لا يسعنا بالطبع أن نتناول في مثل تلك المقالات جملة كبيرة من المنطلقات الفكرية لجماعة الإخوان، ولكن قد تكفينا بعض الإشارات التي تبين أيديولوجية القوم في سياسة الدنيا والدين، وفي التعامل مع غيرهم. ودعونا ندخل في الموضوع مباشرة ونناقش فكرة واحدة من أفكار جماعة الإخوان وهي فهمهم للإسلام بناءً على توجيهات المؤسس، كما أوردها في مذكراته وخطبه التي حدد بها منهج الإخوان في هذا الشأن. يقول الشيخ حسن البنا، رحمه الله، في الحديث عن منهاج الإخوان الفقرة الثانية: "على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة" مذكرات الدعوة و الداعية/231 ويكيبديا الإخوان. فقصر فهم الإسلام على هذا المنهج الذي وضعه لأتباعه وادعى أنه هو الذي يمثل الفكرة الإسلامية الصحيحة، بل و ألزم به كل مسلم وأن ما عدا ذلك المنهج مما قد يعتقده غير الإخوان هو نقص في الفكرة الإسلامية الصحيحة.. فتأمل. لم يَدَّعِ أحد من المسلمين في القرون المفضلة الثلاثة الأول احتكاره للفكرة الإسلامية الصحيحة إلا ما يدعون إليه من الكتاب والسنة، وإنما كان أقصى ما عدوه لكلامهم كما قال الشافعي أنه صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرهم خطأ يحتمل الصواب، وأرسى مالك، رحمه الله، قاعدته الذهبية: "كل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي المعصوم صلى الله عليه و سلم". فهل من جاء بعدهم يدعي صواب فكرته وهي على أي حال نتاج بشر. اعتبر الإخوان أنفسهم هم ورثة الإسلام، وقصروا فهمه على ما يرونه ويراه إمامهم، وترتب على ذلك أن من يخرج عن منهجهم فقد خرج عن الفكرة الإسلامية الصحيحة، ولذلك لزم على كل من يريد العمل للإسلام أن ينضم إليهم وأن يعمل تحت عباءتهم وعلى منهاجهم، وإلا فهو منبوذ لا يسمع لقوله ولا يؤبه له. يقول حسن البنا موجها كلامه للإخوان: "فأحب أن أقول لكم هنا بكل وضوح إن دعوتكم هذه أسمى دعوة عرفتها الإنسانية، و إنكم ورثة رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفاؤه على قرآن ربه، وأمناؤه على شريعته وعصابته التي وقفت كل شيء على إحياء الإسلام في وقت تصرفت فيه الأهواء والشهوات وضعفت عن هذا العبء الكواهل، وإذ كنتم كذلك فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس ولا تأتي هي أحدًا وتستغني عن غيرها، إذ هي جماع كل خير، وما عداها لا يسلم من النقص، إذًا فاقبلوا على شأنكم، ولا تساوموا على منهاجكم واعرضوه على الناس في عز وقوة فمن مد لكم يده على أساسه، فأهلًا ومرحبًا في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم وغير ذلك فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه" المصدر السابق /279 كلمات واضحة تعبر بقوة عن عقيدة الإخوان التي يشتكي منها كل من يتعامل معهم من القوى الإسلامية أو غيرها على الساحة، نظرة العلو واحتكار الحق، فلا أحد يفهم الإسلام إلا هم ولا دعوة إلا دعوتهم، ولا تعاون مع أحد إلا على أساس منهجهم منفذًا لتعاليمهم، وهذا يفسر لنا ما يحدث الآن ويوضح لنا بدون لبس رؤية الإخوان في تطهير الدولة ومؤسساتها التي لا تعني في نظرهم إلا استبدال المفسدين بآخرين من أطهار الإخوان أو على الأقل من المحبين لدعوتهم على حسب ما قسم به البنا الناس في "رسالة دعوتنا". و لذا – كمثال - لا نعجب من مسارعتهم في تطهير وزارة مثل الأوقاف التي لا يختلف اثنان على أن الفساد ضارب بجذوره فيها منذ القدم، ولكن لا يعني التطهير عندهم إلا الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من وظائف الأئمة والخطباء، ومن مسئولي الإدارات على مستوى الجمهورية، ولا يخفى أن هذه الخطوة من شأنها أن يكون لها ما وراءها من محاولة قصر الدعوة الإسلامية بعد ذلك على ما يرونه من فكرهم و منهاجهم، ثم تأتي الخطوة التي بعدها وهي محاربة أي فكر إسلامي ممن لا يرى رؤيتهم تلك أو لا ينضوي تحت لوائهم. و تحت عنوان موقفنا من الدعوات المختلفة في رسالة دعوتنا/5 ويكيبديا الإخوان يقول: "وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار أن نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها فمرحبًا به وما خالفها فنحن براء منه ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة لا تغادر جزءًا صالحًا من أية دعوة ألا ألمت به وأشارت إليه". فميزان الإخوان هو دعوتهم وإنما يصنف الناس بهذا المعيار فمن وافقها فمرحبًا به و من خالفها فهم برءاء منه، و لذا فهم ليسوا في حاجة إلى سماع غيرهم ولا لنصائحهم فدعوتهم كما وضحها مؤسسها قد ألمت بكل خير في أي دعوة من الموجودة على الساحة. و السؤال هل يتغير الإخوان و يراجعوا أفكارهم، أم يصرون على جمود ما أسس عليه البنا جماعتهم.