارة من الجستابو"    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    محمد صلاح: هزيمة الزمالك أمام سموحة لن تؤثر على مباراة نهضة بركان    حالة الطقس اليوم.. تحذيرات من نزول البحر فى شم النسيم وسقوط أمطار    بسعر مش حتصدقه وإمكانيات هتبهرك.. تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo    نجل هبة مجدي ومحمد محسن يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    موعد مباراة الأهلي ضد الهلال اليوم الإثنين 6-5-2024 في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العائد المنتصر.. خبايا وأسرار رحلة مبارك

من العاصمة الأمريكية
مال علىّ صديق يعيش فى الولايات المتحدة، كان زميلى فى كلية الإعلام، مبديا دهشته .. ومحاولا استنتاج دلالة سياسية من عملية رصف لأحد شوارع واشنطن الملاصقة للبيت الأبيض .. قال لى : فى الولايات المتحدة مثل هذه العمليات لاتستغرق ثلاثة أيام .. بل ساعات ..
وأعتقد أن هذا الأمر مقصود .. لكى يتم منع المظاهرة التى نظمها بعض أقباط المهجر من أن تقترب من البيت الأبيض، حيث تجرى وقائع قمة الرئيس مبارك مع الرئيس أوباما (!!) كدت أصدقه .. غير أننى اختبرت الملاحظة ووجدت من شرح لى الأمر ..
فقال : البيت الأبيض مؤسسة فيدرالية .. تنتهى مسئوليتها عند حدود سورها .. ليس لمن فى داخلها ولو كان أوباما نفسه علاقة بما يجرى فى الشوارع من حوله .. هذا الرصف هو مسئولية بلدية واشنطن .. وبالتالى لا توجد أى مجاملة فيما رأيته ..مجرد صدفة. عموما، الأمر لم يكن يحتاج إلى أى مجاملة .. عدد من الأفراد وقفوا يرفعون بعض اللافتات معبرين عن احتجاج يعتقدون به ضد سياسات الدولة المصرية .. وإلى جانبهم كان هناك فصيلان آخران .. الأول مصرى .. مناقض .. مجموعة من مؤيدى الرئيس رأوا أن عليهم إحداث هذا التوازن فى الصورة العامة لتباين المواقف وتنوع المجتمع المصرى فى الداخل والخارج .. ورفضوا أن يحتكر الآخرون صوت الرأى العام المصرى المهاجر فى الولايات المتحدة
حتى لو تجاهلت بعض القنوات العربية الإشارة إلى وجودهم وركزت على المعارضين دونهم.
الفصيل الثانى لمجموعة من الآسيويين .. كانوا يحملون مكبرات صوت ويهتفون بصراخ عالٍ من أجل قضية لا أفهمها .. ليس لها علاقة فى الإجمال بشئون مصر .. سمعنا صوتهم بينما كنا ننتظر فى المركز الصحفى للبيت الأبيض، حيث سيتم استدعاؤنا بعد دقائق لحضور المؤتمر الصحفى للرئيسين مبارك وأوباما .
تلك هى طبيعة واشنطن .. حرية التعبير تتيح هذا .. وهناك ما يشبه ذلك فى مصر .. محتجون يمكن أن يرفعوا صورا ويعارضون مايشاءون .. غير أن الفارق البسيط هو أن أحدا لا يمكنه أن يفعل ذلك فى واشنطن من دون أن يحصل على تصريح رسمى مسبق.. فى حين أن من يحتج فى مصر يفعل ذلك تحت إطار من الفوضى .. ولايفكر فى أن يذهب للمحافظة لكى تسمح له بالتجمع فى مكان ما يقول فيه أى شىء .
نوبى فى الحديقة
فى الطريق إلى البيت الأبيض .. يوم الثلاثاء الماضى .. وفى الحديقة المقابلة .. صادفت شابا أسمر يجلس وحيدا .. يرفع لافتة مكتوبا عليها بالعربية: »راجعين تانى يانوبة« .. اقتربت منه .. فوجدته هو نفسه الشاب المصرى الذى تعرفنا إليه فى فندق أقمنا فيه .. يعمل هناك .. اسمه شريف .. ودود للغاية.. ومخلص لعمله .. وعرض خدماته على جميع رؤساء التحرير .. كما لاشك يفعل مع كل نزيل فى الفندق .. هذه مهمته .. قال لى: أنا أحب الرئيس .. لكننا نريد أن نعود.. قلت له: البلد بلدكم ولو تابعت ما يجرى فى مصر لعرفت أن مشكلة مهجرى النوبة تجد حلا .. وينفذ بالفعل .
أخرج من حقيبة بلاستيك معه كتابا اسمه (الصحوة النوبية) .. ذكرنى عنوانه بمصطلح راج كثيرا اسمه (الصحوة الإسلامية).. شكرته وأجلت قراءة الكتاب إلى ما بعد .. وبعد ساعات قابلته فى الفندق .. ولم يناقشنى فى أى أمر كنا نتكلم فيه .. فقد كان يعمل ولا يمكن أن يخلط شئون العمل بمسائل حرية التعبير ومواقفه السياسية .. وفيما بعد ذلك وجدته أرسل بيانا إلى كل غرف رؤساء التحرير فى الفندق ..
موقعا من رئيس الجمعية النوبية الخيرية فى واشنطن (إبراهيم جلال بشير) .. تعرب فيه الجمعية عن ترحيبها بزيارة الرئيس .. وتنكر أنها شاركت فى التظاهر على باب البيت الأبيض ضد مصر .. أو رئيسها.
وهاتفنى شريف من جديد .. من خارج الفندق على غرفتى .. أى بعد أن انتهت نوبة عمله .. وقال إنه سمع بقصة البرقية التى أرسلها الرئيس إلى رئيس الجمعية بعد أن بادر بإرسال باقة ورد إلى الرئيس (أى رئيس الجمعية) .. أضاف: ألم أقل لك نحن نحب الرئيس ؟! قلت له: ولماذا أصدرتم البيان ..
