تلقيت دعوة من مكتبة الإسكندرية للمشاركة في مؤتمر حول "العلاقات بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة الأميركية: بداية جديدة"، بمناسبة مرور عام على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة، وكنت أتمنى المشاركة في المؤتمر لولا بعض الارتباطات المسبقة التي حالت دون تلك المشاركة، إذ إن هذا المؤتمر يُعدّ فرصة لمراجعة ما ورد في خطاب الرئيس الأميركي وهو الخطاب الذي اعتبره الكثير من المراقبين نقطة تحول في العلاقات بين بلاده والعالم الإسلامي. لكن ماذا بعد مرور عام على هذا الخطاب أو "الوعد"؟ لقد جاء أوباما إلى العالم الإسلامي في الرابع من شهر يونيو من العام الماضي وهو يحمل "البشارة" أو كأنه "المخلّص" للعالم بعد سنوات من المعاناة التي بدأها سلفه جورج بوش، وعلق العالم آمالا طويلة على الوعود التي أطلقها أوباما، لكن مرور هذا العام كشف أن تلك الوعود لم تكن إلا سرابا في يوم قائظ شديد الحرارة، ولعل من المفارقات أنه في الرابع من يونيو هذا العام، أي بعد مرور سنة على خطاب أوباما، وقفت أميركا أمام العالم رافضة إدانة العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية المتجه إلى غزة!! ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد الذي يكشف "سراب الوعد"، فكل ما ورد في خطاب الرئيس أوباما لم يخرج عن "السراب"، ففي حديثه للعالم الإسلامي قال: "إن المسألة الأولى التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله"، فما الذي تحقق منذ الخطاب حتى اليوم، فالحرب على ما يسمى الإرهاب ما زالت مستمرة، ولم تحقق من النتائج إلا قتل المزيد من الأبرياء حتى أشارت آخر الإحصاءات إلى أن القتلى المدنيين في أفغانستان يموتون بمعدل أكثر من قتيل كل يوم! وقال أوباما: "لا بد أن تكونوا على علم بأننا لا نريد من جيشنا أن يبقى في أفغانستان ولا نسعى لإقامة قواعد عسكرية هناك كما أننا نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لحل المشاكل في كل من أفغانستان وباكستان. ولذلك وضعنا خطة لاستثمار 1.5 مليار دولار سنويا على مدى السنوات الخمس القادمة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وكذلك توفير مئات الملايين لمساعدة النازحين. وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص ما يربو على 2.8 مليار دولار لمساعدة الأفغان على تنمية اقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب"، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يتم إرسال المزيد من الجنود الأميركيين والأوروبيين إلى هناك، وأين ذهبت المساعدات التي وعد بها الرئيس؟ هل تسربت إلى الأيدي الفاسدة؟!! كما تحدث الرئيس أوباما في "وعده" عن المصدر الرئيسي الثاني للتوتر الذي وهو الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي فقال "سوف تنسق أميركا سياساتها مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلام وسوف تكون تصريحاتنا التي تصدر علناً هي ذات التصريحات التي نعبّر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب"، ويبدو أن الرئيس "الجديد" لم يقدر حجم التأثير الإسرائيلي في السياسة الأميركية فأطلق وعوده التي تحطمت سريعا بسبب تعنت الموقف الإسرائيلي، ولا أدل على ذلك من قضية المستعمرات التي أنشأتها حكومة إسرائيل، فرغم التحذيرات والبيانات التي أصدرتها إدارة أوباما فإن الإسرائيليين لم يقيموا لها وزنا مما جعل إدارته تستسلم للموقف الإسرائيلي، ولذا فإن ما تحقق من يوم "الوعد" وحتى اليوم لا يتجاوز جولات المبعوث الأميركي جورج ميتشيل، التي لم نسمع من نتائجها إلا محاولاته ل "تقريب وجهات النظر" بين الطرفين!! أما الوعد الثالث الذي أطلقه أوباما فكان عن الأسلحة النووية حين قال "إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية، فقد وصلنا إلى نقطة تتطلب الحسم وهي ببساطة لا ترتبط بمصالح أميركا ولكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووي قد يدفع بالمنطقة إلى طريق محفوف بالمخاطر ويدمر النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية"، ومع صحة هذا الرأي فإننا نتساءل، ماذا عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، وهل هي فوق الشبهات، ولماذا لا تتم الدعوة إلى إخلاء العالم من الأسلحة النووية إذا كان الأمر لا يتعلق بالمصالح الأميركية كما يقول أوباما!!، أم أن هذه المصالح تفترض حق أميركا وحلفائها في الحصول على هذه الأسلحة حتى لو كان في ذلك تهديدٌ لجيرانها وللعالم. وقد وعد أوباما في خطابه بتحقيق الديمقراطية فقال "إن الموضوع الرابع الذي أريد أن أتطرق إليه هو الديمقراطية، لا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد ولكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن أميركا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم"، ولا نعرف إن كانت إدارة أوباما قد ساعدت الشعوب على تحقيق الديمقراطية، أم ما زالت تدعم الحكومات التي تسلب هذا الحق من شعوبها، بل تعتبرها حكومات صديقة وحليفة لها؟!! وأخيراً وعدنا السيد الرئيس أوباما حين قال "أريد أن أتحدث عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص. فيما يتعلق بالتعليم سوف نتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية وسوف نقوم في الوقت نفسه بتشجيع عدد أكبر من الأميركيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية وسوف نوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصا للتدريب في أميركا وسوف نستثمر في سبل التعليم الافتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني، وفيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم في البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان، وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان حتى تستطيع هذه البلدان استحداث فرص للعمل، وسوف نفتتح مراكز للتفوق العلمي في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وسوف نعين موفدين علميين للتعاون في برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة واستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات وتنظيف المياه وزراعة محاصيل جديدة". سؤال بريء: ماذا تحقق من هذه الوعود؟ إن من عادة أهل الخليج أنهم إذا يئسوا من أمر قالوا لصاحبه: "انفض إيدك"!! ونقول للعرب "انفضوا أيديكم من الوعود"، ويكفينا وعد بلفور!! كاتب من الإمارات [email protected]