هل طلب أحد منكم ذلك ؟
فقال : لم يطلب منا أحد .. بل كنا نريد أن نوضح أن الذين شاركوا سعدالدين إبراهيم فى مظاهرته هم من نوبة السودان .. هؤلاء لاعلاقة لنا بهم .. ولايشغلنا موضوعهم.
بتعريف السياسة يعتبر شريف [الموظف النوبى المصرى فى (كونسيرج فندق سانت ريجيس)] ناشطا سياسيا .. وكان يمكنه أن يدعو أى محرر فى أى صحيفة على فنجان شاى فى أى مقهى .. لكى يشرح له أبعاد الموضوع النوبى من وجهة نظره .. ولكنه لم يفعل .. وقد تكون مشكلته ومشكلة عدد من النوبيين فى الخارج أنهم لايدرون ما الذى يجرى داخل مصر على وجه اليقين .. وأن هناك من يحاول أن يتصيد بينهم ليحولهم إلى مشكلة .. بينما يتم بناء القرى التى تقرر أن يسكن فيها المهجرون النوبيون بسبب عمليات بناء السد العالى .
اجتماع مهم
لم يجلس شريف إلى الرئيس مبارك .. لكن نحو 52 مصريا بينهم من تكبد مشقة ترك عمله وذهب إلى واشنطن .. أمام فندق يقيم فيه الرئيس وأمام البيت الأبيض .. لكى يعلن تأييده له .. وبينهم شخصيات مصرية بارزة ..ومنهم الأنبا يؤانس سكرتير البابا شنودة .. والدكتور مصطفى السيد العالم المصرى الكبير.. والدكتور ماجد رياض المتحدث باسم قداسة البابا شنودة فى نيويورك .. وشخصيات نوبية وقبطية ومسلمة متنوعة .. حيث اقتطع الرئيس من وقته شطر ساعة لكى يتواصل معهم ويسمع منهم .. قبل نحو ساعتين من لقائه بالرئيس الأمريكى أوباما .
المؤكد أن تغييرا قد جرى .. فيما مضى كان الوفد المصرى حين يزور واشنطن ويجد مثل تلك المشاعر المحيطة بالرئيس ..والمحتفية به .. كان يرد عليها بعبارات ود .. وشكر مناسبين .. الآن الود ارتقى مستوى أكبر .. والتقى الرئيس بعدد من المصريين لكى يرد لهم وقفتهم .. مجاملة لطيفة وذات دلالة .. حتى لو كانت قد اقتطعت من وقت الرئيس .. واجتزأت من تفرغه لقضايا عريضة .. والمنطق يقول إنه إذا كان الرئيس قد وجد وقتا لكى يجلس إلى الأمريكيين وممثلى المنظمات اليهودية .. فإنه وجد وقتا ليجلس إلى مواطنيه بدورهم .. وهم أولى من غيرهم.
لكن القنوات المنشغلة عربيا بمايعتبرونه اعتراضات ومعارضات ضد الرئيس لم تلتفت إلى ذلك الاجتماع على الإطلاق .. ولم تشر إلى الخبر ..بل إن من المدهش أننى تلقيت اتصالا من إحدى الإذاعات الدولية المهمة يعبر عن تربص وتصيد إخبارى لافت .. قال لى فيه المحرر من لندن:
نريد أن تعلق على إلغاء لقاء كان قد تم ترتيبه بين الرئيس مبارك وعدد من المصريين فى واشنطن ؟
قلت له: ليست لدىّ فكرة عن إلغاء من هذا النوع .. ما هو مصدر الخبر .. من صرح به
.. ففاجأنى بما أزعجنى مهنيا : ليس مهما من هو مصدر الخبر .. المهم أن نذيع الخبر .. وأنت تنفيه !!
ولولا أنه شخص أعرفه لكنت عاملته بطريقة فيها قدر من الفظاظة المناسبة لموقف مريب. فيما بعد لم تذع نفس الإذاعة خبر لقاء الرئيس مع المصريين الذى ظنت أنه تم إلغاؤه .. وفيما بعد كنت فى كواليس إحدى القنوات الفضائية أناقش مذيعا عربيا أعرفه منذ فترة فى موضوع الحلقة التى سأكون ضيفا فيها.. حول العلاقات المصرية - الأمريكية .. وقلت له إن الموضوعات التى يريد أن يركز عليها فى الحلقة ليست محورا للنقاش الحقيقى فى قمة الرئيسين .. لن يناقشا فى هذه القمة الشأن المصرى .. بل الشأن الإقليمى العام .. فقال لى بأريحية تتيحها الصداقة بيننا: يا أخى لو خرجت للمشاهدين بحلقة عن الملفات الإقليمية لن يتابعها أحد .. الإثارة والجاذبية فى أن نناقش موضوعات تخص الإصلاح فى مصر .. ومسألة الخلافة .. ومستقبل البلد !!
مقالات انتقادية
وقد كان هذا متوقعا من منابر الإعلام المختلفة .. فى واشنطن التى تغيرت .. واختلفت تماما عن واقعها السابق طيلة السنوات السبع الماضية .. وبالتحديد منذ سبتمبر 1002 .. وكان من الطبيعى أن تتكثف بين يومى 71 و81 أغسطس - أى بعد نهاية عطلة الأسبوع - مجموعة من المقالات الانتقادية السلبية ضد مصر .. وتستبق قمة الرئيسين .. وتعبر عن يأس حقيقى - التعبير دقيق ومن دون أى مبالغة - لاتجاهات ولا أقول تيارات .. أفراد غالبا .. لأنهم يرون أن الإدارة الأمريكية قد غيرت نظرتها بالكامل لمصر .. وتحولت من النقيض إلى النقيض.
لقد قلت فى تقاريرى اليومية من واشنطن، والمنشورة على مدى الأسبوع الماضى تغطية لزيارة الرئيس فى جريدة روزاليوسف، إنه حتى مع وجود تلك التقارير فإنها لاتمثل سوى القدر الأقل مما هو متوقع بعد غيبة خمس سنوات .. انقطع فيها الرئيس مبارك عن زيارة واشنطن .. مسجلا موقفا له دلالة أكيدة ضد سلوك ونهج إدارة الرئيس بوش.
لكن التقارير الصحفية التالية للقمة كانت (تقريبا) مناقضة للتى سبقتها .. من حيث الحجم ومن حيث المضمون .. فهى كما رصدها مدير المكتب الإعلامى المصرى فى واشنطن (كريم حجاج) تبلغ تقريبا 21 ألف كلمة بخلاف التغطيات التليفزيونية والإذاعية .. فى مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية .. وكلها تركز على عملية السلام ودور مصر فيها ..والكثير منها يحمل عناوين من نوع (عودة مبارك) .
وقد سألت أحد المصادر: كيف يمكن أن يحدث هذا التحول بين يوم وليلة ؟
كيف يمكن أن تتغير اهتمامات الصحافة الأمريكية إلى هذه الدرجة ؟
.. ففسر: الصحف التى كانت تكتب قبل القمة كانت تريد أن تمارس ضغطا على الرئيس أوباما لكى تدفعه نحو طرح ماتقول به على الرئيس مبارك بخصوص الإصلاح فى مصر .. والأوضاع السياسية ..أما وأن القمة قد انتهت فقد انتهى مبرر الضغط .. وعليهم التعامل مع النتائج .. التى فرضتها .
وهذا تحليل دقيق، من الناحية البرجماتية، لكنى أضيف إليه أمرا آخر مهما .. وهو أن الإدارة المصرية المتكاملة للزيارة من الناحيتين السياسية والإعلامية كانت مختلفة ولديها رؤية أكثر انفتاحا.. ومن ثم فإن الرئيس لم يجد غضاضة فى أن يفتح هو بنفسه هذه الموضوعات .. وأن ينقل إلى الإعلام الأمريكى المتسائل وجهة نظره ..
وقد كان مهما جدا أن الرئيس هو الذى بادر فى المؤتمر الصحفى مع باراك أوباما لكى يقول: تكلمنا عن الإصلاح فى مصر؟
.. وقبلها تكلم الرئيس فى الأمر فى اجتماع مع عدد من الشخصيات الأمريكية الصديقة لمصر .. وقبل المرتين تكلم فى الأمر مع تشارلى روز المذيع الأمريكى المشهور .. فى برنامج انشغلت به الدوائر المختلفة .. فضلا عن حوار نشره الزميل أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام .
ما هى عناصر الرسالة التى قال بها الرئيس فى هذا الملف ؟
1- لا يوجد ما يمكن أن تخجل منه مصر .. بل إن من حقها أن تفخر بما أنجزت .
2- الإصلاح عملية متكاملة .. لايقتصر على مسار دون آخر .. وكما يشمل الملف السياسى فإنه يشمل الملف الاجتماعى والملف الاقتصادى.
3- مصر دولة كبيرة .. وليست جزيرة صغيرة .. ولا يجب التعامل معها على أنها من جمهوريات الموز اللاتينية .. وبالتالى حين يدور معها كلام فى مسائلها فإن هذا يجب أن يكون وفق قواعد محددة .. وليس إملاءات .
4- النقاش الذى دار مع الرئيس أوباما - وفق ما أعتقد فى اللقاء الثنائى المنفرد وليس فى غيره - دار حسب تعبير الرئيس الذى كرره مرتين أو ثلاثا.. فى جو من الصداقة والود .
5- استقرار مصر يقوم على المؤسسات وقواعد الدستور واختيارات الشعب .. والإقليم الذى نناقش مستقبله يقوم فى الأساس على استقرار مصر .. وإذا ما تعرض هذا الاستقرار إلى ما يهزه فإن الإقليم بدوره يتصدع.
6- مصر لها إيقاعها وأجندتها وثقافتها.
7- أى حديث فى الشأن المصرى بالطريقة العلنية الانتقادية التى كان يتكلم بها بوش سوف
يعيد المواقف فى العلاقة بين البلدين إلى المربع الذى كان عليه .. هناك حوار بين أصدقاء .. والمشرع المصرى له القرار.
8- الرئيس يقوم بتنفيذ برنامجه الانتخابى وفق مدة رئاسته الدستورية .. وقد بقى له فيها سنتان .. كما قال بوضوح فى تصريحاته فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس أوباما .. وكما قال للأهرام فى حوار أدلى به من واشنطن فإنه لاينوى حل مجلس الشعب.. تماما كما قال لتشارلى روز المذيع الأمريكى فى حوار لفت أنظار الجمهور الأمريكى والمصرى على حد سواء.
ومن المثير أن مراسلا فى وكالة أسوشيتدبرس قد فهم الترجمة (فى المؤتمر الصحفى) حول مسألة السنتين بطريقه خاطئة .. إلى درجة دعته لبث تقارير يقول فيها إن الرئيس مبارك قد أعلن أنه سوف يترشح مرة جديدة للرئاسة فى 1102 وهو ما لم نسمعه منه على الإطلاق .. وسارع المكتب الإعلامى المصرى بتصويب الوكالة وأذاعت بعد ذلك بنحو الساعة تقريرا يفيد التصويب .. ويصحح خطأ فهم الترجمة التى لم تقل ذلك على الإطلاق .. فقد كنت موجودا فى المؤتمر الصحفى فى المكتب البيضاوى بالبيت الأبيض.
نصوص من الحوار
وإذا كان هذا التقرير الإخبارى يمثل نوعا من الحصاد الشامل والتحليلى لرحلة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة، واستكمالا للنقطة الأخيرة فإننى أنقل هنا نص الفقرات المثيرة للجدل التى دارت فى الحوار بين الرئيس وبين المذيع الأمريكى .. خاصة أنها تمثل مجمل الرسالة المصرية حول موضوع الإصلاح .. ومستقبل الحكم .. ولاسيما أن الحوار لم يكن مرتبا .. ولم يسبق إعداد أسئلته ..
وهى جاءت كما يلى :
تشارلى روز : نحن فى هليوبوليس .. القاهرة فى مصر .. من أجل حوار مع الرئيس حسنى مبارك .. وهو بصدد زيارة إلى واشنطن للقاء الرئيس أوباما ونائبه جوزيف بايدن .. حيث ستجرى مباحثات حول الشرق الأوسط وقضايا مختلفة .. إنها رحلته الأولى إلى واشنطن منذ 4002 .. وأنا ممتن لكى أجرى معه حوارا جديدا فى هذا البرنامج .. لنتناقش حول الإقليم .. وحول القضايا التى يراها .. وحول حكمه فى مصر .
سيادة الرئيس شكرا .. كل الحديث يدور حولك ..
إنهم يقولون هل هو بصحة جيدة؟ هل هو فى حالة طيبة؟ إنهم يتحدثون عن مروره بحدث تراجيدى .ويتساءلون: هل سيترشح ثانية؟
وهل سوف تكون تلك هى فترته الرئاسية الأخيرة .. أنت ماذا تقول ؟
- الرئيس مبارك : جهدى الرئيسى (الأساسى) يتركز على استكمال برنامجى الانتخابى .. هذا حق الناس ومن أجل الشعب .. لقد وضعت برنامجا وأعلنته أثناء حملتى الانتخابية الرئاسية .. أنت تذكر هذا .. كل بنود هذا البرنامج يتم تنفيذها بطريقة جيدة للغاية.. هذا هو اهتمامى الأول .. لا غير هذا ولا ذاك .. أنا أفكر فى هذا الآن.
تشارلى روز: متى سوف تقرر؟
- الرئيس مبارك : أريد أن أسالك سؤالا: هل يمكنك أن تقرر من هو رئيس الولايات المتحدة التالى الآن؟
تشارلى روز: أنت لايمكنك هذا ؟
[مهنيا ..المذيع لايريد من ضيفه أن يكون هو من يطرح الأسئلة.. لكن الرئيس يواصل ضغطه .. فيرضخ المذيع ويجيب].
- الرئيس مبارك : هل يمكنك أن تقول هذا الآن ؟
تشارلى روز: لا.
- الرئيس مبارك : حسنا .. نحن أيضا لدينا نفس الأمر .
تشارلى روز: لكنهم يصدرون كتبا الآن تحت عناوين: مصر بعد مبارك .. كتب! - الرئيس مبارك: فى الولايات المتحدة ؟
تشارلى روز: نعم .
- الرئيس مبارك: إنهم الأمريكيون (هذه طبيعتهم وفق ما أفهم من معنى الترجمة)، ثم أكمل الرئيس: شوف .. نحن بلد كبير .. ولدينا هنا استقرار .. نحن ننعم بالاستقرار .. ولدينا دستور .. ولقد تم تعديل الدستور فى عدد من مواده.. ولقد سألتنى فى إحدى مقابلاتك عن الرئيس الذى ينتخب من البرلمان (الاستفتاء) وما إذا كان هذا يعنى ديموقراطية غير مكتملة .. فى هذا التوقيت كنت بالفعل جاهزا لتعديل الدستور ..
وقد عدلنا 43 مادة منه .. هذا كان عملا غير مسبوق ولا مثيل له .. هذا من صالح الاستقرار.. ولكى يطمئن الناس على المستقبل .. نحن لا نتكلم عن بلد صغير .. هذا بلد مستقر .. وسوف يبقى مستقرا بعد مبارك وبعد الرئيس الذى سيأتى بعد مبارك.
تشارلى روز: هل تريد أن يأتى بعدك ابنك جمال ؟
- الرئيس مبارك: شوف .. هذا الأمر لم يناقش أبدا بينى وبين ابنى .. لقد بدأ حياته العملية فى مجال البنوك .. عمل فى بنك أوف أمريكا .. وانتقل إلى لندن .. ثم عاد إلى مصر .. وقد انضم إلى الحزب .. وليس فى ذهنى أن يخلفنى ابنى .. اختيار الرئيس وانتخابه مفتوح أمام الشعب بالكامل .. هذا قرار الناس .. لكى يختاروا من يمثل الشعب .. ليس لى أن أقرر هذا .. هذا قرار الشعب .. لكى ينتخبوا الشخص الذى يمكن أن يثقوا فيه .. أيا ما كان هذا الشخص .. أنا أنفذ برنامجى الانتخابى .. وأمامنا وقت طويل .. لم يزل أمامنا عامان قادمان.
مصير مجلس الشعب
تشارلى روز: أنت لن تحل البرلمان .. أنت لن تحل البرلمان فى وقت قريب؟
- الرئيس مبارك: هناك شائعات كثيرة.
تشارلى روز: نعم .. ولهذا أنا أسأل.
- الرئيس مبارك: الحرية تتيح للجميع أن يتكلم .. ناس يقولون إن البرلمان يمكن أن يحل، لكن هذا لم يتقرر.. يقولون إن الحكومة سوف تقال .. أنا لا ألقى بالا لهذا كثيرا .. أنا لم أحل البرلمان أبدا .. باستثناء مرة بناء على حكم من المحكمة الدستورية العليا .. وجود معارضة قوية مفيد .. بعض الناس يقول إنه يمكن أن يتم حل البرلمان قبل شهر رمضان وبعضهم يقولون ربما بعد رمضان .. أنا أسمع هذه الشائعات مثل أى شخص .. لا يمكننى أن أقول إننى سوف أصدر قرارا بحل مجلس الشعب .. قد تكون هناك مبررات لذلك .. لكنها غير موجودة الآن.. لا توجد مبررات من هذا النوع حاليا .. قرار الحل يكون حتميا حين تكون هناك ضرورة لذلك. وفى موقع آخر من الحوار عاد الحديث إلى الأوضاع الداخلية .. حين تكلم المحاور عن إدارة بوش .. وجاء النص كما يلى :
تشارلى روز: أنت لم تكن مرتاحا مع إدارة جورج بوش؟
- الرئيس مبارك: لهذا لم أكن أسافر إلى الولايات المتحدة منذ عام 4002 .. وهناك من أطلق شائعات حول أننى لم أكن أسافر إلى الولايات المتحدة بسبب أمور مرتبطة بالإصلاحات السياسية
[ملاحظة: لم يكن الرئيس يسافر فى الأساس لأنه فوجئ بتصرف الرئيس بوش بخصوص إعطاء ضمانات للاستيطان الإسرائيلى لرئيس الوزراء إرييل شارون بعد يوم واحد من لقاء مبارك - بوش].
تشارلى روز: هل تعتقد أن إدارة بوش كانت محقة فى ترويجها للديموقراطية فى المنطقة بالطريقة التى لجأت إليها؟
الرئيس مبارك: شوف .. نحن لانقبل ضغوطا فى السياسة وفى شئوننا الداخلية .. أو من أى إدارة مع الاحترام الواجب لكل الحكومات.. نحن لا نقبل ضغوطا على إصلاحاتنا الداخلية .. هذه شئون وطنية .. ويجب أن تتم من الداخل .. وهذا ما يريده الشعب .. إما أن تقبل الضغوط أو تلبى إرادة الشعب ومطالبه .. أنا ألبى مطالب الشعب ولا أقبل الضغوط.
تشارلى روز: هل تعتقد أن الرئيس أوباما لديه اتجاهات وأفكار مختلفة .. بخصوص الديموقراطية والإصلاحات مقارنة بالرئيس بوش ..
وهل تكلم معك فى هذا ؟
[ كان الحوار يدور قبل القمة التى عقدت يوم الثلاثاء]
- الرئيس مبارك: ما أقدرش اقول كدا، لكننى أعتقد أن الرئيس أوباما لديه تفهم جيد لما فعلته الإدارة السابقة .. الديموقراطية موجودة فى مصر .. لدينا حرية لم تكن موجودة من قبل .. المصريون ينتخبون الرئيس من بين أكثر من مرشح .. لدينا حرية صحافة.. أكثر من 006 جريدة يومية وأسبوعية .. تقول كل شىء.. ونحن ننمى ونطور سلطة ودور البرلمان فى الرقابة على الحكومة ومتابعة أدائها .. ونحن نؤسس الإصلاح ونقوم به لأنه مطلب من الناس ومن شعب بلدى وليس من أحد آخر .. وأعتقد أن الرئيس أوباما يفهم ذلك جيدا جدا.
مصر والسعودية
لقد آثرت أن أقتبس من نص الحوار، الذى كان قد نشر من قبل بطريقة مجمعة، مدمجة، وغير تفصيلية وحرفية كما فعلت الآن، لكى أعبر عن الروح التى سافر بها الرئيس إلى الولايات المتحدة، والطريقة التى تعامل بها مع مثل تلك الملفات الداخلية التى ظن البعض أنها تمثل (مضيقا) فى المجرى الملاحى للعلاقة »المصرية - الأمريكية«.. ومن ثم لابد من الضغط على الرئيس أوباما .. وتخوينه ديموقراطيا وابتزازه حقوقيا لكى يكون صورة من جورج بوش .. فتفشل الزيارة وتحدث مشكلات جديدة فى العلاقة بين البلدين .
إن الرئيس سجل معنى أنه لم يكن يسافر إلى الولايات المتحدة بسبب موقف بوش من الاستيطان.. بعد أن التقاه .. وليس بسبب الملفات الداخلية .. والصحيح بالطبع أنه يرفض الضغوط فى الشئون الداخلية .. وأن تلك هى إحدى معضلات العلاقة فى عهد بوش .. ولكن ليس هذا هو سبب الامتناع عن السفر .. ومن ثم فإنه إذا سافر فلن تكون هناك مشكلة فى التعامل مع ما اعتقدوا أنه مأزق لمصر.
والمؤكد أن الرئيس أوباما لم يتخل عن ديموقراطيته ولم يخن مبادئه .. ولكنه يحترم أصدقاءه .. ويعرف كيف يتعامل معهم .. وأين .. ومتى .. ويدرك أيضا مصالح بلاده .. وهو فى صياغته للأمور لم يناقض فقط جورج بوش .. وإنما تجاوز فى تقديرى التفاهم الذى كان مبنيا بين الرئيسين مبارك وكلينتون .. ومصدر الاختلاف هنا .. هو أن كلينتون نجح فى بناء علاقة وثيقة مع مصر بمضى الوقت ومع تكرار تجاربه فى إدارة شئون الشرق الأوسط .. أما أوباما فهو أتى إلى الحكم بتقدير استراتيجى يقوم بالأساس على مركزية دور مصر ومحورية تأثيرها وضرورة بناء علاقة وثيقة معها.
ويحلو للبعض استنادا إلى تقرير معهد واشنطن لشئون الشرق الأدنى الذى استبق زيارة الرئيس مبارك إلى العاصمة الأمريكية أن يعتقد أن الإدارة الحالية إنما تمضى فى اتجاه القاهرة كبديل لدور كانت تلعبه السعودية مع إدارة بوش .. وهذا تحليل يعود بنا من جديد إلى مرحلة إثارة التنافس واختلاق الضغائن ما بين الأشقاء .. وهو سيناريو متكرر قامت به جهات مختلفة .. رغبت فى الوقيعة بين القاهرة والرياض .. وهو ما تدركه كلتاهما بوضوح ولا تقعان فيه.
ولكن هذا لا ينفى أن هناك خلافا فى الرؤى بين الرياض وواشنطن .. سببه هو ملف السلام نفسه .. والقصة كما فهمتها من مصادر أمريكية أن الرئيس أوباما قبل فكرة أن يكون النقاش المطروح مع جلالة الملك عبدالله خادم الحرمين خلال بياته ليلة فى الرياض سابقة على سفره إلى القاهرة لإلقاء خطابه الشهير .. أن يكون النقاش حول التطبيع .. وبالفعل ما أن جلس إلى الملك حتى طرح عليه مسألة أن تبادر السعودية بالتطبيع تحفيزا لإسرائيل على المضى قدما فى اتجاه تحريك السلام .. ولم يكن غريبا - وإن كان أوباما قد فوجئ - أن يرد الملك عبدالله بوضوح شديد بأنه لايقبل بالطبع .
وموقف الملك مفهوم وطبيعى .. وقد جاء إلى واشنطن سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية موضحا المنهج الذى تفكر به المملكة .. وقال فى ذلك أمورا صريحة وعلنية .. وما أعتقده هو أن القاهرة قد شرحت لواشنطن أن من الخطأ السقوط فى الفخ الإسرائيلى الحريص على أن يبدأ التطبيع من لدى السعودية وعدم إدراك طبيعتها الخاصة .. إذ ليس من السهل الاستجابة إلى الطلب الإسرائيلى بأن تهبط طائرات العال فى الرياض .. أو أن تمر فى أجواء المملكة.
ويبدو أن تقدير إدارة أوباما للموقف، بغض النظر عن الطريقة التى جرى بها الحوار بين الملك والرئيس الأمريكى، يبدو أن هذا التقدير قد استنتج أن أحد المستشارين فى مجلس الأمن القومى كان يحتاج إلى خبرة أكبر قبل أن يوجه توصية للرئيس بذلك .. وهكذا نقل دينس روس من الخارجية إلى مجلس الأمن القومى إلى جانب دان شابيرو الأقل عمرا وخبرة .. وبغض النظر عن أن هذا يسد خللا عابرا فإن روس يعتقد أن وجوده فى مجلس الأمن القومى يمكن أن يعيده إلى ملف السلام الذى يسيطر عليه برمته جورج ميتشيل.. وينسق فيه بطريقة شخصية مع الرئيس أوباما ..استنادا إلى ثقة جميع الأطراف فيه .. وخبرته العريضة .. وباعتباره مرشدا - إذا جاز التعبير - للوزيرة هيلارى كلينتون وزوجها الرئيس الأسبق والرئيس الحالى أوباما.
ناطحة سحاب
التقدير الاستراتيجى لدور مصر بنته الإدارة الأمريكية قبل أن يصل أوباما إلى الحكم .. وقبل أن يلتقى الملك ويختبر معه مسألة التطبيع .. وفى غضون الأشهر السبعة الأخيرة كانت الإدارة تضيف تراكما تلو الآخر لكى تؤكد قناعاتها ..وبالتأكيد كانت القاهرة تتابع عن كثب وبدقة هذه المؤشرات .. وتقابل كل تقدم بأفضل منه.
الرئيس مبارك، الذى بدا سعيدا ومنتصرا، وهو يواجه الصحافة فى يوم الثلاثاء الماضى، مشيرا إلى أنه لم يأت إلى البيت الأبيض منذ خمس سنوات .. مذكرا الجميع بصلادة موقفه .. وأنه هاهو قد عاد .. ولم يستطع أحد أن يغالبه أو يفرض عليه شيئا .. أعطى فى هذا اليوم الدلالة الأكبر على أنه كان يمعن النظر والبصيرة فى مواقف الإدارة واختبار صدقيتها .. إلى أن تبين له أنه يمكن أن يتعاون معها .. وأنها تتمتع بما يتوقع من نضج واجب .. ورغبة أكيدة فى الإصلاح والوصول إلى الاستقرار فى المنطقة .. حتى لو كانت هناك خلافات أو اختلافات .. فالتطابق مستحيل .
هكذا، ومن اللحظة الأولى، قوبل الرئيس بحفاوة بالغة، ردا على الحفاوة التى قوبل بها أوباما فى القاهرة، ولكن الذى يجب أن يحسب هنا هو أن حفاوة واشنطن يمكن أن تفتح على أوباما نار الإعلام المنتمى إلى التيار اليمينى المحافظ .. والذى لايعجبه أن تعود مصر فائزة بجدارة وجهة نظرها .. ولكن بروتوكول أوباما رتب للرئيس استقبالا مكونا من حرس شرف ضم كل عناصر الأسلحة .. وبطريقة لم تجر فى البيت الأبيض منذ 81 عاما.
مبارك بدوره، كان أن قدم ثناء عريضا للغاية فى المؤتمر الصحفى لخطاب أوباما الذى ألقاه فى جامعة القاهرة .. والمتابعون الجيدون يمكن أن يجدوا أن الرئيس كان يعلق على الخطاب بطريقة محددة - ولا أقول محدودة - فى ثلاث مناسبات مختلفة ..الأولى فيما بعد الخطاب فى حوار تليفزيونى فى أسوان .. والثانية فى تصريحات صحفية .. والثالثة فى مقاله فى الوول ستريت جورنال .. لكنه فى يوم الثلاثاء الماضى أعطى الخطاب تقديرا استمر نحو دقيقتين .. وكرر الثناء عليه .. قبل أن يستخدم عبارات مختلفة للتدليل على المناخ الودى والدافئ فى اللقاء .. وهو ما أكدته مصادر مختلفة حضرت القمة التى امتدت ثنائيا ثم بمشاركة الوفود ثم على الغداء من الحادية عشرة إلى الواحدة والنصف.
فى المضمون، من الواضح أن الأجندة كانت عريضة استراتيجيا، وتتضمن ملفات مختلفة .. تقوم بالأساس على الملف الركيزة وهو الصراع "الفلسطينى - الإسرائيلى".. وامتدادا إلى ملفات أفغانستان وباكستان والعراق والصومال والسودان .. وبغض النظر عن تفاصيل ثنائية عميقة رغم كونها لم تستغرق وقتا كثيرا .. فإن علاقة تناقش كل هذه التفاصيل بهذا الاتساع الاستراتيجى إنما تعنى أن القاهرة وواشنطن لاتبدآن فقط إعادة بناء العلاقة وإنما هما تعيدان تصميمها وفتح آفاقها إلى مسافات بعيدة ولم تكن منظورة .. لقد كانت تلك العلاقة مبنى لطيفا فى منطقة مزدهرة محط الأنظار .. ثم جاءت إدارة الجمهوريين وخربتها .. الآن نحن بصدد بناء ناطحة سحاب .. من دون مبالغة ..وبالتأكيد لن يرضى هذا الكثيرين.
آفاق السلام والتطبيع
هذه المرحلة إنما تقتضى رؤية جديدة وتعاملا مختلفا .. غير أننى قبل أن أمضى فى هذا الاتجاه أريد ان أسجل بعض الملاحظات الإخبارية التى تساعد أيضا على تقييم أبعاد الموقف الثنائى فيما بين البلدين:
1- المحور الأهم فى مباحثات الرئيسين كان هو الذى دار حول ملف العملية السلمية .. وقد كشفت قبل أيام أن الخطة الأمريكية سوف تعلن فى سبتمبر .. ومن الواضح أن الأمريكيين لديهم تصور ما قيد الاكتمال .. ومن المتوقع أن يبلغ جورج ميتشيل ما يريده لبناء تصوراته بعد أن يلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتانياهو فى لندن فى غضون الأسبوع الذى بدأ اليوم .. وعلى هذا الأساس يمكن تحديد طبيعة الموقف الذى ستتبناه الولايات المتحدة.
2- إدارة الرئيس أوباما فى مأزق .. فهى من جانب تصر على إجراءات بناء الثقة عن طريق الودائع المتبادلة بين العرب والإسرائيليين .. ومن الواضح أن الإدارة ليس لديها ما يؤكد أنها قادرة على نيل مكسب محدد من حكومة تل أبيب .. خصوصا فيما يتعلق بموضوع الاستيطان .. كما أن غالبية الدول العربية ترفض تقديم جائزة التطبيع قبل إنجاح جهود السلام .. ومن ثم فإن الواضح أنها سوف تطلق العملية بناء على الحد الأدنى مما تم إنجازه أو سيتم إنجازه .. أى أن تعتبر إعلان إسرائيل تجميد الاستيطان لمدة أربعة أشهر علامة مهمة جدا وجديرة بالإشادة .. وأن تعتبر قرار إعادة فتح مكاتب لإسرائيل فى خمس دول عربية هى (قطر - سلطنة عمان - البحرين - المغرب - الإمارات) هو مؤشر طيب لما تريد.. (الكويت أبدت التزامها بما سوف تتخذه السعودية من مواقف).
3- مصر ترى أن هذه المرحلة التى تحبس فيها الجهود نفسها هى مرحلة وهمية وغير محققة للفوائد .. ومن ثم من الواجب الانتقال إلى ما هو أكثر تأثيرا .. بإعلان الولايات المتحدة لحدود الدولتين .. ودفع الجهود فى اتجاه الجلوس والتفاوض على قضايا الحل النهائى خاصة أن موضوع الاستيطان ليس هو الوحيد .. وتحديد الحدود ينهيه .. وكما لاتريد مصر التوقف عند المرحلة الاستباقية للتفاوض .. فإنها كذلك لاتريد أن تقف نتائج التوقيع عند مرحلة انتقالية جديدة وإنما الوصول إلى اتفاق نهائى وأن يكون هذا هو هدف التفاوض.
وفيما يبدو فإن الإدارة الأمريكية لاتثق فى أنها يمكن أن تقنع إسرائيل بتلك الأمور .. خصوصا مسألة الوصول إلى اتفاق نهائى من دون اتفاق انتقالى ..ومن الواضح أن الإسرائيليين كانوا قد أبلغوا بعض الأطراف بأنهم يقبلون باتفاق نهائى .. ولكنهم لم يعلنوا ذلك صراحة ومن ثم ينتظر منهم الجميع إعلان موقفهم .
4- ليس من الطبيعى أن تقود الولايات المتحدة عملية من هذا النوع المعقد .. وحين يلوح فى الأفق أنها بصدد دفعة جديدة .. فإنها تقبل بأن يكون الحدث الذى يدشن ذلك خارج أراضيها .. ومن ثم لا أعتقد أنه سوف يكون هناك مؤتمر دولى فى شرم الشيخ كما قالت بعض الأنباء .. وإن كان من المتوقع أن تكون هناك مفاوضات مختلفة تقودها مصر .. بتحفيز أمريكى .. فيما بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
5- يعطى الجميع أولوية كبيرة للدور الذى يمكن أن تلعبه المفاوضات الإقليمية متعددة المسارات .. والتى تشمل ملفات إقليمية مختلفة بمشاركة إسرائيل .. مثل ملف الطاقة وملف المياه وعملية التنمية وملف نزع السلاح .. ومن المعتقد أن هذا التفاوض سوف يكون من خلال آلية متوسطية وبرعاية أمريكية.
6- إقليميا .. وبالنسبة إلى المسألة الإيرانية والمشروع النووى العسكرى الذى تهدد به استقرار الإقليم .. من المعروف ما هو الموقف المصرى .. الذى ينبنى على رفض الحرب ورفض امتلاك أى طرف إقليمى لسلاح نووى .. لكن هناك من يحتاج إلى أن ينتبه إلى أن المشكلة الإيرانية لا تكمن فقط فى كونها تسعى إلى امتلاك سلاح نووى .. وإنما فى كون إيران تمثل تهديدا استراتيجيا لاستقرار عدد كبير من الدول حتى وهى لاتملك سلاحا نوويا .. وبما فى ذلك سعيها لنشر الاضطرابات فى الخليج .. وفرض النفوذ والهيمنة على ملفات المنطقة .. أى أنه لايمكن جعل الهدف فقط هو ألا يكون لدى إيران سلاح نووى وإنما يجب أن يكون الهدف هو منع إيران من تقويض استقرار الإقليم بأساليب مختلفة.
مستقبل التحالف
نعود إلى العلاقات "المصرية - الأمريكية" .. وإلى القمة التى دارت بين الرئيسين مبارك وأوباما .. وأقرأ من زاويتى محصلة النتائج والتوقعات .. على الأقل من حيث أقف باعتبارى صحفيا مصريا:
نحن الآن بصدد تحول نوعى، وليس فقط تعويضيا، يسدد خسائر الأعوام الماضية فى العلاقات بين البلدين، تحول ينقل العلاقة من مستوى التحالف الاستراتيجى الإقليمى أو نصف الإقليمى .. إلى التحالف الاستراتيجى الأكثر اتساعا .. من غرب آسيا إلى غرب أفريقيا.
إن أحدا لم يكن يريد لهذه العلاقة الاستراتيجية أن تمر بمرحلة النكوص الذى اعتراها فى عهد بوش .. لكن يبدو أنها كانت فى حاجة إلى مثل هذا لكى تكتسب الخبرة التى تعبر بها إلى أفق أبعد فى النضج .. صحيح أنها شهدت خلافات مختلفة قبل بوش .. لكنها كانت فى حاجة إلى أزمة كبيرة .. لكى نحدد ويحدد شركاؤنا ماذا نريد وماذا يريدون .. وبخلاف التفاهم الشخصى بين الرئيسين وهو أمر حيوى ومهم وبدأ فى التحقق ..فإن المرحلة المقبلة فى تلك العلاقة تفرض تحديات على الجانبين.
إن هذا النوع من التحالف بين القوة الإقليمية الأكبر والقوة الدولية الأعظم .. ينبنى الآن على مصلحة متبادلة .. وعلى منافع إقليمية مختلفة .. لا هو يقف عند حدود صداقة المكافأة على المضى قدما فى طريق السلام .. ولا هو يمكن أن يكون قائما على التبعية .. ولا هو يمكن أن يحول مصر إلى قاعدة عسكرية للولايات المتحدة .. أو حتى نموذجا شكلانيا يقال له كن فيكون على المقاييس الأمريكية .. وإنما هو تحالف يقوم على مواصفات خاصة .. تحفظ الاستقلال وترسخ الفوائد المشتركة.
ولابد أن هذا النضج يوجب على طرفيه الإبقاء على محتوياته ومضمونه بعيدا عن عبث المتفرجين .. فكثير من أصحاب المصالح يرغبون فى إفساده .. ويريدون أن يعبثوا بما يدور فى كواليسه .. وإذا كان أى من حلفاء الولايات المتحدة يعانى من تداخل العناصر غير الحكومية فى تركيبة التفاعلات الحكومية .. على اعتبار أن تلك هى طريقة السياسة الأمريكية التى تسمح لبيوت التفكير والدوائر المتنوعة بأن تتضاغط وتنقب فى كل شىء .. فإن المؤكد أيضا أن الولايات المتحدة لديها القدرة بشكل أو آخر فى السيطرة على تلك الأمور حين يتمكن أعضاء الإدارة من إقناع من يشاءون بصواب ما يتجهون نحوه .
إن على مصر أن تحمى بدورها تحالفها هذا .. لاسيما من عناصر داخل واشنطن يجب أن تبقى قيد الحياد والتحييد .. وألا تمارس أى أنواع من الضغوط والأساليب الخلفية والعلنية تحقيقا لأهداف إقليمية .. كما أننا نتوقع من إدارة هذا التحالف فى مصر أن تنتبه إلى المحاولات المضنية التى سوف تبذلها قوى إقليمية متنوعة .. خصوصا صغار الخليج وبعض من فى الشام وصولا إلى التخوين .. رغبة فى ضرب هذا التحالف وهو فى مرحلة البناء .. وإفقاده لغطائه الشعبى .. وهو ما لابد أن ننتبه له كذلك.
وإذا كانت الدولة هى التى بدأت تلك العلاقة مع الولايات المتحدة، فى عام 4791، بانفتاح على نطاق واسع، ثم لم يعد من الممكن إبقاء قنوات التفاعل فى إطار الطريق الرسمى فقط .. فإن علي إدارة التحالف الناضج أن تحميه من عابثين محليين .. وأن تبقى فى يدها عنصر المبادرة .. وأن تتيح فى سياق المصالح العامة أدوارا للمجتمع المدنى .. بخلاف أدوار القطاع الخاص .. وبحيث يصب هذا كله فى مجمع مصالح وطنية ولا يكون أحد عناصر هذا المثلث عاملا مضادا ومعوقا لنمو العلاقة ومخربا لها أو راغبا فى فرض الوصاية عليها أو احتكارها.
عبد الله كمال
Email:[email protected]
تناول الكاتب على مدى الأسبوع الماضى ما دار من تفاصيل إخبارية فى رحلة الرئيس إلى واشنطن .. عبر تقارير نشرت يوميا فى جريدة روزاليوسف بالعناوين التالية: مبارك فى واشنطن الجديدة والحائرة المساعدات ملكية مشتركة.. لا مشروطية ولا تفاوض سنوى أوباما.. اكشف نواياك الآن الصور التى لم تنشر لمبارك فى واشنطن أثمان صغيرة.. لمواقف مصرية كبيرة .
يمكنكم مطالعتها تفصيلا على موقع الجريدة على الإنترنت
www.rosaonline.net
كما يمكنكم مناقشة الكاتب وطر الأراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي :
http//:alsiasy.blogspot.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.